العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

مفارقات أمريكية على حافة حرب شاملة

بقلم: عبدالله السناوي

الأربعاء ٠١ نوفمبر ٢٠٢٣ - 02:00

على‭ ‬حافة‭ ‬حرب‭ ‬إقليمية‭ ‬محتملة‭ ‬تتبدى‭ ‬مسؤولية‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬عن‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬هذه‭ ‬النقطة‭ ‬الخطرة‭. ‬إلى‭ ‬أين‭.. ‬من‭ ‬هنا؟‭ ‬هكذا‭ ‬يطرح‭ ‬سؤال‭ ‬المصير،‭ ‬مصير‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬والمنطقة‭ ‬والنظام‭ ‬الدولي،‭ ‬نفسه‭ ‬عصبيا‭ ‬وملغما‭.‬

أول‭ ‬مفارقة‭ ‬في‭ ‬المأزق،‭ ‬الذي‭ ‬يحكم‭ ‬حلقاته‭ ‬على‭ ‬الأدوار‭ ‬الأمريكية،‭ ‬أن‭ ‬إداراتها‭ ‬المتعاقبة‭ ‬دأبت‭ ‬في‭ ‬العقود‭ ‬الأخيرة‭ ‬على‭ ‬التأكيد‭ ‬أنها‭ ‬بصدد‭ ‬الانسحاب‭ ‬من‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬بكل‭ ‬أزماته‭ ‬المزمنة‭ ‬والمستجدة‭ ‬لصالح‭ ‬التوجه‭ ‬إلى‭ ‬الشرق‭ ‬الآسيوي،‭ ‬حيث‭ ‬الصراع‭ ‬على‭ ‬النفوذ‭ ‬والمصالح‭ ‬والمستقبل‭ ‬محتدما‭ ‬مع‭ ‬الصين‭. ‬رغم‭ ‬ذلك‭ ‬الرهان‭ ‬الاستراتيجي‭ ‬تكاد‭ ‬أن‭ ‬تستغرق‭ ‬الآن‭ ‬في‭ ‬حرب‭ ‬غزة‭ ‬حيث‭ ‬الصراع‭ ‬الفلسطيني‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬يحتدم‭ ‬بالسلاح‭ ‬مجددا‭.‬

ثاني‭ ‬مفارقة،‭ ‬أن‭ ‬إدارة‭ ‬‮«‬جو‭ ‬بايدن‮»‬‭ ‬لم‭ ‬يعهد‭ ‬عنها،‭ ‬عكس‭ ‬الإدارات‭ ‬السابقة،‭ ‬أي‭ ‬اهتمام‭ ‬بملف‭ ‬الصراع‭ ‬يتجاوز‭ ‬سطحه‭ ‬إلى‭ ‬عمقه‭. ‬لا‭ ‬حرصت‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬لديها‭ ‬مشروع،‭ ‬أيا‭ ‬كان‭ ‬نوعه‭ ‬ومدى‭ ‬خطورته،‭ ‬لتسوية‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬كما‭ ‬طمح‭ ‬رؤساء‭ ‬أمريكيون‭ ‬عديدون‭. ‬ولا‭ ‬عملت‭ ‬على‭ ‬تصفيتها‭ ‬على‭ ‬النحو،‭ ‬الذي‭ ‬حاولته‭ ‬إدارة‭ ‬سلفه‭ ‬وغريمه‭ ‬‮«‬دونالد‭ ‬ترامب‮»‬‭ ‬بما‭ ‬أطلق‭ ‬عليها‭ ‬‮«‬صفقة‭ ‬القرن‮»‬‭.‬

مع‭ ‬ذلك‭ ‬فإنها‭ ‬تنخرط‭ ‬سياسيا‭ ‬وعسكريا‭ ‬في‭ ‬حرب‭ ‬غزة‭ ‬بأكثر‭ ‬مما‭ ‬أقدمت‭ ‬عليه‭ ‬أي‭ ‬إدارة‭ ‬أمريكية‭ ‬في‭ ‬الحروب‭ ‬العربية‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬السابقة‭.‬

ثالث‭ ‬مفارقة،‭ ‬التراجع‭ ‬الفادح‭ ‬في‭ ‬مستوى‭ ‬كفاءة‭ ‬الإدارة‭ ‬السياسية‭ ‬الأمريكية‭ ‬لأزمات‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭. ‬الارتباك‭ ‬باد‭ ‬في‭ ‬خطابها‭ ‬والشكوك‭ ‬تضرب‭ ‬صلاتها‭ ‬مع‭ ‬حلفائها‭ ‬التقليديين‭. ‬الأسوأ‭ ‬أنها‭ ‬لا‭ ‬تعرف‭ ‬المدى‭ ‬الذي‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تذهب‭ ‬إليه‭ ‬بالتورط‭ ‬المباشر‭ ‬في‭ ‬حرب‭ ‬إقليمية‭ ‬تقول‭ ‬إنها‭ ‬لا‭ ‬تريدها‭.‬

لم‭ ‬يكن‭ ‬الانحياز‭ ‬المطلق‭ ‬لإسرائيل‭ ‬جديدا‭ ‬على‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬منذ‭ ‬صعودها‭ ‬إلى‭ ‬قيادة‭ ‬النظام‭ ‬الدولي‭ ‬إثر‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الثانية،‭ ‬لكنه‭ ‬بدا‭ ‬هذه‭ ‬المرة‭ ‬على‭ ‬درجة‭ ‬كفاءة‭ ‬منخفضة‭ ‬في‭ ‬إدارة‭ ‬الصراع،‭ ‬الذي‭ ‬يوشك‭ ‬أن‭ ‬ينجرف‭ ‬إلى‭ ‬حرب‭ ‬إقليمية‭ ‬مدمرة‭ ‬تضر‭ ‬بالمصالح‭ ‬الأمريكية‭ ‬قبل‭ ‬غيرها‭.‬

لا‭ ‬يمكن‭ ‬المقارنة‭ ‬‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭ ‬‭ ‬بين‭ ‬مستوى‭ ‬كفاءة‭ ‬وزير‭ ‬الخارجية‭ ‬الحالي‭ ‬‮«‬أنتوني‭ ‬بلينكن‮»‬‭ ‬والتفويض‭ ‬الممنوح‭ ‬له‭ ‬من‭ ‬‮«‬بايدن‮»‬‭ ‬في‭ ‬إدارة‭ ‬أزمة‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬السابع‭ ‬من‭ ‬أكتوبر‭ (‬2023‭) ‬بكفاءة‭ ‬وزير‭ ‬الخارجية‭ ‬‮«‬هنري‭ ‬كيسنجر‮»‬‭ ‬والتفويض‭ ‬الممنوح‭ ‬له‭ ‬من‭ ‬الرئيس‭ ‬الأسبق‭ ‬‮«‬ريتشارد‭ ‬نيكسون‮»‬‭ ‬بأعقاب‭ ‬السادس‭ ‬من‭ ‬أكتوبر‭ (‬1973‭).‬

في‭ (‬1973‭)‬،‭ ‬ألمت‭ ‬بإسرائيل‭ ‬هزيمة‭ ‬فادحة‭ ‬في‭ ‬الأيام‭ ‬الأولى‭ ‬من‭ ‬الحرب‭.‬

وفى‭ (‬2023‭)‬،‭ ‬بدت‭ ‬في‭ ‬وضع‭ ‬انكشاف‭ ‬عسكري‭ ‬واستخباراتي‭ ‬غير‭ ‬مسبوق‭.‬

كلاهما‭ ‬يهودي‭ ‬وموال‭ ‬لإسرائيل،‭ ‬‮«‬كيسنجر‮»‬‭ ‬تعامل‭ ‬كوزير‭ ‬خارجية‭ ‬قوة‭ ‬عظمى‭ ‬بينما‭ ‬‮«‬بلينكن‮»‬‭ ‬حرص‭ ‬على‭ ‬إبراز‭ ‬هويته‭ ‬الدينية،‭ ‬كان‭ ‬ذلك‭ ‬خطأ‭ ‬جوهريا‭ ‬ينطوي‭ ‬على‭ ‬دعوة‭ ‬صريحة‭ ‬إلى‭ ‬حروب‭ ‬دينية‭.‬

كلاهما‭ ‬تبنى‭ ‬إمداد‭ ‬إسرائيل‭ ‬بجسر‭ ‬جوى‭ ‬من‭ ‬الأسلحة‭ ‬المتقدمة،‭ ‬لكن‭ ‬‮«‬كيسنجر‮»‬‭ ‬بنى‭ ‬تصورا‭ ‬سياسيا‭ ‬للحل‭ ‬فيما‭ ‬يعرف‭ ‬بـ«الخطوة‭ ‬خطوة‮»‬،‭ ‬وتمكن‭ ‬في‭ ‬النهاية‭ ‬من‭ ‬إجهاض‭ ‬بطولة‭ ‬السلاح‭ ‬في‭ ‬حرب‭ ‬أكتوبر‭ ‬وعزل‭ ‬مصر‭ ‬عن‭ ‬الصراع‭ ‬كله‭ ‬ومحيطها‭ ‬العربي‭.‬

لا‭ ‬يمتلك‭ ‬‮«‬بلينكن‮»‬‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الكفاءة‭ ‬القاتلة‭ ‬في‭ ‬إدارة‭ ‬الأزمات‭ ‬الدولية‭. ‬الأخطر‭ ‬أنه‭ ‬ركز‭ ‬جانبا‭ ‬كبيرا‭ ‬من‭ ‬جهده‭ ‬الدبلوماسي‭ ‬في‭ ‬محاولة‭ ‬تسويق‭ ‬سيناريو‭ ‬تهجير‭ ‬أهالي‭ ‬غزة‭ ‬إلى‭ ‬سيناء‭.‬

لم‭ ‬يكن‭ ‬ممكنا‭ ‬أن‭ ‬تقبل‭ ‬مصر‭ ‬ذلك‭ ‬السيناريو،‭ ‬ولا‭ ‬الأردن‭ ‬بوارد‭ ‬الصمت‭ ‬على‭ ‬تداعياته‭ ‬خشية‭ ‬أن‭ ‬يتكرر‭ ‬تهجير‭ ‬مماثل‭ ‬بترهيب‭ ‬السلاح‭ ‬من‭ ‬الضفة‭ ‬الغربية‭ ‬إلى‭ ‬الضفة‭ ‬الأخرى،‭ ‬ولا‭ ‬الفلسطينيون‭ ‬جميعهم‭ ‬مستعدون‭ ‬لتقبله‭ ‬خشية‭ ‬نكبة‭ ‬ثانية‭ ‬أفدح‭ ‬وأخطر‭ ‬تقضي‭ ‬على‭ ‬قضيتهم‭ ‬إلى‭ ‬الأبد‭.‬

لأول‭ ‬مرة‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬الصراع‭ ‬العربي‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬تغيب‭ ‬عن‭ ‬الإدارة‭ ‬الأمريكية‭ ‬أي‭ ‬تصورات‭ ‬لما‭ ‬قد‭ ‬يحدث‭ ‬في‭ ‬اليوم‭ ‬التالي‭. ‬إن‭ ‬أي‭ ‬استراتيجية‭ ‬عسكرية‭ ‬تتجاهل‭ ‬الخسائر‭ ‬البشرية‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬قد‭ ‬تأتي‭ ‬بنتائج‭ ‬عكسية‭. ‬كان‭ ‬ذلك‭ ‬تحذيرا‭ ‬معلنا‭ ‬من‭ ‬‮«‬باراك‭ ‬أوباما‮»‬،‭ ‬الرئيس‭ ‬الأسبق‭ ‬وكلمته‭ ‬مسموعة‭ ‬في‭ ‬إدارة‭ ‬‮«‬بايدن‮»‬‭ ‬نائبه‭ ‬لدورتين‭ ‬رئاسيتين‭.‬

بشيء‭ ‬من‭ ‬التفصيل‭ ‬الضروري‭ ‬لشرح‭ ‬حيثياته‭: ‬‮«‬بعض‭ ‬الإجراءات‭ ‬مثل‭ ‬قطع‭ ‬إمدادات‭ ‬الغذاء‭ ‬والماء‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تفضي‭ ‬إلى‭ ‬تصلب‭ ‬الأجيال‭ ‬الفلسطينية‭ ‬وتضعف‭ ‬بالوقت‭ ‬نفسه‭ ‬الدعم‭ ‬الدولي‭ ‬لإسرائيل‮»‬‭.‬

وهو‭ ‬ما‭ ‬تحقق‭ ‬باتساع‭ ‬نطاق‭ ‬التظاهرات‭ ‬الشعبية‭ ‬بمختلف‭ ‬العواصم‭ ‬والمدن‭ ‬العربية‭ ‬والأوروبية‭ ‬والأمريكية،‭ ‬دعما‭ ‬للقضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬وحق‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬في‭ ‬تقرير‭ ‬مصيرهم‭ ‬بأنفسهم‭. ‬الأسوأ‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬إدارة‭ ‬‮«‬بايدن‮»‬‭ ‬أن‭ ‬الصف‭ ‬الأوروبي‭ ‬الموحد‭ ‬خلفها‭ ‬بدأ‭ ‬يتشقق‭.‬

بتعبير‭ ‬الرئيس‭ ‬الفرنسي‭ ‬‮«‬إيمانويل‭ ‬ماكرون‮»‬،‭ ‬الذى‭ ‬لم‭ ‬يخف‭ ‬انحيازا‭ ‬مماثلا،‭ ‬فإنه‭ ‬‮«‬سوف‭ ‬يكون‭ ‬خطأ‭ ‬أن‭ ‬تنفذ‭ ‬إسرائيل‭ ‬تدخلا‭ ‬بريا‭ ‬واسع‭ ‬النطاق‭. ‬‮»‬بايدن‮»‬‭ ‬نفسه‭ ‬حذر‭ ‬الإسرائيليين‭ ‬من‭ ‬إعادة‭ ‬احتلال‭ ‬غزة،‭ ‬لكنه‭ ‬يندفع‭ ‬بالوقت‭ ‬نفسه‭ ‬إلى‭ ‬حافة‭ ‬الحرب‭ ‬الإقليمية‭ ‬المحتملة‭. ‬هكذا‭ ‬يبدو‭ ‬المأزق‭ ‬محكما‭.‬

رابع‭ ‬مفارقة،‭ ‬أن‭ ‬الدعم‭ ‬العسكري‭ ‬والاستخباراتي‭ ‬وإمدادات‭ ‬السلاح‭ ‬وإرسال‭ ‬حاملتي‭ ‬طائرات‭ ‬وبوارج‭ ‬حربية‭ ‬إلى‭ ‬شرق‭ ‬المتوسط،‭ ‬والشراكة‭ ‬في‭ ‬التخطيط‭ ‬والإعداد،‭ ‬وصل‭ ‬إلى‭ ‬حدود‭ ‬غير‭ ‬مسبوقة‭.‬

مع‭ ‬ذلك‭ ‬تخشى‭ ‬الإدارة‭ ‬الأمريكية‭ ‬عواقب‭ ‬الحرب‭ ‬ولا‭ ‬تطمئن‭ ‬إلى‭ ‬جاهزية‭ ‬الجيش‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬لخوض‭ ‬حرب‭ ‬برية‭ ‬طويلة‭ ‬مكلفة‭ ‬في‭ ‬شوارع‭ ‬وأزقة‭ ‬وأنفاق‭ ‬غزة‭. ‬وفرت‭ ‬حماية‭ ‬كاملة‭ ‬لجرائم‭ ‬حرب‭ ‬بشعة‭ ‬بحق‭ ‬المدنيين‭ ‬الفلسطينيين‭.. ‬وادعت‭ ‬بنفس‭ ‬الوقت‭ ‬حرصها‭ ‬على‭ ‬إيصال‭ ‬المساعدات‭ ‬الإنسانية‭ ‬إلى‭ ‬غزة‭.‬

كان‭ ‬ذلك‭ ‬محض‭ ‬ادعاء‭ ‬لتجنب‭ ‬الانتقادات‭ ‬المتصاعدة‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬تحت‭ ‬وطأة‭ ‬المشاهد‭ ‬المروعة‭ ‬في‭ ‬غزة،‭ ‬حيث‭ ‬استشهد‭ ‬حتى‭ ‬هذه‭ ‬اللحظة‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ (‬8‭) ‬آلاف‭ ‬فلسطيني‭ ‬أغلبهم‭ ‬من‭ ‬الأطفال‭ ‬والنساء،‭ ‬وأصيب‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ (‬20‭) ‬ألفا‭ ‬آخرين‭. ‬إنها‭ ‬حرب‭ ‬إبادة‭ ‬تتحمل‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬مسؤوليتها‭ ‬السياسية‭ ‬والأخلاقية‭.‬

بذريعة‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬حياة‭ ‬الرهائن‭ ‬المحتجزين‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬واستكمال‭ ‬جاهزية‭ ‬القوات‭ ‬الأمريكية‭ ‬المتمركزة‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬خشية‭ ‬أن‭ ‬تتعرض‭ ‬لهجمات‭ ‬ممن‭ ‬تسميهم‭ ‬‮«‬وكلاء‭ ‬إيران‮»‬،‭ ‬طلبت‭ ‬تأجيل‭ ‬العملية‭ ‬البرية‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬تحدد‭ ‬أهدافها‭ ‬من‭ ‬الشراكة‭ ‬في‭ ‬الحرب‭.‬

بدواعي‭ ‬الانتقام‭ ‬من‭ ‬الهزيمة‭ ‬المذلة‭ ‬في‭ ‬موقعة‭ ‬السابع‭ ‬من‭ ‬أكتوبر‭ ‬بدأت‭ ‬إسرائيل‭ ‬تدخلا‭ ‬بريا‭ ‬محدودا،‭ ‬قالت‭ ‬إنها‭ ‬سوف‭ ‬توسعه‭ ‬لكنها‭ ‬تخشى‭ ‬عواقبه‭ ‬ولا‭ ‬تعرف‭ ‬لعملياتها‭ ‬أهدافا‭ ‬محددة،‭ ‬كل‭ ‬يوم‭ ‬حديث‭ ‬يختلف‭ ‬عن‭ ‬سابقه‭. ‬وفق‭ ‬تصريح‭ ‬أخير‭ ‬لـ«بنيامين‭ ‬نتنياهو‮»‬‭ ‬فإنه‭ ‬لا‭ ‬تناقض‭ ‬بين‭ ‬توسيع‭ ‬العملية‭ ‬البرية‭ ‬وصفقة‭ ‬تبادل‭ ‬الأسرى،‭ ‬التي‭ ‬قد‭ ‬تضع‭ ‬حدا‭ ‬للحرب‭.‬

إذا‭ ‬ما‭ ‬جرت‭ ‬تلك‭ ‬الصفقة،‭ ‬وأفرج‭ ‬عن‭ ‬كل‭ ‬الأسرى‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬في‭ ‬السجون‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬مقابل‭ ‬الرهائن‭ ‬المحتجزين،‭ ‬فإن‭ ‬الحرب‭ ‬سوف‭ ‬تعد‭ ‬في‭ ‬المحصلة‭ ‬الأخيرة‭ ‬رغم‭ ‬ما‭ ‬لحق‭ ‬بالفلسطينيين‭ ‬من‭ ‬خسائر‭ ‬بشرية‭ ‬هائلة‭ ‬هزيمة‭ ‬سياسية‭ ‬فادحة‭ ‬لإسرائيل،‭ ‬التي‭ ‬عجزت‭ ‬عن‭ ‬تحقيق‭ ‬أي‭ ‬أهداف‭ ‬أخرى‭.‬

خامس‭ ‬مفارقة،‭ ‬أن‭ ‬إدارة‭ ‬‮«‬بايدن‮»‬،‭ ‬التي‭ ‬راهنت‭ ‬على‭ ‬الحرب‭ ‬في‭ ‬أوكرانيا‭ ‬لإلحاق‭ ‬هزيمة‭ ‬استراتيجية‭ ‬بروسيا‭ ‬تؤكد‭ ‬قيادتها‭ ‬المنفردة‭ ‬للنظام‭ ‬الدولي،‭ ‬تجد‭ ‬نفسها‭ ‬أمام‭ ‬سؤال‭ ‬استراتيجي‭ ‬صعب‭: ‬أيهما‭ ‬أهم‭ ‬للمصالح‭ ‬الأمريكية‭ ‬العليا‭.. ‬كسب‭ ‬حرب‭ ‬أوكرانيا‭.. ‬أم‭ ‬إنقاذ‭ ‬إسرائيل‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬تداعيات‭ ‬تنال‭ ‬من‭ ‬أدوارها‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭. ‬هناك‭ ‬شبه‭ ‬إجماع‭ ‬بين‭ ‬الحزبين‭ ‬الكبيرين‭ ‬الديمقراطي‭ ‬والجمهوري‭ ‬في‭ ‬مجلس‭ ‬النواب‭ ‬على‭ ‬دعم‭ ‬إسرائيل،‭ ‬ورئيسه‭ ‬الجديد‭ ‬‮«‬مايك‭ ‬جونسون‮»‬،‭ ‬المقرب‭ ‬من‭ ‬‮«‬ترامب‮»‬،‭ ‬يميل‭ ‬إلى‭ ‬التخفف‭ ‬من‭ ‬أعباء‭ ‬الحرب‭ ‬الأوكرانية‭.‬

يستلفت‭ ‬الانتباه‭ ‬هنا‭ ‬أن‭ ‬أخبار‭ ‬الحرب‭ ‬الأوكرانية‭ ‬تكاد‭ ‬تكون‭ ‬اختفت‭ ‬من‭ ‬على‭ ‬الشاشات‭. ‬هذا‭ ‬مؤشر‭ ‬إضافي‭ ‬يصب‭ ‬لصالح‭ ‬روسيا‭ ‬وحليفتها‭ ‬الصين‭ ‬في‭ ‬الصراع‭ ‬على‭ ‬مستقبل‭ ‬النظام‭ ‬الدولي‭.‬

سادس‭ ‬مفارقة،‭ ‬استحالة‭ ‬الجمع‭ ‬في‭ ‬سياسة‭ ‬واحدة‭ ‬بين‭ ‬الاعتبار‭ ‬الإنساني،‭ ‬الذي‭ ‬يستدعي‭ ‬إدخال‭ ‬المساعدات‭ ‬إلى‭ ‬قطاع‭ ‬غزة‭ ‬بصورة‭ ‬مستدامة‭ ‬لإنقاذ‭ ‬حياة‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مليوني‭ ‬فلسطيني‭ ‬وتوفير‭ ‬الحماية‭ ‬الكاملة‭ ‬لجرائم‭ ‬الإبادة‭ ‬الجماعية‭ ‬التي‭ ‬ترتكبها‭ ‬إسرائيل‭.‬

مانعت‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬في‭ ‬استصدار‭ ‬قرار‭ ‬دولي‭ ‬من‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن‭ ‬يقضي‭ ‬بوقف‭ ‬إطلاق‭ ‬النار‭ ‬بذريعة‭ ‬أنه‭ ‬يصب‭ ‬في‭ ‬صالح‭ ‬‮«‬حماس‮»‬،‭ ‬فيما‭ ‬تبنت‭ ‬المجموعة‭ ‬العربية‭ ‬توجها‭ ‬مختلفا‭ ‬يقترب‭ ‬من‭ ‬الموقفين‭ ‬الروسي‭ ‬والصيني‭.‬

في‭ ‬الجمعية‭ ‬العامة‭ ‬تلقت‭ ‬أمريكا‭ ‬ومعها‭ ‬إسرائيل‭ ‬هزيمة‭ ‬سياسية‭ ‬باستصدار‭ ‬قرار‭ ‬دولي‭ ‬غير‭ ‬ملزم‭ ‬بهدنة‭ ‬إنسانية‭ ‬بأغلبية‭ (‬120‭) ‬دولة‭. ‬يستلفت‭ ‬الانتباه‭ ‬هنا‭ ‬أن‭ ‬روسيا‭ ‬لقت‭ ‬هزيمة‭ ‬مماثلة‭ ‬في‭ ‬الجمعية‭ ‬العامة‭ ‬عندما‭ ‬عجز‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن‭ ‬عن‭ ‬استصدار‭ ‬قرار‭ ‬دولي‭ ‬بإدانة‭ ‬تدخلها‭ ‬في‭ ‬أوكرانيا‭. ‬نحن‭ ‬الآن‭ ‬أمام‭ ‬هزيمة‭ ‬عكسية،‭ ‬وهذه‭ ‬أوضاع‭ ‬تؤشر‭ ‬إلى‭ ‬تغييرات‭ ‬مقبلة‭ ‬بحسابات‭ ‬المصالح‭ ‬المتنازعة‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬وفى‭ ‬بنية‭ ‬النظام‭ ‬الدولي‭.‬

سابع‭ ‬مفارقة،‭ ‬أن‭ ‬الخيارات‭ ‬الأمريكية‭ ‬التي‭ ‬تفتقر‭ ‬إلى‭ ‬أي‭ ‬تبصر‭ ‬بالنتائج‭ ‬والتداعيات،‭ ‬أفضت‭ ‬إلى‭ ‬ردات‭ ‬فعل‭ ‬عكسية‭ ‬بين‭ ‬الحلفاء‭ ‬الإقليميين‭ ‬المفترضين،‭ ‬كمصر‭ ‬والأردن‭ ‬وتركيا‭ ‬أخيرا‭. ‬وهذه‭ ‬مسألة‭ ‬أقرب‭ ‬إلى‭ ‬النزيف‭ ‬الداخلي‭ ‬في‭ ‬أوزان‭ ‬دولة‭ ‬كانت‭ ‬عظمى‭.‬

{‭ ‬كاتب‭ ‬صحفي‭ ‬مصري

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا