العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

نحو تطوير المواقف العربية لحماية الشعب الفلسطيني

بقلم: د. أحمد رفيق عوض {

الجمعة ٠٣ نوفمبر ٢٠٢٣ - 02:00

إن‭ ‬فكرة‭ ‬تهجير‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬أصبحت‭ ‬رؤية‭ ‬متكاملة‭ ‬وناضجة،‭ ‬ويطرحها‭ ‬الغرب‭ ‬الاستعماري‭ ‬بشكل‭ ‬علني‭ ‬بوقاحة‭ ‬منقطعة‭ ‬النظير‭ ‬ويطلب‭ ‬من‭ ‬الأخوة‭ ‬العرب‭ ‬أن‭ ‬يتعاملوا‭ ‬معها‭ ‬وأن‭ ‬يطبقوها،‭ ‬بالإغراء‭ ‬أو‭ ‬بالتهديد‭ ‬أو‭ ‬بكليهما‭.‬

والفكرة‭ ‬تقول‭ ‬ببساطة‭ ‬إنه‭ ‬يمكن‭ ‬توزيع‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬على‭ ‬عديد‭ ‬من‭ ‬بلدان‭ ‬الطوق‭ ‬أو‭ ‬غيرها‭ ‬من‭ ‬البلاد‭ ‬العربية‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬الأوروبية،‭ ‬وبذلك‭ ‬تنتهي‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬ويوضع‭ ‬حد‭ ‬للصراع‭ ‬على‭ ‬اعتبار‭ ‬أن‭ ‬أحد‭ ‬طرفي‭ ‬هذا‭ ‬الصراع‭ ‬قد‭ ‬تم‭ ‬نفيه‭ ‬من‭ ‬المشهد‭ ‬وتم‭ ‬شطبه‭ ‬من‭ ‬سجل‭ ‬شعوب‭ ‬الأرض‭ ‬الحية‭ ‬

هكذا‭ ‬هي‭ ‬الفكرة‭ ‬ببساطة،‭ ‬والأكثر‭ ‬خطورة،‭ ‬إنه‭ ‬يمكن‭ ‬تطبيق‭ ‬هذه‭ ‬الفكرة‭ ‬بالحرب‭ ‬أو‭ ‬بالتهدئة،‭ ‬أي‭ ‬إن‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬الحرب‭ ‬قد‭ ‬يكون‭ ‬أخطر،‭ ‬وذلك‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تسهيل‭ ‬السفر‭ ‬وإغراءات‭ ‬الإقامة‭ ‬بالغربة،‭ ‬هذه‭ ‬الفكرة‭ ‬الاستعمارية‭ ‬التي‭ ‬ترى‭ ‬أن‭ ‬الشعوب‭ ‬يمكن‭ ‬قلعها‭ ‬أو‭ ‬طردها‭ ‬أو‭ ‬قتلها‭ ‬لأنها‭ ‬ليست‭ ‬بيضاء‭ ‬وليست‭ ‬أوروبية‭ ‬ولا‭ ‬تقدر‭ ‬سيمفونيات‭ ‬موزارت‭ ‬ولا‭ ‬تقرأ‭ ‬فلسفة‭ ‬هوسرين‭ .‬

هذه‭ ‬الوقاحة‭ ‬وهذا‭ ‬الصلف،‭ ‬قابلته‭ ‬بعض‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬بكثير‭ ‬من‭ ‬الحسم‭ ‬والحزم‭ ‬والقول‭ ‬بإن‭ ‬التهجير‭ ‬القسري‭ ‬للشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬قد‭ ‬يواجه‭ ‬برد‭ ‬عسكري،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬جعل‭ ‬هذه‭ ‬الفكرة‭ ‬تتراجع‭ ‬إلى‭ ‬حين،‭ ‬ولكن‭ ‬ذلك‭ ‬يكشف‭ ‬كثيرا‭ ‬من‭ ‬الأمور،‭ ‬نلخصها‭ ‬بما‭ ‬يلي‭ :‬

أولا‭: ‬إن‭ ‬النظام‭ ‬العربي‭ ‬تأخر‭ ‬كثيرا‭ ‬في‭ ‬حل‭ ‬الصراع‭ ‬الفلسطيني‭ ‬الإسرائيلي،‭ ‬إما‭ ‬عجزا‭ ‬أو‭ ‬قلة‭ ‬وعي‭ ‬أو‭ ‬كلا‭ ‬الأمرين‭ ‬معا،‭ ‬وبعد‭ ‬74‭ ‬عاما‭ ‬من‭ ‬غياب‭ ‬الحل‭ ‬فإن‭ ‬انفجار‭ ‬الأوضاع‭ ‬الآن‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬إسرائيل‭ ‬ومن‭ ‬يدعمها‭ ‬يريدون‭ ‬إجبار‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬على‭ ‬تحمل‭ ‬أعباء‭ ‬الاحتلال‭ ‬والمشاركة‭ ‬في‭ ‬حل‭ ‬الصراع‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬تلك‭ ‬الدول‭ ‬وشعوبها‭ .‬

ثانيا‭: ‬إن‭ ‬إسرائيل‭ ‬التي‭ ‬أفرغت‭ ‬كل‭ ‬القرارات‭ ‬والمبادرات‭ ‬للتسوية‭ ‬من‭ ‬مضمونها،‭ ‬وجدت‭ ‬أن‭ ‬الطريق‭ ‬الأقصر‭ ‬لحل‭ ‬هذا‭ ‬الصراع‭ ‬هو‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الحلول‭ ‬العسكرية‭ ‬وتهجير‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬من‭ ‬جديد،‭ ‬ربما‭ ‬للحصول‭ ‬على‭ ‬سنين‭ ‬أخرى‭ ‬من‭ ‬الهدوء‭ ‬والاستقرار،‭ ‬ويبدو‭ ‬أن‭ ‬إسرائيل‭ ‬وجدت‭ ‬أن‭ ‬الظرف‭ ‬مناسب‭ ‬جدا‭ ‬لفرض‭ ‬التسوية‭ ‬ليس‭ ‬على‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬فحسب‭ ‬بل‭ ‬على‭ ‬الدول‭ ‬العربية،‭ ‬لغياب‭ ‬التضامن‭ ‬العربي‭ ‬أو‭ ‬حاجة‭ ‬بعض‭ ‬الدول‭ ‬إلى‭ ‬المساعدة‭ ‬والحماية‭ ‬والرضا‭ ‬الأمريكي‭ .‬

ثالثا‭: ‬إن‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬التي‭ ‬وجدت‭ ‬نفسها‭ ‬مضطرة‭ ‬للدفاع‭ ‬عن‭ ‬مصالحها‭ ‬وسلامها‭ ‬الداخلي‭ ‬ومستقبل‭ ‬علاقاتها‭ ‬مع‭ ‬الغرب‭ ‬والإقليم،‭ ‬اكتشفت‭ ‬أن‭ ‬عليها‭ ‬مجابهة‭ ‬إسرائيل‭ ‬مهما‭ ‬كان‭ ‬الثمن،‭ ‬فالمطلوب‭ ‬ليس‭ ‬تجريم‭ ‬الفلسطيني‭ ‬وتحميله‭ ‬شرور‭ ‬الإقليم،‭ ‬ولكن‭ ‬المطلوب‭ ‬أن‭ ‬يشارك‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭ ‬بشطب‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬يطالب‭ ‬به‭ ‬العرب‭ ‬بالتطبيع‭ ‬مع‭ ‬إسرائيل،‭ ‬وفي‭ ‬ذلك‭ ‬مفارقة‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬لعاقل‭ ‬أن‭ ‬يقبلها‭ ‬مهما‭ ‬كان‭ ‬معتدلا‭ ‬أو‭ ‬مهادنا‭ .‬

رابعا‭: ‬إسرائيل‭ ‬التي‭ ‬تستغل‭ ‬الدعم‭ ‬الغربي‭ ‬لها‭ ‬تحاول‭ ‬بسرعة‭ ‬أن‭ ‬تفرض‭ ‬شكل‭ ‬التسوية‭ ‬ليس‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬فقط‭ ‬بل‭ ‬في‭ ‬الضفة‭ ‬أيضا‭ ‬وذلك‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الهجوم‭ ‬الاستباقي‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الحواجز‭ ‬التي‭ ‬زادت‭ ‬على‭ ‬700‭ ‬حاجز‭ ‬وعمليات‭ ‬الاقتحام‭ ‬الليلي‭ ‬للمخيمات‭ ‬والمدن‭ ‬وعمليات‭ ‬الاعتقال‭ ‬الواسعة‭ ‬وكذلك‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬استفزازات‭ ‬المستوطنين،‭ ‬وفي‭ ‬ذلك‭ ‬محاولة‭ ‬من‭ ‬إسرائيل‭ ‬لخلق‭ ‬نموذج‭ ‬مصغر‭ ‬لما‭ ‬ستكون‭ ‬عليه‭ ‬الأوضاع‭ .‬

خامسا‭: ‬الحرب‭ ‬الدائرة‭ ‬الآن‭ ‬على‭ ‬قطاع‭ ‬غزة،‭ ‬تنذر‭ ‬حقا‭ ‬بأن‭ ‬تتحول‭ ‬إلى‭ ‬حرب‭ ‬أوسع،‭ ‬تهدد‭ ‬مصالح‭ ‬الغرب‭ ‬وتضع‭ ‬احتلال‭ ‬إسرائيل‭ ‬للأرض‭ ‬الفلسطينية‭ ‬على‭ ‬الأجندة‭ ‬العالمية،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يدفع‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬أينما‭ ‬كانوا‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬يوحدوا‭ ‬الخطاب‭ ‬و‭ ‬الأداء،‭ ‬فالصبر‭ ‬دائما‭ ‬ما‭ ‬يقود‭ ‬إلى‭ ‬نتائج‭ ‬إيجابية‭ ‬قد‭ ‬تغير‭ ‬من‭ ‬سواد‭ ‬المشهد‭ ‬وقتامته‭ ‬وتحيله‭ ‬إلى‭ ‬واقع‭ ‬آخر‭ ‬تماما‭ .‬

سادسا‭: ‬هل‭ ‬يمكن‭ ‬للدول‭ ‬العربية‭ ‬أن‭ ‬تطور‭ ‬موقفها‭ ‬الحازم‭ ‬والحاسم‭ ‬ضد‭ ‬التهجير‭ ‬القسري؟‭! ‬نعم‭ ‬تستطيع،‭ ‬فلديها‭ ‬ما‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تخاطب‭ ‬به‭ ‬العالم‭ ‬الغربي‭ ‬الداعم‭ ‬لإسرائيل،‭ ‬لديها‭ ‬الثروات‭ ‬والممرات،‭ ‬ولديها‭ ‬الاتفاقات‭ ‬والسفارات،‭ ‬ولديها‭ ‬شعوب‭ ‬معطاءة‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تتقاسم‭ ‬معها‭ ‬الهم‭ ‬والتحدي،‭ ‬بحيث‭ ‬تتحول‭ ‬تلك‭ ‬الشعوب‭ ‬إلى‭ ‬مصدر‭ ‬قوة،‭ ‬فالشعوب‭ ‬كنز‭ ‬وثروة‭ ‬و‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يتحملوا‭ ‬كثيرا‭ ‬من‭ ‬المسؤوليات،‭ ‬وفي‭ ‬ذلك‭ ‬تطوير‭ ‬للمواقف‭ ‬وتصعيد‭ ‬للمطالب‭ ‬وتحقيق‭ ‬لها،‭ ‬بدءا‭ ‬من‭ ‬وقف‭ ‬القصف‭ ‬ومرورا‭ ‬بإدخال‭ ‬المساعدات‭ ‬إلى‭ ‬فرض‭ ‬تسوية‭ ‬حقيقية‭ ‬وحماية‭ ‬للشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬وثرواته‭ ‬ومقدراته‭ .‬

سابعا‭: ‬برأيي‭ ‬فإن‭ ‬تطوير‭ ‬المواقف‭ ‬العربية‭ ‬باتجاه‭ ‬حماية‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تسوية‭ ‬مقبولة‭ ‬على‭ ‬الجميع‭ ‬يحمي‭ ‬تلك‭ ‬الدول‭ ‬من‭ ‬زعزعة‭ ‬أمنية‭ ‬وسياسية‭ ‬أخرى‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬كلها‭ ‬وربما‭ ‬تؤثر‭ ‬في‭ ‬حدودها‭ ‬أيضا‭ .‬

الحرب‭ ‬هذه‭ ‬المرة‭ ‬ليست‭ ‬على‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬فقط،‭ ‬وعلى‭ ‬الجميع‭ ‬أن‭ ‬يدرك‭ ‬ويعي‭ ‬مسؤولياته‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬تفرض‭ ‬عليه‭.‬

 

{‭ ‬رئيس‭ ‬مركز‭ ‬القدس‭ ‬للدراسات‭ ‬المستقبلية

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا