يروي جدي في أوراقه الصفراء المتناثرة في صندوقه الحديدي، هذه الحكاية:
في أحد الأيام صادف الفيلسوف (س) أحد معارفه الذي جرى له وقال له بتلهف: أيها الفيلسوف، أتعلم ما سمعتُ عن أحد طلابك ؟
فرد عليه الفيلسوف: انتظر لحظة قبل أن تخبرني؛ أود منك أن تجتاز اختبارا صغيرا يدعى الاختبار الثلاثي.
قال له الرجل: وما الاختبار الثلاثي؟
قال الفيلسوف: نعم، هذا صحيح، قبل أن تخبرني عن طالبي لنأخذ لحظة ولنختبر ما كنت ستقوله. الاختبار الأول هو (الصدق)، فهل أنت متأكد أن ما ستخبرني به صحيح؟
سكت الرجل لحظة، ثم قال: لا، في الواقع لقد سمعت الخبر.
قال الفيلسوف: حسنٌ إذن، أنت لست متأكدا أن ما ستخبرني صحيح أو خطأ. سكت الفيلسوف لحظة، ثم التفت إلى الرجل، فقال له: لنجرب الاختبار الثاني، وهو ما يتعلق (بالطيبة)، فهل ما ستخبرني به عن طالبي شيء طيب ؟
فكر الرجل، ثم قال: لا، على العكس. ثم سكت ولم يواصل.
تابع الفيلسوف: حسنٌ إذن، ستخبرني بشيء سيء عن طالبي، على الرغم من أنك غير متأكد من أنه صحيح؟
في تلك اللحظة شعر الرجل ببعض الحرج، فبدأت قطرات العرق تلمع على جبينه.
شعر الفيلسوف بإحراج الرجل، فابتسم ثم تابع: ما زال بإمكانك أن تنجح بالاختبار الأخير، وهو اختبار (الفائدة)، فهل ما ستخبرني به عن طالبي سيفيدني في شيء؟
قال الرجل وقد بلغ ذروة الحرج: في الواقع لا.
سكت الفيلسوف لحظات، ثم قال: إذن، ما كنت ستخبرني به ليس بصحيح، ولا بطيب، ولا بذي فائدة أو قيمة، إذن لماذا تريد أن تخبرني به من الأصل؟
فسكت الرجل وشعر بالهزيمة والخجل والإهانة.
تنتهي الحكاية عند هذا الحد، ويقول جدي معقبًا على هذه الحكاية، هناك كثير من الناس التي تنقل الأخبار والحكايات، ولكن جزءا كبيرا منها حكايات غير صحيحة وخاصة إن تم توضيحها واختبارها، ومن الملاحظ –كما يقول جدي– إن الحكاية انتهت بأن الرجل شعر بالهزيمة والخجل، ولكن يا ليت كل الذين ينقلون الأخبار يتمتعون بمثل هذه الحساسية ليشعروا بالخجل والهزيمة، إلا أن هذه النوعية من البشر لا يشعرون بشيء.
وحينما كنت أقرأ أوراق جدي الصفراء، تذكرت الآية الكريمة في سورة الحجرات – الآية 6 التي يقول تعالى فيها: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ).
وخلف هذه الآية قصة طويلة لا نريد أن نذكرها، ولكن سنذكر جزءا منها، وهي – كما ورد في تفسير ابن كثير– أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث الوليد بن عقبة إلى الحارث ليقبض ما كان عنده مما جمع من الزكاة، فلما أن سار الوليد حتى بلغ بعض الطريق فرق (أي خاف) فرجع فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، إن الحارث منعني الزكاة وأراد قتلي.
فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم البعث إلى الحارث. وأقبل الحارث بأصحابه حتى إذا استقبل البعث وفصل عن المدينة لقيهم الحارث، فقالوا: هذا الحارث، فلما غشيهم قال لهم: إلى من بُعثتم؟ قالوا: إليك.
قال: ولم؟
قالوا: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان قد بعث إليك الوليد بن عقبة، فزعم أنك منعته الزكاة وأردت قتله.
قال: لا والذي بعث محمدًا بالحق ما رأيته بتة، ولا أتاني.
فلما دخل الحارث على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: منعت الزكاة وأردت قتل رسولي؟
قال: لا والذي بعثك بالحق ما رأيته ولا أتاني، وما أقبلت إلا حين احتبس عليّ رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم خشيت أن تكون سخطة من الله ورسوله. حينها نزلت الآية.
ويمكن أن نلاحظ أن الله سبحانه وتعالى سمى من ينقل الأخبار المغلوطة والكاذبة (بالفاسق). وكما ورد في بعض القواميس فإن الفِسْقُ يعني العِصيانُ، وتَرْكُ أمرِ اللهِ تعالى، والخروجُ عن طاعتِه، ويقال: رجلٌ فاسِقٌ: إذا عصى وتجاوز حدودَ الشَّرعِ، ويقالُ: فَسَق عن أمرِ رَبِّه، أي: خرج عن طاعتِه. وللأسف فإن هذا ما يحدث اليوم.
واليوم ومع بداية حرب السابع من أكتوبر، قامت إسرائيل بالكذب والخداع منذ اليوم الأول، فزعمت أن المقاومة قتلت الأطفال وقطعت رؤوسهم، وروجت لهذه الكذبة معظم دول الغرب، وكذلك بعض التابعين، ولكن بعد عدة أيام تبين أن إسرائيل تكذب، فلا يوجد أطفال مقطوعة الرؤوس ولا أي شيء من ذلك.
ثم ادعت إسرائيل أن المقاومة تتخذ من المستشفيات مراكز لإدارة عملياتها العسكرية، إلا أنها فشلت في إثبات أي شيء من هذا القبيل، وعلى الرغم من كل هذا الكذب والتلفيق إلا أن هناك آذانا تريد سماع ذلك الكذب لتطرب له، ولكن كما نقول بالعامية (إن حبل الكذب قصير)، فما هي إلا بضع ساعات إلا وتنكشف الحقائق، ومع ذلك لا نرى أن تغيير في الوجوه البلاستيكية ولا أي خجل أو حياء، وكأنهم لم يقولوا شيئًا.
ثم يخرج المتحدث باسم البيت الأبيض في مؤتمر صحفي، فيقول ما يشاء أن يقول، وما أن يحاصره أحد الإعلاميين الأذكياء ببعض الأسئلة المحرجة التي تحتاج إلى تبيان الحقائق، فإننا نرى أن ذلك المتحدث يتهرب من الأسئلة ويحاول أن يلفق بعض الإجابات الهزيلة التي تبدو واضحة حتى لأي إنسان لا يعرف في الإعلام، ليس ذلك فحسب وإنما لغة الأجسام تفضحه، فيظهر على سمات هذا التحدث أنه متورط ولا يعرف بماذا يجيب.
الكيان ودول الغرب تحاول أن تسوق بالونة ضخمة على أنها حقائق، من مجموعة من المنطلقات، وهي عديدة، ولكن دعونا نستعرض بعضها.
الهولوكوست: تحاول إسرائيل أن تروج هذا الحادث وتستعطف العالم وكل البشرية بأنها تعرضت خلال الحرب العالمية الثانية لما أسمته بالمحرقة الجماعية (الهولوكوست)، إلا أن كثيرا من المؤرخين يثيرون الشكوك حول الرواية الإسرائيلية، وكان أول كتاب نشر تساؤلات حول حدوث الهولوكوست كان تحت اسم (الحكم المطلق) في عام 1962 للكاتب المحامي الأمريكي (فرانسيس باركر يوكي) الذي كان من المحامين الذين أوكل إليهم في عام 1946 مهمة إعادة النظر في محاكم نورمبرغ، وأظهر أثناء عمله امتعاضًا كبيرًا مما وصفه بانعدام النزاهة في جلسات المحاكمات، ونتيجة لانتقاداته المستمرة تم طرده من منصبه بعد عدة أشهر.
ثم استمر صدور مثل هذه الكتب التي تثير التساؤلات بشأن الهولوكوست، وربما آخر تلك الكتب هو الكتاب الذي صدر في التسعينيات، ويُعد من أكثر الكتب وأشدها دقة من ناحية المصادر والتحليل المنطقي والتسلسل الزمني في مسألة الهولوكوست، للكاتب الفيلسوف الفرنسي (روجيه غارودي)، والذي تحدث عن مجموعة من الأساطير بُنيت عليها السياسة الإسرائيلية من بينها (أسطورة الهولوكوست)، فيعرض الكاتب مجموعة من الحقائق العلمية والتاريخية التي لا تسمح بقول إنه كانت هناك غرف للغاز من أجل قتل الناس وأن عدد 6 ملايين مبالغ فيه جدًا، ويتحدث الكتاب عن الدور الفعال للوبي اليهودي في الولايات المتحدة في الترويج لما يُسمى (الهولوكوست).
العداء للسامية: تروج إسرائيل أن هناك من يقف ضد السامية، ولكن هل فكرنا قليلا من هم الساميون؟
وفقًا للمكتشفات الأثرية في مصر والعراق، فإن الساميين هم أقدم الشعوب المعروفة على أرض فلسطين، فمنذ الألف الرابع قبل الميلاد كانوا يعيشون على شاطئ البحر المتوسط الشرقي. ومن الوجهة الدينية يعتبر الساميون – في الأصل – هم القبائل المنحدرة من سام، الابن الأكبر لنوح عليه السلام. ومن الثابت أن سكان فلسطين الأصليين القدماء كانوا كلهم عربًا، هاجروا من جزيرة العرب إثر الجفاف الذي حل بها، فعاشوا في وطنهم الجديد (كنعان) ما يزيد على الألفي عام قبل ظهور النبي موسى عليه السلام وأتباعه على مسرح الأحداث.
وإن كانت إسرائيل وأبناء إسرائيل يعتقدون أن العرب ضد السامية، فهذا أمر غريب، إذ إن السامية ليس لها علاقة بالدين وإنما هي سلالة بشرية ومن عدة سلالات، والعرب هم في الأصل ساميون أيضًا.
العرب يرفضون السلام: وهذه الكذبة شديدة الرواج في الغرب والشرق، وعلى الرغم من ذلك فإن معظم الحروب التي نشبت بين الكيان والعرب كانت معظمها تبدأ من الكيان وليس من العرب، والأمر الغريب في الموضوع أن إسرائيل أدينت عشرات المرات في مجلس الأمن والجمعية العمومية بانتهاكاتها وبطشها ووحشيتها، ولم تدن حتى اليوم أي دولة عربية أنها هي التي بدأت الحرب من طرف واحد، أو أنها تقتل المدنيين اليهود أو ما إلى ذلك.
اكذب واكذب حتى تصدق نفسك وبالتالي يصدقك الآخرون: وهذه المنهجية هي المنهجية التي يقوم عليها الإعلام الإسرائيلي، فهي تكذب أشد حالات الكذب، تكذب في كل شيء، ومن الصعب في مقال مثل هذا أن نرد كل أكاذيبها، ولكن الحرب الأخيرة كشفت للعالم كل تلك الأكاذيب والادعاءات. ومن خلال هذه المنهجية وخاصة إلى العالم الغربي والراغبين في التصديق منهجية سهلة تدخل المخ – وليس العقل– من غير تعب أو معاناة، فمثل هؤلاء الأشخاص لا يريدون أن يفكروا أو يُتعبوا أنفسهم بالتفكير، لذلك فإنه من السهل أن تنطلي عليهم الكذبة.
شراء الإعلام بالمال: هنا يمكن أن أستحضر مقولة وزير الإعلام الألماني إبان حكم هتلر الذي قال: «الدعاية نصف الحرب»، وهذا صحيح فالإعلام الكاذب يستطيع أن يقلب الموازين لصالح من يحسن استخدامه، وفي حالة إسرائيل يمكن إضافة (المال والذهب) للإعلام، فهي تحاول أن تدير العالم بمثل هذين السلاحين، وربما نجحت طوال السنوات الماضية، ولكن هل تستطيع أن تستمر في كل هذا الكذب؟
هذه هي دعائم إسرائيل في حربها الإعلامية، فيا ترى ما دعائم إعلامنا نحن العرب؟!
zkhunji@hotmail.com
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك