ما كان لإسرائيل أن تستمر في سفك دماء الفلسطينيين، حتى تجاوز عدد شهدائهم -منذ بدأت حربها عليهم في 7 أكتوبر حتى وقت كتابة هذه السطور19 أكتوبر - 3700 شخص، والمصابين أكثر من 12 ألفا، وتدمير منازلهم وبناهم التحتية (نحو40% من منازل غزة جرى تدميرها)، وتشديد الحصار الخانق عليهم وحرمانهم من الماء، والغذاء، والدواء، والكهرباء، ويطال قصفها المستشفيات ومدارس الأونروا، فيما تمارس سياسة التهجير القسري، وتمنع دخول المساعدات الإنسانية، ولا تلقي بالاً لأصوات احتجاج الشعوب حول العالم؛ ما كان لها أن تفعل كل ذلك، ما لم يكن هناك موقف غربي مساعد، وداعم، ومؤيد.
ويأتي في مقدمة الدول الغربية المساعدة والدعمة لإسرائيل، «الولايات المتحدة»، التي عطلت صدور قرار «مجلس الأمن»، بوقف إطلاق النار في غزة، بعد مشروعين تقدمت بهما «روسيا»، و«البرازيل»، واستخدمت حق «الفيتو»؛ لمنع صدوره، بل زار رئيسها «جو بايدن»، إسرائيل ليدعمها ويبارك تصرفاتها، وسبقته إلى هناك حاملتا طائرات، مع إعلان «البيت الأبيض»، تخصيص 2000 جندي للانخراط في العمليات الإسرائيلية، فضلاً عن المساعدات العسكرية واللوجيستية، وترويج الرواية الإسرائيلية الكاذبة والمضللة، التي تسوغ لإسرائيل – بحجة حق الدفاع الشرعي عن النفس- القيام بالجرائم التي يشهدها العالم الآن.
وعلى الرغم من ادعاء «واشنطن»، أنها هي الراعية لعملية السلام، كونها عضوا أساسيا في الرباعية، التي تشكلت لهذا الغرض؛ فقد باتت بفعل تلك التصرفات، تفتقد لصفة الوسيط النزيه، وقد وعد وزير خارجيتها، بعد جولته في إسرائيل، وعدة عواصم عربية، بإمرار قافلة المساعدات الإنسانية ولكنها لم تمر، وكذلك فعل «بايدن» ما يعني أنها لم تمارس ضغطًا كافيًا عليها لإدخال هذه المساعدات، أو أنها تركت الأمر لإسرائيل لتنظيم دخولها، ولمن يتم تسليمها وكيف؛ ما أعطى لها حرية الحركة في الضغط على الشعب الفلسطيني.
أما «الاتحاد الأوروبي»، فقد أكد «جوزيب بوريل»، مسؤول السياسة الخارجية فيه، يوم 11 أكتوبر، معارضة التكتل، فرض إسرائيل حصارًا مطبقًا على قطاع غزة، وأن غالبية دوله ترفض وقف المساعدات للسلطة الفلسطينية، مؤكدا أن القانون الدولي، لا يُجيز قطع المياه، والغذاء، والكهرباء، الذي أقرت به إسرائيل، وإذا كان لها حق الدفاع عن نفسها، فإن ذلك يجب أن يتم ووفقًا للقانون الدولي، والإنساني، وأن «الاتحاد»، يدعم إنشاء ممرات إنسانية للفلسطينيين، وأن عقابًا جماعيًا ضدهم سيكون غير عادل، وغير مجدٍ، وضد مصلحة التكتل الأوروبي، والسلام.
واستمرارا، أعلن يوم 14 أكتوبر، أن دعوة إسرائيل إلى إجلاء أكثر من مليون شخص من شمال قطاع غزة خلال يوم واحد، هو أمر «مستحيل تمامًا تنفيذه»، و«يقود إلى أزمة إنسانية»، وأن الاستراتيجية الوحيدة لإيجاد حل لدوامة العنف، هي إقامة دولة فلسطينية مستقلة ومعترف بها دوليًا، وأنه يجب العمل على أن يكون هناك اتفاق قائم على مبدأ «حل الدولتين»، الذي لا نعرف أي حل آخر خلافه.
وبعد أسبوع من التجاذب بين دول الاتحاد الأوروبي، عقد قادتها اجتماعًا طارئًا يوم 17 أكتوبر، في محاولة لتوجيه رسالة متماسكة، بشأن الحرب بعد أن تباينت المواقف داخل التكتل. وسبق هذا الاجتماع بيومين، بيان صادر عن «الاتحاد»، يدين بشدة ما أسمته «الهجمات الإرهابية، التي تشنها حماس مع الإشارة إلى أهمية حماية المدنيين في كل الأوقات. وفيما يتيح القانون الدولي لمن هم تحت الاحتلال مقاومته، فقد نزع «البيان الأوروبي»، هذا الحق، واعتبر ممارسته عملاً إرهابيًا، ولم تتجه بيانات الاتحاد إلى إدانة إسرائيل إزاء ما تقوم به، واكتفت بوصف قصف مستشفى المعمدانية، بأنه «مخالف للقانون الدولي».
وكانت «فرنسا»، المتباهية بحرية التعبير، قد حظرت في 12 أكتوبر، خروج مظاهرات مؤيدة للفلسطينيين، قبل أن يبطل مجلس الدولة الفرنسي يوم 18 أكتوبر، قرار الحكومة الذي تحداه قبل أن يصدر قرار مجلس الدولة، خروج مظاهرات وسط باريس تردد شعارات مؤيدة للفلسطينيين، ومناهضة لإسرائيل. فيما رفضت ومعها «بريطانيا»، و«الولايات المتحدة»، مشروع القرار الروسي لمجلس الأمن لوقف إطلاق النار.
علاوة على ذلك، أكد «ماكرون»، يوم 12 أكتوبر، حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، بالقضاء على ما أسماها بـ«الجماعات الإرهابية»، وأكد أن السبيل الوحيد لحل الأزمة، هو الضمانات الأمنية لها، إلى جانب إنشاء دولة فلسطينية، ودعاها إلى رد قوي وضربات دقيقة، لكن مع الحفاظ على التجمعات المدنية. وفي 16 أكتوبر، أكد ضرورة أن يدين الجميع بشكل صريح هجمات حماس على إسرائيل، وحق الأخيرة في الدفاع عن نفسها، مع ضرورة اتخاذ كل التدابير لتجنيب المدنيين، واحترام القانون الدولي الإنساني، فيما علق على قصف المستشفى، بأنه لا شيء يبرر استهداف المدنيين.
وفي بيان رئيس الوزراء البريطاني «سوناك» – قبل أن يتوجه إلى إسرائيل يوم 19 أكتوبر – قال إن الهجوم على المستشفى – المذكورة – هو لحظة فاصلة لقادة دول العالم، لتجنب مزيد من التصعيد، وأن بلاده ستكون في طليعة هذه الجهود. وبينما أدان البيان حماس؛ تجنب حتى مجرد توجيه النقد لإسرائيل، فيما أكد على وجوب إدخال المساعدات الإنسانية إلى غزة، وتمكين البريطانيين العالقين في القطاع من مغادرته. وكان «سوناك»، قد أعلن في 8 أكتوبر، تقديم كل الدعم الذي تحتاجه إسرائيل. وتزامن هذا الإعلان مع إعلانات مماثلة من ألمانيا، وإيطاليا، فيما انهالت الآلة الإعلامية لتلك الدول كي تشيطن الفلسطينيين مستخدمة الأخبار الكاذبة.
أما المستشار الألماني «أولاف شولتز» – الذي قام بزيارة إسرائيل – فقد صرح أثناء لقائه «نيتنياهو»، بأن: «لدينا مسؤولية تاريخية لحماية إسرائيل»، وأن حكومته «ستتصرف بكل قوتها حتى لا يتصاعد هذا العنف، ويتحول إلى حرب شاملة». وفيما أكدت «برلين»، دعمها لإسرائيل، فقد حذرت مواطنيها من السفر إليها، وإلى كل من فلسطين، ولبنان. وأثناء زيارته لمصر، ولقائه الرئيس «عبد الفتاح السيسي»، صرح «شولتز»، بأننا «نعمل مع القاهرة على دخول المساعدات إلى غزة».
وفي مقابل التصريحات الغربية الداعمة لإسرائيل، تأتي مطالبة وزيرة الحقوق الاجتماعية الإسبانية بالإنابة، «أيوني بلارة»، حكومتها، بتقديم «نتنياهو»، إلى «المحكمة الجنائية الدولية»، بتهمة ارتكاب جرائم حرب، حيث قالت يوم 15 أكتوبر: إن إسرائيل تنفذ «إبادة جماعية ممنهجة»، في قطاع غزة، متهمة «الولايات المتحدة»، و«الاتحاد الأوروبي»، بالتواطؤ في جرائم الحرب التي ترتكبها. وفي السياق ذاته، دعت «بولاندا دياز»، نائبة رئيس الوزراء الإسباني، المجتمع الدولي إلى الضغط على قوات الاحتلال؛ لتجنب مجزرة في القطاع، وأنه يجب على أوروبا مطالبتها بوقف المخططات التي قد تتسبب في مذبحة.
وفيما سارعت رئيسة المفوضية الأوروبية «أورسولا فون دير لاين»، لإبراز اصطفاف «الاتحاد الأوروبي»، مع إسرائيل، فقد أثار هذا حفيظة عدد من النواب المعارضين للسياسات الإسرائيلية. وقال النائب الأوروبي الأيرلندي، «مايك والاس»، إن «الغالبية العظمى من شعوب أوروبا، لا تدعم دولة الفصل العنصري الوحشية «إسرائيل»، في حين تدعم الشعب الفلسطيني، الذي تعرض للاضطهاد والترهيب من قبل إسرائيل سنوات عديدة».
من جانبه، ندد «ستيفان فان بارلي»، رئيس الكتلة البرلمانية لحزب «دينك» في «هولندا»، بما ارتكبته قوات الاحتلال من جرائم حرب في غزة، وصرح أن الوضع في القطاع مروع للغاية، فالقنابل تتساقط على المنشآت، وإسرائيل ترتكب بالفعل «جريمة حرب»، والعالم الغربي والمجتمع الدولي لا يفعلان شيئا، حيال ذلك. وفي «فرنسا»، رفضت حركة «فرنسا الأبية»، إدانة المقاومة الفلسطينية، كما أعرب رئيس الحزب الجديد المناهض للرأسمالية «فيليب بونو»، عن دعمه الكامل لنضال الشعب الفلسطيني من أجل تحرير أرضه.
وإلى جانب هذا، شهد عدد من الدول الغربية مظاهرات تضامنية مع الفلسطينيين، وندد المتظاهرون بالعدوان العسكري والتهجير، وشهدت مدن نيويورك، وميامي، ودالاس، مسيرات هدف فيها المحتجون بالحرية لفلسطين. وكان زعيم حزب العمال البريطاني من أبرز الوجوه في مسيرة لندن التضامنية مع الفلسطينيين، وخطب قائلا: «إذا كنت تؤمن بالقانون الدولي، وبحقوق الإنسان، فعليك إدانة ما يحدث الآن في غزة من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي». وفي العاصمة الهولندية، «أمستردام»، جرى تحويل الساحة المركزية إلى بحر من الرايات الفلسطينية، ولافتات كتب عليها «فلسطين حرة»، «وقفوا الحرب»، «وقفوا الهجوم على غزة».
على العموم، يتفق التعاطي الغربي الرسمي مع الحرب الإسرائيلية على غزة، مع الرواية الإسرائيلية الكاذبة والمضللة، التي تحمل حماس المسؤولية وتدينها، وتنزع عن الفلسطينيين الواقعين تحت الاحتلال حق المقاومة المشروع وفقًا للقانون الدولي، فيما تعطي لإسرائيل حق الدفاع عن نفسها، وتغض الطرف عما تقوم به من انتهاكات للقانون الدولي الإنساني. وفي حين كان هناك توافق غربي على ضرورة إدخال المساعدات الإنسانية، إلى الفلسطينيين، فلم يتم ممارسة الضغط الكافي لإدخالها، ما تسبب في تكدسها أمام معبر رفح، وأعطى لإسرائيل حرية المراوغة، الأمر الذي يدل على ازدواجية المعايير الغربية بالنظر إلى الحالات المشابهة، مثل أوكرانيا.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك