العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

عالم يتغير

فوزية رشيد

منذ النكبة والخصم هو الحكم!

{‭ ‬لعل‭ ‬أهم‭ ‬سؤال‭ ‬تثيره‭ ‬حرب‭ ‬الكيان‭ ‬الصهيوني‭ ‬والغرب‭ ‬على‭ ‬‮«‬غزة‮»‬،‭ ‬هو‭ ‬ما‭ ‬يدور‭ ‬بين‭ ‬شعوب‭ ‬العالم‭ ‬اليوم‭: ‬لماذا‭ ‬تم‭ ‬إعطاء‭ ‬فلسطين‭ ‬للصهاينة؟‭! ‬ولماذا‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬رغم‭ ‬قرارات‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬لم‭ ‬تجد‭ ‬هذه‭ ‬القضية‭ ‬الحلّ‭ ‬العادل‭ ‬منذ‭ ‬75‭ ‬عاماً،‭ ‬رغم‭ ‬الاعتراف‭ ‬العربي‭ ‬بدولة‭ ‬الكيان،‭ ‬التي‭ ‬جاءت‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬‮«‬الانتداب‭ ‬البريطاني‮»‬‭ ‬على‭ ‬فلسطين،‭ ‬الذي‭ ‬جاء‭ ‬بدوره‭ ‬‮«‬بوعد‭ ‬بلفور‮»‬‭ ‬تم‭ ‬تأسيس‭ ‬الكيان‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬عام‭ ‬1948؟‭!‬

الآن‭ ‬يبدو‭ ‬أن‭ ‬‮«‬الوعي‭ ‬العالمي‮»‬‭ ‬وكأنه‭ ‬يستيقظ‭ ‬على‭ ‬مأساة‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭! ‬فبدأ‭ ‬يبحث‭ ‬عن‭ ‬جذور‭ ‬المشكلة،‭ ‬وعن‭ ‬تعقيداتها‭! ‬وعن‭ ‬سلوكيات‭ ‬‮«‬المحتل‭ ‬الصهيوني‮»‬‭ ‬الذي‭ ‬تجلى‭ ‬بكامل‭ ‬وحشيته‭ ‬وهمجيته،‭ ‬في‭ ‬الحرب‭ ‬القائمة‭ ‬اليوم‭ ‬على‭ ‬إبادة‭ ‬غزة‭ ‬وأهلها،‭ ‬وترك‭ ‬الخيار‭ ‬لهم‭ ‬بين‭ (‬التهجير‭ ‬أو‭ ‬الموت‭) ‬في‭ ‬ظل‭ ‬استمرار‭ ‬المذابح‭ ‬والمجازر‭ ‬على‭ ‬مدار‭ ‬الساعة،‭ ‬حتى‭ ‬أصبحت‭ ‬مشاهد‭ ‬قتل‭ ‬الأطفال‭ (‬أيقونة‭) ‬في‭ ‬العالم‭ ‬كله‭! ‬

{‭ ‬للإجابة‭ ‬عن‭ ‬السؤال‭ ‬أعلاه،‭ ‬وفي‭ ‬ظل‭ ‬اختلال‭ ‬موازين‭ ‬القوى‭ ‬العالمية،‭ ‬التي‭ ‬جعلت‭ (‬النظام‭ ‬العالمي‭) ‬يقع‭ ‬في‭ ‬يد‭ ‬الغرب،‭ ‬ومع‭ ‬تراجع‭ ‬‮«‬الاستعمار‭ ‬البريطاني‮»‬‭ ‬عن‭ ‬العالم،‭ ‬انتقلت‭ ‬القيادة‭ ‬إلى‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬بعد‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الثانية،‭ ‬فإن‭ ‬العرب‭ ‬الذين‭ ‬دخلوا‭ ‬حرب‭ ‬48‭ ‬ولم‭ ‬يتمكنوا‭ ‬من‭ ‬صد‭ (‬عملية‭ ‬اختطاف‭ ‬فلسطين‭) ‬توالت‭ ‬الحروب‭ ‬بينهم‭ ‬وبين‭ ‬الكيان‭ ‬الصهيوني‭ ‬في‭ ‬1956،‭ ‬ثم‭ ‬1976،‭ ‬ثم‭ ‬1973،‭ ‬لتبدأ‭ ‬اتفاقيات‭ ‬‮«‬كامب‭ ‬ديفيد‮»‬،‭ ‬وبعدها‭ ‬‮«‬وادي‭ ‬عربة‮»‬،‭ ‬ثم‭ ‬‮«‬أوسلو‮»‬‭ ‬لتنتهي‭ ‬بتطبيع‭ ‬بعض‭ ‬الدول‭ ‬العربية،‭ ‬ولتصبح‭ (‬اتفاقيات‭ ‬أوسلو‭) ‬ملغاة،‭ ‬لأن‭ ‬‮«‬الكيان‭ ‬الصهيوني‮»‬‭ ‬لا‭ ‬يريد‭ ‬الاعتراف‭ ‬بأي‭ ‬حق‭ ‬للفلسطينيين‭ ‬رغم‭ ‬أنها‭ ‬كقضية‭ ‬هي‭ ‬جذر‭ ‬كل‭ ‬المشاكل‭ ‬في‭ ‬المنطقة،‭ ‬ولتأخذ‭ ‬المماطلة‭ ‬مجرياتها‭ ‬المعقدة‭ ‬منذ‭ ‬التسعينيات‭ ‬حتى‭ ‬اليوم‭! ‬وحتى‭ ‬تصل‭ ‬الأمور‭ ‬إلى‭ ‬محاولة‭ (‬تهجير‭ ‬الفلسطينيين‭) ‬من‭ ‬أرضهم‭ ‬تماماً‭! ‬وتتحول‭ ‬دولة‭ ‬الكيان‭ ‬المغتصب‭ ‬إلى‭ ‬وطن‭ ‬خالص‭ ‬لليهود‭ ‬بعدها‭ ‬باسم‭ (‬الدولة‭ ‬اليهودية‭!) ‬وليستمر‭ ‬معها‭ ‬حلم‭ ‬‮«‬إسرائيل‭ ‬الكبرى‮»‬‭ ‬والعمل‭ ‬على‭ ‬تحقيقه‭ ‬على‭ ‬الجغرافيا‭ ‬العربية‭!‬

{‭ ‬وطوال‭ ‬وقت‭ ‬المفاوضات‭ ‬عبر‭ ‬العقود‭ ‬الماضية،‭ ‬كانت‭ (‬أمريكا‭) ‬هي‭ (‬الراعي‭ ‬الرسمي‭) ‬للبحث‭ ‬عن‭ ‬السلام‭! ‬فيما‭ ‬الكل‭ ‬يعرف‭ ‬أن‭ ‬زرع‭ ‬الكيان‭ ‬في‭ ‬المنطقة،‭ ‬هو‭ ‬لجعلها‭ (‬حربة‭ ‬متقدمة‭ ‬على‭ ‬الأرض‭ ‬العربية‭ ‬للاستعمار‭ ‬الأمريكي‭ ‬والغربي‭ ‬نفسه‭)! ‬وبذلك‭ ‬فإن‭ ‬الغرب‭ ‬بقيادة‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬كان‭ ‬هو‭ ‬الخصم‭ ‬طوال‭ ‬الوقت،‭ ‬والذي‭ ‬توهم‭ ‬العرب‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬عادلا‭ ‬في‭ ‬حكمه‭ ‬ليعم‭ ‬السلام‭ ‬المنطقة‭! ‬ولكن‭ ‬حين‭ ‬يكون‭ (‬الخصم‭ ‬هو‭ ‬الحكم‭) ‬فإن‭ ‬ذلك‭ ‬هو‭ ‬بالتحديد‭ ‬ما‭ ‬يجعل‭ ‬الأرض‭ ‬ساحة‭ ‬مفتوحة‭ (‬لكل‭ ‬أشكال‭ ‬المماطلات‭ ‬والمكر‭ ‬الاستعماري،‭ ‬والمطبات،‭ ‬وبيع‭ ‬الكلام‭ ‬المعسول‭ ‬والوعود‭) ‬فيما‭ ‬أرض‭ ‬الواقع‭ ‬تزخر‭ ‬بالصراعات‭ ‬والأزمات‭ ‬والحروب‭ ‬والفتن،‭ ‬التي‭ ‬يرعاها‭ ‬ويفتعلها‭ (‬الخصم‭ ‬الحكم‭) ‬نفسه‭! ‬لأن‭ ‬مصالحه‭ ‬ليس‭ ‬في‭ ‬إشاعة‭ ‬السلام‭ ‬حتى‭ ‬بعد‭ ‬قبول‭ ‬العرب‭ ‬بوجود‭ ‬الكيان‭ ‬بسبب‭ ‬الضعف‭ ‬العربي‭ ‬أو‭ ‬ربما‭ ‬بسبب‭ ‬إضعاف‭ ‬العرب‭ ‬لأنفسهم‭ ‬أمام‭ ‬التهديدات‭ ‬والمخاطر‭ ‬الوجودية‭! ‬وتدرجهم‭ ‬في‭ ‬النزول‭ ‬من‭ ‬سلم‭ ‬التحديات،‭ ‬ليصبح‭ ‬هدف‭ (‬الخصم‭ ‬الحكم‭) ‬هو‭ ‬استمرار‭ ‬الصراعات‭ ‬وإدارة‭ ‬الأزمات‭ ‬وليس‭ ‬حلها‭! ‬وهذا‭ ‬كان‭ ‬الواقع‭ ‬طوال‭ ‬العقود‭ ‬الماضية،‭ ‬مع‭ ‬استمرار‭ ‬الممارسات‭ ‬الإجرامية‭ ‬للكيان‭ ‬الصهيوني‭ ‬ضد‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭! ‬لتعود‭ ‬اليوم‭ ‬القضية‭ ‬كما‭ ‬بدأت‭ ‬في‭ ‬1948‭ (‬النكبة‭ ‬الأولى‭) ‬ولكن‭ ‬بمحاولة‭ ‬الكيان‭ ‬ودعم‭ ‬الغرب‭ ‬له‭ ‬لتحقيق‭ (‬النكبة‭ ‬الثانية‭)‬،‭ ‬وتصفية‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية‭! ‬

{‭ ‬إن‭ ‬القضايا‭ ‬الجوهرية‭ ‬والأساسية‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬العربية‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬ولا‭ ‬يتم‭ ‬التعامل‭ ‬معها‭ ‬برؤية‭ ‬استراتيجية‭ ‬وعربية‭ ‬موحدة،‭ ‬وبإرادة‭ ‬سياسية‭ ‬واعية‭ ‬لخطورة‭ ‬ما‭ ‬يحدث‭ ‬وما‭ ‬حدث‭ ‬من‭ ‬تمزق‭ ‬للدول‭ ‬العربية،‭ ‬طوال‭ ‬العقود‭ ‬الماضية‭ (‬سرعان‭ ‬ما‭ ‬ترتد‭ ‬على‭ ‬المنطقة،‭ ‬وهي‭ ‬تحمل‭ ‬في‭ ‬جوفها‭ ‬كل‭ ‬المخاطر‭ ‬وجذور‭ ‬المشكلة‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬يتم‭ ‬حلها،‭ ‬وإنما‭ ‬تم‭ ‬تمييعها‭ ‬عبر‭ ‬سنوات‭ ‬طويلة‭)! ‬وبعد‭ ‬ذلك‭ ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬استفاق‭ ‬العرب‭ ‬أو‭ ‬بعضهم‭ ‬لعوامل‭ ‬القوة،‭ ‬فإن‭ ‬المنطقة‭ ‬العربية‭ ‬بسبب‭ ‬التعامل‭ ‬معها‭ ‬كقطعة‭ ‬واحدة‭ ‬من‭ ‬الأعداء،‭ ‬رغم‭ ‬تعدد‭ ‬دولها‭ ‬واختلاف‭ ‬التوجهات‭ ‬فيها،‭ ‬ووقوع‭ ‬بعضها‭ ‬في‭ ‬فخ‭ ‬الولاءات‭ ‬الخارجية‭ ‬بسبب‭ ‬إيران‭ ‬وأذرعها‭ ‬والإخوان‭ ‬وأجندتهم،‭ ‬فإن‭ ‬التحرك‭ ‬العربي‭ ‬حينها‭ ‬سيكون‭ ‬متأخراً‭ ‬جداً‭! ‬وواقعا‭ ‬في‭ (‬بؤرة‭ ‬تضارب‭ ‬المصالح‭ ‬والرؤى‭)! ‬فيما‭ ‬‮«‬الخصم‭ ‬الحكم‮»‬،‭ ‬مستمر‭ ‬في‭ ‬مخططاته‭ ‬ورعايته‭ ‬للكيان‭ ‬الذي‭ ‬زرعه‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬التماهي‭! ‬

{‭ ‬اليوم‭ ‬يعود‭ ‬الغرب‭ ‬الى‭ ‬استكمال‭ ‬مخططاته‭ ‬في‭ ‬المنطقة،‭ ‬وحيث‭ ‬الأمر‭ ‬ليس‭ ‬مقتصراً‭ ‬على‭ ‬‮«‬غزة‭ ‬أو‭ ‬حماس‮»‬،‭ ‬ليجعل‭ ‬من‭ ‬نقطة‭ (‬7‭ ‬أكتوبر‭) ‬بداية‭ ‬لاستهداف‭ ‬جديد‭ ‬للشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬أو‭ ‬المنطقة‭ ‬العربية‭! ‬وهو‭ ‬يصارع‭ ‬لبقاء‭ ‬نظامه‭ (‬أحادي‭ ‬القطب‭) ‬عالمياً،‭ ‬وإشعال‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬شرارات‭ ‬التنافس‭ ‬بينه‭ ‬وبين‭ ‬‮«‬الصين‮»‬‭ ‬ثم‭ ‬‮«‬روسيا‮»‬‭ ‬وكل‭ ‬من‭ ‬ينادي‭ ‬بتعدد‭ ‬الأقطاب‭! ‬ولكأن‭ ‬الغرب‭ ‬يريد‭! ‬إيقاف‭ ‬الزمن‭ ‬والتغيرات‭ ‬العالمية‭ ‬عند‭ ‬محطته‭ ‬فقط‭ ‬في‭ ‬إدارة‭ ‬النظام‭ ‬العالمي‭!‬

{‭ ‬هكذا‭ ‬تتداخل‭ ‬كل‭ ‬آفاق‭ ‬الصراعات‭ ‬المحتدمة،‭ ‬وما‭ ‬الحرب‭ ‬القائمة‭ ‬في‭ ‬‮«‬غزة‮»‬‭ ‬وإبادة‭ ‬شعبها‭ ‬إلا‭ ‬مقدمة‭ ‬لما‭ ‬هو‭ ‬أكثر‭ ‬خطورة،‭ ‬في‭ ‬حال‭ ‬اندلاع‭ ‬حرب‭ ‬شاملة‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬تختلط‭ ‬فيها‭ ‬الأوراق‭ ‬سواء‭ ‬من‭ ‬جانب‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬والغرب‭ ‬والكيان‭ ‬الصهيوني،‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬جانب‭ ‬الأعداء‭ (‬الأدوات‭) ‬مثل‭ ‬إيران‭ ‬وأذرعها‭! ‬فالجميع‭ ‬طامع‭ ‬في‭ ‬الجغرافيا‭ ‬العربية،‭ ‬ولا‭ ‬أحد‭ ‬يصدق‭ ‬أن‭ ‬كل‭ ‬الترسانة‭ ‬العسكرية‭ ‬وبوارج‭ ‬أمريكا‭ ‬هي‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬‮«‬غزة‮»‬‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬صد‭ ‬‮«‬حزب‭ ‬اللات‮»‬‭ ‬أو‭ ‬أذرع‭ ‬إيران‭ ‬الأخرى‭! ‬

إقرأ أيضا لـ"فوزية رشيد"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا