أورد كريج مخيبر المدير السابق المستقيل لمكتب المفوضية السامية لحقوق الإنسان في نيويورك في رسالة استقالته من منصبه ضمن أمور أخرى إنه يتقدم باستقالته بسبب أن المجتمع الدولي الذي رفض التحرر من نموذج (فاشل) لأكثر من 30 عاما حيث وعد بحل دولتين ومفاوضات أفضت إلى اتفاق أوسلو الذي أصبح بمثابة غطاء لما يحصل على أرض الواقع من ملاحقة واضطهاد وعقاب جماعي للشعب الفلسطيني في غزة وتنمية لنظام فصل عنصري، ورأى مخيبر أن اقتراح حل الدولتين لم يأخذ بعين الاعتبار حقوق الإنسان للشعب الفلسطيني، وأشار مخيبر في رسالة إلى أن المشروع الاستعماري للمستوطنات لأكثر من 75 عاما مدعوم من كثير من الأوروبيين، وأدى فيما أدى إلى النزوح القسري والتطهير للفلسطينيين، وفي مقابلة تلفزيونية، ذكر مخيبر بصراحة أن كل الأطراف الدولية المؤثرة في الصراع يعرفون أن حل الدولتين غير ممكن .
وقد بدأت بكلام مخيبر لأقول إن الكلام عن حل الدولتين تحول إلى شعار يختبئ خلفه كل الأطراف التي تتهرب من مسؤولياتها أو تلك التي تريد أن تقدم خطة خداع جديدة أو تلك التي تعتقد أن هذا الكلام مقبول إعلاميا ودوليا .
حل الدولتين الذي يتغنى الجميع به منذ أوائل التسعينيات بشكل رسمي ليس له رصيد على أرض الواقع، ذلك أن إسرائيل بدعم أو صمت أو تواطؤ أو عجز إقليمي ودولي أفرغت هذا الشعار من مضمونه تماما، فقد ملأت الضفة الغربية المحتلة بمئات المستوطنات من كل الأنواع ولكل الأحداث والأغراض، وجعلت من الاستيطان مشروعا أيديولوجيا واقتصاديا وأمنيا وديموغرافيا يشكل أحد ركائز النظام السياسي الإسرائيلي الذي يضمن له البقاء والاستمرار وعدم الانفجار الداخلي أو احتقان المجتمع الإسرائيلي المتعدد الأعراق والطبقات والطوائف والأحزاب .
وقد ظل هذا الشعار، أقصد حل الدولتين، شعارا جذابا وله شعبيته ودبلوماسيته رغم أن الظروف والوقائع تجاوزته تماما، ليس من خلال الانزياح الإسرائيلي نحو اليمين المتطرف فقط ورفضه أية تسوية تقوم على التخلي عن الأرض، وليس بسبب الاستيطان المتنامي والذي لم يتوقف ساعة واحدة كذلك، ولكن بسبب ما حصل في الجبهة الفلسطينية من انقسام ومن اختلاف حزبي في كيفية الحل السياسي ومضمونه، ورغم ذلك ظل هذا الشعار مرفوعا فيما يقدم كل طرف مفهوما لهذا الشعار، فصفقة القرن تقترح حل الدولتين لتفكيك الأرض الفلسطينية وربطها ببوابات تسيطر عليها قوات الاحتلال، فيما يرى بعض الإسرائيليين أن الدولة الفلسطينية يمكن أن تكون في قطاع غزة، بينما يراها بعض الفلسطينيين والعرب أنها الأراضي التي احتلت عام 1967 بما فيها القدس الشرقية، ولكن كل هذا النقاش ينتهي أمام هذه الحكومة الحالية في إسرائيل التي لا ترى في حل الدولتين سوى هدم وإنهاء لأحلامها أو أوهامها لا فرق.
ولهذا فإن حكومة نتنياهو الحالية ستجد في الحرب على قطاع غزة فرصة ذهبية جدا لتنفيذ مخططها في التسوية مع الشعب الفلسطيني، وربما سيتم مزج خطة الحسم لدى سموترتش وخطة السيطرة الأمنية الدائمة لدى الليكود وذلك من خلال فصل القطاع عن الضفة بتشكيل جهة ما محلية أو عربية أو دولية تديره بأجندة إسرائيلية أو أمريكية، ومن ثم حشر الفلسطينيين في الضفة الغربية ضمن كانتونات مزدحمة من دون بنية تحتية يتم السيطرة عليها من خلال البوابات وتنقيط المساعدات ومراقبة النشاطات .
أي إن هذه الحكومة في حالة بقيت في السلطة أم لم تبق، إلا أن إسرائيل بعد هذه الحرب لن تكون متعجلة في تطبيق حل الدولتين على الإطلاق، بل ستكون مهووسة بضمان ما يسمى بالأمن، ولن يكون هناك ضغوط دولية كبيرة على إسرائيل لإجبارها على حل الدولتين، إذ لم تجبرها على ذلك أيام الهدوء فما بالك بأيام الحرب .
وعليه وإذا كان مفهوم حل الدولتين يفترض كل هذا التأجيل والألاعيب والخداع والمماطلة وكثرة التفاسير وعديد التخريجات، فإن من الواجب ربما طرح مفهوم آخر بالمقابل يقوم على إنهاء الاحتلال باعتباره الحل الوحيد والأكيد لاستقرار وسلام مفقودين حتى الآن .
إنهاء الاحتلال لا يقود بالضرورة إلى دولة فلسطينية، إذ إن هذه الدولة ستكون محل تفاوض وتسويات إقليمية مع دول الجوار، ولكن إنهاء الاحتلال معناه التخلص من الأطماع الإسرائيلية والإجراءات الإسرائيلية وقطع الطريق على كل «متفذلك» أو متهرب أو مخادع.
{ مدير مركز الدراسات
المستقبلية بجامعة القدس
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك