القراء الأعزاء،
على الرغم من أهمية الزواج وتكوين الأسرة في حياة البشر وفي بناء وتطور وتقدم المجتمعات بشكل عام وفي مجتمعنا الاسلامي بشكل خاص، باعتباره واجبا شرعيا، وعلى الرغم من أن أهم قواعد الزواج هي الديمومة والاستمرار، وأن الاستثناء هو حالة وقوع الطلاق باعتبار أن الطلاق يُعدّ منفذاً من عدم قدرة الزوجين أو أحدهما على التعايش مع الآخر وقبوله لأسباب عدّة، أسوأها هو سوء خُلق أحدهما ولا سيما إذا كان الزوج ، إذ من المفترض أن يكون الزوج هو رمانة ميزان العلاقة الزوجية الذي يُحقق التوازن، فمتى ما ساء خُلقه اختل هذا التوازن، وسوء الخلق يشمل المعاملة السيئة، الاضطهاد، الاستغلال، الاستعباد، الكبر والتغطرس، التقتير في الإنفاق على الزوجة وعلى الأبناء، وغير ذلك من السلوك الذي يندرج ضمن أصناف العنف الأسري.
وحيث إن بعض الزيجات تقوم على الكذب والخداع والاستغلال والاستغفال، لذا لا يُكتب لها أن تدوم فتنتهي بالطلاق. فيما ينتهي بعضها لأسباب أخرى.
فماذا بعد الطلاق ان كان هناك أبناء بين الطليقين؟ ولا شك أن الهدف الاساسي من الزواج هو تكوين أسرة وإنجاب الاطفال، فما هو مصير هؤلاء الاطفال إذا وقع الطلاق واقعياً وليس نظريا او تشريعيا؟
ومن المؤكد أيضا أن دستور مملكة البحرين في الفقرة (أ) من المادة الخامسة منه قد أكد أن (الأسرة أساس المجتمع، قوامها الدين والأخلاق وحب الوطن، يحفظ القانون كيانها الشرعي، ويقوي أواصرها وقيمها، ويحمي في ظلها الأمومة والطفولة، ويرعى النشء، ويحميه من الاستغلال، ويقيه الإهمال الأدبي والجسماني والروحي. كما تُعنى الدولة خاصة بنمو الشباب البدني والخلقي والعقلي).
أوضحت المادة أهمية وقيمة الأسرة وركزّت على حماية المرأة الأم والطفل باعتبارهما الفئة ذات المراكز القانونية الاضعف فيها، إلا أن قانون الأسرة لم يصل إلى القيمة العليا التي ينشدها الدستور من الحماية للأمومة والطفولة، بل ويضاف إلى عدم مواءمة القانون وكفايته أن القضاء أيضاً لم يحقق حماية حقيقية لا للمرأة ولا للأبناء في اطار الاسرة ولا سيما بعد وقوع الطلاق ونفقة الابناء من مسكن وملبس ومأكل وتطبيب وفقاً لما تقتضيه مواكبة التطور العصري وتغيّر احتياجات الأبناء في مواكبة هذا التطور، حيث إن احتياجات الامس تختلف كثيراً عن احتياجات اليوم، وكفالة العيش الكريم والحياة الكريمة للأبناء قد اصبحت لها معايير مختلفة يتوجب على القاضي الشرعي أخذها في الاعتبار عند إصدار أحكام النفقة بكل انواعها لان أحكامه قد تكون مصدر بؤس للأبناء إلى حين بلوغهم سنّ التكسب .
ومن أهم مواضع عدم الإنصاف للأبناء نص الفقرة (أ) من المادة (47) على أنه: (تقدّر النفقة بالنظر لسعة المنفق وحال المنفق عليهم، مع مراعاة الزمان والمكان والأعراف)، ذلك أن النص على تقدير النفقة على سعة المنفق وهو نص يشرّع أبواب الحيلة أمام سيّئِ الخُلق من بعض الآباء والذين يتكئون على هذا النص زوراً وجوراً وبُهتانا من دون حياء من الله، ومردّ ذلك إلى سوء خلق بعض الآباء بعكس أولئك الذين يضعون أبناءهم في مقدمة اولوياتهم واهتمامهم، فيحرصون على كفالة العيش الكريم والاستقرار النفسي لأبنائهم اثناء استمرار الزوجية وبعد انفصام عُراها، كما أن القضاء لا يلتفت غالباً إلى بقية نص الفقرة التي ربطت تقدير النفقة أيضاً بحال المُنفَق عليهم والزمان والمكان والاعراف، كحال من فسّر (ولا تقربوا الصلاة) من دون الالتفات إلى السبب (وأنتم سُكارى).
لذا ضمانا لحقوق الأبناء في النفقة التي تحقق لهم الكفاية المتلائمة مع متطلبات العصر وتضمن لهم العيش الكريم، فإنه يتوجب تعديل نص الفقرة (أ) من المادة (47) من قانون الاسرة والذي يقضي بأنه (تقدّر النفقة بالنظر لسعة المنفق وحال المنفق عليهم، مع مراعاة الزمان والمكان والأعراف)، وذلك بوضع حدّ أدنى ثابت لنفقة الأبناء لا يُحكم ولا يُقبل الاتفاق على أقل منه، بعد أن يتم بحث كلفة العيش الكريم للأبناء مع مراعاة أثر التغيرات الجسمانية في مراحلهم الأولى على الملبس وعلى احتياجات حديثي الولادة، على أساس من أن الوالد الذي أقبل على انجاب ابناء يعلم أن تربيتهم والعناية بهم ذات كلفة محددة كحد أدنى وقد تزيد بحسب سعته، ولن تسقط عنه ما دام والدهم هو المُلزم بالإنفاق عليهم شرعاً.
hanadi_aljowder@hotmail.com
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك