رب ضارة نافعة هذا المثل العربي القديم ينطبق على الحرب الروسية الأوكرانية التي كانت تتصدر أحداث العالم والقنوات الفضائية والإخبارية الرئيسية في جميع القنوات الفضائية وغير الفضائية وفجأة تختفي هذه المسألة برمتها من الساحة الإعلامية والسياسية وتتحول تدريجيا إلى قضية منسية أو ثانوية في أحسن الأحوال حتى في الإعلام الروسي والأوكراني والغربي وذلك لأن القضية الفلسطينية والمواجهة الدائرة حاليا بين إسرائيل والفلسطينيين في غزة قد احتلت مركز الصدارة السياسية والأمنية والعسكرية والإعلامية.
والحقيقة إن لهذا الاهتمام المفاجئ بالقضية الفلسطينية هو يعود جوهريا إلى الاهتمام بأمن واستقرار إسرائيل أكثر منه اهتماما بحل القضية الفلسطينية التي مضى عليها أكثر من 70 عاما من دون أي جهود حقيقية لرفع الظلم الذي فرض على الفلسطينيين نتيجة لهذا الدعم الخارجي والأعمى لإسرائيل من القوى الدولية نظرا إلى ما تمثله إسرائيل من أهمية كبرى في الاستراتيجية العسكرية الأمريكية خاصة والغربية عامة فإنه بمجرد ظهور إسرائيل في مظهر الضعيف أو الارتباك حتى تهب القوى الغربية دون تردد لنجدتها وتتحول كل أجهزة الإعلام المتعاطفة مع إسرائيل باستمرار مع إسرائيل ظالمة أو مظلومة وهكذا أصبحت أوكرانيا في المركز الثاني من الاهتمام والدعم.
ويمكننا أن نضيف إلى هذا العامل الرئيسي الذي مثله فشل الهجوم المضاد الأوكراني الذي استثمرت فيه الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية وأنفقت لإنجاحه العشرات من مليارات الدولارات والأطنان العديدة من السلاح والعتاد وهذا الفشل الذي حصل حتى قبل اندلاع أحداث غزة أدى إلى تراجع التأييد الأعمى لأوكرانيا من قبل الأوروبيين بوجه خاص فقد احتدم النقاش السياسي في عديد من البلدان الأوروبية وفي الإعلام الغربي حول جدوى الاستمرار في دعم أوكرانيا بلا حدود ومن دون مردود فعلي في خضم المعارك الفاشلة التي يخوضها الجيش الأوكراني دون جدوى لاختراق الدفاعات الروسية القوية رغم مضي أكثر من أربعة أشهر على الهجوم المضاد الذي بشرت به أوكرانيا والولايات المتحدة الأمريكية ومعظم الدول الغربية التي تعول على قدرة أوكرانيا على استعادة الأراضي التي استرجعتها روسيا.
إن تراجع الاهتمام بالمسألة الأوكرانية في الدول الغربية وخاصة لدى الشعوب الغربية بات يثير قلق الحكومة الأوكرانية لأن الأضرار التي تتلقاها هذه الدول منذ بدء هذا الصراع في فبراير 2022 فاقت جميع التوقعات خاصة أن أوكرانيا لم تحقق سوى مكاسب محدودة وبسيطة في هذا الصراع الذي استمر فترة طويلة ليضاف إلى ذلك الإرهاق الغربي من استمرار هذا الصراع واستهلاك الموارد التي يفترض أن تنفق على حل مشكلات الشعوب الأوروبية والحد من التدهور المعيشي والتضخم.
وإذا أضفنا إلى ما تقدم من عجز أوكراني عسكري في مواجهة روسيا وعجز غربي إلى الآن في إلحاق هزيمة استراتيجية بروسيا وعجز عن تدمير الاقتصاد الروسي، فسنجد أن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي ومستجدات العلاقات بين الغرب وإسرائيل وما تؤشر إليه من احتمالات قيام حرب إقليمية وشاملة وخطيرة في قلب العالم واحتمالات تأثير ذلك في حالة اندلاع هذه المواجهة الشاملة على إمدادات الغذاء والطاقة في العالم ما يزيد من تعقيدات الوضع الاقتصادي والإنساني في أوروبا التي لا تزال تعاني من آثار الحرب الأوكرانية الروسية وخاصة على صعيد تعطل إمدادات الغاز والنفط الروسيين.
لقد تورط الغرب بما في ذلك الولايات المتحدة الأمريكية في الدعم اللامحدود دون العمل على فتح أي أفق سياسي بإمكانه أن ينهي هذا الصراع أو أن يجمده على الأقل لتتنفس شعوب البلدان الصعداء ونفس الشيء تقريبا يحدث على صعيد المواجهة الإسرائيلية الفلسطينية فهي تقوم إلى الآن على مد إسرائيل بالمزيد من السلاح والدعم السياسي والإعلامي وتشجعها على سحق قطاع غزة بمن فيه أو إجبار الفلسطينيين على الخروج والمغادرة إلى سيناء كما تمنت إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية وذلك يحدث من دون أي أفق لحل سياسي ينقذ المنطقة ككل من أهوال هذه الحرب اللاإنسانية ويعيد إلى شعوب المنطقة الأمن والسلام للجميع.
على الولايات المتحدة الأمريكية بوجه خاص والدول الغربية بوجه عام أن تضع في اعتبارها أن الحل السياسي والإنساني هو المخرج الوحيد لإنقاذ العالم سواء في المسالة الأوكرانية أو المسألة الفلسطينية.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك