العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

جمال عبد الناصر في غزة.. الذاكرة والقضية

بقلم: عبد الله السناوي

السبت ١١ نوفمبر ٢٠٢٣ - 02:00

لم‭ ‬يكن‭ ‬بوسع‭ ‬الضابط‭ ‬الشاب،‭ ‬الذي‭ ‬تجاوز‭ ‬بالكاد‭ ‬الثلاثين‭ ‬من‭ ‬عمره،‭ ‬وهو‭ ‬يصل‭ ‬بقطار‭ ‬عسكري‭ ‬إلى‭ ‬غزة‭ ‬يوم‭ ‬3‭ ‬يونيو‭ ‬1948‭ ‬أن‭ ‬يتوقع،‭ ‬أو‭ ‬يمر‭ ‬بخاطره،‭ ‬أن‭ ‬تجربة‭ ‬الحرب‭ ‬في‭ ‬فلسطين‭ ‬سوف‭ ‬تحكم‭ ‬الخطوط‭ ‬العريضة‭ ‬لتوجهاته‭ ‬وتدفعه‭ ‬ــ‭ ‬بعد‭ ‬توقف‭ ‬معاركها‭ ‬والعودة‭ ‬إلى‭ ‬القاهرة‭ ‬ــ‭ ‬إلى‭ ‬إعادة‭ ‬بناء‭ ‬تنظيم‭ ‬‮«‬الضباط‭ ‬الأحرار‮»‬‭ ‬من‭ ‬جديد‭ ‬وتشكيل‭ ‬هيئته‭ ‬التأسيسية،‭ ‬التي‭ ‬أطلت‭ ‬على‭ ‬مسارح‭ ‬السياسة‭ ‬الملتهبة‭ ‬يوم‭ ‬23‭ ‬يوليو‭ ‬1952‭.‬

لم‭ ‬تكن‭ ‬الحرب‭ ‬في‭ ‬فلسطين‭ ‬تجربة‭ ‬عابرة‭ ‬في‭ ‬التاريخ‭ ‬العربي‭ ‬الحديث‭. ‬فلقد‭ ‬تغير‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬بعدها،‭ ‬السياسات‭ ‬والخيارات‭ ‬والنظم‭.‬

تحت‭ ‬وهج‭ ‬النيران‭ ‬في‭ ‬فلسطين‭ ‬اكتشف‭ ‬جمال‭ ‬عبد‭ ‬الناصر‭ ‬هويته‭ ‬العربية،‭ ‬وأن‭ ‬مصير‭ ‬مصر‭ ‬يرتبط‭ ‬بما‭ ‬يحدث‭ ‬ويتفاعل‭ ‬في‭ ‬عالمها‭ ‬العربي‭.‬

تلك‭ ‬حقيقة‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬نفيها‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬ما‭ ‬سجله‭ ‬‮«‬في‭ ‬دفتر‭ ‬يومياته‭ ‬الشخصية‮»‬،‭ ‬التي‭ ‬كتبها‭ ‬على‭ ‬مكتب‭ ‬فوقه‭ ‬لمبة‭ ‬جاز‭ ‬أثناء‭ ‬حرب‭ ‬فلسطين‭.‬

على‭ ‬مدى‭ ‬ستين‭ ‬سنة‭ ‬كاملة‭ ‬لم‭ ‬يتح‭ ‬لأحد‭ ‬من‭ ‬معاونيه‭ ‬ومقربيه‭ ‬وأسرته‭ ‬نفسها‭ ‬أن‭ ‬يدخل‭ ‬في‭ ‬علمه‭ ‬أنه‭ ‬كتب‭ ‬يوميات‭ ‬أثناء‭ ‬الحرب،‭ ‬وأنها‭ ‬في‭ ‬عهدة‭ ‬الأستاذ‭ ‬محمد‭ ‬حسنين‭ ‬هيكل،‭ ‬منذ‭ ‬عام‭ ‬1953‭ ‬حتى‭ ‬حصلت‭ ‬عليها‭ ‬ونشرتها‭ ‬عام‭ ‬2009‭.‬

كانت‭ ‬الأجواء‭ ‬محبطة‭ ‬في‭ ‬ميادين‭ ‬القتال،‭ ‬والجاهزية‭ ‬العسكرية‭ ‬في‭ ‬أدنى‭ ‬درجاتها‭.‬

حشدت‭ ‬الوكالة‭ ‬اليهودية‭ ‬81‭ ‬ألف‭ ‬مقاتل‭ ‬معظمهم‭ ‬ضباط‭ ‬اكتسبوا‭ ‬خبرة‭ ‬عسكرية‭ ‬في‭ ‬سنوات‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الثانية،‭ ‬فيما‭ ‬كانت‭ ‬أعداد‭ ‬الجيوش‭ ‬العربية‭ ‬مجتمعة‭ ‬37‭ ‬ألف‭ ‬ضابط‭ ‬وجندي‭!‬

وكانت‭ ‬أعداد‭ ‬الطائرات‭ ‬التي‭ ‬في‭ ‬حوزة‭ ‬القوات‭ ‬الصهيونية‭ ‬78‭ ‬طائرة‭ ‬عند‭ ‬بداية‭ ‬الحرب‭ ‬فيما‭ ‬لم‭ ‬تتجاوز‭ ‬الـثلاثين‭ ‬طائرة‭ ‬على‭ ‬الجانب‭ ‬العربي،‭ ‬حسب‭ ‬ما‭ ‬أورده‭ ‬هيكل‭ ‬في‭ ‬‮«‬العروش‭ ‬والجيوش‮»‬،‭ ‬وهو‭ ‬كتاب‭ ‬مرجعي‭ ‬من‭ ‬جزأين‭ ‬أهميته‭ ‬في‭ ‬قدر‭ ‬توثيقه،‭ ‬حيث‭ ‬يتضمن‭ ‬سجلاً‭ ‬كاملاً‭ ‬للبرقيات‭ ‬العسكرية‭ ‬المصرية‭ ‬أثناء‭ ‬الحرب‭.‬

‮«‬إن‭ ‬يوميات‭ ‬الحرب‭ ‬هي‭ ‬في‭ ‬العادة‭ ‬أكمل‭ ‬مستند‭ ‬تاريخي‭ ‬لصورة‭ ‬ميدان‭ ‬القتال‭ ‬والخلفيات‭ ‬السياسية‭ ‬الواصلة‭ ‬إليه،‭ ‬ثم‭ ‬الاعتبارات‭ ‬الشخصية‭ ‬والإنسانية‭ ‬المتسربة‭ ‬بالضرورة‭ ‬إلى‭ ‬المواقف‭ ‬والتصرفات‮»‬‭ ‬ــ‭ ‬كما‭ ‬كتب‭ ‬أستاذ‭ ‬الوثائق‭ ‬هيكل‭.‬

‮»‬كانت‭ ‬الحرب‭ ‬في‭ ‬جوهرها‭ ‬صداماً‭ ‬بين‭ ‬مشروعين،‭ ‬مشروع‭ ‬صهيوني‭ ‬استكمل‭ ‬عناصر‭ ‬قوته‭ ‬يعمل‭ ‬على‭ ‬إعادة‭ ‬رسم‭ ‬خرائط‭ ‬المنطقة‭ ‬ومشروع‭ ‬قومي‭ ‬عربي‭ ‬تائه‭ ‬في‭ ‬كواليس‭ ‬الحكم‭ ‬وفوق‭ ‬مسارح‭ ‬الأحداث‭ ‬يبحث‭ ‬عمن‭ ‬يجسده‭ ‬لمواجهة‭ ‬طوارئ‭ ‬الأحداث‭ ‬المشتعلة‭ ‬بالنيران‭ ‬والمخاوف‭.‬‮«‬وهذه‭ ‬حقيقة‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬إنكارها‭.‬

‮«‬يوميات‭ ‬الحرب‮»‬،‭ ‬تأخر‭ ‬نشرها‭ ‬لعقود‭ ‬طويلة‭ ‬حتى‭ ‬قرب‭ ‬نهاية‭ ‬القرن‭ ‬العشرين،‭ ‬كما‭ ‬حدث‭ ‬تماما‭ ‬في‭ ‬يوميات‭ ‬عبد‭ ‬الناصر‭ ‬الخطية‭.‬

في‭ ‬المرتين‭ ‬احتفظ‭ ‬بودائعه‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يقرر‭ ‬نشرها،‭ ‬المرة‭ ‬الأولى‭ ‬ــ‭ ‬بقرار‭ ‬منه‭ ‬حتى‭ ‬يضع‭ ‬وثائقها‭ ‬في‭ ‬عهدة‭ ‬التاريخ‭ ‬والباحثين‭.. ‬والمرة‭ ‬الثانية‭ ‬ــ‭ ‬بإلحاح‭ ‬مني‭ ‬حتى‭ ‬تنجلي‭ ‬الصورة‭ ‬الكاملة،‭ ‬وكان‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬حسن‭ ‬الحظ‭ ‬حيث‭ ‬أحرق‭ ‬الأصل‭ ‬فيما‭ ‬جرى‭ ‬لبيت‭ ‬هيكل‭ ‬الريفي‭ ‬من‭ ‬تدمير‭ ‬نال‭ ‬من‭ ‬الوثائق‭ ‬المودعة‭ ‬فيه‭.‬

كان‭ ‬دخول‭ ‬الجيوش‭ ‬العربية‭ ‬حرب‭ ‬فلسطين‭ ‬بالطريقة‭ ‬التي‭ ‬جرت‭ ‬بها‭ ‬مقدمة‭ ‬هزيمة‭ ‬محققة‭.‬

وكان‭ ‬رأي‭ ‬الحاج‭ ‬أمين‭ ‬الحسيني‭ ‬مفتي‭ ‬فلسطين‭ ‬والمتحدث‭ ‬الأول‭ ‬باسم‭ ‬شعبهاــ‭ ‬أن‭ ‬تُسند‭ ‬مهمة‭ ‬المواجهة‭ ‬العسكرية‭ ‬إلى‭ ‬جماعات‭ ‬المتطوعين‭ ‬ودعمها‭ ‬بالسلاح‭ ‬والمال،‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬تبقى‭ ‬الجيوش‭ ‬رابضة‭ ‬على‭ ‬الحدود‭ ‬متأهبة‭ ‬ومستعدة‭.‬

تثبت‭ ‬وقائع‭ ‬الحرب‭ ‬على‭ ‬غزة‭ ‬الجارية‭ ‬الآن‭ ‬صحة‭ ‬ما‭ ‬ذهب‭ ‬إليه‭ ‬الحاج‭ ‬أمين‭ ‬الحسيني‭ ‬حيث‭ ‬تدافع‭ ‬المقاومة‭ ‬بكل‭ ‬ما‭ ‬تملك‭ ‬من‭ ‬إرادة‭ ‬وسلاح‭ ‬لإثبات‭ ‬حق‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬في‭ ‬تقرير‭ ‬مصيرهم‭ ‬بأنفسهم‭.‬

بدا‭ ‬درس‭ ‬الماضي‭ ‬حاضراً‭ ‬في‭ ‬الذاكرة‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬لم‭ ‬يغادروا‭ ‬القطاع‭ ‬المحاصر،‭ ‬ولا‭ ‬وافقوا‭ ‬أياً‭ ‬كان‭ ‬ترهيب‭ ‬السلاح‭ ‬وأشباح‭ ‬الموت‭ ‬الماثلة‭ ‬على‭ ‬‮«‬التهجير‭ ‬القسري‮»‬،‭ ‬أو‭ ‬تكرار‭ ‬ما‭ ‬جرى‭ ‬عام‭ ‬1948‭.‬

نسبت‭ ‬إلى‭ ‬رجلين،‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬غيرهما،‭ ‬مسؤولية‭ ‬الهزيمة‭ ‬العسكرية‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الحرب‭.‬

الأول‭ ‬ــ‭ ‬اللواء‭ ‬المصري‭ ‬أحمد‭ ‬المواوي،‭ ‬قائد‭ ‬حملة‭ ‬فلسطين،‭ ‬وقد‭ ‬نالته‭ ‬انتقادات‭ ‬حادة‭ ‬من‭ ‬الضابط‭ ‬الشاب‭ ‬جمال‭ ‬عبدالناصر‭ ‬في‭ ‬دفتر‭ ‬يومياته‭.‬

بعد‭ ‬الحرب‭ ‬حاول‭ ‬المواوي‭ ‬أن‭ ‬يبرئ‭ ‬ساحته،‭ ‬كاشفاً‭ ‬عن‭ ‬مخاطبات‭ ‬كتبها‭ ‬لقياداته‭ ‬يحتج‭ ‬فيها‭ ‬على‭ ‬إرسال‭ ‬القوات‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬تدريب‭ ‬كافٍ،‭ ‬أو‭ ‬أسلحة‭ ‬لازمة‭.‬

والثاني‭ ‬ــ‭ ‬الجنرال‭ ‬الإنجليزي‭ ‬جون‭ ‬جالوب،‭ ‬الذي‭ ‬أسندت‭ ‬إليه‭ ‬القيادة‭ ‬العامة‭ ‬للجيوش‭ ‬العربية،‭ ‬وكانت‭ ‬إدارته‭ ‬للحرب‭ ‬من‭ ‬عَمان‭ ‬التزاماً‭ ‬كاملاً‭ ‬بالاستراتيجية‭ ‬البريطانية،‭ ‬لم‭ ‬يتجاوز‭ ‬خطوط‭ ‬التقسيم‭ ‬المنصوص‭ ‬عليها‭ ‬في‭ ‬قرار‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة،‭ ‬حين‭ ‬كان‭ ‬متاحاً‭ ‬التقدم‭ ‬وكسب‭ ‬الأرض،‭ ‬فيما‭ ‬كانت‭ ‬الدولة‭ ‬العبرية‭ ‬الوليدة‭ ‬تتوغل‭ ‬فيما‭ ‬تستطيع‭ ‬أن‭ ‬تصل‭ ‬إليه‭ ‬دون‭ ‬اعتبار‭ ‬لأي‭ ‬قرارات‭ ‬دولية‭.‬

ما‭ ‬جرى‭ ‬بالضبط‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1948‭ ‬حرب‭ ‬إقليمية‭ ‬اقتصرت‭ ‬على‭ ‬بعض‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬وإسرائيل،‭ ‬التي‭ ‬تأسست‭ ‬للتو‭.‬

شبح‭ ‬الحرب‭ ‬الإقليمية‭ ‬يخيم‭ ‬الآن‭ ‬على‭ ‬نطاق‭ ‬أوسع‭ ‬وأخطر،‭ ‬لا‭ ‬أحد‭ ‬يريدها،‭ ‬لكن‭ ‬حساباتها‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تفلت‭ ‬بسيناريو‭ ‬أو‭ ‬آخر‭. ‬والاختبار‭ ‬السياسي‭ ‬والعسكري‭ ‬والاستراتيجي‭ ‬هذه‭ ‬المرة‭ ‬أخطر‭ ‬وأفدح‭ ‬مما‭ ‬جرى‭ ‬قبل‭ ‬75‭ ‬عاماً‭ ‬حيث‭ ‬يراد‭ ‬التصفية‭ ‬النهائية‭ ‬للقضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬دون‭ ‬جدوى‭.‬

إننا‭ ‬أمام‭ ‬انقلاب‭ ‬استراتيجي‭ ‬محتمل‭ ‬قد‭ ‬يغير‭ ‬كل‭ ‬معادلات‭ ‬الإقليم،‭ ‬حساباته‭ ‬ونظمه‭ ‬وموازين‭ ‬القوى‭ ‬فيه‭.‬

الصمود‭ ‬الأسطوري‭ ‬للمقاومة‭ ‬هو‭ ‬انتصار‭ ‬للقضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬وللضمير‭ ‬الإنساني‭.‬

إحياء‭ ‬الذاكرة‭ ‬يساعد‭ ‬على‭ ‬فهم‭ ‬ما‭ ‬قد‭ ‬يحدث‭ ‬تالياً‭.‬

يوميات‭ ‬رجل‭ ‬‮«‬يوليو‮»‬‭ ‬جمال‭ ‬عبدالناصر‭ ‬تكتسب‭ ‬قيمة‭ ‬إضافية‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬قُرئت‭ ‬الأحداث‭ ‬التي‭ ‬توقف‭ ‬عندها‭ ‬وأبدى‭ ‬غضبه‭ ‬بسببها‭ ‬في‭ ‬سياق‭ ‬واحد‭ ‬مع‭ ‬ما‭ ‬تكشف‭ ‬من‭ ‬وثائق‭ ‬وشهادات‭ ‬إسرائيلية،‭ ‬خاصة‭ ‬مذكرات‭ ‬ديفيد‭ ‬بن‭ ‬جوريون‭ ‬مؤسس‭ ‬الدولة‭ ‬العبرية‭.‬

بقدر‭ ‬حجم‭ ‬الأثر،‭ ‬الذي‭ ‬خلفته‭ ‬تلك‭ ‬الحرب،‭ ‬فإن‭ ‬مضاهاة‭ ‬الروايات‭ ‬بكل‭ ‬تقاطعاتها‭ ‬يكشف‭ ‬وينير‭ ‬القصة‭ ‬الكاملة‭ ‬ومدى‭ ‬ما‭ ‬خلفته‭ ‬من‭ ‬جراح‭ ‬عميقة‭ ‬في‭ ‬الوجدان‭ ‬العربي‭ ‬ما‭ ‬زالت‭ ‬ماثلة‭ ‬حتى‭ ‬الآن‭.‬

‭ ‬عندما‭ ‬صدرت‭ ‬للضابط‭ ‬الشاب‭ ‬جمال‭ ‬عبدالناصر‭ ‬أوامر‭ ‬الانسحاب‭ ‬من‭ ‬الخليل‭ ‬يوم‭ ‬الخميس‭ ‬21‭ ‬أكتوبر‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يلغي‭ ‬ما‭ ‬كتبه‭ ‬عن‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬دفتر‭ ‬يومياته‭: ‬حيث‭ ‬يقول‭:‬

‮«‬‭..‬إن‭ ‬انسحابنا‭ ‬سيعرّض‭ ‬جميع‭ ‬السكان‭ ‬في‭ ‬عراق‭ ‬سويدان‭ ‬وبيت‭ ‬جبرين‭ ‬إلى‭ ‬التشريد‮»‬

‮«‬تصورت‭ ‬منظر‭ ‬الأطفال‭ ‬والنساء‭ ‬والعائلات‭ ‬عند‭ ‬انسحابنا‮»‬‭.‬

نقف‭ ‬الآن‭ ‬أمام‭ ‬نفس‭ ‬المآسي‭ ‬الإنسانية‭ ‬بصورة‭ ‬مضاعفة‭ ‬آلاف‭ ‬المرات‭.‬

إذا‭ ‬كان‭ ‬هناك‭ ‬من‭ ‬يعتقد‭ ‬أن‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬سيعود‭ ‬إلى‭ ‬عهده‭ ‬القديم‭ ‬بعد‭ ‬توقف‭ ‬النيران‭ ‬فهو‭ ‬واهم‭.‬

ثم‭ ‬كتب‭ ‬بخط‭ ‬يده‭: ‬‮«‬سنقاوم‭ ‬إلى‭ ‬آخر‭ ‬رجل‭.. ‬لقد‭ ‬فقدنا‭ ‬الإيمان‭ ‬في‭ ‬قيادة‭ ‬الجيش‭.. ‬وقيادة‭ ‬البلاد‮»‬‭..‬

في‭ ‬هذه‭ ‬اللحظة‭ ‬ولدت‭ ‬الثورة‭ ‬في‭ ‬قلب‭ ‬رجل‭ ‬واستقر‭ ‬عزمه‭ ‬على‭ ‬إعادة‭ ‬تأسيس‭ ‬تنظيم‭ ‬‮«‬الضباط‭ ‬الأحرار‮«‬‭.‬

تكاد‭ ‬تكون‭ ‬تلك‭ ‬العبارات‭ ‬الصريحة‭ ‬لضابط‭ ‬في‭ ‬ميدان‭ ‬قتال‭ ‬ــ‭ ‬بدواعي‭ ‬غضبها‭ ‬ــ‭ ‬البداية‭ ‬الحقيقية‭ ‬لقصته‭ ‬كلها،‭ ‬كأنها‭ ‬نقطة‭ ‬تنوير‭ ‬مبكرة‭ ‬في‭ ‬نص‭ ‬روائي‭ ‬طويل‭.‬

لا‭ ‬شيء‭ ‬يولد‭ ‬في‭ ‬التاريخ‭ ‬من‭ ‬فراغ‭. ‬وإذا‭ ‬لم‭ ‬ندرك‭ ‬الحقائق‭ ‬كما‭ ‬هي‭ ‬نكون‭ ‬كمن‭ ‬يغالط‭ ‬نفسه‭ ‬بالأوهام‭ ‬المحلّقة‭.‬

{ كاتب‭ ‬صحفي‭ ‬مصري

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا