في أوقات الأزمات والنزاعات يتجه الإنسان إلى التعبير عن غضبه إما صوتاً أو كتابةً للتعبير عما يختزن في خبيئته الوجدانية، وألا تظل المشاعر والأفكار مكبوتة في دواخله، وحتماً ساعدت تطبيقات وسائل التواصل الاجتماعي في إيجاد فضاء مباشر ومساحة شبه حرة للتعبير، لكنها ظلت مساحات مليئة بما هو مفبرك ومزيف وسط ما هو حقيقي وواقعي، ما استدعى من المتابع لها أن يتحقق أكثر من مرة ويحاول أن يضبط تفاعله معها قبل إعادة النشر أو الرد.
ونكاد كلنا نشترك في ذاكرة جمعية عما نقلته حسابات تويتر سابقا «أكس» حاليا، وفيسبوك، و«يوتيوب» عن أحداث هزت العالم مثلما حدث من قبل في 2009 ويحدث الآن في قطاع غزة، وعن صور غرق بعض اللاجئين السوريين إثر الهجرة غير الشرعية، وذاك الطفل الأفغاني الذي تعلق على سور المطار بين يدي والديه على الأراضي الأفغانية ومحاولتهم إلحاقه بطواقم الطائرات الأمريكية المغادرة خوفاً عليه من عودة مصير دموي لحركة طالبان!.
وقبل ذلك كان للمدونات حضور طاغٍ ففي الحرب على العراق سنة 2003 برزت مدونات مثل «سلام باكس» باللغة الإنجليزية، وقد اقتبست الصحافة العالمية نصوصاً منها لتبدو مدونات الحرب إلى جانب كونها أداة لتفريغ المشاعر وسيلة للفت أنظار العالم إلى قضية النزاع.
وعلى عكس ما يشاع بأن المعاناة تخلق الإبداع في المجالين الكتابي والتوثيقي، فهي أيضا تخنق الإبداع!! فكيف لمن يعاني الفقر والقهر والفاقة، ويعيش وسط الترهيب، ويُمسي ويصبح على أصوات القنابل والنيران المشتعلة.. أن يبدع!!
ولربما معاناة الكاتب اليمني علي المقري، وهو أحد أشهر الروائيين العرب خير دليل على ذلك، فهذا الكاتب وخلال محاضرة سابقة له بمركز الشيخ إبراهيم بن محمد آل خليفة للثقافة والبحوث في مملكة البحرين قد سمعته يتحدث عن معاناته في خضم اندلاع الثورة اليمنية سنة 2011م، وكيف أن وابل الرصاص كان يفزعه، وقد لازمته حالة الفزع عندما فرّ إلى جيبوتي ومكث فيها عدة أشهر حتى انتقل إلى فرنسا التي يستقر فيها الآن.
وأمثال المقري مبدعون كثيرون، لم يصل بعضهم إلى شهرته التي نالها بعد روايته «اليهودي الحالي» والتي تطرق فيها لأول مرة عن اليهود في اليمن، في وقت كان فيه الحديث عن اليهود العرب شبه منسي وربما مسكوت عنه، إلا أن جلّ هؤلاء المبدعين يجمعهم شعور الإحباط وعدم الرغبة في استمرارية العطاء داخل أوطان منكوبة تنهشها الفوضى والدمار والغوغائية.
ولعمري إن المبدعين هم من يصنعون الكنوز الخالدة لأوطانهم بما ينتجونه في مجالات الأدب والفنون والعلوم والابتكارات، ولابد أن يكون تقديرهم واحتضان إبداعاتهم واجبا وطنيا لا ترفا.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك