العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

المفكر البحريني د. إبراهيم عبد الله غلوم وإسهاماته في الثقافة العربية

بقلم: د. عبدالله الزين الحيدري

الخميس ٢٦ أكتوبر ٢٠٢٣ - 02:00

لاحت‭ ‬نهاية‭ ‬الأسبوع‭ ‬الأخير‭ ‬من‭ ‬شهر‭ ‬سبتمبر‭ ‬حزينة‭ ‬برحيل‭ ‬قطب‭ ‬من‭ ‬أقطاب‭ ‬الفكر‭ ‬العربي،‭ ‬المفكر‭ ‬والأكاديمي‭ ‬البحريني‭ ‬العريق‭ ‬الأستاذ‭ ‬الدكتور‭ ‬إبراهيم‭ ‬عبد‭ ‬الله‭ ‬غلوم،‭ ‬أستاذ‭ ‬الأدب‭ ‬والنقد‭ ‬الحديث‭. ‬عُرف‭ ‬الأستاذ‭ ‬إبراهيم‭ ‬غلوم‭ ‬في‭ ‬الأوساط‭ ‬الثقافية‭ ‬العربيّة،‭ ‬الخليجية‭ ‬بالخصوص،‭ ‬بوصفه‭ ‬مفكّرا‭ ‬وكاتبا‭ ‬مسرحيا‭ ‬وناقدا‭ ‬أدبيا،‭ ‬كما‭ ‬تشير‭ ‬إلى‭ ‬ذلك‭ ‬أعماله‭ ‬التي‭ ‬بدأها‭ ‬في‭ ‬مرحلة‭ ‬مبكّرة‭ ‬من‭ ‬حياته‭ ‬والتي‭ ‬تدفقت‭ ‬محمّلة‭ ‬بكثير‭ ‬من‭ ‬الهموم‭ ‬الفكرية‭ ‬العائمة‭ ‬في‭ ‬مشكلات‭ ‬التواصل‭ ‬الثقافي‭ ‬والتغيّر‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬لقد‭ ‬عمل‭ ‬الأستاذ‭ ‬إبراهيم‭ ‬غلوم‭ ‬على‭ ‬تجديد‭ ‬الفكر‭ ‬النقدي‭ ‬الأدبي‭ ‬والمسرحي‭ ‬وعلى‭ ‬تحريره‭ ‬من‭ ‬سلطة‭ ‬البعد‭ ‬الواحد‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تعترف‭ ‬بحقيقة‭ ‬الارتباط‭ ‬المنهجي‭ ‬والمعرفي‭ ‬بين‭ ‬الأجناس‭ ‬الفنية‭ ‬والأدبية،‭ ‬بل‭ ‬واندماجها‭ ‬مع‭ ‬بنيات‭ ‬وسياقات‭ ‬بعيدة‭ ‬عن‭ ‬ساحتها‭. ‬ولئن‭ ‬بدا‭ ‬في‭ ‬الظاهر‭ ‬أن‭ ‬حقل‭ ‬الجاذبية‭ ‬في‭ ‬تفكير‭ ‬الأستاذ‭ ‬إبراهيم‭ ‬غلوم‭ ‬يتمثل‭ ‬في‭ ‬القصة‭ ‬والمسرح،‭ ‬فإنّ‭ ‬المعارك‭ ‬الفكرية‭ ‬الحقيقية‭ ‬التي‭ ‬خاضها‭ ‬على‭ ‬امتداد‭ ‬ما‭ ‬يقارب‭ ‬نصف‭ ‬قرن‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬الاطمئنان‭ ‬لإدراكها‭ ‬بسهولة‭  ‬من‭ ‬خلال‭ ‬درسه‭ ‬لفنون‭ ‬المسرح‭ ‬والقصة‭ ‬القصيرة‭ ‬واهتمامه‭ ‬المركّز‭ ‬بالثقافة‭ ‬الشعبيّة‭. ‬إنّها‭ ‬في‭ ‬واقع‭ ‬الأمر‭ ‬معارك‭ ‬باتجاه‭ ‬السّرديات‭ ‬الكبرى،‭ ‬الفلسفيّة‭ ‬والأيديولوجيّة‭ ‬منها‭ ‬بالخصوص،‭ ‬التي‭ ‬تحكم‭ ‬الواقع‭ ‬الفكري‭ ‬والثقافي‭ ‬والسياسي‭ ‬في‭ ‬العالم‭. ‬فهي،‭ ‬باختصار،‭ ‬معارك‭ ‬لوأد‭ ‬أنساق‭ ‬الهيمنة‭.‬

ولكن‭ ‬الدكتور‭ ‬إبراهيم‭ ‬عبد‭ ‬الله‭ ‬غلوم‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬سجين‭ ‬هذه‭ ‬المعارك‭ ‬الفكرية‭. ‬لقد‭ ‬كان‭ ‬منفتحا‭ ‬على‭ ‬حقول‭ ‬معرفيّة‭ ‬أخرى‭ ‬تبيّنتُها‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬التقيته‭ ‬للمرّة‭ ‬الأولى‭ ‬حين‭ ‬دعاني‭ ‬للتدريس‭ ‬بقسم‭ ‬الإعلام‭ ‬بجامعة‭ ‬البحرين‭ ‬عام‭ ‬2003،‭ ‬القسم‭ ‬الذي‭ ‬أخلص‭ ‬في‭ ‬تكوينه‭ ‬وتطوّره‭ ‬ورعايته‭ ‬بشغف‭ ‬وحبّ‭ ‬كبيرين‭. ‬كان‭ ‬وقتها‭ ‬قد‭ ‬أصدر‭ ‬كتابه‭ ‬‮«‬الثقافة‭ ‬وإنتاج‭ ‬الديموقراطية‮»‬،‭ ‬الكتاب‭ ‬الذي‭ ‬ازدانت‭ ‬بظهوره‭ ‬الساحة‭ ‬الأدبيّة‭ ‬والثقافية‭ ‬العربيّة‭ ‬والذي‭ ‬كشف‭ ‬الوجه‭ ‬الميديولوجي‭ ‬في‭ ‬فكر‭ ‬الأستاذ‭ ‬إبراهيم‭ ‬غلوم‭ ‬عندما‭ ‬يقرّر‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬موضع‭ ‬من‭ ‬مواضع‭ ‬الكتاب‭ ‬أنّ‭ ‬الثقافة‭ ‬هي‭ ‬النظام‭ ‬الدينامي‭ ‬لحركة‭ ‬التغيّر‭ ‬الاجتماعي‭. ‬والتزامه‭ ‬بالمنظور‭ ‬الميديولوجي،‭ ‬كنّا،‭ ‬في‭ ‬قسم‭ ‬الإعلام،‭ ‬ونحن‭ ‬نستمتع‭ ‬بحضوره‭ ‬مشرفا‭ ‬على‭ ‬اجتماع‭ ‬القسم،‭ ‬بصفته‭ ‬عميدا‭ ‬لكلية‭ ‬الآداب،‭ ‬متابعا‭ ‬حريصا‭ ‬على‭ ‬تطوير‭ ‬أنشطة‭ ‬القسم‭ ‬العلميّة‭ ‬والتعليمية،‭ ‬كنا‭ ‬ندرك‭ ‬بعده‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬عرضه‭ ‬وتحليله‭ ‬ومناقشته‭ ‬للقضايا‭ ‬البحثيّة‭ ‬والتعليمية‭ ‬في‭ ‬الإعلام‭ ‬والاتصال‭. ‬لقد‭ ‬كان‭ ‬شديد‭ ‬الحرص‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬تعمل‭ ‬مقرّرات‭ ‬برنامج‭ ‬الإعلام،‭ ‬باتجاه‭ ‬براغماتي،‭ ‬تفضي‭ ‬مخرجاته‭ ‬إلى‭ ‬التحكّم‭ ‬في‭ ‬أساليب‭ ‬بناء‭ ‬المعنى‭ ‬وصناعة‭ ‬المضمون‭ ‬الإعلامي‭. ‬ولأنّ‭ ‬الأستاذ‭ ‬إبراهيم‭ ‬غلوم‭ ‬لا‭ ‬يفصل‭ ‬بين‭ ‬سلطة‭ ‬الوسيلة‭ ‬وسلطة‭ ‬المضمون‭ ‬يقينا‭ ‬منه‭ ‬أن‭ ‬قوّة‭ ‬إحداها‭ ‬أو‭ ‬ضعفها‭ ‬يؤثّر‭ ‬في‭ ‬الأخرى،‭ ‬فقد‭ ‬كان‭ ‬مهتما‭ ‬مُجيدا‭ ‬لفنون‭ ‬الإخراج‭ ‬الصحفي‭ ‬بضوابط‭ ‬معرفيّة‭ ‬وبروح‭ ‬إبداعيّة‭ ‬وهو‭ ‬الذي‭ ‬لم‭ ‬يدرس‭ ‬إعلام‭. ‬أذكر‭ ‬حين‭ ‬كنت‭ ‬أزوره‭ ‬بمكتب‭ ‬مجلة‭ ‬العلوم‭ ‬الإنسانية،‭ ‬المجلّة‭ ‬التي‭ ‬يرأس‭ ‬تحريرها،‭ ‬وكان‭ ‬يستقبلني‭ ‬بانشراح‭ ‬عميق،‭ ‬يحدثني‭ ‬عن‭ ‬تخطيطه‭ ‬لإخراج‭ ‬المجلة‭ ‬شكلا‭ ‬ومضمونا‭ ‬فهو‭ ‬الذي‭ ‬يختار‭ ‬نوعية‭ ‬الخط‭ ‬وسمكه‭ ‬ونوعية‭ ‬الورق‭ ‬ولونه‭ ‬وتصميم‭ ‬الغلاف‭ ‬واختيار‭ ‬لوحة‭ ‬الغلاف‭ ‬والصفحات‭ ‬وإخراج‭ ‬العناوين‭... ‬إنّه،‭ ‬في‭ ‬الآن‭ ‬ذاته‭ ‬رئيس‭ ‬تحرير‭ ‬وأمين‭ ‬تحرير‭ ‬ومخرج‭ ‬فني‭ ‬بامتياز‭. ‬فالإتقان‭ ‬والتفاني‭ ‬والصدق‭ ‬في‭ ‬العمل‭ ‬من‭ ‬أبرز‭ ‬سماته‭ ‬الشخصيّة‭ ‬فضلا‭ ‬عن‭ ‬بشاشته‭ ‬وتواضعه‭ ‬الجمّ‭. ‬فكما‭ ‬رأيته‭ ‬مفتونا‭ ‬برعاية‭ ‬أشجار‭ ‬حديقة‭ ‬بيته‭ ‬وورودها،‭ ‬كلّما‭ ‬استضافني‭ ‬في‭ ‬منزله،‭ ‬رأيته‭ ‬كذلك‭ ‬في‭ ‬سائر‭ ‬أعماله‭ ‬الأخرى،‭ ‬الإداريّة‭ ‬والعلميّة‭ ‬والعمليّة‭. ‬فحضوره‭ ‬لاجتماعات‭ ‬القسم،‭ ‬قسم‭ ‬الإعلام‭ ‬بجامعة‭ ‬البحرين،‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬مجرّد‭ ‬حضور‭ ‬إداري‭ ‬للمتابعة‭ ‬والتوجيه‭ ‬فقط،‭ ‬إنّما‭ ‬هو‭ ‬حضور‭ ‬مفعم‭ ‬بحب‭ ‬العمل‭ ‬ومنتج‭ ‬نظريّا‭ ‬ومنهجيّا،‭ ‬حضور‭ ‬يُعرب‭ ‬عن‭ ‬فكر‭ ‬موسوعي‭ ‬يؤمن‭ ‬بالتناهج‭ ‬بين‭ ‬الحقول‭ ‬المعرفيّة،‭ ‬ويدرك‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬يدركه‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الإعلاميين‭ ‬والاتصاليين‭ ‬من‭ ‬أنّ‭ ‬قضايا‭ ‬الإعلام‭ ‬هيّ‭ ‬قضايا‭ ‬مركّبة‭ ‬لا‭ ‬تعمل‭ ‬ببراديغم‭ ‬أو‭ ‬مفهوم‭ ‬التبسيط،‭ ‬وتحتاج‭ ‬إلى‭ ‬جسور‭ ‬تواصل‭ ‬مع‭ ‬العلوم‭ ‬الأخرى‭.‬

ولا‭ ‬شكّ‭ ‬أن‭ ‬اهتمام‭ ‬الأستاذ‭ ‬إبراهيم‭ ‬غلوم‭ ‬المتزايد‭ ‬بالدراسات‭ ‬الثقافية‭ ‬والثقافة‭ ‬الشعبية‭ ‬قد‭ ‬هيّأ‭ ‬له‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬موصولا‭ ‬بمسارات‭ ‬الفلسفة‭ ‬واللسانيات‭ ‬والأنثروبولوجيا‭ ‬وعلم‭ ‬الاجتماع‭ ‬وعلم‭ ‬النفس‭ ‬وعلوم‭ ‬الإعلام‭ ‬والاتصال‭ ‬والنقد‭ ‬الأدبي‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬الحقول‭ ‬المعرفية‭ ‬الأخرى،‭ ‬لمواجهة‭ ‬رهانات‭ ‬الفكر‭ ‬وإدراك‭ ‬مظاهر‭ ‬التعقيد‭ ‬في‭ ‬الواقع‭. ‬وله‭ ‬تمسّك‭ ‬خاصّ‭ ‬بأهميّة‭ ‬البعد‭ ‬الأنثروبولوجي‭ ‬إذ‭ ‬يعتبره‭ ‬المصمّم‭ ‬الحقيقي‭ ‬للعبة‭ ‬القواعد‭ ‬التي‭ ‬تصبح‭ ‬بمقتضاها‭ ‬الثقافة‭ ‬نظاما‭ ‬ديناميّا‭  ‬منتجا‭  ‬للاعتراف‭ ‬بالتنوّع‭  ‬والاختلاف‭. ‬كان‭ ‬يؤسّس‭ ‬في‭ ‬الواقع‭ ‬لنظرة‭ ‬أنثروبولوجيّة‭ ‬خاصة‭ ‬تحرّر‭ ‬الثقافة‭ ‬العربيّة‭ ‬من‭ ‬هندستها‭ ‬الخطيّة‭ ‬التي‭ ‬جعلت‭ ‬دائرة‭ ‬الحوار‭ ‬والتثاقف‭ ‬مستحيلة،‭ ‬واستمرّ‭ ‬يحذّر‭ ‬في‭ ‬الآن‭ ‬ذاته‭ ‬من‭ ‬خطورة‭ ‬تغييب‭ ‬الواقع‭ ‬الانثروبولوجي،‭ ‬فقد‭ ‬تتحوّل‭ ‬الثقافة‭ ‬بمقتضى‭ ‬غيابه‭ ‬إلى‭ ‬‮«‬رعب‮»‬‭ ‬اجتماعيّ‭ ‬مرفوق‭ ‬تارة‭ ‬بشرعيّة‭ ‬الفاعلين‭ ‬في‭ ‬نظامها‭ ‬كما‭ ‬هوّ‭ ‬الحال‭ ‬بالنّسبة‭ ‬إلى‭ ‬ثقافة‭ ‬الدولة،‭ ‬وممزوج‭ ‬تارة‭ ‬أخرى‭ ‬بوهم‭ ‬المعرفة‭ ‬المطلقة‭ ‬مثلما‭ ‬هوّ‭ ‬الشأن‭ ‬بالنّسبة‭ ‬إلى‭ ‬ثقافة‭ ‬النّخبة‭ ‬الموغلة‭ ‬في‭ ‬التنظير‭ ‬أو‭ ‬الغارقة‭ ‬في‭ ‬الإملاء‭ ‬على‭ ‬الآخرين‭ ‬ما‭ ‬يجب‭ ‬فعله‭. ‬فارتقاء‭ ‬الفهم‭ ‬عند‭ ‬الأستاذ‭ ‬إبراهيم‭ ‬غلوم،‭ ‬للكشف‭ ‬عن‭ ‬آفاق‭ ‬جديدة‭ ‬لحركة‭ ‬التغيّر‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬منوط‭ ‬بنظرة‭ ‬بينيّة‭ ‬interdisciplinary‭ ‬إلى‭ ‬حقول‭ ‬العلوم‭ ‬الإنسانية‭ ‬والاجتماعيّة‭. ‬وكثيرا‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬يذكّرنا،‭ ‬في‭ ‬المناسبات‭ ‬الرّسميّة‭ ‬وغير‭ ‬الرّسميّة،‭ ‬بضرورة‭ ‬تغيير‭ ‬عاداتنا‭ ‬الفكريّة‭ ‬باتجاه‭ ‬بيني‭ ‬لتشييد‭ ‬الذات‭ ‬العلميّة‭ ‬الحقّة‭.‬

والذات‭ ‬العلميّة‭ ‬عنده‭ ‬لا‭ ‬تتشكّل‭ ‬داخل‭ ‬أسوار‭ ‬الجامعات‭ ‬والمكتبات‭ ‬بمعزل‭ ‬عن‭ ‬واقع‭ ‬المجتمع‭ ‬وطبائعه،‭ ‬إنّها‭ ‬من‭ ‬منظوره،‭ ‬موصولة‭ ‬بالتراث‭ ‬الشعبي‭ ‬وأحوال‭ ‬الناس‭ ‬وعاداتهم‭. ‬فليس‭ ‬مستغربا‭ ‬أن‭ ‬أرى‭ ‬الأستاذ‭ ‬إبراهيم‭ ‬غلوم،‭ ‬ليأخذني‭ ‬معه،‭ ‬في‭ ‬رحلة‭ ‬خلاّبة‭ ‬إلى‭ ‬عمق‭ ‬الأحياء‭ ‬الشعبيّة‭ ‬بالمنامة،‭ ‬رحلة‭ ‬أنس‭ ‬تقودنا‭ ‬إلى‭ ‬مطاعم‭ ‬عابرة‭ ‬للأزمنة‭ ‬والعصور،‭ ‬حيث‭ ‬روائح‭ ‬الشواء‭ ‬المتصاعدة‭ ‬تغزو‭ ‬أجواء‭ ‬المدينة‭ ‬العتيقة‭. ‬ومن‭ ‬تواضعه‭ ‬الجلوس‭ ‬إلى‭ ‬الطاولات‭ ‬الخشبية‭ ‬المتراصفة‭ ‬أمام‭ ‬محلات‭ ‬الشواء‭ ‬أين‭ ‬يكون‭ ‬الناس‭ ‬قريبين‭ ‬من‭ ‬بعضهم‭ ‬البعض‭. ‬من‭ ‬الجائز‭ ‬أنّه‭ ‬أفضل‭ ‬مكان‭ ‬للإحساس‭ ‬بمشاعر‭ ‬عامّة‭ ‬الناس‭ ‬ومخالجهم‭. ‬فالمسافة‭ ‬بينه‭ ‬وبين‭ ‬الثقافة‭ ‬الشعبية‭ ‬صفر‭. ‬وحول‭ ‬تلك‭ ‬الطاولات‭ ‬الخشبيّة،‭ ‬كان‭ ‬يروي‭ ‬لي‭ ‬تاريخ‭ ‬المنامة،‭ ‬تاريخ‭ ‬لم‭ ‬أقرأه‭ ‬في‭ ‬الكتب‭. ‬ومن‭ ‬تواضعه‭ ‬وكرمه‭ ‬الفيّاض‭ ‬أنّه،‭ ‬كان‭ ‬عندما‭ ‬يزورني‭ ‬في‭ ‬بيتي‭ ‬بمنطقة‭ ‬الجفير،‭ ‬لا‭ ‬يأتي‭ ‬إلاّ‭ ‬ومعه‭ ‬شيء‭ ‬لوالدتي‭. ‬فقد‭ ‬كان‭ ‬يسعد‭ ‬بالحديث‭ ‬معها‭ ‬بلهجة‭ ‬الحاذق‭ ‬للدّارجة‭ ‬التونسيّة،‭ ‬وهو‭ ‬البَرٌ‭ ‬بوالدته‭.‬

رحمك‭ ‬الله‭ ‬أيها‭ ‬الصديق‭ ‬العزيز،‭ ‬وتغمّد‭ ‬روحك‭ ‬بواسع‭ ‬رحمته‭ ‬ورضوانه،‭ ‬وأسكنك‭ ‬فسيح‭ ‬جناته،‭ ‬واسمح‭ ‬لي‭ ‬في‭ ‬سياق‭ ‬الحال‭ ‬أن‭ ‬أستعير‭ ‬منك‭ ‬العبارة‭ ‬التي‭ ‬كنت‭ ‬ترسمها‭ ‬بخطك‭ ‬الأنيق‭ ‬على‭ ‬الغلاف‭ ‬الداخلي،‭ ‬كلّما‭ ‬أهديتني‭ ‬كنزا‭ ‬من‭ ‬كنوزك‭ ‬الفكريّة‭ ‬والأدبيّة،‭ ‬يا‭ ‬‮«‬أكثر‭ ‬من‭ ‬له‭ ‬دلالة‭ ‬على‭ ‬قلبي‭...‬‮»‬‭.‬

{ أستاذ‭ ‬علوم‭ ‬الإعلام‭ ‬والاتصال

hidri‭.‬adam@yahoo‭.‬fr

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا