أيا كان حجم الدماء التي سيدفعها الشعب الفلسطيني وحلفاؤه في هذه المعركة، يجب منع إسرائيل من تحقيق انتصار فيها، لأن ثمن انتصارها سيكون حسم الصراع في المنطقة لعقود قادمة.
إن حرمانهم الانتصار أو على أقل تقدير من تحقيق هدفهم في الإجهاز على المقاومة الفلسطينية في غزة من المرجح أن يفتح الطريق لتسويات سياسية على الجبهات الفلسطينية واللبنانية والسورية تعيد الأراضي المحتلة إلى أصحابها وتفرض على دولة الاحتلال الاعتراف بأن قوتها العسكرية ووزنها السياسي وحجمها السكاني وجغرافيتها الصغيرة لا تسمح لها أن تتصرف كدولة مارقة وفاجرة في محيط من العرب.
بهذا المعنى هذه معركة مصير، نتائجها ستقرر مصير المنطقة.
إما شرق أوسط خاضع لإسرائيل ومن يحميها في الغرب، وهو شرق أوسط يستمر فيه القتل والدمار والذل لشعوب المنطقة، وإما شرق أوسط، ينعم بالسلام والاستقرار والحرية والكرامة.
لقد كشفت أحداث ما بعد السابع من أكتوبر أن «فجور» إسرائيل سببه هذا الدعم الغربي غير المحدود وغير المشروط، وهو ما يعني أن المعركة الدائرة حالياً ليست مع إسرائيل وحدها ولكن مع من يرعاها ويحميها من العقاب رغم كل ما ترتكبه من جرائم.
لا يكفي وصف السلوك الغربي بالنفاق وازدواجية المعاير وبانعدام احترامهم لحقوق الإنسان والقانون الدولي، فهم شركاء في جرائم إسرائيل بحق الشعب الفلسطيني وشعوب المنطقة.
والحقيقة إنه لم يتبق دعم لم يقدمه قادة الغرب لإسرائيل سوى أن يقود الجنرالات بايدن، وشولتز، وماكرون، وسوناك الدبابات بأنفسهم لاقتحام غزة.
لذلك بعد هذا الاصطفاف الغربي الفاضح إلى جانب إسرائيل، فإن المعركة معها ومع رعاتها ستكون طويلة ومؤلمة وقاسية، ولكنها معركة مصيرية، فهي إما أن تفضي إلى نكبة جديدة وإما إلى حل عادل للقضية الفلسطينية وعودة الأراضي اللبنانية والسورية إلى أصحابها.
القصف المتعمد لبيوت المدنيين وللمستشفيات والمدارس وإسقاط المنشورات التي تطالب أهل شمال غزة بترك بيوتهم والرحيل إلى الجنوب، وقبلها مطالبة مصر بفتح المعبر لعبورهم إلى مصر، ، كلها تبين أن المخطط الإسرائيلي – الغربي هو تهجير الفلسطينيين من غزة حتى تتمكن إسرائيل من الدخول بدباباتها لتصفية المقاومة بقتل قادتها ومقاوميها وتدمير أسلحتها.
من الواضح أن هذا الخيار هو المطروح حالياً على طاولة مجرمي حرب إسرائيل لأن الخيار الثاني الذي تفضله دولة الاحتلال هو استسلام المقاومة وتسليم أسلحتها لإسرائيل أو لطرف ثالث (أمريكا مثلاً) دون اجتياح بري.
الخيار الثاني هو تكرار لما جرى عام 1982 عندما وافقت المقاومة الفلسطينية على مغادرة بيروت.
لكن هذه فلسطين وليست لبنان، وهذه المقاومة بين شعبها وعلى أرضها وليست في المنفى، وهذه المقاومة ليست وحدها كما كان الحال في عام 1982. وبالتالي، فإن خيار اجتياح غزة وإعادة احتلاله هو الخيار الأقوى، وقد يكون ذلك بعد حملة قصف جوي طويلة وعنيفة لغزة تقتل فيها الآلاف من المدنيين لإجبارهم على الرحيل كما فعلت في المستشفى الأهلي المعمداني قبل أيام.
أيا كانت استراتيجية دولة الاحتلال، فإن خيار الاجتياح والاحتلال المباشر لغزة وبالتالي التهجير للفلسطينيين هو خيارها الأساسي، ويبدو أنها أخذت ضوءاً أخضر بذلك من أمريكا والغرب عموماً، وأن الهزيمة التي لحقت بها يوم السابع من أكتوبر قد كسرت الحواجز السابقة التي كانت تمنعها من القيام بذلك مسبقاً مثل الخشية من وقوع خسائر كبيرة في صفوفها والخوف من أن تتحمل مسؤولية عن القطاع فيما لو احتلته.
بتهجير الفلسطينيين، لن يكون هنالك ضرورة للإجابة عن سؤال من سيحكم غزة إذا ما تم احتلالها ومن سيتعامل مع سكانها، فالأرض ستكون بلا سكان ويمكن الإعلان بكل سهولة وبمباركة الغرب أنها أصبحت جزءاً من أرض إسرائيل، والغرب لا توجد لدية مشكلة في ذلك، فهو بلا أخلاق أو مبادئ ولا يحتاج إلى سبب لمباركة ما تقوم به «بقرته المقدسة».
وإذا ما نجحت إسرائيل في غزة، فإن الفرصة ستتوفر لها لضم مناطق «جيم» في الضفة الغربية فوراً ومن دون تأخير، وقد يصاحب ذلك، وتحت نشوة الانتصار، شن حرب من جانب المستوطنين وبدعم مباشر من جيشهم بارتكاب جرائم في الضفة على طريقة مذبحة صبرا وشاتيلا وتحديداً في القدس الشرقية لتهجيرهم منها.
الوضع إذا مصيري ويتطلب مواجهة المشروع الإسرائيلي – الغربي بكل الوسائل الممكنة لهزيمته إن أمكن، أو لمنعه من تحقيق أهدافه على الأقل. وهذا ممكن إذا تجمعت مجموعة من العوامل:
الأول هو صمود المقاومة في غزة مهما طالت الحرب ومهما كانت الخسائر والتضحيات. وهذا الصمود بالطبع يتطلب الدعم من الفلسطينيين في كل مكان، في الضفة ومن جانب فلسطيني عام 1948 وفي الخارج أيضاً.
وهو يتطلب أيضاً ان يستمر حلفاء المقاومة الفلسطينية بالقيام بواجبهم كما يفعلون منذ بداية المعركة وأن يصعدوا كلما كان هنالك ضرورة لذلك، وأن يوسعوا دائرة المواجهة لتنضم سورية والعراق لها، فهذه الحرب تستهدفهم أيضاً.
والثاني أن تقوم السلطة الفلسطينية بإعلان تشكيل حكومة وحدة وطنية تضم في صفوفها قوى المقاومة في غزة.
لقد قامت دولة الاحتلال بتشكيل حكومة وحدة وطنية، وهو ما يجب أن يفعله الفلسطينيون لأنهم أصحاب الحق ولأن قتالهم عادل.
ليس من الضروري أن تكون هذه القوى فيها عملياً، ولكن مجرد إعلانها سيوفر بعضاً من الحماية للمقاومة وسيعطيها الشرعية الرسمية التي تحتاجها بعد حصولها على الشرعية الشعبية.
دعونا نُذكر هنا أن سياسة إسرائيل، كما تم الكشف مؤخراً من قبل إسرائيل نفسها، ووفق لما قاله توماس فريدمان في صحيفة نيويورك تايمز، كانت قائمة على العمل على إبقاء الانقسام الفلسطيني وتغذيته لادعاء عدم وجود شريك فلسطيني للتفاوض معه.
هنا يمكن استنساخ التجربة اللبنانية في هذا المجال. الحكومة تفاوض والمقاومة تقاوم وتدافع.
والأخير هو العمل على المستوى الشعبي العربي والرسمي والدولي لخلق رأي عام ضاغط لوقف الجرائم الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني ولوقف الحرب.
تظاهرات الشعوب العربية تؤرق الاحتلال وداعميه دون أدنى شك. الرفض العربي الرسمي للتعاطي مع المشاريع الإسرائيلية والأمريكية يحبطهم أيضا. والتظاهرات الدولية تفضح أكاذيبهم التي استخدموها لحشد رأي عام غربي مؤيد لتصفية الفلسطينيين وقضيتهم.
الوضع خطير ويتطلب الوحدة والصمود والصبر وأن يكون الهدف إفشال مشاريعهم وتحويل كل ما يجري إلى فرصة لاستعادة الفلسطينيين والعرب حقوقهم.
{ كاتب من فلسطين
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك