العدد : ١٧٠٤٨ - الاثنين ٢٥ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٣ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٨ - الاثنين ٢٥ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٣ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

مقالات

دراسة وتحليل أعباء الفراغ الاستراتيجي العربي في ضوء المعطيات الإقليمية والدولية الجديدة

بقلم: سميرة رجب

السبت ٢٨ أكتوبر ٢٠٢٣ - 02:00

رغم‭ ‬صعوبة‭ ‬الأيام‭ ‬التي‭ ‬نعيشها،‭ ‬ورغم‭ ‬قوة‭ ‬الإحساس‭ ‬ببشاعة‭ ‬الظلم‭ ‬الذي‭ ‬وصل‭ ‬الذروة‭ ‬بحرق‭ ‬شعبنا‭ ‬العربي‭ ‬في‭ ‬غزة،‭ ‬ورغم‭ ‬جيشان‭ ‬مشاعرنا‭ ‬أمام‭ ‬بشاعة‭ ‬اللاأخلاقية‭ ‬واللاإنسانية‭ ‬الغربية،‭ ‬وأمام‭ ‬الدولة‭ ‬الصهيونية‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬تخجل‭ ‬من‭ ‬انكشاف‭ ‬صورتها‭ ‬الحقيقية‭ ‬الخالية‭ ‬من‭ ‬القيم‭ ‬والأخلاق‭ ‬والإنسانية‭... ‬رغم‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يجري‭ ‬اليوم‭ ‬من‭ ‬إبادة‭ ‬جماعية‭ ‬لشعبنا‭ ‬في‭ ‬غزة‭... ‬ورغم‭ ‬مشاهد‭ ‬القتل‭ ‬الجماعي‭ ‬والدفن‭ ‬الجماعي‭ ‬والتجويع‭ ‬الجماعي‭ ‬للعوائل‭ ‬والأطفال،‭ ‬ومشاهد‭ ‬الجثث‭ ‬المحترقة‭ ‬والممزقة،‭ ‬والأطفال‭ ‬المقطعة‭ ‬أوصالها،‭ ‬والمشردين‭ ‬الباحثين‭ ‬عن‭ ‬ملجأ‭ ‬آمن،‭ ‬ومشاهد‭ ‬الآباء‭ ‬والأمهات‭ ‬المكلومين‭ ‬الحاملين‭ ‬جثامين‭ ‬أطفالهم‭ ‬تحت‭ ‬وابل‭ ‬الصواريخ‭ ‬الحارقة،‭ ‬وبين‭ ‬ركام‭ ‬الدمار‭ ‬الشامل‭ ‬في‭ ‬غزة‭... ‬ورغم‭ ‬السكوت‭ ‬العالمي‭ ‬الجبان‭ ‬واللامبالاة‭ ‬الظالمة‭ ‬من‭ ‬قوى‭ ‬الغرب‭ ‬الأمريكي‭ ‬الأطلنطي‭ ‬على‭ ‬جبروت‭ ‬القوة‭ ‬الصهيونية،‭ ‬وحرب‭ ‬الإبادة‭ ‬باستخدام‭ ‬الأسلحة‭ ‬المحرمة،‭ ‬وأسلحة‭ ‬الدمار‭ ‬الشامل‭ ‬ضد‭ ‬شعب‭ ‬أعزل‭ ‬في‭ ‬غزة‭... ‬ورغم‭ ‬صمود‭ ‬الحقائق‭ ‬لأول‭ ‬مرة‭ ‬أمام‭ ‬آلة‭ ‬الإعلام‭ ‬الغربي‭ ‬المضلل،‭ ‬ووضوح‭ ‬الحقائق‭ ‬أمام‭ ‬الرأي‭ ‬العام‭ ‬العالمي‭ ‬والأممي؛‭ ‬ورغم‭ ‬قوة‭ ‬المعطيات‭ ‬التي‭ ‬وفرتها‭ ‬الحرب‭ ‬على‭ ‬غزة‭ ‬حول‭ ‬حقيقة‭ ‬الفراغ‭ ‬الاستراتيجي‭ ‬العربي‭ ‬الذي‭ ‬تعيشه‭ ‬منطقتنا‭ ‬عموما،‭ ‬والذي‭ ‬يُنذر‭ ‬بدخول‭ ‬المنطقة‭ ‬عموما‭ ‬في‭ ‬مرحلة‭ ‬إقليمية‭ ‬خطيرة‭ ‬وعنيفة،‭ ‬وغير‭ ‬منصفة،‭ ‬مع‭ ‬انتهاء‭ ‬المخاض‭ ‬وبدء‭ ‬عمليات‭ ‬ولادة‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬الجديد‭ ‬بأقصى‭ ‬درجات‭ ‬العنف‭ ‬والدمار‭ ‬الشامل‭ ‬كما‭ ‬ذكر‭ ‬رئيس‭ ‬وزراء‭ ‬الكيان‭ ‬الصهيوني‭ ‬في‭ ‬اليوم‭ ‬الأول‭ ‬من‭ ‬الحرب‭ ‬على‭ ‬غزة‭ ‬وتدميرها‭ ‬على‭ ‬رأس‭ ‬شعبها‭...‬

رغم‭ ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬نحن‭ ‬مضطرون‭ ‬أن‭ ‬نلتزم‭ ‬بالعقلانية‭ ‬والحكمة‭ ‬لإكمال‭ ‬مسيرتنا‭ ‬برشد‭ ‬وعدالة‭... ‬مضطرون‭ ‬أن‭ ‬نفكر‭ ‬ونحلل‭ ‬ونكتب‭ ‬لنظهر‭ ‬الحقيقة‭ ‬أمام‭ ‬أصحاب‭ ‬القرار،‭ ‬ونحن‭ ‬ملتزمون‭ ‬بالموضوعية‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬بشاعة‭ ‬المشهد‭ ‬الذي‭ ‬يسود‭ ‬عالمنا‭ ‬العربي،‭ ‬ومضطرون‭ ‬أن‭ ‬نتماسك‭ ‬ولا‭ ‬ننجرف‭ ‬مع‭ ‬التيار‭ ‬الذي‭ ‬يحاول‭ ‬العدو‭ ‬أن‭ ‬يسحبنا‭ ‬إليه‭... (‬إن‭ ‬يَمْسَسْكُمْ‭ ‬قَرْحٌ‭ ‬فَقَدْ‭ ‬مَسَّ‭ ‬الْقَوْمَ‭ ‬قَرْحٌ‭ ‬مثله‭ ‬وتِلْكَ‭ ‬الْأيَّامُ‭ ‬نُدَاوِلُهَا‭ ‬بَيْنَ‭ ‬النَّاسِ‭ ‬وَلِيَعْلَمَ‭ ‬اللَّهُ‭ ‬الَّذِينَ‭ ‬آمَنُوا‭ ‬وَيَتَّخِذَ‭ ‬مِنكُمْ‭ ‬شهداء‭ ‬وَاللَّهُ‭ ‬لَا‭ ‬يُحِبُّ‭ ‬الظَّالِمِينَ‭) (‬140‭ ‬آل‭ ‬عمران‭).‬

أورد‭ ‬أدناه‭ ‬محتوى‭ ‬الورقة‭ ‬التي‭ ‬تقدمت‭ ‬بها‭ ‬في‭ ‬منتدى‭ ‬أصيلة‭ ‬الثقافي‭ ‬بدورته‭ ‬الرابعة‭ ‬والأربعين،‭ ‬الذي‭ ‬عقد‭ ‬في‭ ‬مدينة‭ ‬أصيلة‭ ‬المغربية‭ ‬على‭ ‬ضفاف‭ ‬المحيط‭ ‬الأطلسي،‭ ‬لدراسة‭ ‬وتحليل‭ ‬‮«‬أعباء‭ ‬الفراغ‭ ‬الاستراتيجي‭ ‬العربي،‭ ‬والمعطيات‭ ‬الإقليمية‭ ‬والدولية‮»‬،‭ ‬بمشاركة‭ ‬نخبة‭ ‬من‭ ‬المسؤولين‭ ‬والمفكرين‭ ‬والمثقفين‭ ‬العرب،‭ ‬في‭ ‬الفترة‭ ‬من‭ ‬17‭- ‬19‭ ‬أكتوبر‭/ ‬تشرين‭ ‬الأول‭ ‬2023‭. ‬

وتطرقت‭ ‬الورقة‭ ‬بإيجاز‭ ‬إلى‭ ‬محورين‭ ‬رئيسيين‭:‬

1‭. ‬العرب‭ ‬والنظام‭ ‬الإقليمي‭ ‬العربي‭: ‬عوامل‭ ‬التراجع

2‭. ‬العرب‭ ‬والنظام‭ ‬الإقليمي‭ ‬العربي‭: ‬آفاق‭ ‬الإصلاح

المحور‭ ‬الأول‭: ‬العرب‭ ‬والنظام‭ ‬الإقليمي‭ ‬العربي‭: ‬عوامل‭ ‬التراجع

لا‭ ‬يمكن‭ ‬اليوم‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬عوامل‭ ‬تراجع‭ ‬النظام‭ ‬الإقليمي‭ ‬العربي،‭ ‬خلال‭ ‬العقود‭ ‬الثلاثة‭ ‬الأخيرة،‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬الرجوع‭ ‬إلى‭ ‬فهم‭ ‬وتحليل‭ ‬أبعاد‭ ‬التطورات‭ ‬الجيوسياسية‭ ‬التي‭ ‬ضربت‭ ‬المنطقة‭ ‬العربية‭ ‬مباشرة‭ ‬بعد‭ ‬انهيار‭ ‬الاتحاد‭ ‬السوفيتي،‭ ‬والقراءة‭ ‬الدقيقة‭ ‬لمسألة‭ ‬المرور‭ ‬تدريجيا‭ ‬من‭ ‬نظام‭ ‬القطبين‭ ‬إلى‭ ‬نظام‭ ‬عالمي‭ ‬جديد‭ ‬تميز‭ ‬بفرض‭ ‬القطبية‭ ‬الواحدة‭ ‬وبنشر‭ ‬العولمة‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والثقافية‭ ‬بأشكالها‭ ‬المختلفة،‭ ‬بقيادة‭ ‬غربية‭ ‬أمريكية‭ ‬متغطرسة،‭ ‬وأمام‭ ‬غياب‭ ‬تام‭ ‬لأي‭ ‬دور‭ ‬عربي‭ ‬ضمن‭ ‬هذه‭ ‬المعادلة‭ ‬الجديدة‭.‬

زلزال‭ ‬غزو‭ ‬العراق‭ ‬وانعكاساته‭ ‬الكارثية‭ ‬على‭ ‬الأمن‭ ‬القومي‭ ‬العربي

إذ‭ ‬مباشرة‭ ‬بعد‭ ‬انتهاء‭ ‬العمل‭ ‬فعليا‭ ‬بنظام‭ ‬القطبين‭ (‬الاتحاد‭ ‬السوفيتي،‭ ‬الغرب‭)‬،‭ ‬ونهاية‭ ‬الحرب‭ ‬الباردة،‭ ‬عملت‭ ‬القوى‭ ‬العظمى،‭ ‬على‭ ‬رأسها‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية،‭ ‬على‭ ‬تثبيت‭ ‬مصالح‭ ‬وخطط‭ ‬استعمارية‭ ‬جديدة‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط،‭ ‬والمنطقة‭ ‬العربية‭ ‬عموما،‭ ‬التي‭ ‬تحولت‭ ‬فعليا‭ ‬إلى‭ ‬ساحة‭ ‬صراع‭ ‬جيوسياسي،‭ ‬وبقيت‭ ‬ضمن‭ ‬مفهوم‭ ‬‮«‬المفعول‭ ‬به‮»‬‭ ‬سياسيا،‭ ‬جيوسياسيا‭ ‬واستراتيجيا،‭ ‬سنوات‭ ‬طويلة،‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يسعى‭ ‬العرب‭ ‬إلى‭ ‬لعب‭ ‬أي‭ ‬دور‭ ‬استراتيجي‭ ‬يُذكر‭ ‬للمساهمة‭ ‬في‭ ‬حماية‭ ‬الأمن‭ ‬القومي‭ ‬العربي‭. ‬

‭ ‬وقد‭ ‬اتسمت‭ ‬هذه‭ ‬المرحلة‭ ‬العصيبة‭ ‬بالانقسام‭ ‬وعدم‭ ‬التنسيق‭ ‬في‭ ‬المواقف‭ ‬العربية،‭ ‬ما‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬إضعاف‭ ‬الدور‭ ‬العربي،‭ ‬وتسهيل‭ ‬الأمر‭ ‬على‭ ‬القوى‭ ‬الإقليمية‭ ‬والدولية‭ ‬المتصارعة‭ ‬جيوسياسيا،‭ ‬لاختراق‭ ‬النظام‭ ‬العربي‭ ‬الرسمي،‭ ‬وفرض‭ ‬أجنداتها‭ ‬السياسية‭ ‬على‭ ‬المنطقة‭.‬

أول‭ ‬الأجندات‭ ‬الكارثية‭ ‬التي‭ ‬تم‭ ‬تحقيقها،‭ ‬اتساقا‭ ‬مع‭ ‬إنهاء‭ ‬الدور‭ ‬المركزي‭ ‬المصري‭ ‬بعد‭ ‬توقيع‭ ‬اتفاقيات‭ ‬السلام‭ ‬مع‭ ‬إسرائيل،‭ ‬هو‭ ‬التخلص‭ ‬التدريجي‭ ‬من‭ ‬الدور‭ ‬العراقي،‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬يُعد‭ ‬الحصن‭ ‬أو‭ ‬السد‭ ‬المنيع‭ ‬أمام‭ ‬تمدد‭ ‬المشاريع‭ ‬الدولية،‭ ‬وسداً‭ ‬رئيسياً‭ ‬أمام‭ ‬تمدد‭ ‬الأطماع‭ ‬الإقليمية،‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭. ‬فكان‭ ‬الفراغ‭ ‬الأمني‭ ‬والعسكري‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬هو‭ ‬النتيجة‭ ‬الكارثية‭ ‬الأكبر‭ ‬لسقوط‭ ‬العراق،‭ ‬بعد‭ ‬الغزو‭ ‬والاحتلال‭ ‬الأمريكي‭ ‬سنة‭ ‬2003؛‭ ‬النتيجة‭ ‬الكارثية‭ ‬الأكبر‭ ‬على‭ ‬المنطقة‭ ‬عموماً،‭ ‬وعلى‭ ‬الأمن‭ ‬الإقليمي‭ ‬العربي‭ ‬خصوصاً‭.‬

إن‭ ‬إسقاط‭ ‬العراق‭ ‬كقوة‭ ‬اقتصادية‭ ‬وثقافية‭ ‬وسياسية‭ ‬عربية‭ ‬من‭ ‬معادلة‭ ‬الأمن‭ ‬القومي‭ ‬العربي،‭ ‬كان‭ ‬بداية‭ ‬انهيار‭ ‬تدريجي‭ ‬للنظام‭ ‬العربي‭ ‬الرسمي،‭ ‬لتتوسع‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬كقوة‭ ‬استعمارية‭ ‬ولاعب‭ ‬رئيسي‭ ‬في‭ ‬إدارة‭ ‬الصراعات‭ ‬الجيوسياسية‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬العربية،‭ ‬وضمان‭ ‬نفوذها‭ ‬الشرق‭ ‬أوسطي‭ ‬في‭ ‬النظام‭ ‬الدولي‭ ‬الجديد،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬تمكين‭ ‬القوى‭ ‬الإقليمية‭ ‬المتحفزة،‭ ‬إيران‭ ‬وتركيا‭ ‬وإسرائيل،‭ ‬للتمدد‭ ‬والتوسع‭ ‬واختراق‭ ‬المنطقة،‭ ‬عموديا‭ ‬وأفقيا‭.‬

ومن‭ ‬المؤسف‭ ‬أن‭ ‬معظم‭ ‬الدول‭ ‬العربية،‭ ‬التي‭ ‬اهتزت‭ ‬وضعُفت‭ ‬مواقفها،‭ ‬لم‭ ‬تجد‭ ‬حلولاً‭ ‬عقلانية‭ ‬للواقع‭ ‬العربي‭ ‬بمتغيراته‭ ‬الجديدة،‭ ‬سوى‭ ‬التنافس‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬الحظوة‭ ‬الأمريكية،‭ ‬وإبرام‭ ‬صفقات‭ ‬منفردة‭ ‬معها،‭ ‬بهدف‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬مصالحها‭.‬

إذن‭ ‬يمكن‭ ‬القول‭ ‬إن‭ ‬احتلال‭ ‬العراق،‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬سوى‭ ‬إحدى‭ ‬البوابات‭ ‬الرئيسية‭ ‬لدخول‭ ‬المنطقة‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬الفراغ‭ ‬السياسي‭ ‬والأمني‭ ‬بكل‭ ‬أبعادها،‭ ‬ما‭ ‬شيّد‭ ‬الطريق‭ ‬أمام‭ ‬الدخول‭ ‬في‭ ‬مشروع‭ ‬‮«‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬الجديد‮»‬،‭ ‬المرسوم‭ ‬لتغيير‭ ‬خريطة‭ ‬المنطقة‭ ‬إلى‭ ‬منطقة‭ ‬نزاعات‭ ‬وصراعات‭ ‬وفوضى‭ ‬ودمار،‭ ‬وانعدام‭ ‬مقومات‭ ‬التطور‭ ‬والتنمية‭ ‬والحياة‭ ‬الكريمة‭... ‬وها‭ ‬نحن‭ ‬بعد‭ ‬مرور‭ ‬عقدين‭ ‬من‭ ‬الزمن‭ ‬أمام‭ ‬مشهد‭ ‬التراجع‭ ‬العربي‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬الأصعدة،‭ ‬وحروب‭ ‬تتصاعد،‭ ‬وأزمات‭ ‬سياسية‭ ‬واقتصادية‭ ‬ومالية‭ ‬وتعليمية،‭ ‬وارتفاعات‭ ‬مخيفة‭ ‬في‭ ‬معدلات‭ ‬الفقر‭ ‬والبطالة‭ ‬والأمية؛‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬بلداننا‭ ‬العربية‭ ‬لا‭ ‬تؤمن‭ ‬بأهمية‭ ‬الاتفاق،‭ ‬أو‭ ‬التوافق،‭ ‬العربي‭-‬العربي‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬حماية‭ ‬مصالحها‭ ‬مجتمعة‭ ‬أمام‭ ‬تغول‭ ‬الأحداث‭ ‬الدولية‭ ‬من‭ ‬حولها‭.‬

لربما‭ ‬يلحظ‭ ‬العرب‭ ‬اليوم‭ ‬إنه‭ ‬خلال‭ ‬العقدين‭ ‬الأخيرين‭ ‬تناقص‭ ‬كثيراً‭ ‬استخدام‭ ‬مصطلح‭ ‬‮«‬النظام‭ ‬العربي‭ ‬الرسمي‮»‬،‭ ‬ولربما‭ ‬صار‭ ‬هذا‭ ‬المصطلح‭ ‬إلى‭ ‬زوال،‭ ‬وكأن‭ ‬هذا‭ ‬النظام،‭ ‬الذي‭ ‬أسسه‭ ‬الإنجليز‭ ‬كأحد‭ ‬متطلبات‭ ‬مشروع‭ ‬سايكس‭ ‬بيكو،‭ ‬انتهت‭ ‬صلاحيته،‭ ‬مع‭ ‬بدء‭ ‬مشروع‭ ‬‮«‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬الجديد‮»‬،‭ ‬الذي‭ ‬من‭ ‬أهم‭ ‬أهدافه‭ ‬إنهاء‭ ‬الوجود‭ ‬العربي‭ ‬كأمة،‭ ‬أو‭ ‬ككتلة،‭ ‬لتحل‭ ‬محله‭ ‬عقيدة‭ ‬المصالح‭ ‬القطرية‭ ‬الهزيلة‭ ‬والضيقة‭.‬

وهناك‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬التفاصيل‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الشأن‭ ‬سنتجاوزها‭ ‬لضيق‭ ‬المساحة،‭ ‬ولاستيفاء‭ ‬التداول‭ ‬في‭ ‬محاور‭ ‬أخرى‭...‬

ارتدادات‭ ‬‮«‬الربيع‭ ‬العربي‮»‬‭ ‬والفوضى‭ ‬الجديدة‭ ‬

مع‭ ‬دخول‭ ‬المنطقة‭ ‬في‭ ‬العصر‭ ‬الأمريكي‭ ‬مع‭ ‬بداية‭ ‬القرن‭ ‬الجديد،‭ ‬ازداد‭ ‬العجز‭ ‬العربي‭ ‬في‭ ‬التنسيق‭ ‬والتعاون‭ ‬المشترك‭ ‬فيما‭ ‬بينها،‭ ‬وانعكس‭ ‬ذلك‭ ‬على‭ ‬دور‭ ‬جامعة‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬وعجزها‭ ‬في‭ ‬وضع‭ ‬استراتيجية‭ ‬واتفاقية‭ ‬أمنية‭ ‬ودفاعية‭ ‬موحدة‭ ‬لعلاج‭ ‬مشكلة‭ ‬الأمن‭ ‬الإقليمي‭ ‬العربي؛‭ ‬وفي‭ ‬الجانب‭ ‬الآخر‭ ‬زاد‭ ‬نفوذ‭ ‬القوى‭ ‬الإقليمية‭ (‬إيران،‭ ‬تركيا،‭ ‬إسرائيل‭) ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬وزاد‭ ‬تأثيرها‭ ‬على‭ ‬القرار‭ ‬السياسي‭ ‬العربي،‭ ‬وتأثيرها‭ ‬في‭ ‬ازدياد‭ ‬الهوة‭ ‬بين‭ ‬الشعوب‭ ‬العربية‭ ‬وحكوماتها‭. ‬ومع‭ ‬الوقت‭ ‬ظهرت‭ ‬الارتدادات‭ ‬وعمّت‭ ‬الفوضى‭ ‬في‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬منذ‭ ‬سنة‭ ‬2011‭ ‬ضمن‭ ‬ما‭ ‬سمي‭ ‬بـ«الربيع‭ ‬العربي‮»‬،‭ ‬الذي‭ ‬دفعت‭ ‬أحداثه‭ ‬المنطقة‭ ‬إلى‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬الضعف‭ ‬والهزال‭ ‬والفراغ‭ ‬السياسي،‭ ‬وجعلت‭ ‬الأمن‭ ‬القومي‭ ‬العربي‭ ‬في‭ ‬أسوأ‭ ‬حالاته،‭ ‬وصولاً‭ ‬إلى‭ ‬حدّ‭ ‬عجز‭ ‬دول‭ ‬عربية‭ ‬كبرى،‭ ‬وتواطؤ‭ ‬دول‭ ‬أخرى‭ ‬ضد‭ ‬بعضها‭.‬

وبجانب‭ ‬الفوضى،‭ ‬والدمار‭ ‬وعدم‭ ‬الاستقرار‭ ‬الأمني‭ ‬والاقتصادي،‭ ‬خسرت‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬أجزاءً‭ ‬من‭ ‬أراضيها،‭ ‬وظهر‭ ‬ما‭ ‬سمي‭ ‬بـ«المناطق‭ ‬غير‭ ‬المحكومة‮»‬‭ ‬لتصبح‭ ‬تحت‭ ‬سيطرة‭ ‬الحركات‭ ‬الإرهابية،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬ضمن‭ ‬النفوذ‭ ‬الأمريكي‭ ‬وإدارته‭. ‬ومع‭ ‬انتشار‭ ‬الجماعات‭ ‬الإرهابية‭ ‬في‭ ‬مواجهات‭ ‬مسلحة‭ ‬مع‭ ‬الجيوش‭ ‬العربية،‭ ‬دخلت‭ ‬بعض‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬ضمن‭ ‬مصطلح‭ ‬أو‭ ‬مفهوم‭ ‬‮«‬الدول‭ ‬الفاشلة‮»‬،‭ ‬ما‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬انعدم‭ ‬الأمن‭ ‬والاستقرار،‭ ‬وتراجع‭ ‬الاقتصاد‭ ‬والتنمية‭ ‬والتطور‭ ‬في‭ ‬أغلبها،‭ ‬ونزوح‭ ‬مواطنين‭ ‬وهجرة‭ ‬آخرين‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬أوطان‭ ‬جديدة‭ ‬وحياة‭ ‬كريمة‭.‬

هذه‭ ‬هي‭ ‬الصورة‭ ‬القاتمة‭ ‬التي‭ ‬أضحت‭ ‬عليها‭ ‬بعض‭ ‬الدول‭ ‬العربية،‭ ‬في‭ ‬تباشير‭ ‬من‭ ‬مشهد‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬الجديد،‭ ‬والوضع‭ ‬الإقليمي‭ ‬العربي‭ ‬الممزق‭.‬

تغلغل‭ ‬الجوار‭ ‬الإقليمي‭ ‬في‭ ‬المصالح‭ ‬العربية

واليوم،‭ ‬بات‭ ‬تغلغل‭ ‬دول‭ ‬الجوار‭ ‬الإقليمي‭ (‬إيران‭ ‬وتركيا‭ ‬وإسرائيل‭) ‬في‭ ‬كل‭ ‬قضايانا‭ ‬العربية‭ ‬المصيرية،‭ ‬الأمنية‭ ‬والعسكرية‭ ‬وغيرها،‭ ‬أمراً‭ ‬واقعاً،‭ ‬حتى‭ ‬صار‭ ‬لها‭ ‬اليد‭ ‬الطولى‭ ‬في‭ ‬التحكم‭ ‬بمصير‭ ‬ومستقبل‭ ‬المنطقة،‭ ‬حيث‭ ‬تعتمد‭ ‬قوتها‭ ‬في‭ ‬عموم‭ ‬المنطقة‭ ‬أساساً‭ ‬على‭ ‬هزال‭ ‬السياسات‭ ‬العربية،‭ ‬من‭ ‬جهة،‭ ‬وعلى‭ ‬تداخل‭ ‬مصالحها‭ ‬وعلاقاتها‭ ‬مع‭ ‬بعضها،‭ ‬ومع‭ ‬مصالح‭ ‬القوة‭ ‬العظمى‭ ‬الأمريكية‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬أخرى‭... ‬هي‭ ‬لعبة‭ ‬براجماتية‭ ‬دقيقة‭ ‬تعمل‭ ‬بنظرية‭ ‬المصالح‭ ‬من‭ ‬جهة،‭ ‬كما‭ ‬تلتقي‭ ‬وتتقاطع‭ ‬مع‭ ‬بعضها‭ ‬في‭ ‬مواقفها‭ ‬المعادية‭ ‬للعرب،‭ ‬مع‭ ‬الإيمان‭ ‬بأن‭ ‬مصالحهم‭ ‬البينية‭ ‬ستنمو‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬كلما‭ ‬ازداد‭ ‬الشقاق‭ ‬بين‭ ‬العرب‭ ‬وزاد‭ ‬انشغالهم‭ ‬بخلافاتهم‭ ‬وصراعاتهم‭ ‬البينية‭ (‬فرّق‭ ‬تسد‭)...  ‬

إن‭ ‬مسلسل‭ ‬مظاهر‭ ‬تراجع‭ ‬الأمن‭ ‬الإقليمي‭ ‬العربي‭ ‬لم‭ ‬ينته‭ ‬بعد،‭ ‬ولربما‭ ‬الأسوأ‭ ‬لم‭ ‬يأت‭ ‬بعد،‭ ‬فما‭ ‬يحصل‭ ‬في‭ ‬السودان‭ ‬واليمن‭ ‬وليبيا‭ ‬ولبنان‭ ‬والعراق‭ ‬وغزة،‭ ‬والخلافات‭ ‬المستعرة‭ ‬بين‭ ‬الدول‭ ‬الشقيقة،‭ ‬يُثير‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬تساؤل‭ ‬حول‭ ‬معدل‭ ‬ارتفاع‭ ‬حالة‭ ‬العجز‭ ‬السياسي،‭ ‬والفراغ‭ ‬الاستراتيجي،‭ ‬التي‭ ‬يعاني‭ ‬منها‭ ‬إقليمنا‭ ‬العربي،‭ ‬وحول‭ ‬مدى‭ ‬إمكانية‭ ‬إصلاح‭ ‬هذه‭ ‬الحالة‭. ‬

المحور‭ ‬الثاني‭: ‬العرب‭ ‬والنظام‭ ‬الإقليمي‭ ‬العربي‭: ‬آفاق‭ ‬الإصلاح

إذن‭ ‬بالرغم‭ ‬من‭ ‬الصورة‭ ‬القاتمة‭ ‬التي‭ ‬نلحظها‭ ‬ضمن‭ ‬الواقع‭ ‬الحالي‭ ‬للنظام‭ ‬الإقليمي‭ ‬العربي،‭ ‬نعتقد‭ ‬بأن‭ ‬التطورات‭ ‬الجيوسياسة‭ ‬الدولية‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تدعم‭ ‬آفاق‭ ‬الإصلاح‭ ‬وتسهم‭ ‬في‭ ‬استرداد‭ ‬النظام‭ ‬العربي‭ ‬الإقليمي‭ ‬ولو‭ ‬جزئيا‭... ‬وأن‭ ‬هناك‭ ‬ثمة‭ ‬أمور‭ ‬أساسية‭ ‬يمكنها‭ ‬المساهمة‭ ‬في‭ ‬تفعيل‭ ‬هذا‭ ‬الأمر‭:‬

أولاً‭:‬ الوضع‭ ‬الدولي‭ ‬الجديد‭ ‬الذي‭ ‬أفرزته‭ ‬الحرب‭ ‬الروسية‭-‬الأوكرانية،‭ ‬وما‭ ‬لحق‭ ‬بالغرب‭ ‬عموماً‭ ‬والسياسات‭ ‬الغربية‭ ‬خصوصاً‭ ‬من‭ ‬فشل‭ ‬على‭ ‬جميع‭ ‬محاورها‭... ‬وانعكاس‭ ‬ذلك‭ ‬على‭ ‬المواقف‭ ‬العربية‭ ‬التي‭ ‬تميزت‭ ‬بشيء‭ ‬من‭ ‬الحكمة‭ ‬في‭ ‬رعاية‭ ‬مصالحها‭ ‬القومية‭ ‬والوطنية‭... ‬وما‭ ‬يبعث‭ ‬على‭ ‬التفاؤل‭ ‬هنا‭ ‬إنه‭ ‬لأول‭ ‬مرة‭ ‬لم‭ ‬تنجح‭ ‬الضغوطات‭ ‬في‭ ‬تغيير‭ ‬الموقف‭ ‬العربي،‭ ‬بل‭ ‬غيّرت‭ ‬في‭ ‬طريقة‭ ‬التعاطي‭ ‬العربي‭ ‬مع‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الأزمات،‭ ‬وظهور‭ ‬الشخصية‭ ‬العربية‭ ‬الجديدة‭ ‬في‭ ‬العلاقات‭ ‬الدولية‭.‬

ثانياً‭:‬ بوادر‭ ‬ظهور‭ ‬نظام‭ ‬عالمي‭ ‬جديد‭ ‬متعدد‭ ‬الأقطاب‭ ‬يبشر‭ ‬برسم‭ ‬سياسات‭ ‬وعلاقات‭ ‬ونظم‭ ‬اقتصادية‭ ‬دولية‭ ‬جديدة‭ ‬ومختلفة‭ ‬عما‭ ‬رسمها‭ ‬الغرب‭ ‬منذ‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الثانية‭..‬

ثالثاً‭: ‬وجديداً،‭ ‬الحرب‭ ‬الإسرائيلية‭- ‬الغربية‭ ‬الوحشية‭ ‬على‭ ‬غزة،‭ ‬والتي‭ ‬تهدف‭ ‬إلى‭ ‬التوسع‭ ‬والإسراع‭ ‬في‭ ‬تنفيذ‭ ‬أهم‭ ‬محاور‭ ‬خريطة‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬الجديد‭ ‬كما‭ ‬أعلن‭ ‬نتنياهو‭... ‬حرب‭ ‬يبدو‭ ‬أنها‭ ‬معدة‭ ‬مسبقا،‭ ‬وتم‭ ‬توقيتها‭ ‬لتبدأ‭ ‬قبل‭ ‬موت‭ ‬النظام‭ ‬الدولي‭ ‬الأمريكي،‭ ‬وقبل‭ ‬إعلان‭ ‬النظام‭ ‬الدولي‭ ‬الجديد‭ ‬المتعدد‭ ‬القطبية،‭ ‬والذي‭ ‬من‭ ‬شأنه‭ ‬كبح‭ ‬جماح‭ ‬الغطرسة‭ ‬الغربية‭. ‬

فرغم‭ ‬بشاعة‭ ‬الإجرام‭ ‬الصهيوني‭ ‬والغربي،‭ ‬ورغم‭ ‬الثمن‭ ‬الباهظ‭ ‬الذي‭ ‬يدفعه‭ ‬شعبنا‭ ‬العربي‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬أمام‭ ‬الآلة‭ ‬الصهيونية‭ ‬المجرمة،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬تبعات‭ ‬واقعية‭ ‬جديدة‭ ‬لهذه‭ ‬الحرب‭ ‬تتبلور‭ ‬شيئاً‭ ‬فشيئاً،‭ ‬لن‭ ‬تكون‭ ‬لصالح‭ ‬الغرب‭ ‬والنظام‭ ‬الصهيوني‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬الأحوال‭... ‬ولا‭ ‬أقصد‭ ‬هنا‭ ‬فقط‭ ‬الإشارة‭ ‬إلى‭ ‬بعض‭ ‬المواقف‭ ‬العربية‭ ‬الرسمية‭ ‬التي‭ ‬بدأت‭ ‬بالتشكل‭ ‬خلال‭ ‬الأيام‭ ‬القليلة‭ ‬الماضية،‭ ‬وإنما‭ ‬أشير‭ ‬إلى‭ ‬تلك‭ ‬العوامل‭ ‬المعنوية‭ ‬المهمة‭ ‬التي‭ ‬تظهر‭ ‬في‭ ‬العنفوان‭ ‬المتجدد‭ ‬للقضية‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬والذي‭ ‬يبشر‭ ‬بأن‭ ‬هذه‭ ‬القضية‭ ‬لن‭ ‬تموت‭ ‬بهذه‭ ‬الحرب‭ ‬ولا‭ ‬بأي‭ ‬آلة‭ ‬عسكرية‭ ‬أخرى‭... ‬هذا‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬حققته‭ ‬هذه‭ ‬النكبة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬الجديدة‭ ‬من‭ ‬وعي‭ ‬جديد‭ ‬حول‭ ‬الدور‭ ‬الصهيوني‭ ‬الوحشي‭ ‬في‭ ‬عقول‭ ‬وقلوب‭ ‬أجيالنا‭ ‬العربية‭ ‬الجديدة،‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬تعش‭ ‬ولم‭ ‬تسمع‭ ‬مسبقا‭ ‬عن‭ ‬تاريخ‭ ‬وحكايات‭ ‬النكبة‭ ‬الأولى‭ ‬في‭ ‬فلسطين‭ ‬وإنما‭ ‬عاشت‭ ‬هذه‭ ‬النكبة‭ ‬بكل‭ ‬تفاصيلها‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬والتكنولوجيا‭... ‬إنها‭ ‬بوادر‭ ‬صعود‭ ‬قوة‭ ‬فكرية‭ ‬وسياسية‭ ‬عربية‭ ‬جديدة‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬تجاهلها،‭ ‬بل‭ ‬نعيشها‭ ‬بترقب‭ ‬اليوم‭.‬

في‭ ‬الختام،‭ ‬يمكن‭ ‬القول‭ ‬إن‭ ‬المشوار‭ ‬ما‭ ‬زال‭ ‬طويلا‭ ‬لإصلاح‭ ‬النظام‭ ‬الإقليمي‭ ‬العربي،‭ ‬ما‭ ‬دامت‭ ‬أسباب‭ ‬هذا‭ ‬التراجع‭ ‬قائمة‭ ‬إلى‭ ‬اليوم‭ (‬استمرار‭ ‬الحركات‭ ‬الإرهابية‭ ‬والعنف،‭ ‬التغلغل‭ ‬الإيراني‭-‬الفارسي‭ ‬من‭ ‬الشرق‭ ‬والتركي‭-‬العثماني‭ ‬من‭ ‬الغرب،‭ ‬الحرب‭ ‬في‭ ‬السودان،‭ ‬الحرب‭ ‬في‭ ‬اليمن،‭ ‬الوجود‭ ‬الأجنبي‭ ‬في‭ ‬سوريا،‭ ‬عجز‭ ‬جامعة‭ ‬الدول‭ ‬العربية،‭ ‬تفكك‭ ‬القرار‭ ‬العربي‭ ‬والانتشار‭ ‬الصهيوني‭ ‬في‭ ‬مفاصل‭ ‬المنطقة‭... ‬وغيرها‭)‬،‭ ‬لكن‭ ‬الظرف‭ ‬الدولي‭ ‬الحالي‭ ‬وفكرة‭ ‬نظام‭ ‬دولي‭ ‬جديد‭ ‬متعدد‭ ‬الأقطاب،‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يمثّل‭ ‬فرصة‭ ‬جيدة‭ ‬لإصلاح‭ ‬ما‭ ‬تم‭ ‬تعطيله‭ ‬منذ‭ ‬عقود‭.‬

 

sr@sameerarajab‭.‬net‭ ‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا