يبدو أن الرئيس الأمريكي جو بايدن لن يسلم من شظايا الحرب التي جاءته من المنطقة التي لم يكن يتوقعها، المنطقة التي تعرضت لظلمه واحتقاره فهو القائل «الوقت لم يحن لمحادثات فلسطينية إسرائيلية» فجاءته الحرب بديلاً في العام الأخير للولاية الأولى من حكمه وهو يتجهز للانتخابات فقد كان يترنح قبل هذه الحرب ولكن الآن يتأهب الناشطون المؤيدون للفلسطينيين لمعاقبته بسقوط مريع.
في مواجهة المغامر السياسي دونالد ترامب صاحب صفقة القرن التي هدفت إلى تصفية القضية الفلسطينية تجندت الجالية العربية وكذلك مسلمو الولايات المتحدة والمؤيدون للحقوق الفلسطينية لتحسم الأمر لصالح مرشح الحزب الديمقراطي آنذاك جو بايدن، وبدا أن هناك قدراً من التفاؤل ساد في أوساط الناشطين لكن آمالهم خابت مبكراً إلى أن تعرضت لضربة مميتة بعد موقف الرئيس من عمليات القتل المروعة التي تجري في غزة ليتحول التأييد إلى رغبة في الانتقام ستترجم نفسها في الخامس من نوفمبر بعد عام تماماً.
هذه الحرب كانت أشبه بزلزال أصاب وسيصيب كثيراً من الطوابق السياسية وستهز نتائج هزاته الارتدادية كثيراً من مكاتب السياسة في العالم.
فقد كانت اختباراً أخلاقياً سقط فيه الكثيرون أمام شعوبهم، وإذا كان العالم قد أصيب بصدمة بعد حديث نتنياهو الأولي عن قتل حماس لأطفال ها هي إسرائيل تسلّمه آلافاً من جثث الأطفال فيصاب العالم بسكتة الكلام.. هنا ازدواجية النظر إلى الشعوب والتمييز الصارخ في الموت.
أعطى بايدن إسرائيل رخصة قتل المدنيين وتلك قصة لن يتسامح معها الناخبون الذين تجندوا للعمل معه بصرف النظر عن المنافس ترامب. فقد رد أحد النشطاء على احتجاج الحزب الديمقراطي المصدوم بالنشاط الفلسطيني ضد مرشحه بأن هذا يخدم ترامب قائلاً: أنا لا أرى أمامي سوى أن هناك مائتي طفل فلسطيني يقتلون يومياً بغطاء من بايدن، هكذا هو الأمر هناك.
وضع بايدن يتدهور في الشارع الأمريكي وتلاحقه الاحتجاجات أينما حل ويطبع النشطاء ملصقات ضده، ويتدهور وضعه أيضاً في الحزب الديمقراطي نفسه. لذا بدأت الإدارة تدرك حجم الخسارة القادمة بلا ريب ليحدث التشقق لأول مرة في الموقف الأمريكي ممن يمتطي حصان نتنياهو نحو المطالبة بهدنة إنسانية بدأت تتحدث بها الإدارة وأرسلت كبير الدبلوماسية الأمريكية أنتوني بلينكن إلى المنطقة ليتفاهم مع نتنياهو ثم تطلب الإدارة تفسيراً من إسرائيل حول الضربات على مخيم اللاجئين جباليا وتتحدث عن تجنيب المدنيين ويلات الحرب.
أفاق الحزب الديمقراطي بعد شهر وهو يرى الانقلاب الذي يهدد مخدع بايدن في البيت الأبيض وسيلقي بالديمقراطيين إلى الشارع، وهو تهديد جدي أكدته الاستطلاعات والنشاط المضاد حد العظم من فئة انتخابية من العرب والمسلمين رجحت فوزه في ثلاث ولايات متأرجحة.
يقول أحد النشطاء إن الفلسطينيين وحدهم في تلك الولايات يحسمون النتيجة، وبالقطع ينتظر الفلسطينيون وحلفاؤهم لحظة الانتقام. تلك وحدها هي ما سيؤثر في الحرب حتى وإن كان وقفها يعني هزيمة إسرائيل وفقدانها أوراق الضغط، لأن وقف الحرب بما هي عليه تعني هزيمة مدوية.
ولن يهم إدارة الديمقراطيين هذا الأمر فالولايات المتحدة حين تتعرض مصالحها للخطر تدوس أقرب حلفائها، وما بين أن تكون إسرائيل ضحية أو يكون حاكم البيت الأبيض هو الضحية ستتم التضحية بنتنياهو وحكومته، خاصة أن الولايات المتحدة هي من يتكفل بحماية إسرائيل ولن تكون معنية باستعادتها للردع خاصة بعد انكشافها في السابع من أكتوبر الماضي.
والحقيقة إنه ربما تُشكل اللحظة فرصة لبايدن لتدارك نفسه وتصويب الأمر في العام المتبقي باستغلال تلك اللحظة التي نشأت أو صنعتها الحرب للقفز نحو حلول سياسية مستنداً على تغيرات مهمة أحدثتها الحرب التي يجب أن ترغم إسرائيل على النزول كثيراً عن معاندتها لأي تنازلات سياسية، فهي في أضعف حالاتها حيث تختبئ تحت المعطف الأمريكي .الرأي العام الأمريكي بدأ يعاقب بايدن فقد أظهر استطلاع معهد جالوب هبوطاً في شعبيته بعد السابع من أكتوبر وبين العموم والحزب الحاكم ما يعني هزيمته المحققة.
والأبعد من ذلك هو الرغبة العارمة التي يبديها الرأي العام الأمريكي بوقف إطلاق النار. فحسب استطلاع مؤسسة »بيانات من أجل المستقبل« أن 66 % من الأمريكيين يؤيدون وقف إطلاق النار وترتفع النسبة بين الديمقراطيين لتصل إلى 80 % وبالتالي باتت إدارة بايدن - بلينكن في حالة انفصال عن كل شيء ما يضعها في موقف لا تحسد عليه.
لا يمكن فصل زيارة وزير الخارجية الأمريكي الأخيرة بتلك الملامح الباهتة ولغة الجسد الواضحة عن مأزق الإدارة الأمريكية التي بدأ بعض تصريحاتها يعكس عمق أزمتها. فهي من غطى كل تلك المجازر وأصبحت في حالة عداء حد الانتقام مع كتلة كبيرة من ناخبيها، تلك الكتلة التي تعلن أنها ستصفي حساباً عسيرا مع البيت الأبيض.
والفوز في الانتخابات بالنسبة إلى الحزب الديمقراطي هدفه الأكبر من إسرائيل نفسها... ذلك الهدف بات مهدداً بعد الانزلاق الأمريكي بهذا الشكل الغبي والذي تحتاج إلى الكثير لترميمه هذا إن نجحت وأقل شيء لإدارة بايدن هو فتح ملف حل الدولتين بشكل فعلي لا مناور في الفترة القصيرة المتبقية، هذا إذا أسعفها الوقت وإلا ستجد نفسها في الشارع.
{ كاتب من فلسطين
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك