القراء الاعزاء،
منذ نشأة الأمم المتحدة في أعقاب الحرب العالمية الثانية عام 1945، كان السلام الدولي هدفا مهما من أهدافها وركيزة أساسية لنشأتها كمنظمة دولية محايدة تعمل على إنفاذ أحكام ميثاق الأمم المتحدة في تنظيم العلاقات الدولية في مختلف الجوانب وتحقيق الحماية والاحترام اللازم لحقوق الانسان بما يحفظ الكرامة الانسانية، وقد كان الامتناع عن إعلان الحرب أو التهديد بها أو الترويج لها هدفاً أساسياً من أهدافها حفاظاً على حق الافراد في الحياة، إلا أنه من الثابت عجز الأمم المتحدة عن تحقيق هذا الهدف، وعن توفير الحماية اللازمة، فالحروب التي اشتعل فتيلها طوال الفترة التي تم تفعيل دورها فيها كمنظمة دولية لمدة تفوق السبعين عاماً، تلك الحروب استمر بعضها سنوات طوالا، وكان وقودها خيرات البلاد المشاركة (أو التي تم إقحامها للمشاركة) في الحرب وثرواتها البشرية والطبيعية، لم يكن للأمم المتحدة دور محوري إيجابي في إطفاء فتيلها، أو إنهائها، بل إنها لم تقف أمام ما يعانيه الشعب الفلسطيني من حرمانه من حقه في الحياة وحقه في الارض والسكن وحرمانه من مقومات الحياة وغيرها، موقف المحايد، حيث تقتضي طبيعة وجودها وعملها إعمال مبدأ المساواة وعدم التمييز بين أطراف النزاع الفلسطيني الاسرائيلي كأضعف الايمان، ذلك أن القضية الفلسطينية قد بدأت وتطورت تحت أعينها.
أما من الناحية الانسانية وبعيداً عن الاطماع الاستعمارية فإن قيام الحرب، أيّة حرب، سيكون الانسان حتماً أوّل ضحاياها، والانسان سيبقى دائماً جديراً باحترام وحماية حقوقه الطبيعية بصرف النظر عن لونه، دينه، جنسه، لغته، عرقه، أصله القومي، رأيه السياسي، أيديولوجياته، مكانته الاقتصادية أو الاجتماعية، فالإنسان هو الانسان سواء كان مسلما، يهوديا، مسيحيا أو غير ذلك، وفي رأيي فإن كل دماء المدنيين المتضررين في الحروب من طرفيها او مجموعة الاطراف المشاركة هي دماء طاهرة بريئة حريّة بالحقن والحفاظ على حياة من تجري في عروقه سواء كان فلسطينيا أو حتى يهوديا، فلا ذنب للنساء ولا للأطفال ولا للرجال المدنيين الآمنين لتطولهم ويلات الحرب من دون اشتراكهم في تشغيل ماكنتها، حيث ان ناتج هذه الحرب هو انتهاك حقوق الانسان وحقوق الاسرة من دون وجه حق أو مبرر أو موجب قانوني يقتضي ذلك.
والسؤال الذي سيبقى عالقاً يجول في عقل كل انسان يمتلك ذرّة من المشاعر هذه الايام هو: بأي دم بارد تتم إراقة دماء الفلسطينيين في غزة؟ في مجازر تُشكّل انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي لحقوق الانسان والقانون الدولي الانساني، أين هي المدنية والتحضر؟ أين ذهبت التعاليم السماوية التي تحضّ على التسامح واحترام الاخر وحقن دمائه؟
فإذا ما كنا نحن الآمنين في أسرابنا قد أدمت قلوبنا قبل أعيننا وأرهقتنا أحداث غزّة وحجم القتل والدمار الممنهج الذي يحيق بها وبأهلها، فما بالك بأولئك الذين يرزحون تحت وطأة ويلاتها، ويعايشون رعب أصوات القنابل وخرابها وأشباح الفقد والقلق من المستقبل المعتم الذي ينتظرهم؟ بلا ذنب ولا خطيئة سوى التمسك بحقهم في أرضهم؟ وما الذي أصاب المجتمع الدولي وجعله يغضّ الطرف عما تتناقله الاخبار من قتل وتدمير وتهجير وإبادة للرجال والنساء والاطفال بأيادٍ لا ترتجف وبعين لا ترفّ، بل الأغرب هو اعلان بعض الدول مساندتها لإسرائيل دون اعتبار لإنسانية الانسان الفلسطيني وحقوقه.
فالأكيد أن الانسانية تنتهك في غزّة بمباركة من المجتمع الدولي في مخالفة صارخة لأهداف الامم المتحدة.
كان الله مع غزّة وأهلها، إن نصر الله قريب وإن ينصركم الله فلا غالب لكم.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك