لم أعتد العمل تحت رئاسة قيادي يميز تعامله اليومي هذا القدر من دماثة الخلق، فطوال أكثر من عقد من الزمن كانت من أجمل سنوات عملي الإعلامي لم ألتق شخصية تحمل هذا الكم من الأخلاق الحميدة كشخصية الدكتور خالد العوهلي الرئيس السابق لجامعة الخليج العربي، إلى الحد الذي يطول فيه حصرها وعدها مجتمعة، واُجزم اليوم أن تلك الدماثة هي أهم مسبب لشعوري العميق بالأمن الوظيفي والإحساس بالانتماء والولاء لجامعة الخليج العربي.
نستحضر تفاصيل الذكريات التي جمعتنا في أروقة الجامعة، فتتجسد حتى تبدو وكأنها واقع حيّ يتصف بالديمومة، فهنا يشرف على سير الامتحانات، وهنا يرحب بعودة الطلبة وأعضاء الهيئة الأكاديمية والإدارية، وهناك يعكف على خطط التطوير وإنجاز المشاريع التنموية الواحد تلو الآخر، وهنا يمضي في توقيع اتفاقيات الشراكة والتعاون ويتابع تنفيذها بنفسه، وهناك يُمعن التفكير في استقطاب التخصصات المبتكرة والنادرة تلبيةً لاحتياجات المستقبل، يراهن على ابتعاث الشباب للتخصص في أعرق الجامعات، ويجتهد في تدشين المراكز التخصصية غير المسبوقة في دول المنطقة.. فماذا يمكن أن ننسى؟ وكيف لنا أن نطوي كل ذلك ونمضي قدماً من دونه؟
يصعب سد الفراغ الذي كان يملأه على كل الأصعدة، الجانب الإنساني في المقدمة، والجانب الإداري والقيادي الذي تطغى عليه الحنكة على نحو فريد بكم وافر من الهدوء والتسامح.
لا يُشكل الخاتمة؛ شخصية لا تتكرر، خصاله وصفاته ومساعيه الوفية والمخلصة لا يسهل تبيانها والحديث عنها من دون أن تتزاحم المواقف التي تركها في أزقة الذاكرة.
جمع بين حنان الأب واهتمام الأخ وقرب الصديق، في مقابل حكمة القائد والربان الذي يتعامل بنبل وافر مع كل مكونات الجامعة، إلى الحد الذي يدعوك إلى أن تسأل بصمت في عقلك بعد كل تكليف عمل أو اجتماع أو لقاء صباحي: أي حُضن رباك وأنشأك يا دكتور؟ كيف لك أن تكتسب كل هذا اللطف وحسن الخلق، أم أنها فطرتك السليمة النقية.
دعاني في عام 2010 لمناقشة الخطة الإعلامية المستقبلية للجامعة، وعرض عليّ ترك عالم الصحافة والانضمام إلى الإعلام الجامعي.. أتذكر كيف تذوب الرهبة وتهدأ دقات القلب المتسارعة عند عتبة باب مكتبه بعد كلمات الترحيب غير المتكلفة، وبابتسامة هادئة تبث الطمأنينة، وبمجرد الجلوس معه تتوارد الأفكار والمقترحات التي من شأنها أن تحسن الصورة الإعلامية للجامعة بشكل تلقائي، بعيداً عما تم تحضيره لمناقشته وعرضه في سياق خطة التطوير.
أتذكر كيف ناقشنا معاً الشأن الإعلامي للجامعة، كيف ينصت باهتمام، كيف يضيف على الاقتراحات من خبرته لتبدو أنضج وأكثر تألقاً، كيف كان يشجعنا على المضي في الأفكار التي نعمل عليها، ويفوّضنا لعمل ما نراه مناسباً مادام يثق فيما نسعى للقيام به مادام في خدمة الجامعة والمنتمين إليها، وهذا ما أعطانا خلال هذه السنوات مساحة للحركة بحرية عالية، وأريحية ما كنا لنجدها لولا الدكتور العوهلي (رحمه الله).
بدأت الرحلة، وسرعان ما انتهت، وليت تدفق الزمن توقف، فبين دفة البدء والخاتمة ترك الدكتور العوهلي بصمته المؤثرة بالجامعة، وبصمة أعمق في الروح المتحسرة على فقده.
اليوم... كلما عادت بي الذكريات إلى السنوات التي جمعنا فيها العمل لهذه الجامعة، تذكرت نبرات صوته الهادئ، وابتسامته الموزعة للجميع، وأجواء الطمأنينة التي تظللنا أينما حلّ، طموحاته التي يبثها فينا، رفيع أخلاقه، طيبته الآسرة... يلوح أمامي الحديث النبوي القائل: «إِنَّ الْعَبْدَ لَيَبْلُغُ بِحُسْنِ خُلُقِهِ عَظِيمَ دَرَجَاتِ الآخِرَةِ، وَأشَرَفَ الْمَنَازِلِ».. فأي أثر تركت فينا يا أبا عبدالله، وأي منزلة تنتظرك.
{ صحفية بحرينية
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك