في الوقتِ الذي كانَ فيهِ حضرةُ صاحبِ الجلالةِ الملكْ حمد بن عيسى آل خليفة، ملكِ مملكةٍ البحرين المعظمَ، حفظهُ اللهُ ورعاهُ، يجلسَ معَ أبنائهِ وأحفادهِ، بعدٌ أداءِ صلاةِ الجمعةِ، الموافقَ 27 أكتوبر 2023، يبتهلَ إلى اللهِ تعالى أنْ يحفظَ أطفال غزةَ بالخيرِ، وأنْ يمنَ اللهُ بالشفاءِ على المصابينَ منهمْ وأنْ يبعدهمْ اللهُ عنْ الخطرِ، ضاربا مثالاً واضحا وصريحا ومعبرا عنْ خطابِ المحبةِ الذي يؤكدُ تاريخِ مملكةٍ البحرينْ الثقافيَ العريقِ القائمِ على التسامحِ والتعايشِ السلميِ، كانَ الكيانُ الصهيونيُ يبثُ، عبرَ بعضِ وكالاتِ الإعلامِ ومنصاتِ التواصلِ الاجتماعيِ، خاصةً باللغةِ العبريةِ، خطاباتُ الكراهيةِ العنصريةِ والتحريضِ على العنفِ والتي تنزعُ صفةَ الإنسانيةِ، تحريضا للغربِ ضد الفلسطينيينَ، ضاربةً عرضَ الحائطِ بالمادةِ رقمٍ (13) منْ الأعلان العالمي لحقوقِ الإنسانِ التي تنصُ على إنَ «أيةَ دعايةٍ للحربِ وأيةَ دعوةٍ إلى الكراهيةِ القوميةِ أوْ الدينيةِ واللتينِ تشكلانِ تحريضا على العنفِ المخالفِ للقانونِ، أوْ أيِ عملٍ غيرِ قانونيٍ آخرَ وما يشابههُ ضدَ أيِ شخصِ أوْ مجموعةِ أشخاصٍ، مهما كانَ السببُ، سواءَ أكانَ سببهُ العرق أمْ اللون أوْ الدين أوْ اللغة أوْ الأصل القوميِ، تعد جرائمَ يعاقبُ عليها القانونُ».
يلعب علمُ اللغةِ دورا مهما في فهمِ خطابِ الكراهيةِ وكيفيةِ مكافحتهِ، حيثُ يعرفُ خطاب الكراهيةِ على أنهُ نوعٌ منْ استخدامِ اللغةِ يهدفُ إلى ترويجِ العداءِ والتحاملِ تجاهَ فئةٍ أوْ مجموعةٍ معينةٍ منْ الأفرادِ استنادا إلى أوصافٍ معينةٍ مثلٍ العرقِ أوْ الديانةِ أوْ الجنسِ، ويتضمنَ خطابُ الكراهيةِ استخدام مفرداتِ ومصطلحاتِ مسيئةٍ ومهينةٍ تشجعُ على التمييزِ والعنفِ ضدَ الفئةِ المستهدفةِ.
لعب الكيانِ الصهيونيِ في الأرضِ المحتلةِ دورا مستمرا على مرِ العقودِ في نشرِ خطابِ الكراهيةِ ضد الفلسطينيين منذُ استيلائهِ على أراضيهمْ. وتجلى ذلكَ بوضوحِ منْ خلالِ تصريحاتِ حاخاماتها وزعمائها، وكذلكَ منْ خلالِ تنفيذِ قوانينَ تمييزيةٍ واستخدامِ وسائلِ الإعلامِ، بما في ذلكَ الصحفُ والإذاعاتُ والتلفزيونُ، لنشرِ صورةٍ سلبيةٍ عنْ الفلسطينيينَ وتصويرهمْ على أنهمْ «غيرُ متقدمينَ» و«متخلفينَ». إلى أنَ وصفَهم أحد قياداتِ هذا الكيانِ الفلسطينيينَ «بالحيواناتِ البشريةِ.» ويؤكدَ هذا الوصفِ نظرةَ الحركةِ الصهيونيةِ الدونيةِ للفلسطينيينَ، فرواياتها منذُ نشأتها قائمةً على شيطنة الفلسطينيَ وتحقيرِ عاداتهِ وإظهارهُ أنهُ شرسٌ. لقدْ بدأَ خطابُ الكراهيةِ الصهيونيِ بعبارةِ «أرضٍ بلا شعبٍ، لشعبٍ بلا أرضِ.» التي روجَ لها زعماءُ الحركةِ الصهيونيةِ مثلٍ إسرائيلَ زانجويلْ وثيودورْ هيرتزلْ. ونتجَ عنْ هذهِ العبارةِ مصطلحَ الترانسفيرْ أوْ الترحيلِ (Transfer)، وهوَ مصطلحٌ، ظهرَ منْ قبلُ عامِ 1948، يطلقَ على عمليةِ ترحيلِ الفلسطينيينَ منْ بلداتهمْ وقراهمْ داخلَ الأراضي المحتلةِ سواءٌ إلى مناطقَ داخليةٍ أخرى أوْ إلى خارجِ البلادِ.
والجديرَ بالذكرِ أيضا أنَ لهجةَ قياداتِ الكيانِ الصهيونيِ تغذي خطابَ الكراهيةِ والتحريضِ على العنفِ للقضاءِ على الفلسطينيينَ الذينِ يطلقونَ عليهمْ «الأغيارُ»، وهوَ مصطلحٌ دينيٌ يهوديٌ يطلقهُ اليهودُ على غيرِ اليهودِ، مما يحفزُ المؤيدينَ على نشرِ آلافِ التغريداتْ والتعليقاتُ التي يطالبونَ فيها بقتلِ الفلسطينيين وهدمِ بيوتهم وقتلَ الأطفال في الضفةِ الغربيةِ والقدسِ المحتلةِ وقطاعِ غزةَ، وتمجيدَ القتلةِ ورفضهمْ محاكمتهمْ وتحويلهمْ إلى أبطالٍ.
ونتيجةَ لنشرِ الكيانِ الصهيونيِ لخطابِ الكراهيةِ ضد الفلسطينيينَ، نجدُ أنهُ في عامِ 2000، خلالَ انتفاضةِ الأقصى، قام تلاميذ المدارسِ الحكوميةِ اليهوديةِ بإرسالِ رسالةٍ، نشرتها صحيفةٌ يديعوتْ أحرنوتْ العبريةُ، إلى الجنودِ الإسرائيليينَ عندَ هجومهمْ على طولكرم، تقولَ: «عزيزي الجنديَ، تجاوزُ كلِ القوانينِ واقتلْ أكبرَ عددٍ منْ العربِ، فالعربيُ الطيبُ هوَ العربيُ الميتُ، فليحترقْ كلُ الفلسطينيينَ».
ومنْ أمثلةِ خطابِ الكراهيةِ الصهيونيِ أيضا، إصدارُ مجموعةٍ منْ الحاخاماتِ عامَ 2005 فتاوى بعدمِ الترددِ في المسِ بالمدنيينَ الفلسطينيينَ، ودعوةُ الكيانِ الصهيونيِ وجيشهِ إلى العملِ بحسبِ مبدأ: «منْ يقدمُ إليكَ لقتلكَ، سارعَ واقتلهُ.» وفي 2016 أصدرَ أحدُ الحاخاماتِ فتوى تجيزُ قتلَ الفلسطينيينَ بطريقةٍ «الإمساكِ برأسهِ وضربهِ مرارا بالأرضِ حتى يتفتتَ». وفي عامِ 2019 أفتى حاخامٌ آخرُ بأنَ «السادةَ همْ اليهودُ والعبيدُ همْ العربُ، والأفضلَ بالنسبةِ إليهمْ أنْ يكونوا عبيدا لليهودِ؛ فالعربيَ يحبُ أنْ يكونَ تحتَ الاحتلالِ.» بالإضافةِ إلى ذلكَ، يعززَ الكيانُ الصهيونيُ خطابُ الكراهيةِ ضد الفلسطينيينَ عبرَ المناهجِ التعليميةِ التي تغذي عقولَ صغارهمْ داخلَ مدارسهمْ على العنفِ وقتلٍ الفلسطينيِ، وتظهرهُ في صورٍ مهينةٍ كإرهابيٍ ولاجئٍ ومزارعٍ بدائيٍ، والجديرُ بالذكرِ أيضا، أنَ خطابَ الكراهيةِ الصهيونيِ العنصريِ نجحَ في استقطابِ ملايينِ المتابعينَ عبرَ مواقعِ التواصلِ الاجتماعيِ التي وصفَ فيها الفلسطيني «بالمخربِ والإرهابيِ،» وقدْ أدى ذلكَ إلى حشدِ هجماتٍ عنيفةٍ وتحريضيةٍ ضد الفلسطينيينَ على الفضاءِ الرقميِ، أدتْ إلى عنفٍ على أرضِ الواقعِ.
ونرصدُ أيضا ضمنَ خطابِ الكراهيةِ الصهيونيِ، نعتُ الإعلاميِ الصهيونيِ يارونْ لندن الفلسطينيينَ بأنهمْ «وحوشٌ بشريةٌ» و«قتلةً»، ونرصدُ أيضا تغريدةَ روني ساسوفرْ، مرشحةُ حزبِ «يمينا» المتطرفَ للكنيستِ، على تويترْ، حيثُ ذكرتْ أنَ جدتها المتوفاةَ كانتْ دائما على صوابِ بتكرارها بعض العباراتِ، مثلٌ «العربيِ الوحيدِ الجيدِ هوَ الميتُ،» وهيَ جملةٌ منقوشةٌ جيدا في الفولكلورِ الصهيونيِ.
يشيرَ تحليلُ خطابِ الكراهيةِ الصهيونيِ السابقِ ذكرَ نتائجهُ إلى أنَ المجتمعَ الصهيونيَ مصابٌ بالعنصريةِ والتعالي. وأحدَ أسبابِ ذلكَ، كما ذكرَ اوريتْ لفي نسيئيلْ، الكاتبُ اليهوديُ اليساريُ، في جريدةِ معاريفْ اليهوديةِ، يكمنَ في حملةٍ صهيونيةٍ قديمةٍ، كانتْ أساسا في تطورِ الفكرِ العنصريِ اليهوديِ، تبنتْ شعاريٍ «نحنُ شعبٌ مختارٌ» و«نحنُ شعبٌ مميزٌ.»
أخيرا وليسَ آخرا، منْ خلالِ هذا المنبرِ الإعلاميِ الوطنيِ، نجددُ دعوتنا إلى المجتمعِ الدوليِ لاتخاذِ موقفٍ قويٍ وحازمٍ ضدَ خطابِ الكراهيةِ والتحريضِ الصهيونيِ، الذي يشجعُ على العنفِ والصراعِ في فلسطينَ المحتلةِ وينتهكُ الأعرافَ والقيمَ الإنسانيةَ. كما نثمنُ الدعوةُ الملكيةُ الساميةُ، التي أطلقها حضرةَ صاحبِ الجلالةِ الملك حمد بن عيسى آل خليفة، ملكُ البلادِ المعظمِ، حفظهُ اللهُ ورعاهُ، في كلمتهِ الساميةِ خلالَ افتتاحِ اجتماعاتِ الجمعيةِ العامةِ للاتحادِ البرلمانيِ الدوليِ في دورتها السادسةِ والأربعينَ بعدَ المائةِ، والتي عقدتْ في مملكةٍ البحرينْ في شهرِ مارسَ الماضي، لإقرارِ اتفاقيةٍ دوليةٍ تجرم خطاباتِ الكراهيةِ الدينيةِ والطائفيةِ والعنصريةِ بجميعِ صورها. حفظُ اللهِ فلسطينَ وأهلها ومملكةِ البحرينِ وجميعِ البلدانِ العربيةِ.
{ أستاذَ اللغوياتِ المشاركِ
زميلُ أكاديميةِ التعليمِ العالي البريطانيةِ
عضو جمعيةِ البحرينِ للإنماءِ والتطويرِ
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك