من الظواهر السلبية التي اتسع نطاقها خلال السنوات الأخيرة وأصبحت لا تطاق ولا تحتمل على جميع المستويات ظاهرة كثرة الهدايا والمناسبات التي لم يعد لها معنى أو مضمون إلا إهدار المال في ظروف اقتصادية ومالية صعبة.
فإذا كنا لا نختلف على حاجة الإنسان إلى الفرح والاستقبال في المناسبات المهمة مثل النجاح والزواج وأعياد الميلاد أو غيرها من المناسبات المعروفة فإنه لم يعد من المعقول أن يتم الاحتفال بالعديد من المناسبات الوهمية التي ما أنزل الله بها من سلطان مثل العودة من السفر أو انتهاء الخلافات الزوجية أو إنهاء مرحلة دراسية معينة مهما كانت أو مناسبة الطلاق حيث تدعو المطلقة إلى تنظيم حفل كبير تقام فيه الأفراح والليالي الملاح وتوزع فيه الهدايا وترفع فيه الزغاريد وتبث فيه الأغاني ويتم تصوير ذلك وبثه على وسائل التواصل الاجتماعي وتتفاخر المطلقة بما قدم لها من هدايا في هذه المناسبة السعيدة الغريبة في هذا الزمن العجيب.
كما يلفت الانتباه كذلك كثرة الهدايا المطلوب توفيرها لمثل هذه المناسبات بالنسبة إلى النساء والبنات تحديدا فكل فتاة لها جدول من المناسبات التي يجب أن تعد لها الهدايا الثمينة فتقدمها هكذا اعتباطًا.
فإذا كنا نتقبل أو نتفهم في بعض الأحيان هذه المجاملات مثل الورود البسيطة غير المبالغ فيها أو بطاقات التهنئة أو غيرها من الأمور الرمزية فإن الخطر بات يلوح في الأفق لما أصبحت الهدايا تأخذ أشكال الذهب والفضة والساعات الثمينة والهواتف النقالة باهظة الثمن والأموال التي تنفق هكذا من دون أي فائدة أو مبرر أو جدوى وهذا أمر يتطلب ميزانية وموازنة لمصروفات البيت والعائلة فإذا كان الموظف البسيط ينفق على أهله وبيته 300 دينار شهريا فإن عليه أن يوفر مبالغ أخرى للمناسبات والهدايا حتى أصبح الأمر محرجا لأنه تحول إلى نوع من التفاخر والادعاء الاجتماعي خاصة بالنسبة إلى النساء والبنات كما أسلفنا فإذا قصرت إمكانيات رب الأسرة عن توفير الأموال اللازمة لهذه الهدايا الباهظة فإنه سيكون في وضع حرج أمام زوجته وبناته وإنهم سيشعرون بالحرج لأنهم لم يشاركوا في المناسبات التي تمت دعوتهم إليها ولم يباركوا لمن دعوهم والسبب عدم القدرة على تقديم تلك الهدايا.
ولأن المقاربة تفيد ذوي العقول الراجحة فإن الناس في الدول المتقدمة يحتفلون بمناسبات عديدة ولكن الهدايا التي يقدمونها في الغالب هي هدايا رمزية وبسيطة قد تأخذ شكل بطاقة التهنئة أو كتاب أو باقة ورد أو غير ذلك من الأمور البسيطة المقدور عليها التي لا تكلف الشخص أي تكاليف كبيرة تسبب له خللا في ميزانيته.
أما نحن فظاهرة التوسع في المناسبات هو موضوع مزعج لو نظرنا إلى عاداتنا وتقاليدنا العربية والإسلامية فإننا نجد أن المناسبات ترتبط في الغالب الأعم بالأعياد الدينية بالدرجة الأولى إضافة إلى مناسبات الزواج والإنجاب وبذلك يكون عددها لا يتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة فلا تكون مرهقة والمشكلة الثانية تتمثل في التحولات الغريبة في نوعية الهدايا وتكلفتها فأصبحت الهدايا الرمزية غير مقبولة بل ومدعاة للسخرية في كثير من الأحيان بل وقد تجلب المشاكل وتتسبب في الخلافات أو أنواع من الزعل ولذلك فإن العقل يقول بضرورة توفير المناسبات من حيث عددها حتى لا يكون كل يوم لدينا مناسبة حتى أصبحت الزيارات الشخصية والعائلية العادية لها هداياها الخاصة فإذا كانت العائلة فيها 20 طفلا فمعناها 20 حفلة عيد ميلاد و20 هدية ومعناها تكاليف مادية يعجز عن توفيرها أغلب الناس من ذوي الإمكانيات المحدودة في ظل هذه الظروف الاقتصادية والمالية الصعبة التي تمر بها العائلات وقس على ذلك المناسبات الأخرى مثل عيد الزواج وعيد الأسرة وعيد الأم وعيد الأب والقائمة تطول.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك