تبدو غزة وحيدة في المشهد ويبدو شعبنا في غزة أمام صمت العالم متروكًا لمصيره الذي لا يعرفه أحد. ومع ازدياد وتيرة القصف ووقوع المزيد من المذابح فإن غزة لا تزال وحيدة لا تسمع إلا بلاغة الخطاب والتضامن. لو استكملت العصابات الصهيونية مشروعها في الإبادة جنوبا وخطفت ما تبقى من الساحل الجنوبي لفلسطين لانتهت فكرة الساحل، وأيضاً لم يعد يمكن مستقبلاً الحديث عن دولة فلسطينية لأن هذه الدولة ستكون «قرية» محاصرة ببلدان مجاورة لكن البحر يفتح نافذة على العالم. كان ياسر عرفات يتأمل بحر غزة وهو يقول حين وصل، «البحر داه بتعنا». وبالتأكيد ثمة دور مهم للجيش المصري ولصمود عبد الناصر ولقتال عبد الناصر بعد ثورة يوليو من أجل مواصلة إيقاد روح الثورة عند اللاجئين الذين شكلوا أغلب سكان القطاع فكان مصدرا للثورات والانتفاضات وظل حتى اللحظة كذلك.
غزة التي حافظت على وجود ساحل فلسطين وعدم ابتلاعه بشكل كامل، وظل علم فلسطين يرفرف على شاطئها في إشارة إلى تواصل الحياة وفي حنين لم ينقطع لبقية الشاطئ الفلسطيني، غزة، الآن، تلتهمها الحرب وتدوسها الدبابات وتوغل قتلاً في جسدها الطائرات والبوارج والمدافع. وباستثناء ما تشهده المدن الفلسطينية في الضفة الغربية التي تتعرض لنفس الهجمة الشرسة فإن التضامن مع غزة يعزز صراخنا »يا وحدنا.«
أمس، كانت جنين تتعرض للاعتداء مثل غزة وقبلها قرى نابلس وخلال ذلك البيرة والخليل. فلسطين كلها تتعرض للاعتداء ولا أحد يحرك ساكناً. بالعكس فإن إسرائيل تواصل إمعانها في تجاهل المجتمع الدولي وفي إدارة ظهرها له لأن هذا المجتمع لا يملك أن يقول، »لا« لإسرائيل، بل على العكس من ذلك فإن أي انتقاد لإسرائيل يتحول إلى لعنة تطارد المنتقد لأنه بذلك يذكر العالم بهتلر الشرير ولا ساميته المقززة للغرب حيث يتساوى انتقاد إسرائيل مع كراهية اليهود.
ففي رد على ما أعلنه وزير الخارجية الأمريكي من مواقف بشأن الحذر من المساس بالمدنيين قامت إسرائيل بتكثيف استهدافاتها لهؤلاء المدنيين. فما أن انتهت نشرات الأخبار التي حملت تعليقات الوزير حتى تم قصف مدخل مستشفى الشفاء وقتل 16 مواطناً ممن كانوا يبحثون عن مكان أكثر أمناً فيه، كما سقطت القنابل على مدارس الإيواء قرب المستشفى الإندونيسي وتناثرت الشظايا على المستشفى وأقسامه المختلفة، لتقع الكارثة الكبرى بقصف مدرسة أسامة بن زيد في منطقة الصفطاوي من جباليا حيث قتل العشرات الذين لجؤوا إلى المدرسة لاعتقادهم أن ثمة حدودا وضوابط لشراسة الوحش.
قتل تلاميذ المدرسة الذين تحولت فصولهم إلى غرف ينامون فيها بدم بارد فيما بلينكن يواصل حديثه عن السلام. وفي صبيحة اليوم التالي أيضاً تواصل استهداف المدارس حيث أغارت الطائرات على مدرسة الفاخورة التي كانت تعرضت في الحروب السابقة إلى القصف والاستهداف وربما أشهر تلك الاستهدافات كان في يناير 2009. هكذا ترد إسرائيل على مطالب العالم رغم أن على المرء أن يكون حذراً في تصديق ما يقوله الوزير الأمريكي على شاشات التلفاز أمام تنامي الضغط المطالب بإدانة إسرائيل وبين ما يقوله في غرف الاجتماعات مع القادة الإسرائيليين حيث يبدي المزيد من الدعم وربما الضغط من أجل القتال أكثر ضد الفلسطينيين. لا يوجد فلسطيني يصدق واشنطن حين يتعلق الأمر فينا. فهي أكثر شراً بالنسبة إلينا من أن نصدق عنها كلمة إيجابية تقولها بحقنا. والخبرات هي دليل الشعوب وليست الشعارات.
أيضاً خطاب حسن نصر الله حظي باهتمام كبير بات واضحاً أن أهم ما في الخطاب هو الاهتمام الذي حظي به ولا شيء آخر. لا أريد أن أعلق على الخطاب إذ إن متابعة صفحات السوشيال ميديا يمكن أن تقول عن الإحباط الذي شعر به الجميع ممن رفعوا سقف التوقعات حول ما يمكن أن يأتي به، لكن أيضاً هذا ذنب من رفع السقف ومن توقع وليس ذنبي ولا ذنبنا في غزة. فنحن نعرف الأشياء بالممارسة وفي نهاية المطاف أضعف ما في المرء إيمانه بالخير لأن هذا يجعله يصدق ويجعله يفعل ويجعله يثق. وهذا ليس عيباً لأن العيب على من يريد لنا غير ذلك.
هذا يقودنا إلى مواقف البقية العربية. من المهم أن شعبنا لا يريد لأحد أن يقاتل عنه لكنه أيضاً لا يريد أكفان موتى ولا مسكنات. هناك الكثير الذي يجب فعله عربياً خاصة مراجعة علنية للمواقف العربية واتخاذ موقف عربي موحد.
هناك انزياح بسيط في الرأي العام العالمي يجب مواصلة العمل على توسيعه من أجل أن يواصل هذا الرأي العام الضغط على الحكومات الغربية تحديداً لتغير مواقفها وإدانة الحرب الهمجية على شعبنا. هذا يتطلب فعلا أكثر على المستويات كافة وربما النشاط الدبلوماسي والإعلامي أساس في ذلك. القضية الفلسطينية يجب أن تواصل كونها صاحبة الأغلبية الأخلاقية بين جمهور العالم مقابل الأقلية غير الأخلاقية التي تدعم مواقف ومذابح دولة الاحتلال بحقنا. ويجب أن نواصل فضح ممارسات الاحتلال ولعل المآسي التي يتعرض لها شعبنا والمذابح كلها تقدم أدلة يجب العمل عليها واستخدامها من أجل فضح سياسات الاحتلال ونصرة شعبنا. نحن بحاجة للمزيد من العمل وعلينا أن نكون حذرين في ترويج المادة الدعائية وانتقائها من أجل أن تخدم عدالة قضيتنا.
{ كاتب من فلسطين
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك