منذ بداية ثمانينيات القرن الماضي طرح أكثر من مرة موضوع الأعداد الكبيرة من العمالة الأجنبية في دول مجلس التعاون التي توافدت على المنطقة بالتزامن مع الطفرة النفطية في السبعينيات وظهور الحاجة الكبيرة إلى استخدام العمالة الأجنبية وبصورة خاصة العمالة الآسيوية ووجود أموال كبيرة يجب تشغيلها، إلا أن هذا الوضع تفاقم تدريجيا إلى أن أصبحت هذه العمالة بدلا من أن تكون وافدة ومؤقتة أصبحت مستوطنة في بلداننا الخليجية وترسخت أقدامها في مجتمعاتنا ما أدى إلى تضييق الخناق على فرص العمل للمواطن الخليجي خاصة أن هذه العمالة تتصف بثلاث صفات تجعلها محببة ومفضلة من قبل القطاع الخاص وهي:
أولا: امتلاك مهارات عملية متقدمة خاصة في الجوانب الإنشائية والهندسية والفنية وفي مختلف المجالات التي توفر وظائف عديدة يمكن أن يحتلها المواطنون في بلداننا لكن لا تزال إلى اليوم بيد هذه العمالة الأجنبية في غالبيتها الساحقة.
ثانيا: انخفاض الرواتب والأجور لهذه العمالة ما يجعل عملية منافسة المواطنين لها في سوق العمل صعبة إن لم تكن مستحيلة بغض النظر عن التكلفة الإضافية التي تتحملها الدولة نتيجة وجود هذه العمالة الأجنبية في مجال الصحة والتعليم والإقامة والبنية التحتية حيث تضغط بشكل كبير ومؤثر على الموارد والخدمات.
ثالثا: قدرة هذه العمالة على العمل المطول بخلاف العمالة الخليجية الوطنية التي تعمل وفقا لشروط العمل المعتدلة والمعروفة في مقابل العمالة الأجنبية التي تتجاوز هذه المعادلة المعتدلة حيث يمكن للعامل الأجنبي أن يعمل 12 ساعة بدلا من 8 ساعات.
هذه أهم العوامل التي تجعل من العمالة الأجنبية مقدمة ومحببة عند القطاع الخاص بشكل رئيسي بالرغم من أن هذا القطاع يتكبد في سبيل ذلك تذاكر السفر والسكن والتنقل وهي تكلفة إضافية إذا وازنتها مع المميزات السابقة فتجد أن العامل الوطني هو الأجدر ولكن يحتاج إلى تدريب وصبر حتى يتمكن من أداء دوره التنموي كاملا وقد بينت التجربة على مستوى البحرين مثلا أن أفضل العمال في الشركات الوطنية المعروفة وفي الشركات الأهلية هم أبناء البحرين يتعاملون مع الوظيفة والعمل على أساس التعامل الأخلاقي الجاد وقد بينت التجربة صحة ذلك ونعتقد أن الأمر في بقية بلدان مجلس التعاون لا يختلف عن ذلك.
إن مسألة العمالة الأجنبية بتداعياتها وتعقيداتها ومخاطرها تتطلب وقفة جادة على مستوى مجلس التعاون وأجهزته لأن العمالة الأجنبية قد أدت بشكل واضح إلى تدهور وضعية المواطن الخليجي وانتشار البطالة نتيجة لاحتلال العمالة الوافدة لأغلبية الوظائف التي يوفرها سوق العمل الخاص والأخطر من ذلك أن عشرات الوظائف والأعمال أصبحت مع الزمن ترتبط آليا بالعمالة الوافدة وإن الأجيال الجديدة أصبحت لا تريد أن تعمل في مثل هذه الوظائف التي توفر عشرات الآلاف من فرص العمل وهذا خلل ويتطلب جهدًا كبيرًا لتغيير هذه النظرة في إذهان هذه الأجيال الجديدة، كما يلزمه إعادة الاعتبار لهذه الوظائف مثل النجارة والحدادة والميكانيكا وغيرها من الوظائف التي تحتلها العمالة الوافدة وتكاد تتفرد بها.
الخطر الثاني في تقديري يعود إلى اعتقاد جل الشباب الخليجي بأن الحكومة هي المطالبة بتوفير وظائف في الوزارات واٍلأجهزة الحكومية المختلفة وهذا أمر غير صحيح لأن الجهاز الحكومي ليس لديه المقدرة على توفير آلاف الوظائف للخريجين لأن أغلب فرص العمل الحالية يوفرها القطاع الخاص ولذلك وجب إعادة النظر بجعل المواطن هو الخيار الأفضل والأولى بهذا القطاع ما يتطلب تطوير عملية التدريب لرفع نسبة المواطنين في القطاع الخاص تدريجيا لتصل إلى 50% وأكثر.
والخطر الأكبر والذي بدأ يلوح في الأفق هو بعض الجهود المعلنة على الصعيد الآسيوي لتوطين العمالة الوافدة واعتبارها عمالة ماهرة في مرحلة أولى وتوطينها في مرحلة ثانية وهذا تحول إن حدث سيكون خطرا وله آثار مدمرة على التوازن السكاني ومستقبل الأجيال.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك