يوما بعد يوم يتضح حجم الجنون والمكابرة الإسرائيلية في الاعتراف بهزيمة طوفان الأقصى. فبعد الخسائر البشرية والمادية الكبيرة التي تتكبدها إسرائيل خلال عمليتها البرية في قطاع غزة، وبعد ظهور كفاءة أنفاق حركة حماس وتحولها إلى عامل مغير في معادلة الصراع والتي منحت جنود القسام امتياز الهجوم على الدبابات العسكرية الإسرائيلية من النقطة صفر، غيّرت إسرائيل من استراتيجيتها الإعلامية والعسكرية لتتوجه إلى التهديد باستخدام السلاح النووي ضد قطاع غزة.
ما طرحه وزير التراث الإسرائيلي «عميحاي إلياهو»، بأن إسقاط قنبلة نووية على قطاع غزة سيكون أحد خيارات إسرائيل في الحرب على القطاع، يعبر بشكل أو بآخر عن حجم الهزيمة التي تعاني منها إسرائيل بعد السابع من أكتوبر. ولكن يجب القول إن هذه التصريحات لم تكن الأولى ولن تكون الأخيرة بالنسبة إلى الكيان الصهيوني، فالإسرائيليون هددوا باستخدام السلاح النووي في أكثر من مناسبة وهم سيكررون هذا التهديد في المستقبل.
يبدو أنّ التاريخ يعيد نفسه، ففي مثل هذه الأيام من عام 1973، استعدت إسرائيل وبشكل جدي لاستخدام ترسانتها النووية ضد كل من مصر وسوريا، وهي أيضا كانت تمتلك الطائرات المناسبة لحمل هذه الرؤوس النووية (مثل الفانتوم والكفير) لضرب الأراضي السورية والمصرية على حد سواء.
إسرائيل حينها فشلت في مواجهة الجيوش المصرية والسورية في البداية على الرغم من التعاون اللوجستي الفعال مع الولايات المتحدة، فقد تفوقت الجيوش العربية بفضل عنصر المفاجأة ما سمح لها بعبور خطوط المواجهة وتفجير خط «بارليف» على الجبهة المصرية. وشهدت إسرائيل تراجعا مشابها على الجبهة السورية من جهة الجولان ودخلت القوات السورية إلى قرب الحدود الفلسطينية.
إن خطورة الموقف آنذاك دفعت رئيسة الحكومة الإسرائيلية «جولدا مائير» إلى إصدار الأوامر لوزير الدفاع الإسرائيلي «موشي ديان» بتجهيز الأسلحة النووية للاستخدام المباشر. وبالفعل فقد تم اتخاذ كل الإجراءات التحضيرية لاستخدام هذا السلاح، إلا أن الولايات المتحدة فتحت خط إمداد عسكري مفتوح مع إسرائيل ما أسهم في تغير موازين القوى على الأرض. زادت الولايات المتحدة بقيادة نيكسون ووزير خارجيته من مساعداتها إلى إسرائيل عبر تشكيل خلية أزمة سميت بـ«مجلس الأمن القومي» والتي انحصرت مهمتها في منع إسرائيل من الانهيار وتقديم الدعم غير المشروط لها، وهذا كان السبب في تراجع إسرائيل عن استخدام السلاح النووي.
في غزة اليوم، منذ اللحظات الأولى للهزيمة الإسرائيلية في السابع من أكتوبر، شعرت إسرائيل بمدى الهزيمة والذل الذي لم تشهده من قبل. ولذلك فقد أصبح التهديد بالسلاح النووي بوصفه أداة تدمير شامل وغير تقليدي في المواجهات العسكرية عنصرا أساسيا في لغة الخطاب الإسرائيلية الرسمية. وعليه، فلم يكن وزير التراث الإسرائيلي أول من طالب باستخدام الأسلحة النووية ضد الفلسطينيين، بل سبقته إلى ذلك النائبة في الكنيست «تالي غوتلييف»، التي دعت جيش الاحتلال إلى استخدام القوة النووية في قطاع غزة، ردا على هجمات الفصائل الفلسطينية.
النائبة المحسوبة على حزب الليكود، الذي يرأسه نتنياهو، قالت في عدة منشورات على منصة «إكس»، مخاطبة جيشها: «أحثّكم على القيام بكل شيء، واستخدام أسلحة يوم القيامة، بلا خوف، ضد أعدائنا»، مشددة على أن إسرائيل «يجب أن تستخدم كل ما في ترسانتها».
كما اعتبرت أن «انفجارا واحدا يهز الشرق الأوسط سيعيد لهذا البلد كرامته وقوته وأمنه»، وأنه «حان الوقت ليوم القيامة.. حان الوقت لإطلاق صواريخ قوية بلا حدود.. لا تترك حيا على الأرض.. سحق غزة وتسويتها بالأرض بلا رحمة».
إذا وبعد تردد الدعوات إلى استخدام الأسلحة النووية في قطاع غزة يجب الإجابة عن سؤال: ما الهدف من هذه التهديدات؟ وهل إسرائيل جادة في استخدام سلاح يوم القيامة؟
إذا ما أردنا الإجابة عن الشق الأول من السؤال فالهدف واضح للغاية، وهو تغطية الخسائر التي تعرضت لها إسرائيل في السابع من أكتوبر ومحاولة الفرار من العملية العسكرية البرية التي اكتشفت إسرائيل أنها مستنقع لا يمكن الخروج منه بسهولة، خصوصا بعد حرب الشوارع التي يخوضها مقاتلو القسام ضد قوات الاحتلال وبعد الخسائر البشرية الفادحة التي تكبدتها إسرائيل خلال الأسبوع الأول من العملية؛ والتي لم تجرؤ على الكشف عنها دفعة واحدة بل عملت على رفع حصيلة الخسائر بشكل تدريجي.
تكرار التهديدات الرسمية الإسرائيلية باستخدام الأسلحة النووية ضد شعب أعزل في قطاع غزة يدلل على الطبيعة العدوانية اللا متناهية للاحتلال الإسرائيلي، وضرورة التحرك العربي والعالمي الجدي ضد هذا النظام المجرم من جهته، فقد حاول نتنياهو تخفيف حدة الضغط والانتقادات الغربية والعربية، من خلال تعليق مشاركة إلياهو في اجتماعات مجلس الوزراء حتى إشعار آخر. ونحن نرى أنّ هذا الإجراء البسيط وغير المؤثر يدل على خطورة الموقف، إذ إن نتنياهو لم يقم بإقالة وزير التراث الذي صرح بهذه التصريحات، وجُل ما قام به هو تعليق مشاركته في مجلس الوزراء الذي لا يُعقد في مثل هذه الأيام. وهذا ربما يدل على تفكير جدي بالخيار الذي طرحه وزير التراث في الأوساط العسكرية والسياسية الإسرائيلية.
إن تكرار التهديدات الرسمية الإسرائيلية باستخدام الأسلحة النووية ضد شعب أعزل في قطاع غزة يدلل على الطبيعة العدوانية اللا متناهية للاحتلال الإسرائيلي، وضرورة التحرك العربي والعالمي الجدي ضد هذا النظام المجرم.
{ كاتبة وباحثة عراقية
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك