العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

حرب هدفها قتل وتهجير المدنيين

بقلم: د. عمرو الشوبكي

الأربعاء ١٥ نوفمبر ٢٠٢٣ - 02:00

من‭ ‬الصعب‭ ‬أن‭ ‬نجد‭ ‬في‭ ‬التاريخ‭ ‬الحديث‭ ‬حربًا‭ ‬قامت‭ ‬أساسًا‭ ‬بغرض‭ ‬قتل‭ ‬المدنيين،‭ ‬أو‭ ‬أن‭ ‬تقوم‭ ‬استراتيجيتها‭ ‬السياسية‭ ‬والعسكرية‭ ‬على‭ ‬استهدافهم‭ ‬بشكل‭ ‬متعمد‭ ‬إلا‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬إسرائيل،‭ ‬التي‭ ‬اعتمدت‭ ‬سياسة‭ ‬التطهير‭ ‬العرقي‭ ‬والتهجير‭ ‬وقتل‭ ‬المدنيين‭ ‬منذ‭ ‬قيامها‭ ‬عام‭ ‬1948‭ ‬وحتى‭ ‬الآن‭.‬

والواضح‭ ‬أن‭ ‬استهداف‭ ‬المدنيين‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬ليس‭ ‬مجرد‭ ‬سياسات‭ ‬عدوانية‭ ‬معتادة‭ ‬من‭ ‬دولة‭ ‬الاحتلال،‭ ‬إنما‭ ‬أُضيف‭ ‬إليها‭ ‬هدف‭ ‬استراتيجي‭ ‬إسرائيلي‭ ‬وقوده‭ ‬قتل‭ ‬المدنيين،‭ ‬فالدولة‭ ‬العبرية‭ ‬ترغب‭ ‬في‭ ‬تهجير‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬من‭ ‬شمال‭ ‬غزة‭ ‬إلى‭ ‬جنوبها،‭ ‬ثم‭ ‬ستحاول‭ ‬تكرارها‭ ‬من‭ ‬جنوب‭ ‬غزة‭ ‬إلى‭ ‬سيناء،‭ ‬ولو‭ ‬استطاعت‭ ‬أن‭ ‬تفعل‭ ‬نفس‭ ‬الأمر‭ ‬في‭ ‬الضفة‭ ‬الغربية‭ ‬فستفعله‭.‬

إن‭ ‬مسألة‭ ‬التطهير‭ ‬العرقي‭ ‬والتهجير‭ ‬خيار‭ ‬استراتيجي‭ ‬إسرائيلي‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الحرب،‭ ‬فهي‭ ‬ليست‭ ‬حربًا‭ ‬بين‭ ‬جيشين‭ ‬نظاميين‭ ‬يُقتل‭ ‬فيها‭ ‬عرَضًا‭ ‬المدنيون‭ ‬كما‭ ‬يحدث‭ ‬تقريبًا‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬الحروب،‭ ‬إنما‭ ‬هي‭ ‬حرب‭ ‬بغرض‭ ‬قتل‭ ‬المدنيين،‭ ‬واستهداف‭ ‬المستشفيات‭ ‬ومراكز‭ ‬الإيواء‭ ‬التابعة‭ ‬للأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬ومراكز‭ ‬منظمة‭ ‬غوث‭ ‬وتشغيل‭ ‬اللاجئين‭ ‬الفلسطينيين‭ (‬الأونروا‭).‬

هذا‭ ‬النوع‭ ‬من‭ ‬الحروب‭ ‬أو‭ ‬الجرائم‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬استشهاد‭ ‬حوالي‭ ‬10‭ ‬آلاف‭ ‬مدني‭ ‬فلسطيني،‭ ‬بينهم‭ ‬4‭ ‬آلاف‭ ‬طفل،‭ ‬وهو‭ ‬رقم‭ ‬غير‭ ‬مسبوق‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬الحروب‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬المساحة‭ ‬الجغرافية،‭ ‬ووسط‭ ‬عدد‭ ‬سكان‭ ‬لا‭ ‬يتجاوز‭ ‬2‭ ‬مليون‭ ‬و400‭ ‬ألف‭ ‬نسمة‭.‬

وإذا‭ ‬أخذنا‭ ‬الحرب‭ ‬الدائرة‭ ‬الآن‭ ‬بين‭ ‬روسيا‭ ‬وأوكرانيا،‭ ‬فسنجد‭ ‬أن‭ ‬أعداد‭ ‬المدنيين‭ ‬الذين‭ ‬قُتلوا‭ ‬أكثر‭ ‬بقليل‭ ‬من‭ ‬أعداد‭ ‬المدنيين‭ ‬الفلسطينيين،‭ ‬مع‭ ‬ملاحظة‭ ‬الفارق‭ ‬الهائل‭ ‬في‭ ‬عدد‭ ‬السكان،‭ ‬وأيضًا‭ ‬استمرار‭ ‬الحرب‭ ‬الروسية‭ ‬الأوكرانية‭ ‬لأكثر‭ ‬من‭ ‬عامين،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬قامت‭ ‬إسرائيل‭ ‬بقتل‭ ‬10‭ ‬آلاف‭ ‬فلسطيني‭ ‬مدني،‭ ‬في‭ ‬أقل‭ ‬من‭ ‬شهر،‭ ‬وهو‭ ‬رقم‭ ‬لم‭ ‬تسبقها‭ ‬فيه‭ ‬أي‭ ‬دولة‭ ‬أخرى‭ ‬أو‭ ‬جيش‭ ‬احتلال‭ ‬في‭ ‬العصور‭ ‬الحديثة‭.‬

المؤكد‭ ‬أن‭ ‬المشروع‭ ‬الاستيطاني‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬قائم‭ ‬على‭ ‬مسألة‭ ‬‮«‬الإحلال‮»‬‭ ‬منذ‭ ‬نكبة‭ ‬48‭ ‬وحتى‭ ‬الآن،‭ ‬أي‭ ‬العمل‭ ‬على‭ ‬تهجير‭ ‬السكان‭ ‬الأصليين‭ ‬من‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬وإحلالهم‭ ‬بسكان‭ ‬يهود‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬بقاع‭ ‬الدنيا،‭ ‬واستمر‭ ‬هذا‭ ‬المشروع‭ ‬حتى‭ ‬الآن،‭ ‬وأخذ‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬الفترات‭ ‬شكلًا‭ ‬سلميًّا‭ ‬ودعائيًّا‭ (‬دينيًّا‭ ‬وثقافيًّا‭) ‬بسعي‭ ‬إسرائيل‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬تصبح‭ ‬‮«‬نموذجًا‮»‬‭ ‬لكل‭ ‬يهود‭ ‬العالم،‭ ‬وتُغري‭ ‬بعضهم‭ ‬للقدوم‭ ‬إليها‭ ‬والعيش‭ ‬فيها،‭ ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬كانوا‭ ‬يحملون‭ ‬جنسيات‭ ‬بلدان‭ ‬أخرى،‭ ‬ولم‭ ‬تقبل‭ ‬بأن‭ ‬تعطي‭ ‬هذا‭ ‬الحق‭ ‬للفلسطينيين‭ ‬الذين‭ ‬يعيشون‭ ‬في‭ ‬مخيمات‭ ‬خارج‭ ‬فلسطين‭ ‬ورفضت‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مفاوضات‭ ‬السلام‭ ‬أن‭ ‬تعطي‭ ‬‮«‬حق‭ ‬العودة‮»‬‭ ‬لأى‭ ‬فلسطيني‭ ‬يعيش‭ ‬خارج‭ ‬أرضه‭ ‬التاريخية‭.‬

يقينًا‭ ‬هدف‭ ‬إسرائيل‭ ‬من‭ ‬حرب‭ ‬غزة‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬أو‭ ‬أساسًا‭ ‬هزيمة‭ ‬مقاتلي‭ ‬حماس،‭ ‬إنما‭ ‬تهجير‭ ‬المدنيين‭ ‬من‭ ‬غزة،‭ ‬وتقسيم‭ ‬المدينة‭ ‬إلى‭ ‬3‭ ‬أو‭ ‬4‭ ‬أقسام،‭ ‬ولتحقيق‭ ‬هذا‭ ‬الهدف،‭ ‬تحول‭ ‬قتل‭ ‬المدنيين‭ ‬إلى‭ ‬هدف‭ ‬حربي،‭ ‬وأصبح‭ ‬الصمت‭ ‬الدولي‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬الجريمة‭ ‬لا‭ ‬يرجع‭ ‬فقط‭ ‬إلى‭ ‬سياسة‭ ‬الكيل‭ ‬بمكيالين‭ ‬المعتادة،‭ ‬إنما‭ ‬أيضًا‭ ‬يعني‭ ‬المشاركة‭ ‬والدعم‭ ‬للهدف‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬في‭ ‬التهجير‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا