السابع من أكتوبر 2023م هو يوم الانتصار على الغطرسة والرد على الاستخفاف بالشعب العربي الفلسطيني، يوم الحرب على مفهوم «استعباد شعب لشعب آخر مدى الحياة»، حرب على همجية جيش الاحتلال وقطعان مستوطنيه وحرس حدوده ومستعربيه!
حرب على احتقارهم للمقدسات الإسلامية والمسيحية، وحرب على من داس بأحذيته رؤوس المصلين المسلمين في باحات المسجد الأقصى المبارك وبصق على رجال الدين المسيحيين أمام كنائسهم في القدس مدينة السلام!
انتصار على العالم الحر الذي شجع المحتل الغاشم ودعمه ليتمادى في تطرفه وسحقه للكرامة الوطنية الفلسطينية والتنكر للحقوق التاريخية، هي الحرب على عالم متحضر لا يعترف لنا بحقوقنا ولم ينصفنا وتركنا نواجه مصيرنا مع قوة عسكرية غاشمة عملت وتعمل على محو هويتنا وشطبنا من التاريخ ونفينا من الجغرافيا والوجود!
الكاتب الإسرائيلي «عكيفا إلدار» يحذر الرئيس الأمريكي في مقال حرر يوم 3 يوليو 2023 م، ثلاثة أشهر قبل عملية طوفان الأقصى بقوله: «هذه الحكومة بها أشخاص هم الأكثر إجراماً في هذا العالم»، ويؤيده الكاتب «جدعون ليفي» بصرخة مدوية «إسرائيل بصقت على وجه العالم»، ويؤكد المؤرخ «دانييل ليفي» من لندن عاصمة الاستعمار القديم وظل وتابع الاستعمار الجديد بحرقة ما أتى عليه زميلاه بقوله «خدعتنا أمريكا وبريطانيا بقولهما افعلوا ما شئتم بالفلسطينيين فنحن بظهركم»!
في اليوم التالي للسابع من أكتوبر 2023 م، ينتفض الوحش الجريح الذي طعن في كبريائه وتهشمت صورته كجيش لا يقهر، صاحب اليد الطولى، الذي يصل إلى أي مكان في العالم وينفذ ما يريد بلا محاسبة وبتغطية كاملة لأفعاله، حامي الدولة التجربة والضامن لبقائها!
وزير الحرب الصهيوني «أولاف جالانت» يصف الفلسطينيين بالحيوانات البشرية مقدمة لإبادتهم ويروج رئيس وزرائه وحماته من استعمار قديم وجديد بأن حركتي حماس والجهاد هما «داعش»، وفي هذا كذب صريح ولكنها الحرب وألاعيبها لاستئصال الحركتين.
ويذهبون بشرهم لمدى أبعد ويدعون بأن حماس لا تمثل الشعب الفلسطيني، نعم ولكنها مكون أساسي أصيل من مكونات نسيج الشعب العربي الفلسطيني العظيم وحركة الجهاد كذلك، والحركتان هاجمتا جنودا ومستوطنين في أراض محتلة بالقوة الغاشمة، الأرض محتلة حسب القانون الدولي والمستوطنات غير شرعية حسب القانون الدولي، والولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا تقران بعدم شرعية المستوطنات!
قطاع غزة هو ذلك السجن الكبير في الهواء الطلق لمليونين وثلاثمائة ألف من البشر، في مساحة صغيرة هي 370 كم مربع، المكان الأكثر اكتظاظا بالسكان في العالم، حصار خانق مطبق من جميع الجهات طيلة العام، لا خروج ولا دخول إلا بإذن الاحتلال!
بعد الحصول على كل الدعم والغطاء الدولي، يتبجح الناطق العسكري باسم الجيش بقوله: «الجيش يقوم بإلقاء القنابل، والتشديد على إلحاق الضرر وليس الدقة»، نعم هم ينتصرون على جماجم الأطفال الطرية وأجسادهم الغضة، وأرواحهم الوثابة الجميلة!
نعم، إنها حرب إبادة جماعية تشنها دولة الاحتلال والعدوان والأبارتهايد الصهيونية على غزة البطلة بهدف تهجير سكانها إلى سيناء المصرية (الترانسفير)، وبفضل صمود ووعي شعبنا ورفض القيادة والشعب في مصر لهذا المخطط، سيسقط هذا الخيار، وما نراه اليوم هو نزوح من شمال القطاع إلى جنوبه ما يعرف (بالترانسفير الداخلي)، داخل القطاع وتدفع دولة الاحتلال والعدوان والأبارتهايد بدعم دولي نزوح السكان لجنوب القطاع حيث لا توزع المساعدات الآن إلا لمن هم في جنوب القطاع!
عسكريا ربما يكون هناك تفكير بمنطقة عازلة في شمال قطاع غزة، عدة كيلومترات داخل معبر «بيت حانون»، بعد تهجير السكان لجنوب القطاع، إذا استطاعوا قضم الأرض هناك، ولتعذر الاجتياح البري الشامل، ولربما تواصلت الغارات الجوية الإجرامية عدة أشهر لحرمان المقاومة من حاضنتها الشعبية، والعمل على ما بدأنا نسمعه «قوات الحماية الأمنية» التابعة لحلف الناتو وهل هي فقط لقطاع غزة أم للضفة الغربية أيضا؟
وبدأ تداول مفهوم «كيان منزوع السلاح» وتعيين الأمريكي «ساترفيلد» كسفير خاص مسؤول عن المساعدات الإنسانية من قبل الإدارة الأمريكية، هو يصب في التعامل مع قطاع غزة كحالة إنسانية فقط، وتحويل المسار من سياسي لإنساني فقط.
نزع سلاح حركتي حماس والجهاد والمقاومين جميعا هو الهدف المعلن، ولكن ما هو الهدف السياسي؟ هذه الشراكة الأمريكية الأوروبية الحربية مع دولة الاحتلال والعدوان والأبارثهايد وإحضار كل هذه البوارج والجنود ليست للحرب فقط بل لما بعد الحرب من فرض حلول سياسية تتماشى مع رغباتهم!
ما الذي يطبخ في الخفاء؟ هل وصلنا إلى مرحلة شطب الدولة الفلسطينية؟ هل سنعود فلسطينيين لمرحلة الوصاية الإقليمية؟ هل نحن على موعد مع تخليق كيانية جديدة مشوهة؟
هل سيخلق الاحتلال وشركاؤه الغربيون حكومة «فيشي» عميلة لإدارة قطاع غزة؟ مقدمة لواقع جديد انفصالي؟ وهل سيصمد الأمين العام للأمم المتحدة على موقفه بأن الاحتلال هو جذر المشكلة؟ أم سيعود ويشارك في الحلول الجديدة البائسة المؤقتة التي لا تحل القضية؟
عربيا علينا العمل الجاد السريع لوقف حرب الإبادة الجماعية التي يتعرض لها شعبنا العربي الفلسطيني في قطاع غزة والضفة الغربية والقدس المحتلة، ورفض كل مشاريع تهجير الفلسطينيين من أرضهم، والعمل على بث الروح من جديد بالمبادرة العربية التي تبنتها قمة «بيروت 2002م»، فهي تشكل الحد الأدنى المقبول المتوافق عليه عربيا.
وفلسطينيا علينا الكثير لنعمله، لنتحرر من غشاوة المرحلة ولنسقط كل الأوهام والمراهنات على التسوية بشكلها وآلياتها الحالية، التوحد الكامل في ميدان المعركة في قطاع غزة البطل والضفة الغربية المحتلة الباسلة والقدس عاصمة روحنا الأبدية.
وعلينا الآن دعوة كل فصائل العمل الوطني والإسلامي للوحدة الوطنية والمشاركة في الاجتماعات والفعاليات معا تحت شعار: «شركاء في الدم شركاء في القرار»، ومجابهة هذه العاصفة الهوجاء مجتمعين موحدين، فالمعركة في غزة والهدف هو الضفة الغربية والقدس!
{ كاتب فلسطيني مقيم في مملكة البحرين
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك