العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

ناقوس خطر العمالة الوافدة في الدول الخليجية

بقلم: د. نبيل العسومي

الجمعة ٠٣ نوفمبر ٢٠٢٣ - 02:00

منذ‭ ‬بداية‭ ‬ثمانينيات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭ ‬طرح‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مرة‭ ‬موضوع‭ ‬الأعداد‭ ‬الكبيرة‭ ‬من‭ ‬العمالة‭ ‬الأجنبية‭ ‬في‭ ‬دول‭ ‬مجلس‭ ‬التعاون‭ ‬التي‭ ‬توافدت‭ ‬على‭ ‬المنطقة‭ ‬بالتزامن‭ ‬مع‭ ‬الطفرة‭ ‬النفطية‭ ‬في‭ ‬السبعينيات‭ ‬وظهور‭ ‬الحاجة‭ ‬الكبيرة‭ ‬إلى‭ ‬استخدام‭ ‬العمالة‭ ‬الأجنبية‭ ‬وبصورة‭ ‬خاصة‭ ‬العمالة‭ ‬الآسيوية‭ ‬ووجود‭ ‬أموال‭ ‬كبيرة‭ ‬يجب‭ ‬تشغيلها،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الوضع‭ ‬تفاقم‭ ‬تدريجيا‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬أصبحت‭ ‬هذه‭ ‬العمالة‭ ‬بدلا‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬وافدة‭ ‬ومؤقتة‭ ‬أصبحت‭ ‬مستوطنة‭ ‬في‭ ‬بلداننا‭ ‬الخليجية‭ ‬وترسخت‭ ‬أقدامها‭ ‬في‭ ‬مجتمعاتنا‭ ‬ما‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬تضييق‭ ‬الخناق‭ ‬على‭ ‬فرص‭ ‬العمل‭ ‬للمواطن‭ ‬الخليجي‭ ‬خاصة‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬العمالة‭ ‬تتصف‭ ‬بثلاث‭ ‬صفات‭ ‬تجعلها‭ ‬محببة‭ ‬ومفضلة‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬القطاع‭ ‬الخاص‭ ‬وهي‭: ‬

أولا‭: ‬امتلاك‭ ‬مهارات‭ ‬عملية‭ ‬متقدمة‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬الجوانب‭ ‬الإنشائية‭ ‬والهندسية‭ ‬والفنية‭ ‬وفي‭ ‬مختلف‭ ‬المجالات‭ ‬التي‭ ‬توفر‭ ‬وظائف‭ ‬عديدة‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يحتلها‭ ‬المواطنون‭ ‬في‭ ‬بلداننا‭ ‬لكن‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬إلى‭ ‬اليوم‭ ‬بيد‭ ‬هذه‭ ‬العمالة‭ ‬الأجنبية‭ ‬في‭ ‬غالبيتها‭ ‬الساحقة‭.‬

ثانيا‭: ‬انخفاض‭ ‬الرواتب‭ ‬والأجور‭ ‬لهذه‭ ‬العمالة‭ ‬ما‭ ‬يجعل‭ ‬عملية‭ ‬منافسة‭ ‬المواطنين‭ ‬لها‭ ‬في‭ ‬سوق‭ ‬العمل‭ ‬صعبة‭ ‬إن‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬مستحيلة‭ ‬بغض‭ ‬النظر‭ ‬عن‭ ‬التكلفة‭ ‬الإضافية‭ ‬التي‭ ‬تتحملها‭ ‬الدولة‭ ‬نتيجة‭ ‬وجود‭ ‬هذه‭ ‬العمالة‭ ‬الأجنبية‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬الصحة‭ ‬والتعليم‭ ‬والإقامة‭ ‬والبنية‭ ‬التحتية‭ ‬حيث‭ ‬تضغط‭ ‬بشكل‭ ‬كبير‭ ‬ومؤثر‭ ‬على‭ ‬الموارد‭ ‬والخدمات‭.‬

ثالثا‭: ‬قدرة‭ ‬هذه‭ ‬العمالة‭ ‬على‭ ‬العمل‭ ‬المطول‭ ‬بخلاف‭ ‬العمالة‭ ‬الخليجية‭ ‬الوطنية‭ ‬التي‭ ‬تعمل‭ ‬وفقا‭ ‬لشروط‭ ‬العمل‭ ‬المعتدلة‭ ‬والمعروفة‭ ‬في‭ ‬مقابل‭ ‬العمالة‭ ‬الأجنبية‭ ‬التي‭ ‬تتجاوز‭ ‬هذه‭ ‬المعادلة‭ ‬المعتدلة‭ ‬حيث‭ ‬يمكن‭ ‬للعامل‭ ‬الأجنبي‭ ‬أن‭ ‬يعمل‭ ‬12‭ ‬ساعة‭ ‬بدلا‭ ‬من‭ ‬8‭ ‬ساعات‭.‬

هذه‭ ‬أهم‭ ‬العوامل‭ ‬التي‭ ‬تجعل‭ ‬من‭ ‬العمالة‭ ‬الأجنبية‭ ‬مقدمة‭ ‬ومحببة‭ ‬عند‭ ‬القطاع‭ ‬الخاص‭ ‬بشكل‭ ‬رئيسي‭ ‬بالرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬القطاع‭ ‬يتكبد‭ ‬في‭ ‬سبيل‭ ‬ذلك‭ ‬تذاكر‭ ‬السفر‭ ‬والسكن‭ ‬والتنقل‭ ‬وهي‭ ‬تكلفة‭ ‬إضافية‭ ‬إذا‭ ‬وازنتها‭ ‬مع‭ ‬المميزات‭ ‬السابقة‭ ‬فتجد‭ ‬أن‭ ‬العامل‭ ‬الوطني‭ ‬هو‭ ‬الأجدر‭ ‬ولكن‭ ‬يحتاج‭ ‬إلى‭ ‬تدريب‭ ‬وصبر‭ ‬حتى‭ ‬يتمكن‭ ‬من‭ ‬أداء‭ ‬دوره‭ ‬التنموي‭ ‬كاملا‭ ‬وقد‭ ‬بينت‭ ‬التجربة‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬البحرين‭ ‬مثلا‭ ‬أن‭ ‬أفضل‭ ‬العمال‭ ‬في‭ ‬الشركات‭ ‬الوطنية‭ ‬المعروفة‭ ‬وفي‭ ‬الشركات‭ ‬الأهلية‭ ‬هم‭ ‬أبناء‭ ‬البحرين‭ ‬يتعاملون‭ ‬مع‭ ‬الوظيفة‭ ‬والعمل‭ ‬على‭ ‬أساس‭ ‬التعامل‭ ‬الأخلاقي‭ ‬الجاد‭ ‬وقد‭ ‬بينت‭ ‬التجربة‭ ‬صحة‭ ‬ذلك‭ ‬ونعتقد‭ ‬أن‭ ‬الأمر‭ ‬في‭ ‬بقية‭ ‬بلدان‭ ‬مجلس‭ ‬التعاون‭ ‬لا‭ ‬يختلف‭ ‬عن‭ ‬ذلك‭.‬

إن‭ ‬مسألة‭ ‬العمالة‭ ‬الأجنبية‭ ‬بتداعياتها‭ ‬وتعقيداتها‭ ‬ومخاطرها‭ ‬تتطلب‭ ‬وقفة‭ ‬جادة‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬مجلس‭ ‬التعاون‭ ‬وأجهزته‭ ‬لأن‭ ‬العمالة‭ ‬الأجنبية‭ ‬قد‭ ‬أدت‭ ‬بشكل‭ ‬واضح‭ ‬إلى‭ ‬تدهور‭ ‬وضعية‭ ‬المواطن‭ ‬الخليجي‭ ‬وانتشار‭ ‬البطالة‭ ‬نتيجة‭ ‬لاحتلال‭ ‬العمالة‭ ‬الوافدة‭ ‬لأغلبية‭ ‬الوظائف‭ ‬التي‭ ‬يوفرها‭ ‬سوق‭ ‬العمل‭ ‬الخاص‭ ‬والأخطر‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬عشرات‭ ‬الوظائف‭ ‬والأعمال‭ ‬أصبحت‭ ‬مع‭ ‬الزمن‭ ‬ترتبط‭ ‬آليا‭ ‬بالعمالة‭ ‬الوافدة‭ ‬وإن‭ ‬الأجيال‭ ‬الجديدة‭ ‬أصبحت‭ ‬لا‭ ‬تريد‭ ‬أن‭ ‬تعمل‭ ‬في‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الوظائف‭ ‬التي‭ ‬توفر‭ ‬عشرات‭ ‬الآلاف‭ ‬من‭ ‬فرص‭ ‬العمل‭ ‬وهذا‭ ‬خلل‭ ‬ويتطلب‭ ‬جهدًا‭ ‬كبيرًا‭ ‬لتغيير‭ ‬هذه‭ ‬النظرة‭ ‬في‭ ‬إذهان‭ ‬هذه‭ ‬الأجيال‭ ‬الجديدة،‭ ‬كما‭ ‬يلزمه‭ ‬إعادة‭ ‬الاعتبار‭ ‬لهذه‭ ‬الوظائف‭ ‬مثل‭ ‬النجارة‭ ‬والحدادة‭ ‬والميكانيكا‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬الوظائف‭ ‬التي‭ ‬تحتلها‭ ‬العمالة‭ ‬الوافدة‭ ‬وتكاد‭ ‬تتفرد‭ ‬بها‭.‬

الخطر‭ ‬الثاني‭ ‬في‭ ‬تقديري‭ ‬يعود‭ ‬إلى‭ ‬اعتقاد‭ ‬جل‭ ‬الشباب‭ ‬الخليجي‭ ‬بأن‭ ‬الحكومة‭ ‬هي‭ ‬المطالبة‭ ‬بتوفير‭ ‬وظائف‭ ‬في‭ ‬الوزارات‭ ‬واٍلأجهزة‭ ‬الحكومية‭ ‬المختلفة‭ ‬وهذا‭ ‬أمر‭ ‬غير‭ ‬صحيح‭ ‬لأن‭ ‬الجهاز‭ ‬الحكومي‭ ‬ليس‭ ‬لديه‭ ‬المقدرة‭ ‬على‭ ‬توفير‭ ‬آلاف‭ ‬الوظائف‭ ‬للخريجين‭ ‬لأن‭ ‬أغلب‭ ‬فرص‭ ‬العمل‭ ‬الحالية‭ ‬يوفرها‭ ‬القطاع‭ ‬الخاص‭ ‬ولذلك‭ ‬وجب‭ ‬إعادة‭ ‬النظر‭ ‬بجعل‭ ‬المواطن‭ ‬هو‭ ‬الخيار‭ ‬الأفضل‭ ‬والأولى‭ ‬بهذا‭ ‬القطاع‭ ‬ما‭ ‬يتطلب‭ ‬تطوير‭ ‬عملية‭ ‬التدريب‭ ‬لرفع‭ ‬نسبة‭ ‬المواطنين‭ ‬في‭ ‬القطاع‭ ‬الخاص‭ ‬تدريجيا‭ ‬لتصل‭ ‬إلى‭ ‬50%‭ ‬وأكثر‭.‬

والخطر‭ ‬الأكبر‭ ‬والذي‭ ‬بدأ‭ ‬يلوح‭ ‬في‭ ‬الأفق‭ ‬هو‭ ‬بعض‭ ‬الجهود‭ ‬المعلنة‭ ‬على‭ ‬الصعيد‭ ‬الآسيوي‭ ‬لتوطين‭ ‬العمالة‭ ‬الوافدة‭ ‬واعتبارها‭ ‬عمالة‭ ‬ماهرة‭ ‬في‭ ‬مرحلة‭ ‬أولى‭ ‬وتوطينها‭ ‬في‭ ‬مرحلة‭ ‬ثانية‭ ‬وهذا‭ ‬تحول‭ ‬إن‭ ‬حدث‭ ‬سيكون‭ ‬خطرا‭ ‬وله‭ ‬آثار‭ ‬مدمرة‭ ‬على‭ ‬التوازن‭ ‬السكاني‭ ‬ومستقبل‭ ‬الأجيال‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا