بعد انهيار اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفيتية وتفككه وانقسامه إلى خمس عشرة جمهورية مستقلة في بدايات تسعينيات القرن الماضي عاشت هذه الجمهوريات مرحلة انتقالية صعبة للغاية خصوصا جمهوريات آسيا الوسطى التي كانت تعتمد اعتمادا كليا على مساعدات المركز ضمن الميزانية الاتحادية لبلاد السوفييت حيث وجدت أغلب الجمهوريات السوفيتية السابقة نفسها في حالة من الفوضى وغياب الأمن وسيطرة المافيا وانتشار الفساد الإداري والمالي في ظل انسداد الأفق خصوصا في أوساط الشباب الذي كان يعاني من البطالة بعد أن وصلت إلى مستويات عالية فضلا عن تراجع الخدمات الأساسية التي تقدمها الدولة مثل التعليم والصحة والحماية الاجتماعية.
وحتى الجمهوريات السوفيتية الأخرى بما فيها روسيا الاتحادية قد تضررت من تداعيات الانهيار المدوي والسريع للاتحاد الذي جمع جمهوريات متعددة الأعراق والقوميات على مدار سبعة عقود من الزمان تحت المظلة السوفيتية إلى إن عادت الأمور إلى طبيعتها وتجاوزت أغلب الجمهوريات المرحلة الانتقالية مع بداية الألفية الثالثة.
إلا أن مشكلة البطالة ظلت أكبر المشكلات التي تعاني منها شعوب الجمهوريات السوفيتية السابقة، ولذلك رأى أغلب الشباب العاطل في هذه الجمهوريات روسيا الاتحادية ملاذا لهم للهروب من شبح البطالة الذي يعيشون فيه في ظل عجز دولهم عن توفير فرص عمل لهم مستغلين التسهيلات التي قدمت لمواطني الجمهوريات السوفيتية السابقة للتنقل فيما بينها بكل سهولة ويسر ودون تعقيدات مع إمكانية الإقامة في أي جمهورية من جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق، ولذلك نرى اليوم ملايين الشباب من الجمهوريات السوفيتية السابقة وخصوصا جمهوريات آسيا الوسطى يعملون في مختلف الأماكن ويشغلون الوظائف التي يوفرها سوق العمل الروسي ويعزف عنها المواطنون الروس لتكون محصورة على العمالة الوافدة من هذه الجمهوريات.
وللهجرة إلى روسيا لا بد من اتقان اللغة الروسية لتسهيل عملية العيش والتأقلم مع الحياة في روسيا ولذلك فإن أعدادا من الشباب يلتحقون بالمدارس الروسية في بلدانهم لتكون اللغة الروسية وسيلة أساسية للحصول على فرصة عمل في مناطق ومدن روسيا المختلفة والاستفادة من الشواغر والوظائف التي يحتاجها سوق العمل الروسي خصوصا وإن روسيا دولة كبيرة مترامية الأطراف وعدد سكانها لا يتجاوز 147 مليون نسمة وتشهد حركة عمرانية كبيرة وعملية تحسين البنية التحتية لمختلف المدن الروسية في ظل عزوف الشباب الروس عن العديد من الوظائف ليحتلها شباب الجمهوريات السوفيتية السابقة وخصوصا القادمين من جمهوريات آسيا الوسطى في مجال البناء والإنشاءات وسائقي الشاحنات وسائقي سيارات الأجرة والعاملين في مجال الفندقة والمطاعم حيث من النادر جدا أن ترى مواطنا روسيا يشغل مثل هذه الوظائف التي أصبحت قصرا على الوافدين من العمالة الأجنبية، وتشير الإحصائيات الصادرة عن وزارة الداخلية الروسية إلى أن أعداد العمالة الوافدة في روسيا قد بلغت 7 ملايين شخص ومع ذلك فإن السوق الروسية قادرة على استيعاب أعداد أكبر ولذلك فإن القادمين إلى روسيا للعمل لا يجدون صعوبة في الحصول على فرصة عمل بل إن الحكومة الروسية بصدد تقديم المزيد من التسهيلات للراغبين في العمل فيها وحتى الجماعات والأحزاب التي كانت ضد استخدام العمالة الأجنبية بدأت في إعادة النظر في وجهة مواقفها من العمالة الأجنبية نظرا إلى الحاجة الشديد للعمالة الأجنبية لتلبية احتياجات سوق العمل الروسي.
زيادة الطلب على العمالة الأجنبية كان لها انعكاسات إيجابية على العمال الأجانب حيث أدت إلى زيادة رواتبهم إلا أن المشكلة الرئيسية التي تواجهها العمالة الأجنبية في روسيا مشكلة السكن وارتفاع الإيجارات خصوصا في المدن الكبيرة مثل موسكو وسانت بطرسبورج مما يضطر العمال للسكن في شقق صغيرة بأعداد كبيرة.
إن العمالة الأجنبية تسهم بكل إيجابية في الحركة الإنشائية والعمرانية الروسية وفي مجال الخدمات ولا تشكل عبئا على الدولة الروسية ولا على المجتمع الروسي وكل المؤشرات تؤكد أن روسيا سوف تستمر في الاعتماد على العمالة الوافدة من الجمهوريات السوفيتية السابقة في الحاضر والمستقبل في ظل محدودية سكان روسيا كما أسلفنا وازدهار الحركة الإنشائية والاقتصادية والتجارية في روسيا واحتياجات سوق العمل الروسي إلى المزيد من الوظائف.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك