العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

في ظل حرب الإبادة على غزة.. الغرب يموت سريريًّا

بقلم: د. زكريا الخنجي

الأحد ٢٩ أكتوبر ٢٠٢٣ - 02:00

‮«‬وفى‭ ‬الصباح‭ ‬الباكر‭ ‬من‭ ‬اليوم‭ ‬التالي،‭ ‬اقتحم‭ ‬باب‭ ‬المسجد‭ ‬ثلة‭ ‬من‭ ‬الصليبيين،‭ ‬فأجهزت‭ ‬على‭ ‬جميع‭ ‬اللاجئين‭ ‬إليه،‭ ‬وحينما‭ ‬توجه‭ ‬قائد‭ ‬القوة‭ (‬ريموند‭ ‬أجيل‭) ‬في‭ ‬الضحى‭ ‬لزيارة‭ ‬ساحة‭ ‬المعبد‭ ‬أخذ‭ ‬يتلمس‭ ‬طريقه‭ ‬بين‭ ‬الجثث‭ ‬والدماء‭ ‬التي‭ ‬بلغت‭ ‬ركبتيه‭. ‬وتركت‭ ‬مذبحة‭ ‬بيت‭ ‬المقدس‭ ‬أثرًا‭ ‬عميقًا‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬العالم،‭ ‬وليس‭ ‬معروفًا‭ ‬بالضبط‭ ‬عدد‭ ‬ضحاياها،‭ ‬غير‭ ‬أنها‭ ‬أدت‭ ‬إلى‭ ‬خلو‭ ‬المدينة‭ ‬من‭ ‬سكانها‭ ‬المسلمين؛‭ ‬بل‭ ‬إن‭ ‬كثيرًا‭ ‬من‭ ‬المسيحيين‭ ‬اشتد‭ ‬جزعهم‭ ‬لما‭ ‬حدث‮»‬‭. ‬هذا‭ ‬الوصف‭ ‬لم‭ ‬أقتبسه‭ ‬من‭ ‬مؤرخ‭ ‬عربي‭ ‬يصف‭ ‬مذابح‭ ‬الصليبيين‭ ‬في‭ ‬فلسطين‭ ‬وسوريا،‭ ‬وإنما‭ ‬اقتبسته‭ ‬من‭ ‬كتاب‭ (‬تاريخ‭ ‬الحروب‭ ‬الصليبية‭) ‬للمؤرخ‭ (‬ستيفن‭ ‬رنسيمان‭).‬

ولم‭ ‬يكن‭ ‬هو‭ ‬فقط‭ ‬من‭ ‬تحدث‭ ‬عن‭ ‬هذه‭ ‬المذابح،‭ ‬وإنما‭ ‬وصف‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬المؤرخين‭ ‬أحداث‭ ‬المذابح‭ ‬التي‭ ‬حدثت‭ ‬في‭ ‬القدس‭ ‬يوم‭ ‬دخول‭ ‬الصليبيين‭ ‬إليها،‭ ‬وكيف‭ ‬أنهم‭ ‬كانوا‭ ‬يزهون‭ ‬بأنفسهم؛‭ ‬لأن‭ ‬ركب‭ ‬خيولهم‭ ‬كانت‭ ‬تخوض‭ ‬في‭ ‬دماء‭ ‬المسلمين‭ ‬التي‭ ‬سالت‭ ‬في‭ ‬الشوارع،‭ ‬وقد‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬وسائل‭ ‬الترفيه‭ ‬لدى‭ ‬الصليبيين‭ ‬أن‭ ‬يشووا‭ ‬أطفال‭ ‬المسلمين‭ ‬كما‭ ‬تشوى‭ ‬النعاج‭.‬

يقول‭ ‬أيضًا‭: ‬‮«‬وعمل‭ ‬الصليبيون‭ ‬مثل‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬مدن‭ ‬المسلمين‭ ‬التي‭ ‬اجتاحوها؛‭ ‬ففي‭ ‬المعرة‭ ‬قتلوا‭ ‬جميع‭ ‬من‭ ‬كان‭ ‬فيها‭ ‬من‭ ‬المسلمين‭ ‬اللاجئين‭ ‬في‭ ‬الجوامع‭ ‬والمختبئين‭ ‬في‭ ‬السراديب،‭ ‬فأهلكوا‭ ‬ما‭ ‬يزيد‭ ‬على‭ ‬مائة‭ ‬ألف‭ ‬إنسان،‭ ‬وكانت‭ ‬المعرة‭ ‬من‭ ‬أعظم‭ ‬مدن‭ ‬الشام‭ ‬بعدد‭ ‬السكان‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬فر‭ ‬إليها‭ ‬الناس‭ ‬بعد‭ ‬سقوط‭ ‬أنطاكية‭ ‬وغيرها‭ ‬بيد‭ ‬الصليبيين‮»‬‭.‬

وفي‭ ‬مكان‭ ‬آخر‭ ‬من‭ ‬الكتاب‭ ‬يقول‭: ‬‮«‬لقد‭ ‬أفرط‭ ‬قومنا‭ ‬في‭ ‬سفك‭ ‬الدماء‭ ‬في‭ ‬هيكل‭ ‬سليمان،‭ ‬وكانت‭ ‬جثث‭ ‬القتلى‭ ‬تعوم‭ ‬في‭ ‬الساحة‭ ‬هنا‭ ‬وهناك،‭ ‬وكانت‭ ‬الأيدي‭ ‬المبتورة‭ ‬تسبح‭ ‬كأنها‭ ‬تريد‭ ‬أن‭ ‬تتصل‭ ‬بجثث‭ ‬غريبة‭ ‬عنها،‭ ‬ولم‭ ‬يكتف‭ ‬الفرسان‭ ‬الصليبيون‭ ‬الأتقياء‭ ‬بذلك‭ ‬فعقدوا‭ ‬مؤتمرًا‭ ‬أجمعوا‭ ‬فيه‭ ‬على‭ ‬إبادة‭ ‬جميع‭ ‬سكان‭ ‬القدس‭ ‬من‭ ‬المسلمين‭ ‬واليهود‭ ‬وخوارج‭ ‬النصارى‭ ‬الذين‭ ‬كان‭ ‬عددهـم‭ ‬ستين‭ ‬ألفًا‭ ‬فأفنوهم‭ ‬عن‭ ‬بكرة‭ ‬أبيهم‭ ‬في‭ ‬ثمانية‭ ‬أيام،‭ ‬ولم‭ ‬يستبقـوا‭ ‬منهم‭ ‬امرأة‭ ‬ولا‭ ‬ولدًا‭ ‬ولا‭ ‬شيخًا‮»‬‭.‬

ولسنا‭ ‬هنا‭ ‬نريد‭ ‬أن‭ ‬نثير‭ ‬المواجع‭ ‬القديمة‭ ‬ونفتح‭ ‬الملفات‭ ‬المفجعة‭ ‬،‭ ‬وإنما‭ ‬الذي‭ ‬نريد‭ ‬أن‭ ‬نقوله‭ ‬هو‭ ‬إن‭ ‬ما‭ ‬يفعله‭ ‬اليوم‭ ‬هؤلاء‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬من‭ ‬قتل‭ ‬وحقد‭ ‬وكراهية،‭ ‬هو‭ ‬نفسه‭ ‬تم‭ ‬نقله‭ ‬من‭ ‬الأجداد‭ ‬إلى‭ ‬الأبناء،‭ ‬فهل‭ ‬يُرجى‭ ‬من‭ ‬الأبناء‭ ‬الخير‭ ‬والسلام؟

في‭ ‬كتاب‭ ‬قديم‭ ‬نوعًا‭ ‬ما،‭ ‬بعنوان‭ (‬فلسطين‭ ‬الشهيدة‭) ‬يسجل‭ ‬فيه‭ ‬المؤرخ‭ ‬في‭ ‬سجل‭ ‬مصور‭ ‬كل‭ ‬المذابح‭ ‬والفظائع‭ ‬التي‭ ‬ارتكبها‭ ‬الإنجليز‭ ‬واليهود‭ ‬في‭ ‬فلسطين‭ ‬فيما‭ ‬بين‭ ‬عام‭ ‬1921‭ ‬إلى‭ ‬1938؛‭ ‬يقع‭ ‬الكتاب‭ ‬في‭ ‬83‭ ‬صفحة‭ ‬يوثق‭ ‬فيها‭ ‬المؤرخ‭ ‬بالصور‭ ‬والوثائق‭ ‬كل‭ ‬تلك‭ ‬الجرائم‭ ‬التي‭ ‬حدثت،‭ ‬وذلك‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬يأتي‭ ‬أبناؤهم‭ ‬وأحفادهم‭ ‬كما‭ ‬يفعلون‭ ‬اليوم‭ ‬ويدعون‭ ‬أو‭ ‬يزعمون‭ ‬أنهم‭ ‬دعاة‭ ‬حرية‭ ‬وحملة‭ ‬الديمقراطية‭.‬

في‭ ‬سلسلة‭ ‬من‭ ‬الكتب‭ ‬المتتالية‭ ‬للكاتب‭ (‬يوسف‭ ‬العاص‭ ‬الطويل‭) ‬حول‭ ‬الحروب‭ ‬الصليبية‭ ‬الجديدة‭ ‬بعنوان‭ (‬الحملة‭ ‬الصليبية‭ ‬على‭ ‬العالم‭ ‬الإسلامي‭ ‬والعالم‭ ‬‭ ‬دراسات‭ ‬وبحوث‭ ‬حول‭ ‬التحيز‭ ‬الأوروبي‭ ‬والأمريكي‭ ‬لإسرائيل‭)‬،‭ ‬يقول‭ ‬في‭ ‬مقدمة‭ ‬الجزء‭ ‬الأول‭:‬

فهذه‭ ‬المدة‭ ‬الطويلة‭ ‬التي‭ ‬مرت‭ ‬على‭ ‬أول‭ ‬مرة‭ ‬نشرتُ‭ ‬بها‭ ‬الدراسة‭ ‬لم‭ ‬تفقدها‭ ‬أهميتها‭ ‬وموضوعيتها‭ ‬في‭ ‬تفسير‭ ‬ما‭ ‬يجري‭ ‬على‭ ‬الأرض‭ ‬العربية،‭ ‬بل‭ ‬أكدت‭ ‬الحاجة‭ ‬إلى‭ ‬إعادة‭ ‬نشرها‭ ‬وتنقيحها،‭ ‬وبالذات‭ ‬وأنها‭ ‬تعالج‭ ‬موضوعا‭ ‬حساسا‭ ‬ومصيريا‭ ‬للأمة‭ ‬العربية‭ ‬والإسلامية‭ ‬وهو‭ ‬أسباب‭ ‬تحيز‭ ‬أمريكا‭ ‬وبريطانيا‭ ‬السافر‭ ‬لإسرائيل‭ ‬وعداؤهما‭ ‬لكل‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬عربي‭ ‬وإسلامي،‭ ‬حيث‭ ‬لم‭ ‬تكتف‭ ‬هاتان‭ ‬الدولتان‭ ‬بزرع‭ ‬إسرائيل‭ ‬في‭ ‬قلب‭ ‬الأمة‭ ‬العربية‭ ‬ومدها‭ ‬بكل‭ ‬أسباب‭ ‬الوجود،‭ ‬بل‭ ‬لجأت‭ ‬خلال‭ ‬القرن‭ ‬الحالي‭ ‬إلى‭ ‬محاربة‭ ‬وتدمير‭ ‬أية‭ ‬قوة‭ ‬عربية‭ ‬أو‭ ‬إسلامية‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تهدد‭ ‬إسرائيل،‭ ‬وسعتا‭ ‬بكل‭ ‬ما‭ ‬أوتيتا‭ ‬من‭ ‬قوة‭ ‬إلى‭ ‬تفكيك‭ ‬العالم‭ ‬الإسلامي‭ ‬وإضعافه‭ ‬بكل‭ ‬الوسائل،‭ ‬مستخدمة‭ ‬مبررات‭ ‬وألاعيب‭ ‬مختلفة،‭ ‬والتي‭ ‬كانت‭ ‬للأسف‭ ‬تنطلي‭ ‬على‭ ‬العرب‭ ‬والمسلمين‭ ‬مرة‭ ‬باسم‭ ‬التحرر‭ ‬من‭ ‬السيطرة‭ ‬العثمانية‭ ‬ومحاربة‭ ‬النازية‭ ‬والفاشية،‭ ‬وأخرى‭ ‬باسم‭ ‬محاربة‭ ‬المد‭ ‬الشيوعي‭ ‬والقومي،‭ ‬وثالثة‭ ‬بدعوى‭ ‬نشر‭ ‬الديمقراطية‭ ‬وحقوق‭ ‬الإنسان،‭ ‬وأخيرًا‭ ‬بدعوى‭ ‬محاربة‭ ‬الإرهاب‭.‬

ولسنا‭ ‬هنا‭ ‬بحاجة‭ ‬كبيرة‭ ‬إلى‭ ‬إمعان‭ ‬النظر‭ ‬لنتبين‭ ‬الدور‭ ‬الخبيث‭ ‬الذي‭ ‬لعبته‭ ‬هاتان‭ ‬الدولتان‭ ‬مجتمعتين‭ ‬أو‭ ‬منفردتين‭ ‬في‭ ‬تقسيم‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬جغرافيًا‭ ‬وسياسيًا،‭ ‬ونهب‭ ‬ثرواتها،‭ ‬ومحاربة‭ ‬توجهاتها‭ ‬الوحدوية‭ ‬والنهضوية،‭ ‬ابتداءً‭ ‬من‭ ‬وعد‭ ‬بلفور‭ ‬واتفاق‭ ‬سايكس‭ ‬بيكو‭ ‬ومرورًا‭ ‬بحروب‭ ‬48،‭ ‬و56،‭ ‬و67،‭ ‬و73،‭ ‬وحرب‭ ‬لبنان‭ ‬82،‭ ‬حتى‭ ‬حرب‭ ‬الخليج‭ ‬التي‭ ‬دمرت‭ ‬خلالها‭ ‬القوة‭ ‬العسكرية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬للأمة‭ ‬العربية،‭ ‬وفرض‭ ‬عليها‭ ‬الجلوس‭ ‬على‭ ‬طاولة‭ ‬المفاوضات‭ ‬مع‭ ‬إسرائيل‭ ‬خاوية‭ ‬اليدين‭.‬

أما‭ ‬حربها‭ ‬الحالية‭ ‬ضد‭ ‬ما‭ ‬تسميه‭ ‬بالإرهاب‭ ‬التي‭ ‬وضعت‭ ‬على‭ ‬قائمتها‭ ‬60‭ ‬دولة‭ ‬غالبيتها‭ ‬العظمى‭ ‬إسلامية‭ ‬وعربية،‭ ‬بدأتها‭ ‬بأفغانستان‭ ‬وفلسطين‭ ‬والعراق،‭ ‬وتقف‭ ‬في‭ ‬الانتظار،‭ ‬دول‭ ‬مثل‭ ‬إيران‭ ‬وسوريا‭ ‬ولبنان‭ ‬والصومال‭ ‬وليبيا‭ ‬والسودان،‭ ‬وحتى‭ ‬دول‭ ‬تعتبر‭ ‬حليفة‭ ‬لأمريكا‭ ‬مثل‭ ‬السعودية‭ ‬ومصر‭.. ‬إلخ،‭ ‬فالحديث‭ ‬عنها‭ ‬يطول،‭ ‬ويبدو‭ ‬أن‭ ‬أمريكا‭ ‬وبريطانيا‭ ‬تريدان‭ ‬أن‭ ‬تتوجا‭ ‬حملتهما‭ ‬الصليبية‭ ‬على‭ ‬العالم‭ ‬الإسلامي‭ ‬والعربي‭ ‬والتي‭ ‬بدأت‭ ‬قبل‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬قرنين‭ ‬من‭ ‬الزمن،‭ ‬بهذه‭ ‬الحرب‭ ‬الفاصلة،‭ ‬حيث‭ ‬اتخذتا‭ ‬من‭ ‬أحداث‭ ‬11‭ ‬سبتمبر‭ ‬مبررًا‭ ‬لشن‭ ‬هذه‭ ‬الحملة‭ ‬الشرسة‭ ‬ضد‭ ‬الإسلام‭ ‬والمسلمين‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مكان‭ ‬بدعوى‭ ‬محاربة‭ ‬الإرهاب‭. ‬وقد‭ ‬قمتُ‭ ‬في‭ ‬حينه‭ ‬وبعد‭ ‬أحداث‭ ‬11‭ ‬سبتمبر‭ ‬مباشرة‭ ‬بنشر‭ ‬دراسة‭ ‬عن‭ ‬هذه‭ ‬الحملة‭ ‬في‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬الصحف‭ ‬والمجلات‭ ‬العربية‭ ‬وعبر‭ ‬مواقع‭ ‬الإنترنت،‭ ‬بينت‭ ‬فيها‭ ‬البعد‭ ‬الديني‭ ‬لهذه‭ ‬الحملة‭ ‬وكيف‭ ‬أن‭ ‬بوش‭ ‬عندما‭ ‬أعلن‭ ‬أنها‭ ‬حرب‭ ‬صليبية‭ ‬فإنه‭ ‬كان‭ ‬يعني‭ ‬ما‭ ‬يقول‭ ‬حرفيًا،‭ ‬ولكن‭ ‬قامت‭ ‬الإدارة‭ ‬الأمريكية‭ ‬والتيار‭ ‬الديني‭ ‬الأصولي‭ ‬المسيحي‭ ‬الذي‭ ‬يحكم‭ ‬أمريكا‭ ‬الآن‭ ‬بافتعال‭ ‬هذه‭ ‬الأحداث‭ ‬لتبرير‭ ‬شن‭ ‬هذه‭ ‬الحملة‭ ‬على‭ ‬العالم‭ ‬الإسلامي،‭ ‬حيث‭ ‬يؤمن‭ ‬أتباع‭ ‬هذا‭ ‬التيار‭ ‬الأصولي‭ ‬بخرافات‭ ‬ونبوءات‭ ‬توراتية‭ ‬تقول‭ ‬بضرورة‭ ‬قيام‭ ‬معركة‭ ‬فاصلة‭ ‬بين‭ ‬قوى‭ ‬الخير‭ ‬والشر‭ ‬تسمى‭ (‬هرمجيدون‭) ‬في‭ ‬أرض‭ ‬فلسطين‭ ‬كمقدمة‭ ‬ضرورية‭ ‬لعودة‭ ‬المسيح‭ ‬المنتظر‭ ‬الذي‭ ‬سيحكم‭ ‬العالم‭ ‬من‭ ‬مقره‭ ‬في‭ ‬القدس‭.‬

ويحمل‭ ‬الكتاب‭ ‬في‭ ‬أجزائه‭ ‬الأربعة‭ ‬كثيرا‭ ‬من‭ ‬الحقائق‭ ‬والوثائق‭ ‬التي‭ ‬تؤكد‭ ‬هذا‭ ‬التواطؤ‭ ‬الدموي‭ ‬البغيض‭ ‬بين‭ ‬كل‭ ‬تلك‭ ‬الدول‭ ‬وكل‭ ‬أبناء‭ ‬الصليبيين‭ ‬وبني‭ ‬صهيون‭ ‬التي‭ ‬تدعي‭ ‬السلام‭ ‬والمحبة‭ ‬والديمقراطية‭ ‬بهدف‭ ‬القضاء‭ ‬على‭ ‬الإسلام‭ ‬والمسلمين‭ ‬والعرب‭ ‬للتحكم‭ ‬في‭ ‬العالم،‭ ‬والثروات،‭ ‬وإلغاء‭ ‬أي‭ ‬فكر‭ ‬وعقيدة‭ ‬تكشف‭ ‬معتقداتهم‭ ‬الخرافية‭ ‬والقائمة‭ ‬على‭ ‬الأساطير‭.‬

واليوم،‭ ‬كل‭ ‬هؤلاء‭ ‬وغيرهم‭ ‬الكثير‭ ‬اجتمعوا‭ ‬وأتوا‭ ‬بكل‭ ‬ما‭ ‬يملكون‭ ‬من‭ ‬بوارج‭ ‬حربية‭ ‬وطائرات‭ ‬وأسلحة‭ ‬دمار‭ ‬شامل،‭ ‬وكل‭ ‬أنواع‭ ‬الأسلحة‭ ‬التي‭ ‬ابتكرتها‭ ‬عقولهم‭ ‬العفنة‭ ‬وكل‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬المتحيزة،‭ ‬وخرافات‭ ‬الحريات‭ ‬والديمقراطيات‭ ‬ممزوجة‭ ‬بلون‭ ‬ورائحة‭ ‬وطعم‭ ‬الدم‭ ‬إلى‭ ‬هذا‭ ‬الجزء‭ ‬من‭ ‬العالم‭ ‬ليس‭ ‬لتدمير‭ ‬غزة‭ ‬فحسب،‭ ‬وإنما‭ ‬أتوا‭ ‬لتوجيه‭ ‬الضربة‭ ‬القاضية‭ ‬لإنهاء‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يمت‭ ‬للعالم‭ ‬العربي‭ ‬الإسلامي‭ ‬بصلة،‭ ‬وإنهاء‭ ‬ما‭ ‬بدأه‭ ‬أجدادهم‭ ‬في‭ ‬الحروب‭ ‬الصليبية‭ ‬وخاصة‭ ‬أن‭ ‬أبناء‭ ‬صلاح‭ ‬الدين‭ ‬الأيوبي‭ ‬في‭ ‬غفلة‭ ‬ومتابعات‭ ‬لمباريات‭ ‬كرة‭ ‬القدم‭ ‬العالمية‭ ‬والإقليمية‭ ‬وما‭ ‬شابه‭ ‬ذلك‭.‬

هؤلاء‭ ‬وإعلامهم‭ ‬الذي‭ ‬ما‭ ‬أنفك‭ ‬يصدع‭ ‬رؤوسنا‭ ‬بالحريات‭ ‬والديمقراطيات؛‭ ‬فتارة‭ ‬يتحدثون‭ ‬عن‭ ‬حقوق‭ ‬وحريات‭ ‬المرأة،‭ ‬وأن‭ ‬تمتلك‭ ‬حريتها‭ ‬ومستقبلها‭ ‬بيدها،‭ ‬وتارة‭ ‬يتحدثون‭ ‬عن‭ ‬حقوق‭ ‬القطط‭ ‬والكلاب‭ ‬وبقية‭ ‬الحيوانات،‭ ‬وتارة‭ ‬يتحدثون‭ ‬عن‭ ‬حقوق‭ ‬الشواذ‭ ‬وحرياتهم‭ ‬المكبوتة‭ ‬وحقهم‭ ‬في‭ ‬اختيار‭ ‬الحياة‭ ‬التي‭ ‬يرغبون‭ ‬من‭ ‬غير‭ ‬أن‭ ‬يعترض‭ ‬عليهم‭ ‬أحد،‭ ‬وحقوق‭ ‬البيئة،‭ ‬وحقوق‭ ‬الشجرة،‭ ‬وحقوق‭ ‬الصخرة،‭ ‬وحقوق‭ ‬النملة،‭ ‬وحقوق‭ ‬كل‭ ‬شيء،‭ ‬ويصولون‭ ‬ويجولون‭ ‬بين‭ ‬تيارات‭ ‬الحقوق‭ ‬والحريات‭ ‬من‭ ‬هنا‭ ‬وهناك،‭ ‬ولكن‭ ‬هؤلاء‭ ‬أنفسهم‭ ‬وإعلامهم‭ ‬المفضوح‭ ‬يغضون‭ ‬الطرف‭ ‬وبكل‭ ‬وقاحة‭ ‬عن‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬العربي‭ ‬والطفل‭ ‬العربي‭ ‬والمرأة‭ ‬العربية‭ ‬التي‭ ‬تُقصف‭ ‬من‭ ‬غير‭ ‬هوادة‭ ‬ولا‭ ‬ضمير‭ ‬وتُقتل‭ ‬تحت‭ ‬القصف‭ ‬المدفعي‭ ‬والمباني‭ ‬المهدومة‭. ‬أين‭ ‬جمعيات‭ ‬حقوق‭ ‬الطفل؟‭ ‬أين‭ ‬جمعيات‭ ‬حقوق‭ ‬المرأة؟‭ ‬أين‭ ‬جمعيات‭ ‬حقوق‭ ‬البيئة؟‭ ‬أين‭ ‬جمعيات‭ ‬حقوق‭ ‬الحيوانات؟‭ ‬أليست‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬الكائنات‭ ‬تموت‭ ‬جراء‭ ‬القصف‭ ‬اليومي‭ ‬في‭ ‬غزة؟‭ ‬أم‭ ‬أن‭ ‬إنسان‭ ‬وحيوانات،‭ ‬ونباتات‭ ‬وبيئة‭ ‬هذا‭ ‬الجزء‭ ‬من‭ ‬العالم‭ ‬لا‭ ‬حقوق‭ ‬لهم؟

أين‭ ‬من‭ ‬صدع‭ ‬رؤوسنا‭ ‬بالتنمية‭ ‬المستدامة‭ ‬وضرورة‭ ‬تطبيقها‭ ‬في‭ ‬دول‭ ‬العالم؟‭ ‬أين‭ ‬من‭ ‬سطر‭ ‬اتفاقيات‭ ‬حقوق‭ ‬المرأة‭ ‬واتفاقية‭ ‬سيداو؟‭ ‬أين‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة؟‭ ‬أين‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن؟‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬نراه‭ ‬على‭ ‬شاشات‭ ‬التلفزيون‭ ‬من‭ ‬السابع‭ ‬من‭ ‬أكتوبر‭ ‬حتى‭ ‬اليوم‭ ‬مجرد‭ ‬ترهات‭ ‬وكلام‭ ‬مثالي‭ ‬وإنشائي‭ ‬فارغ‭ ‬لا‭ ‬يمت‭ ‬للواقع‭ ‬بصلة‭. ‬ولكن‭ ‬في‭ ‬الحقيقة‭ ‬نحن‭ ‬نعلم‭ ‬والجميع‭ ‬يعلم‭ ‬أن‭ ‬الغرب‭ ‬بكل‭ ‬قوته‭ ‬وكل‭ ‬أسلحته‭ ‬وجيوشه‭ ‬بدأ‭ ‬يزحف‭ ‬خلال‭ ‬هذه‭ ‬الفترة‭ ‬إلى‭ ‬هذه‭ ‬الأرض،‭ ‬فهل‭ ‬فعلاً‭ ‬ستكون‭ ‬هذه‭ ‬الحرب‭ ‬هي‭ ‬النهاية؟

ونحن‭ ‬نعلم‭ ‬أيضًا،‭ ‬أن‭ ‬الغرب‭ ‬بكل‭ ‬أطيافه‭ ‬وتقسيماته‭ ‬وتاريخه،‭ ‬لا‭ ‬يحب‭ ‬هذا‭ ‬الجزء‭ ‬من‭ ‬العالم،‭ ‬لا‭ ‬يحب‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭ ‬ولا‭ ‬العقيدة‭ ‬والفكر‭ ‬الإسلامي،‭ ‬فلماذا‭ ‬نكذب‭ ‬على‭ ‬أنفسنا؟‭ ‬ولماذا‭ ‬نرتمي‭ ‬في‭ ‬أحضانهم‭ ‬ونقدم‭ ‬لهم‭ ‬ثرواتنا‭ ‬وأجيالنا‭ ‬بهدف‭ ‬تربيتهم‭ ‬ورعايتهم؟‭ ‬وهم‭ ‬في‭ ‬المقابل‭ ‬يتحينون‭ ‬الفرصة‭ ‬لإلغاء‭ ‬هذا‭ ‬الجزء‭ ‬من‭ ‬العالم‭ ‬من‭ ‬خريطة‭ ‬العالم‭.    ‬

ولنقلها‭ ‬وهي‭ ‬كلمة‭ ‬حق،‭ ‬حتى‭ ‬وإن‭ ‬تراجعت‭ ‬المقاومة،‭ ‬ونرجو‭ ‬من‭ ‬الله‭ ‬سبحانه‭ ‬وتعالى‭ ‬ألا‭ ‬يحدث‭ ‬ذلك،‭ ‬فإنها‭ ‬لن‭ ‬تكون‭ ‬النهاية،‭ ‬سينبت‭ ‬من‭ ‬الأرض‭ ‬من‭ ‬يقاوم،‭ ‬سينبت‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬العقيدة‭ ‬وسيولد‭ ‬أمثال‭ ‬صلاح‭ ‬الدين‭ ‬الأيوبي‭ ‬وغيرهم‭ ‬الكثير،‭ ‬فلا‭ ‬تعتقدوا‭ ‬أنها‭ ‬النهاية‭ ‬وإنما‭ ‬هو‭ ‬حق‭ ‬مسلوب‭ ‬مهما‭ ‬طال‭ ‬الزمن،‭ ‬ومهما‭ ‬حاولت‭ ‬المكائن‭ ‬والأجهزة‭ ‬الإعلامية‭ ‬العوراء‭ ‬أن‭ ‬تمسح‭ ‬الحقائق‭ ‬وتخفيها،‭ ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬حق‭ ‬مسلوب،‭ ‬والحقوق‭ ‬المسلوبة‭ ‬لابد‭ ‬وأن‭ ‬تعود‭ ‬يومًا‭ ‬ما‭ ‬إلى‭ ‬أصحابها‭.  ‬

zkhunji@hotmail‭.‬com

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا