العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

المأزق الإسرائيلي في كيفية التعامل مع قطاع غزة

بقلم: أنطوان شلحت

الاثنين ٣٠ أكتوبر ٢٠٢٣ - 02:00

في‭ ‬خضم‭ ‬حالة‭ ‬الإجماع‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬على‭ ‬الحرب‭ ‬ضد‭ ‬قطاع‭ ‬غزّة،‭ ‬وعلى‭ ‬ضرورة‭ ‬الاقتصاص‭ ‬من‭ ‬حركة‭ ‬حماس‭ ‬والمقاومة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬جرّاء‭ ‬الحصيلة‭ ‬العامة‭ ‬لعملية‭ ‬طوفان‭ ‬الأقصى،‭ ‬قلّت‭ ‬الأصوات‭ ‬في‭ ‬إسرائيل‭ ‬التي‭ ‬تتمرّد‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬الإجماع،‭ ‬وتنحاز‭ ‬إلى‭ ‬الواقع،‭ ‬وليس‭ ‬إلى‭ ‬الصورة‭ ‬المرسومة‭ ‬عنه‭ ‬من‭ ‬القادة‭ ‬السياسيين‭ ‬والعسكريين‭ ‬والضاربين‭ ‬بسيفهم،‭ ‬سيما‭ ‬في‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭.‬

وبالرغم‭ ‬من‭ ‬ذلك،‭ ‬من‭ ‬داخل‭ ‬هذه‭ ‬الأصوات‭ ‬القليلة‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬نستشفّ‭ ‬الكثير‭ ‬بشأن‭ ‬هذا‭ ‬الواقع‭ ‬الذي‭ ‬يجري‭ ‬التحايل‭ ‬عليه‭. ‬وبعيدًا‭ ‬عن‭ ‬الصياغات‭ ‬العامة‭ ‬أو‭ ‬الإنشائية،‭ ‬يمكن‭ ‬التمثيل‭ ‬على‭ ‬المقصود‭ ‬هنا‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬التطرّق‭ ‬إلى‭ ‬مجالين‭ ‬من‭ ‬مجالات‭ ‬عديدة‭ ‬أثارت‭ ‬هذه‭ ‬الحرب‭ ‬ولا‭ ‬تزال‭ ‬تثير‭ ‬جدلًا‭ ‬كبيرًا‭ ‬بشأنها‭.‬

يتعلّق‭ ‬المجال‭ ‬الأول‭ ‬بالعملية‭ ‬العسكريّة‭ ‬البريّة‭ ‬في‭ ‬قطاع‭ ‬غزّة‭ ‬التي‭ ‬يجري‭ ‬التلكؤ‭ ‬في‭ ‬القيام‭ ‬بها،‭ ‬بحسب‭ ‬ما‭ ‬تنشر‭ ‬وسائل‭ ‬إعلام‭ ‬إسرائيلية‭ ‬وأجنبية‭ ‬هذه‭ ‬الأيام‭. ‬وبينما‭ ‬تنشغل‭ ‬معظم‭ ‬تقارير‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬والمحللين‭ ‬العسكريين‭ ‬بأسباب‭ ‬هذا‭ ‬التلكؤ،‭ ‬وما‭ ‬تحيل‭ ‬إليه‭ ‬ربما‭ ‬من‭ ‬نقاش‭ ‬بين‭ ‬المستويين‭ ‬السياسي‭ ‬والعسكري‭ ‬وبين‭ ‬إسرائيل‭ ‬والولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬التي‭ ‬تشارك‭ ‬لأول‭ ‬مرة‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬إسرائيل‭ ‬في‭ ‬صنع‭ ‬القرار‭ ‬المرتبط‭ ‬بالحرب‭ ‬عمومًا،‭ ‬وعملياتها‭ ‬العسكرية‭ ‬خصوصًا،‭ ‬لا‭ ‬تنشغل‭ ‬إلا‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬ندر‭ ‬بالاسم‭ ‬الذي‭ ‬يجري‭ ‬تداوله‭ ‬لها‭ ‬وهو‭ ‬‮«‬المناورة‮»‬،‭ ‬وما‭ ‬يعنيه‭ ‬من‭ ‬دلالات‭ ‬عسكرية‭ ‬لا‭ ‬نمتلك‭ ‬الوسائل‭ ‬اللازمة‭ ‬لقراءتها،‭ ‬وكذلك‭ ‬باحتمالات‭ ‬أن‭ ‬تنجح‭ ‬في‭ ‬تحقيق‭ ‬الغايات‭ ‬الموضوعة‭ ‬لها‭ ‬من‭ ‬المجلس‭ ‬الوزاري‭ ‬الحربي،‭ ‬وفي‭ ‬مقدمها‭ ‬تقويض‭ ‬قدرات‭ ‬حركة‭ ‬حماس‭ ‬العسكرية‭ ‬والسلطوية،‭ ‬وإيجاد‭ ‬نظام‭ ‬حكم‭ ‬أمنيّ‭ ‬جديد‭ ‬في‭ ‬قطاع‭ ‬غزّة‭.‬

كما‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الانشغال‭ ‬يحيل‭ ‬إلى‭ ‬سبب‭ ‬آخر‭ ‬لهذا‭ ‬التلكؤ،‭ ‬هو‭ ‬الأخذ‭ ‬بعين‭ ‬الاعتبار‭ ‬خطر‭ ‬الاشتعال‭ ‬في‭ ‬الشمال،‭ ‬ورُبما‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬برمته‭. ‬ومع‭ ‬هذا‭ ‬كله،‭ ‬يتعيّن‭ ‬الالتفات‭ ‬إلى‭ ‬أنّ‭ ‬تلك‭ ‬الأصوات‭ ‬القليلة‭ ‬تشدّد،‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬يمكن‭ ‬اعتباره‭ ‬تغريدًا‭ ‬خارج‭ ‬السرب،‭ ‬على‭ ‬ضرورة‭ ‬عدم‭ ‬التقليل‭ ‬من‭ ‬قدرات‭ ‬المقاومة‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬ومن‭ ‬عُمق‭ ‬تفكيرها،‭ ‬ومن‭ ‬احتمال‭ ‬أنها‭ ‬تعدّ‭ ‬العدة‭ ‬لمواجهة‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬العملية‭ ‬منذ‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬عقد،‭ ‬بما‭ ‬من‭ ‬شأنه‭ ‬أن‭ ‬يحوّلها‭ ‬إلى‭ ‬فخّ‭ ‬قاتل‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬عناصر‭ ‬الجيش‭ ‬الإسرائيلي‭.‬

وبحسب‭ ‬يوسي‭ ‬ميلمان،‭ ‬وهو‭ ‬من‭ ‬أبرز‭ ‬محللي‭ ‬الشؤون‭ ‬الأمنية‭ ‬في‭ ‬إسرائيل،‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬وصف‭ ‬كل‭ ‬السيناريوهات‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬المرتبطة‭ ‬بهدف‭ ‬تقويض‭ ‬قدرات‭ ‬‮«‬حماس‮»‬‭ ‬إلا‭ ‬بأنها‭ ‬أضغاث‭ ‬أحلام‭. ‬وهو‭ ‬لا‭ ‬يكتفي‭ ‬بهذا‭ ‬الاستنتاج‭ ‬في‭ ‬إطلاقيته‭ ‬فقط،‭ ‬بل‭ ‬يدخل‭ ‬في‭ ‬تفاصيل‭ ‬هذه‭ ‬القدرات‭ ‬التي‭ ‬تفيد،‭ ‬وفقًا‭ ‬لما‭ ‬يكتب،‭ ‬بامتلاك‭ ‬الحركة‭ ‬ترسانة‭ ‬من‭ ‬عشرات‭ ‬ألوف‭ ‬الصواريخ‭ ‬والقذائف‭ ‬التي‭ ‬تكفل‭ ‬لها‭ ‬عمليات‭ ‬إطلاق‭ ‬يومية‭ ‬في‭ ‬اتجاه‭ ‬‮«‬الأراضي‭ ‬الإسرائيلية‮»‬‭ ‬بمعدلاتٍ‭ ‬كبيرة‭ ‬شهرين‭ ‬متواصلين،‭ ‬ناهيك‭ ‬عن‭ ‬وجود‭ ‬قوات‭ ‬مسلّحة‭ ‬يبلغ‭ ‬تعدادها‭ ‬بموجب‭ ‬تقديراته‭ ‬لا‭ ‬أقل‭ ‬من‭ ‬20‭ ‬ألف‭ ‬مقاتل‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬عشرات‭ ‬ألوف‭ ‬الأشخاص‭ ‬الآخرين‭ ‬الذين‭ ‬تربطهم‭ ‬علاقات‭ ‬عمل‭ ‬وتشغيل‭ ‬مع‭ ‬سلطة‭ ‬حماس‭ ‬في‭ ‬القطاع‭ ‬ويشكلون‭ ‬ظهيرًا‭ ‬للمقاتلين‭.‬

المجال‭ ‬الثاني‭ ‬هو‭ ‬المرتبط‭ ‬بالهدف‭ ‬الآخر‭ ‬للحرب‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬الذي‭ ‬صاغه‭ ‬المجلس‭ ‬الوزاري‭ ‬الحربي‭ ‬بعبارة‭: ‬إيجاد‭ ‬نظام‭ ‬حكم‭ ‬أمنيّ‭ ‬جديد‭ ‬في‭ ‬قطاع‭ ‬غزّة‭. ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الخصوص،‭ ‬تجب‭ ‬الإشارة‭ ‬إلى‭ ‬أنه‭ ‬حتى‭ ‬الذين‭ ‬يروّجون‭ ‬‮«‬حتمية‮»‬‭ ‬نجاح‭ ‬إسرائيل‭ ‬في‭ ‬تحقيق‭ ‬الغايات‭ ‬التي‭ ‬وضعتها‭ ‬للحرب،‭ ‬يؤكدون‭ ‬أنه‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬تفكير‭ ‬وتخطيط‭ ‬لــ«اليوم‭ ‬التالي‮»‬،‭ ‬الاحتمال‭ ‬الأكبر‭ ‬الوارد‭ ‬أن‭ ‬تجد‭ ‬إسرائيل‭ ‬نفسها‭ ‬في‭ ‬واقع‭ ‬ليس‭ ‬أقل‭ ‬سوءًا‭ ‬من‭ ‬7‭ ‬تشرين‭ ‬الأول‭/ ‬أكتوبر‭ ‬2023،‭ ‬بدءًا‭ ‬من‭ ‬سيطرة‭ ‬مستمرّة‭ ‬على‭ ‬القطاع،‭ ‬وصولًا‭ ‬إلى‭ ‬‮«‬نشوء‭ ‬فراغ‭ ‬حكومي‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تملأه‭ ‬جهات‭ ‬متطرّفة‭ ‬من‭ ‬مناطق‭ ‬مختلفة‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭.‬‮»‬‭.‬

وفي‭ ‬الأحوال‭ ‬جميعًا،‭ ‬النتيجة‭ ‬معاودة‭ ‬‮«‬الغرق‭ ‬في‭ ‬الوحل‭ ‬الغزيّ‮»‬‭. ‬في‭ ‬المقابل،‭ ‬تؤكّد‭ ‬الأصوات‭ ‬الخارجة‭ ‬عن‭ ‬الإجماع‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬برهنت‭ ‬عليه‭ ‬عملية‭ ‬‮«‬طوفان‭ ‬الأقصى‮»‬‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬الوعي‭ ‬الفلسطيني‭ ‬حيال‭ ‬الحقّ‭ ‬والمقاومة‭ ‬ثابتٌ‭ ‬لا‭ ‬يتحوّل‭ ‬ولا‭ ‬يمكن‭ ‬تغييره،‭ ‬تمامًا‭ ‬مثلما‭ ‬فشل‭ ‬الأمريكيون‭ ‬في‭ ‬أفغانستان‭ ‬والعراق‭. ‬وعليه،‭ ‬فالمطلوب‭ ‬أهداف‭ ‬واقعية‭ ‬ليست‭ ‬كالتي‭ ‬حدّدتها‭ ‬الحكومة‭.‬

{‭ ‬كاتب‭ ‬ومحلل‭ ‬فلسطيني

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا