كل مرة يتعرض شعبنا للحرب تنكشف عورة المعايير الدولية ويكشف العالم عن وجهه الحقيقي، ويتضح بصورة أكثر جلاءً حقيقة التنظيم الدولي الذي يهيمن على العالم. فالعالم الذي يعجز عن إجبار إسرائيل على تنفيذ قرار واحد من قرارات مجلس الأمن أو الجمعية العامة يهرول من أجل تشجيعها على ارتكاب المزيد من المجازر بحق المدنيين الأبرياء العزل.
صورة رؤساء بعض الدولة وهم يركضون من أجل كيل المديح لما تقوم به بحقنا في غزة مخزية ووصمة عار في تاريخ العلاقات الدولية وفي تاريخ الدول والشعوب. هناك اختلال غير مسبوق في أخلاق العالم. صحيح أن التاريخ قائم على القتل والحروب وأن سيرة البشرية هي سيرة نزاع وقتال، ولكن دائماً كان ثمة مساحة للأخلاق وللتفكير وفق المنطق.
حتى أرسطو في ذلك الوقت كان غاضباً من قطع أشجار الغابات حول أثينا. كانت هناك دائماً مساحة من أجل التوازن. من غير المعقول أن تتقاطر دول العالم الكبرى التي لا يمكن وصمها بالعالم الحر، لأن الحرية لا تبيح القتل، ولأن الشعوب والدول الديمقراطية يجب أن تكون ديمقراطية في كل شيء، تتقاطر هذه الدول من أجل تقديم العون لإسرائيل وهي تقتل شعبنا فتمدها بالسلاح والمال من أجل مواصلة الجرائم بحقنا. هذا أمر خطير ومؤشر مقلق على صعيد صلاحية هذا التنظيم الدولي وقدرته على أن يكون حقاً ميزاناً لتنظيم العلاقات بين الدول.
المؤكد أننا في غزة نتعرض لحرب إبادة جماعية، وأن دولة الاحتلال تستخدم كل قوتها في سبيل فنائنا فتقاتلنا بالصواريخ والطائرات والبوارج والدبابات والأقمار الصناعية. يتم توظيف كل شيء من أجل إيقاع أكبر قدر ممكن من الضحايا بيننا. قتلنا هو الغاية الأساسية وراء كل تصرف تقوم به آلة الحرب الإسرائيلية. القصف ليس ردة فعل ولا عملية عسكرية، هناك مخطط واضح وكامل من أجل تقتيل الناس في غزة ومن أجل إيقاع أكبر قدر من المذابح بين المدنيين. استباحة الدم الفلسطيني وإراقته بهذه السهولة وأمام صمت العالم وسكوته أمر غير مسبوق.
صحيح أن دولة الاحتلال بنيت على أنقاض بلادنا وعلى أحلام أجدادنا وعلى عظام شهدائنا وأنها بالأساس دولة قائمة على القتل والتهجير والتشريد، وكان كل ذلك يتم تاريخياً أيضاً على مسمع ومرأى من العالم، بل إن العالم الذي يزعم أنه متحضر يصوغ التشريعات والقرارات الدولية من أجل تسهيل المهمة، بل إن التنظيم الدولي بهيئته المعهودة تمت صياغته من أجل اتخاذ قرار يقضي بإقامة وطن لليهود في البلاد من خلال قرار التقسيم المشؤوم وبعد ذلك قرار الاعتراف بإسرائيل ومنحها عضوية المنظمة الدولية.
وربما باستثناء هذين القرارين، فإن كل قرارات المنظمة الدولية بشأن الصراع لا قيمة لها في نظر واضعيها. أقول، إن العالم كان دائما ضدنا وكان دائماً يعمل من أجل أن يسهل مهمة إسرائيل بالقضاء علينا.
صحيح أن هذا لم يعد كما في السابق، وأننا نجحنا من خلال نضالنا المشرف في تحسين الصورة وفي فضح الكثير من هذه الازدواجية من خلال دبلوماسية المواجهة والإعلام الموجه بطريقة سليمة للرأي العام الدولي ومن خلال العلاقات مع قوى اليسار والضمائر الحية، لكن ظل الاختلال في مواقف العالم واضحاً. ثمة تحول مهم جعل اعتراف العالم بنا كشعب وبمؤسساتنا الوطنية كمؤسسات تمثيلية أمراً محتوماً رغم ما كلفنا هذا به من تضحيات ونضال، وهو أمر يجب أن نحافظ عليه ونصونه ونسعى إلى تطويره. فمنذ عقود كان المجتمع الدولي ينظر إلى نضالنا بأنه نضال مشروع ومستحق وهو ما يجب أن يكون في صلب دعايتنا وروايتنا الوطنية.
ومع هذا فإن ما يجري، اليوم، مختلف قليلاً وربما كثيراً، إذ إن العالم يصفق لإسرائيل بكل وقاحة وهي تقصف وتقتل وتقوم بمجازر كبيرة بحق الأبرياء. العالم لا يرى فيما تقوم به إسرائيل شيئا يستحق النقد أو اللوم، بل على العكس، القوى التي ظلمت شعبنا تاريخياً وهي معروفة لكل فلسطيني تواصل دعم آلة الحرب الإسرائيلية وتشجعها على استباحة دمنا وتطلب منها عدم التردد في مواصلة الحرب علينا. دول العالم أجمع تشن حرباً على شعب أعزل، شعب لا يملك حيلة إلا انتظار الموت وانتظار قدره الذي لا يقدر على التقرير بشأنه. العالم ليس ظالماً فقط بل هو عملياً غير موجود.
إن الشيء الواجب، الآن، هو وقف العدوان ووقف ما يتعرض له شعبنا. ببساطة يجب أن يكون واضحاً أننا لن نذهب إلى أي مكان آخر ولا نريد ترك فلسطين، وان كل ما نريده نحن وعموم شعبنا هو أن نعود إلى فلسطين ليس لأن فلسطين أجمل بلدان العالم فقط وهي كذلك وليس لأن حجراً من فلسطين يساوي العالم كما قال ياسر عرفات وهذا صحيح، ولكن لأننا نريد أن يكون لنا وطن ولا وطن لنا إلا في هذه البلاد، ونحن لا نرغب في أي وطن خارجه. وعليه فإن جل جهودنا يجب أن تكون من أجل وقف المجزرة ووقف المذبحة التي تتم بحقنا.
إن مسؤولية المجتمع الدولي مركبة، فصمته يعني مشاركته فيما يحدث وإن من يقدم الدعم والتسليح للاحتلال شريك فيما يجري وإن واجب المجتمع الدولي إن لم يكن وقف ما يجري ألا يكون طرفاً فيه. فالشعب الفلسطيني الذي دفع فاتورة التاريخ الأوروبي لا يمكن له أن يظل يدفع تلك الفاتورة ولا أن يكون جسراً تعبر عليه مصالح دول العالم والإقليم. فليتم وقف المجزرة وليتم حماية المدنيين وحماية غزة التي كانت دوماً عصية على الكسر والهزيمة والتي وقفت بقوة بعد النكبة لتحافظ على اسم فلسطين على ساحلها الجميل. ليتم وقف المذبحة حتى تظل فلسطين وتظل القضية.
{ كاتب من فلسطين
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك