لماذا نحن المسلمين متخلفون عن ركب الأمم الهادر إلى آفاق التقدم، ومجالات التمدن؟!.
لماذا غيرنا يتقدم، ونحن نتخلف؟.
لماذا نحن مهزومون في أغلب حروبنا في العصر الحديث وأعداؤنا ينتصرون في حروبهم العسكرية؟.
لماذا سجل جوائز نوبل مليئة بأسماء العلماء اليهود رغم قلة عددهم إحصائيًّا عن أعداد المسلمين؟!.
أسئلة طالما شغلتنا نحن المسلمين ولَم نجد لها أجوبة شافية تشفي غليلنا، وتطمئن قلوبنا، وتبعث الأمل في صدورنا يدفعنا إلى النهوض من كبوتنا، واستعادة وعينا بما يدور حولنا.
هذه الأسئلة نبحث لها عن أجوبة شافية ومقنعة تضع أقدامنا على أول الطريق في وعي لمآلات الوعي الحضاري.. هذه الأسئلة توقظ الأمة من سباتها، وتنهض بها إلى صحوة حضارية تعيد أمجاد الماضي السعيد، وتؤسس لنهضة حضارية جديدة تضع الأمة الإسلامية في مكانها ومكانتها الصحيحة لتلهم بعد أن تستلهم إمكاناتها المخبوءة في رفد الحضارة الإنسانية بما يعزز وجودها، ويقوي أركانها.
وقبل محاولة النهوض علينا أن نشخص داء الأمة الإسلامية، وأسباب تدهور حالتها الصحية قياسًا بالأمم الأخرى التي استعادت وعيها الحضاري، وأسهمت في بناء الحضارة الإنسانية، وتكون ركنًا أساسيًّا في البناء المحكم والمتقدم، وخير من يشخص حالة الأمة، ويصف لها الدواء الناجع هو رسول الله محمد (صلى الله عليه وسلم) لأنه صلوات ربي وسلامه عليه يملك أدوات التشخيص، وأسباب العلاج الصحيح، وشفاء الأمة من أدوائها يعتمد على كفاءة الطبيب الذي يستلهم الرشد من الوحي المقدس.. يقول صلى الله عليه وسلم: «يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها، فقال قائل: ومن قلة نحن يومئذٍ؟ قال: بل أنتم يومئذٍ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفن في قلوبكم الوهن، فقال قائل: يا رسول الله: وما الوهن؟ قال: حب الدنيا وكراهية الموت» الألباني. / السلسلة الصحيحة.
هذا التشخيص لأحوال الأمة، ولأسباب ضعفها، ووهنها يثير في نفوسنا عديد من الأسئلة القلقة مثل: هل لهذه الأزمة من مخرج يصلح أحوالنا، ويسهم في نهضتنا، ويسدد خطواتنا على سواء السبيل التي تبين لنا الغاية المنشودة منه؟.
نعم بإمكان المسلمين أن ينهضوا من جديد، ويحدثوا في بنية الأمة ما يعينها على التغلب على أسباب الضعف والوهن، ليعيدوا النظر في موقفهم من الموت والحياة، فبدلا من أن يحبوا الحياة على إطلاقها، ويكرهوا الموت على إطلاقه عليهم أن يحبوا الحياة لا لذاتها بل لكونها وسيلة ومطية يمتطيها الإنسان لبلوغ الغاية التي يرجوها وهي الآخرة، وبدلا من أن نكره الموت على إطلاقه ، فعلينا أن نحب الموت في سبيل الله تعالى، وهذا ما أشار إليه القائد الملهم الصحابي الجليل خالد بن الوليد لقائد الروم حين قال له: «جئتك بقوم يحبون الموت في سبيل الله تعالى كما تحبون الحياة!» وهذا ما أشار إليه خليفة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أبوبكر الصدِّيق (رضي الله عنه) عندما قال للجيش المتوجه لقتال العدو: «احرصوا على الموت توهب لكم الحياة!».
نعم تستطيع الأمة الإسلامية أن تستعيد وعيها الحضاري، وأن تبعث من جديد لأنها تملك مقومات هذا النهوض، ومن هذه الإمكانات: عقيدة صحيحة راسخة، ووعي حضاري متجدد، وقيم أصيلة تجمع بين الأصالة والمعاصرة في توازن عظيم وعجيب لا ترفض الجديد لمجرد أنه جديد، ولا تتمسك بالقديم لمجرد أنه قديم وإرث الآباء والأجداد، بل تأخذ من القديم ما يحافظ لها على أصالتها ووجودها، ومن الجديد ما يعينها على الرؤية المستقبلية الواعدة والحكيمة.
والعجيب أننا نجد في الحديث الذي وصلنا عن رسول الله. (صلى الله عليه وسلم) عن تداعي الأمم علينا أسباب الشفاء، فإذا كان من أسباب الضعف والوهن حب الدنيا كغاية، وكراهية الموت في سبيل الله تعالى، فعلينا أن نستلهم العلاج من نفس أسباب المرض، فيكو ن لنا موقف مغاير من الحياة والموت، أن نكره الحياة كغاية، وأن نحب الموت في سبيل الله تعالى، وبهذا يعتدل ميزان الإيمان، وتستقيم خطوات الإنسان على طريق الحق، وتعود إلى سابق عهدها من الريادة والقيادة، وتعيد للحق هيبته، ويزهق الباطل إن الباطل كان – ولا يزال – زاهقًا.
إن التقدم إرادة كما أن التخلف إرادة، وكذلك النصر إرادة والهزيمة إرادة، فإذا أخذ المسلمون بأسباب النصر والتقدم تحقق ما يرجونه من تقدم وانتصار، وإذا هم فرطوا في ذلك، ولم يُفَعِلوا ما لديهم من إمكانات تخلفوا وهزموا، وتأملوا قول الحق سبحانه وهو يقرر حقيقة إيمانية لا تتخلف وهي قوله تعالى: (إن ينصركم الله فلا غالب لكم وإن يخذلكم فمن ذا الذي ينصركم من بعده وعلى الله فليتوكل المؤمنون) آل عمران / 160.
حين يكل المسلمون أمرهم كله إلى الله، ويتخذون الأسباب قبل ذلك فإنهم لا شك منتصرون، ولن يغلبهم غالب مهما كانت قوته واستعداده، وتميزه بالعدد والعدة لأن النصر بيد الله تعالى، والقانون الذي يحكم الصراع بين المسلمين وأعدائهم هو قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم) محمد / 7.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك