هل سيغيِّر العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة واستهدافه آلاف المدنيين والأطفال جانبا من معادلات السياسة في العالم العربي، وتحديداً ما اصطلح على تسميته ثنائية المعتدلين والممانعين؟ الإجابة نعم سيغيّر هذه المعادلة، وقد يعيد تعريفها بشكل جديد على ضوء ما يجري في قطاع غزة.
الحقيقة إن الحديث عن تغيير معادلة التشدد والاعتدال لا يعني اختفاء الأفكار والنظم والتنظيمات التي تنحاز لأي من التوجهين، إنما يعني أنه لم يعد عملياً هناك فرق في النتائج بين كلا التوجهين بسبب إخفاق كلا المشروعَين في تحقيق أهدافه التي وضعها لنفسه، فلا الممانعون حرروا فلسطين، ولا المعتدلون بنوا نموذجاً ملهماً في التنمية والرخاء قادراً على الضغط على إسرائيل من أجل قبول التسوية السلمية.
وقد تراجعت الخلافات بين جمهور كلا التيارين في التعاطي مع القضية الفلسطينية أمام هول ما يجري في عزة من قتل وحشي بمباركة أمريكية، فمعارضو «حماس» في محور الاعتدال والذين يرفضون توجهها العقائدي وأسلوب المقاومة المسلحة، لم يطرحوا إلا بصورة محدودة السؤال المعتاد في العالم العربي حول جدوى عمليات المقاومة المسلحة والعائد من ورائها، والذي طرح بقوة في المرات السابقة، بسبب بشاعة الجرائم الإسرائيلية والانحياز الغربي الفج للدولة العبرية.
إن الشعار الأمريكي الإسرائيلي «من حق إسرائيل الدفاع عن نفسها» عنى عملياً إعطاءها شرعية لقتل المدنيين من أطفال وشيوخ ونساء، وأصبح المدني الإسرائيلي يستحق الحياة ونظيره الفلسطيني يستحق الموت، في مشهد جعل المعتدلين والمتشددين يطرحون أسئلة عن أسباب هذا التمييز والكيل بمكيالين تجاه أرواح الناس، وتراجعت خلافات التوجهات السياسية (معتدل أم ممانع؟) لصالح أسئلة «وجودية» حول أسباب هذا الاستهداف للفلسطينيين بهذه الطريقة، وهل ذلك يرجع إلى قوميتهم أو ثقافتهم أو دينهم أو لون بشرتهم؟ لأنه بالتأكيد ليس بسبب أنهم ممانعون أو معتدلون.
إن الانحياز الغربي والأمريكي الفج لإسرائيل، واعتبار أن هناك ضحايا يُبكى عليهم وآخرون لا قيمة لهم، شكك الجميع في قيم أكبر تتعلق بالعدالة والشرعية الدولية والمساواة بين الشعوب، وأدى إلى تراجع معادلة التشدد والاعتدال في العالم العربي، وحول الموقف من مسار التسوية وجدواها.
لقد أفرغت الممارسات الإسرائيلية، منذ توقيع اتفاق أوسلو في 1993، مشروع الاعتدال العربي من مضمونه بعد أن قضت على حل الدولتين وأضعفت تماماً السلطة الفلسطينية، ثم تراجع الانقسام العربي بين معتدلين وممانعين أمام بشاعة الجرائم الإسرائيلية في غزة.
إن الجيل الجديد من الشباب العربي الذي ينهل أفكاره من المحسوس والمرئي، أكثر من كتب التاريخ والأفكار الأيديولوجية، رأى بأمّ العين حجم الجرائم الإسرائيلية في غزة والدعم الأمريكي، وتراجع أمامه خطاب السلام والعيش المشترك، وأصبح هذا الشباب الآن أكثر نقمة على إسرائيل.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك