«من حق إسرائيل أن تدافع عن نفسها»،
«نحارب حيوانات على هيئة بشر»،
«إلقاء قنبلة نووية على غزة هو حل ممكن، وبالنسبة إلى المختطَفين فالحرب لها أثمان»،
في أغسطس 2007 قال المرشح للانتخابات الرئاسية للحزب الجمهوري (توم تانكريدو): «لو أن الأمر كان في يدي، فسأهدد بصراحة إن أي هجوم يستهدفنا في بلادنا سنرد عليه مباشرة بهجوم على مكة أو المدينة، فإن ذلك هو الشيء الوحيد الذي يمكن أن يردع أي شخص أو جهة من تنفيذ هجوم ضد الولايات المتحدة».
هل هكذا يفكرون، وينظرون إلينا؟ لا أعرف.
ذات مرة –في الغرب الحنون –كان هناك قط جالس على أعلى شجرة، فجاء طفل فضرب القطة بعصا فسقطت، وانكسر ساقها، وبدأت بالمواء، وتجمع الناس، فقام أحدهم بالاتصال بالشرطة وجمعية حقوق الحيوان، وكلها دقائق فتجمهر الناس، وجاءت الشرطة، وجمعيات الرفق بالحيوانات، فأخذت القطة وعالجت ساقها المكسور في نفس المكان بأسلوب الإسعافات الأولية، ثم أخذوا القطة إلى العيادة للمعالجة الدائمة، وهناك تم تقديم العلاج والمأوى والغذاء للقطة.
وأما الطفل فتم استدعاء والديه إلى مركز الشرطة، وأخذوا تعهدا على الوالدين بألا يتعرض هذا الطفل الشقي المشاكس للقطط والحيوانات مرة أخرى.
وفي الغرب الحنون أيضًا وجدت امرأة أن أحد الرجال المشردين، الذي يطلق عليه (بلا مأوى homeless) يمتلك كلبًا يجره معه أينما يذهب، وهذا الكلب يتبعه دائمًا، فوجدت أن الرجل لا يمتلك منزلا ولا طعامًا، ولا أي شيء من كفاف الأرض، فالجوع ظاهر عليه وعلى كلبه، فقامت بالاتصال بالشرطة، فأتت الشرطة فأخذت الكلب لمركز إيواء الحيوانات للرعاية الطبية والجسدية، وتُرك الرجل يهيم في الشوارع من غير أي مأوى أو رعاية.
هل هذه هي الحضارة الغربية الحنونة التي تعطف على الحيوانات وتنشئ الملاجئ لهم وتطعمهم وتكسوهم وتجمعهم في أماكن للإيواء ليقوم أحدهم بتبنيهم؟ يا لرقة قلوبهم!
هذا الغرب الحنون، كما يؤكد منير العكش في كتابه (أمريكا.. الإبادات الجماعية)، ويقول «إن الإمبراطورية الأمريكية قامت على الدماء وبنيت على جماجم البشر، فقد أبادت هذه الإمبراطورية الدموية 112 مليون إنسان (بينهم 18.5 مليونا أبيدوا ودمرت قراهم ومدنهم) ينتمون إلى أكثر من 400 أمة وشعب، ووصفت أمريكا هذه الإبادات بأنها أضرار هامشية لنشر الحضارة، وخاضت أمريكا في إبادة كل هؤلاء البشر وفق المعلوم والموثق 93 حربًا جرثومية شاملة، وتفصيل هذه الحروب أورده الكاتب الأمريكي هنري دوبيتر في كتابه (أرقامهم التي هزلت) في الجزء الخاص بأنواع الحروب الجرثومية التي أبيد بها الهنود الحمر بنحو 41 حربًا بالجدري، و4 بالطاعون، 17 بالحصبة، و10 بالأنفلونزا، و25 بالسل والدفتريا والتيفوس والكوليرا، وقد كان لهذه الحروب الجرثومية آثار وبائية شاملة اجتاحت المنطقة من فلوريدا إلى الجنوب الشرقي إلى أرغون في الشمال الغربي، بل إن جماعات وشعوب وصلتها الأوبئة فأبادتها قبل أن ترى وجه الإنسان الأمريكي الأبيض».
واليوم يعيش سكان أمريكا الأصليون في محميات خاضعين لقوانين خاصة جدًا، ويتم التعامل معهم وكأنهم حيوانات.
هكذا ينظر الغرب إلى سكان الكرة الأرضية.
وذات مرة قام الغرب الحنون، في نهاية الحرب العالمية الثانية وبالتحديد في أغسطس 1945 بقصف مدينتي هيروشيما وناجازاكي اليابانية باستخدام قنابل ذرية. قتلت القنابل ما يصل إلى (140.000) شخص في هيروشيما، و(80.000) في ناغازاكي بحلول نهاية سنة 1945، حيث مات ما يقرب من نصف هذا الرقم في نفس اليوم الذي تمت فيه التفجيرات. ومن بين هؤلاء مات نحو 15 إلى 20% متأثرين بالجروح أو بسبب آثار الحروق، والصدمات، والحروق الإشعاعية، يضاعفها الأمراض، وسوء التغذية والتسمم الإشعاعي. ومنذ ذلك الحين، توفي عدد كبير بسبب سرطان الدم (231) حالة، والسرطانات الصلبة (334) حالة، تأتي نتيجة التعرض للإشعاعات المنبثقة من القنابل، ومن الجدير بالذكر أن معظم الوفيات كان من المدنيين في المدينتين.
وحتى الآن لم يعتذر الغرب الحنون عن هذه الفعلة.
واليوم يُسقط (طوفان الأقصى) ورقة التوت التي كانت تغطي هذا الوجه القبيح للحضارة الغربية المغلفة برونق ملون براق، فتنكشف حقيقة هذه الحضارة التي ما أقيمت إلا على جثث وجماجم بشرية.
اليوم وفي الأسبوع الخامس من (طوفان الأقصى) سقط ما لا يقل عن 10 آلاف شهيد، جلهم من المدنيين والأطفال والنساء والشيوخ، ترى ماذا كان رد فعل الحضارة الغربية التي لا تعرف ماذا تفعل إن جرحت قطة أو كلبا، فهل البشر في الحضارة الغربية لا يعادلون ولا يتساوون مع الكلاب والقطط؟!
دُمرت مستشفيات ومدارس ومساجد وكنائس ومخابز وسيارات إسعاف وغيرها من أساسيات البنية التحتية للحياة البشرية، وفي المقابل لم نجد أي مشاعر تتحرك بين أعضاء الحكومات الغربية. وحتى الإعلام الغربي فإنه ينقل الصورة المغايرة تمامًا، فهو ينقل – فقط – صورا لبعض جثث لبعض ضحايا الجنود الإسرائيليين ويسلط الأضواء على عويل عائلاتهم وأولادهم، وينسى تمامًا آثار التدمير الشامل في قطاع غزة، وكأن الأمر لا يعنيه.
في تقرير للمرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، يقول: إن إسرائيل أسقطت أكثر من 25 ألف طن من المتفجرات على قطاع غزة، بما يعادل قنبلتين نوويتين. وأبرز التقرير اعتراف الجيش الإسرائيلي أن طائراته استهدفت أكثر من 12 ألف هدف في قطاع غزة مع حصيلة قياسية من القنابل بحيث تتجاوز حصة كل فرد 10 كيلو جرامات من المتفجرات. ويمكن أن نلاحظ أن وزن القنبلة النووية التي أسقطتها الولايات المتحدة الأمريكية على هيروشيما وناجازاكي في اليابان نحو 15 ألف طن من المتفجرات.
ويشير التقرير أنه مع التطور الذي طرأ على زيادة وفاعلية القنابل مع ثبات كمية المتفجرات قد يجعل الكمية التي أسقطت على غزة ضعفي قنبلة نووية، فضلاً عن أن إسرائيل تعمد إلى استخدام خليط من المتفجرات المعنية، ويعني ذلك أن القوة التدميرية للمتفجرات التي ألقيت على غزة تزيد على ما ألقي على هيروشيما، مع ملاحظة أن مساحة المدينة اليابانية 900 كيلومتر مربع بينما مساحة قطاع غزة لا تزيد على 360 كيلومترًا.
وقال المرصد في تقريره «إن إسرائيل تستخدم قنابل ذات قوة تدميرية ضخمة بعضها يبدأ من 150 كيلو غراما إلى ألف كيلو غرام، لافتًا إلى تصريح وزير الدفاع الإسرائيلي بإسقاط أكثر من 10 آلاف قنبلة على مدينة غزة وحدها (تبلغ مساحتها 56 كيلو مترًا). فضلاً عن ذلك تم توثيق استخدام إسرائيل أسلحة محرمة دوليًا في هجماتها على قطاع غزة، ولا سيما القنابل العنقودية والفسفورية والتي هي عبارة عن مادة سامة شمعية تتفاعل مع الأوكسجين بسرعة وتتسبب بحروق بالغة من الدرجة الثانية والثالثة.
ويضاف إلى ذلك استخدام إسرائيل قنابل متفجرة ذات آثار تدميرية ضخمة في المناطق المأهولة بالسكان والذي يمثل أخطر التهديدات للمدنيين في النزاعات المسلحة المعاصرة ويفسر ذلك حدة الدمار الهائل وتسوية أحياء سكنية بكاملها وتحويلها إلى أنقاض وخراب في قطاع غزة. (ينتهي الاقتباس).
كل هذا يحدث أمام أنظار العالم الغربي والشرقي الحنون الذي يدعي الحريات والديمقراطيات ويحرك أساطيله وجنوده شرقًا وغربًا لإرساء مبادئ تلك الحريات والديمقراطيات، ولكنها أمام قطاع غزة لم يتحرك منها ساكن ولم يتحرك منها حتى الشعور بالمبادئ الإنسانية ولا حتى الحيوانية، ثم أتت الدول التي ادعت ذات يوم أنها دول المقاومة والممانعة كإيران وحزب اللات، فأكملت هذا الهرج، وبدأت تطلق الصرخات من هنا وهناك مع بداية السابع من أكتوبر، والناس تنظر وتنتظر، حتى خرج علينا ذات يوم الخطيب المفوة، فقال وقال ومن ثم قال، ولكنه بطريقة أو بأخرى قال: إنه لا يستطيع أن يفعل أي شيء، فعلى المقاومة الفلسطينية أن تتحمل تبعات قراراتها ومعركتها وحدها، فتنصل –بكل هدوء وسهولة – من كل تبعات المعركة وكأن الأمر لا يعنيهم.
وإن كانت الحكومات الغربية والشرقية لم تتحرك فإن كل شعوب العالم تحركت، فتوقفت الحياة في كثير من عواصم دول العالم، توقفت القطارات والمحلات التجارية والأسواق، لأن شعوب العالم وجدت وشعرت أن هناك شعبا مضطهدا وقابعا تحت الاحتلال الغاشم، وأنه يعامل أقل بكثير مما يعامل به الحيوان، لذلك تحركت بسبب كل هؤلاء الأطفال والشيوخ والنساء التي احترقت جثثها وتناثرت أشلاؤها.
اليوم أصبحت الحكومات الغربية والشرقية تقف في مواجهة شعوبها، حكومات تدعم الاحتلال والشعوب ترفض هذا الدعم اللا محدود، وعلى الأقل تتساءل تلك الشعوب: هل أموال الضرائب التي ندفعها تذهب إلى دعم الاحتلال؟
شعوب العالم بدأت ترفض هيمنة اللوبي الصهيوني المسيطر على عقولهم وحياتهم، فنقلت لنا شاشات التلفزيون كل تلك الحشود التي خرجت رافضة تلك الهيمنة في أمريكا وبريطانيا وفرنسا وبعض دول أوروبا والغرب والشرق، لأنهم فوجئوا أن هذا اللوبي يتحكم في مفاصل حياتهم وكانوا في غفلة، فهذا اللوبي البغيض يتحكم في اقتصاديات الدول ووسائل إعلامها وساساتها وحكامهم، وهو الذي يتحكم في السينما العالمية ووسائل الإعلام والأخبار، ولكن يبقى السؤال المهم، هل كل هذا حقيقة أم أنه وهم كما أن الجيش الذي لا يقهر تبين أنه وهم.
وربما هنا يمكننا أن نطرح السؤال المهم؛ هل ستحرر غزة شعوب أمريكا والغرب والعالم من العبودية للصهيونية والدولة العميقة داخل هذه الدول؟
وعلى الرغم من كل ذلك، يخرج لنا بعض الساسة ليقول بمليء الفم «من حق إسرائيل أن تدافع عن نفسها»،
ونحن نسأل من أعطاها هذا الحق؟ ولماذا تقوم دولة استعمارية حنونة قديمة بإعطاء الحق لدولة استعمارية حنونة حديثة لإبادة البشر؟
والآن، وبعدما سقطت ورقة التوت، ماذا نحن فاعلون؟
zkhunji@hotmail.com
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك