تعلمنا في مبادئ علم الاقتصاد أن للعلاقات والمصالح الاقتصادية الدولية دورا كبيرا في القرارات والمواقف السياسية لدول العالم المتقدمة والنامية على حد سواء، فقد أضحت في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين المحرك الأساسي لكل مناحي الحياة، فبموجبها تصاغ سياسات التنمية الاقتصادية ذات الأثر المباشر على الشعوب والدول وقطاعات الاقتصاد، ووفقا لها تبنى السياسات العامة للدول والمنظمات الوطنية والإقليمية، وهي تؤثر في صانع القرار السياسي بالشكل الذي قد يدفعه إلى اتخاذ قرارات معينة ليس بالضرورة معبرة عن مرئيات وفلسفة النظام السياسي القائم. لا بل إن مستقبل العلاقات بين الدول يخضع تأثيرا وتأثرا بمدى تطور العلاقات الاقتصادية الدولية بينهما. فهل مازال هذا الفهم قائما على أرض الواقع؟ أم إنه مجرد رؤى فكرية تسود بها الكتب والصحف، وهو سياسات إعلامية يراد بها امتصاص فوائض الدول النامية من قبل الدول المتقدمة وشركاتها دولية النشاط؟ وعلى الصعيد العربي هل تحقق يوما أن علاقاتها الاقتصادية الوثيقة مع الولايات المتحدة الأمريكية ودول الغرب عموما، أسهمت في تعزيز علاقاتها السياسية والأمنية مع دول العالم بالشكل الذي يدفع تلك الدول إلى اتخاذ قرارات سياسية داعمة لها أو على الأقل الامتناع عن اتخاذ قرارات سياسية مضرة بها وبمصالحها الوطنية والقومية كمجموعة أو كدول منفردة؟ خاصة وأن الدول العربية ما فتأت تتعرض على الدوام إلى حملات منظمة لتشويه سياساتها الوطنية، والنيل من مواقفها القومية والإنسانية، وتتعرض إلى هجمات ممنهجة تشترك فيها صحف ووسائل إعلام أوروبية وأمريكية ومنظمات مجتمع مدني وشخصيات سياسية وحقوقية، تحاول إظهارها وكأنها فاقدة لحقوق الإنسان، ولمعايير الديمقراطية وغيرها من النعوت التي تصاغ وفقا لمقاييس المجتمعات الغربية وليس وفقا لحاجات المجتمع العربي. أما في ما يخص القضية العربية المركزية – القضية الفلسطينية، فقد كشف الاصطفاف الأمريكي الأوربي بشكل لا يقبل الشك إلى جانب إسرائيل، ليس كدولة تخطئ أو تصيب سياساتها، بل كدولة صهيونية يهودية عنصرية، ولا حاجة إلى ذكر تصريحات الرئيس الأمريكي ووزير خارجيته، والقادة الأوروبيين، فهي واضحة ومتكررة وتؤكد حق إسرائيل المطلق في إبادة الشعب الفلسطيني عن بكرة أبيه. واستخدموا كل وسائل الضغط على دول العالم لمنع مجلس الأمن والأمم المتحدة من إصدار قرار أو بيان يدعو إلى وقف الحرب على غزة.
فما قيمة وما هو أثر العلاقات الاقتصادية بين الدول العربية والدول والشركات الأمريكية والغربية؟.
لقد بذلت حكومات الدول العربية وخاصة دول مجلس التعاون الخليجي جهودا كبيرة في الاتصال والتواصل مع الولايات المتحدة والدول الغربية من أجل وقف الحرب والنظر في الجانب الإنساني حيث يقتل آلاف المواطنين الأبرياء، واستخدام نفوذها لدى إسرائيل لمنع المجازر الوحشية المنافية لقوانين الحرب. لكن دون جدوى، فلا حياة لمن تنادي، فموقفها ثابت في الاستمرار في معاداة ليس شعب فلسطين وحده، بل جميع الدول العربية، والكيل بمكيالين، فهي التي تتباكى وتدعم أوكرانيا في التصدي للاحتلال الروسي، تدعم الاحتلال الإسرائيلي بكل ما أوتيت من قوة. ولم يظهر أي أثر ملموس لأي من أوجه مراعاة العلاقات والمصالح الاقتصادية بينها وبين دول المجلس، والدول العربية الأخرى. على الرغم من أن هذه العلاقات بدءا من تصدير النفط والغاز بأسعار وبكميات تراعي مصالح واستقرار اقتصادات الدول المستهلكة الصديقة، وصولا إلى مليارات إن لم يكن تريليونات الدولارات من العقود التجارية والاستثمارية في مختلف القطاعات مع الشركات الأمريكية والغربية والتي تعد عنصرا رئيسيا من محركات الاقتصادات الأمريكية والأوروبية. وعليه ينبغي على مجالس النواب والشورى خلق رأي عام عربي داعم ومحفز للحكومات العربية لاستخدام علاقاتها الاقتصادية الدولية كأدوات فاعلة في دعم القضايا العربية المشروعة، ولنا في السوابق التاريخية المتواصلة لعلاقات الولايات المتحدة والدول الأوروبية بالدول النامية مثال يمكن الاحتذاء به، إذ إنها تستخدم علاقاتها الاقتصادية لاسيما في مجال المساعدات والتسهيلات والمنح والقروض والتمويلات في الضغط السياسي على الدول النامية لإجبارها على اتخاذ مواقف سياسية معينة وانتهاج خيارات اقتصادية ما. وقد آن الأوان لدولنا ولشعوبنا العربية لتستخدم ذات النهج ليس للتأثير سلبا في شعوب تلك الدول وإنما لتصحيح مواقف قادتها وسياسيها ومنظماتها الأممية ودفعها إلى اتخاذ مواقف إنسانية تنسجم مع قوانينها وتشريعات منظماتها الدولية تجاه القضايا العربية. إن المطلوب في هذه المرحلة أن تتعاون الدول العربية والإسلامية في تشكيل مجموعات ضغط (لوبي) مؤلفة من ممثلين عن شركائها الاقتصاديين، حكوميين وقطاع خاص للضغط والتحرك داخل بلدانها خاصة الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية لمراعاة المصالح والحقوق العربية والإسلامية وفي مقدمتها القضية الفلسطينية وحماية الشعب الفلسطيني وفقا للقوانين الدولية من الإبادة الإسرائيلية المدعومة أمريكيا وأوروبيا، وضمان حقه في العيش بأمن وسلام في دولة مستقلة ذات سيادة وفقا لقرارات الأمم المتحدة. والتذكير دائما بأن عدم الاستقرار الأمني والسياسي في المنطقة العربية المدعوم من دول الغرب سيؤدي إلى التأثير سلبا في العلاقات الاقتصادية معها، عبر توقف الصفقات والمشروعات الكبيرة المشتركة، وانخفاض إنتاج البترول، وتغير اتجاه السياح العرب، وسحب مبالغ كبيرة من الأرصدة العربية في تلك البلدان وغيرها من الأمور التي يخشى الغرب حدوثها. الغرب لا يعرف إلا لغة المصالح، والدول العربية تمتلك مصالح متشابكة مع الغرب، ما يتطلب الإخلاص والذكاء في استخدامها لصالح القضايا العربية. ويقع على المواطنين العرب في كل مكان دور بالغ الأهمية في مقاطعة السلع والخدمات التي تقدمها الشركات والدول التي تقف بالضد من المصالح العربية، فهل نحن مدركون قيمة وأثر ذلك.
{ أكاديمي وخبير اقتصادي
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك