بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، أدركت الأمم بعد أن شهدت ويلات الحرب وآثارها، حجم الأضرار التي لحقت بالدول وطالت من كرامة الإنسان وسلامته وأمنه، لذا توافقت على ميثاق الأمم المتحدة عام 1945 وارتضت أحكامه طلباً للتعايش في عالم ما بعد الحرب، عالم يسوده السلام وتُحل فيه جميع النزاعات بالوسائل الدولية الودية السلمية، لذا جعلت الأمم هدفها الأساسي وهو الحفاظ على السلام والأمن الدوليين وعلى حِفظ الكرامة الإنسانية باعتبارها الركيزة الأساسية لحقوق الإنسان، لذا تتعهد فيه الدول بالامتناع عن استخدام القوة أو الترويج لها أو التهديد بها من قبل دولة ضد أخرى حفاظاً على حق الإنسان في الحياة والأمان على شخصه وعلى ممتلكاته.
كل هذه التعهدات تهدف إلى منع قيام حرب عالمية ثالثة قد تكون نهايتها الحتمية هي فناء البشرية، ولكن يثبت الواقع أن أهداف الأمم المتحدة الأساسية لم تتحقق طالما أن الحرب ما زالت تستعر في منطقة وأخرى وتجرّ الويلات على قاطنيها وبُناها الفوقية والتحتية وتستنزف قواها، والأمثلة كثيرة.
ولكن بين هذه وتلك تبقى القضية الفلسطينية هي الأكثر استنزافاً للبشر وللأموال والممتلكات، فلا يسلم مواطنوها الباقون في أرض فلسطين من الأذى والانتهاكات ومذابح الإبادة التي وثّقها التاريخ عبر سبعين عاماً وخمسة ومازالت، وها نحن نعايش الآن أحداث غزّة الأليمة، حيث تضجّ وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي بصور وفيديوهات القتل والخراب والتدمير الذي طال الفلسطينيين والأرض والممتلكات في غزّة التي ترزح منذ أيام تحت الحصار وقطع الإمدادات الأساسية من غذاء وماء وكهرباء وغاز وعلاج مع القصف الجوي الإسرائيلي، المخالف لجميع القواعد القانونية الدولية المكتوبة والعرفية، والتي طالت المدنيين الآمنين والمستشفيات والمدارس وأبادت أسرُ عن بكرة أبيها وارتفعت فيها أعداد القتلى من الأطفال في انتهاك صارخ للقانون الدولي الإنساني على مسمع ومرأى من أعين العالم كله.
وإن لمملكة البحرين سياسات راسخة في شأن القضية الفلسطينية تضمنها ميثاق العمل الوطني والذي يعد وثيقة تعاهديه بين الإرادة الملكية السامية وإرادة الشعب، وتتمثل سياستها في حرص المملكة بغير حدود على مساندة كل قضايا الحق العربي، وعلى التزامها بدعم أشقائها العرب في قضاياهم المصيرية، وتأكيدها مساندتها للقضية الفلسطينية وحقوق الفلسطينيين المشروعة، وعلى الأخص حق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستـقلة وعاصمتها القدس الشريف. وتؤكد ضرورة عودة واحترام كل الحقوق العربية في ظل قواعد الشرعية الدولية، وقد عززّت الفقرة (أ) من المادة 30 من الدستور هذه السياسة بتأكيد أن سلامة الوطن جزء من سلامة الوطن العربي الكبير، والدفاع عنه واجب مقدس على كل مواطن.
كما أنه لا يكاد يخلو الخطاب الملكي السامي في جميع القمم العربية والإسلامية والآسيوية وغيرها من الإشارة إلى موقف مملكة البحرين من القضية الفلسطينية، وآخرها خطاب جلالة الملك المعظم الملك حمد بن عيسى آل خليفة في القمة الخليجية مع دول رابطة الآسيان، والتي حرص جلالته فيها على أن قضية فلسطين ستبقى أولويتنا الكبرى وبأن موقف البحرين في دعم وتأييد جهود السلام الشاملة لإيجاد حلّ عادل لها لهو موقف ثابت لا حياد عنه وبما يضمن حق الشعب الفلسطيني الشقيق في إقامة دولته المستقلة ذات السيادة على حدود الرابع من يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.
وعليه ، وإن كان للكتابة أثر، فإنه من غير الملائم أن يكون لها موضوع آخر الآن سوى موضوع القضية الفلسطينية وأحداث غزّة المؤسفة واللاإنسانية، فإنني أحثّ كلّ صاحب قلم لنجتمع معاً بصوت واحد على مطالبة المجتمع الدولي باتخاذ موقف إنساني يتوافق مع أحكام الإعلان العالمي والمواثيق الدولية الخاصة بحقوق الإنسان التي حرص على الترويج لها والرقابة على التزام الدول بتعهداتها بتعزيز واحترام وحماية حقوق الإنسان ليوظّفها في أحداث الساعة في غزّة، حيث إن القضية الفلسطينية ولاسيما غزّة الآن قد أصبحت هي المحكّ الحقيقي للإعمال الدولي لحقوق الإنسان وذلك باتخاذ قرار دولي يسهم في إنقاذ غزّة وأهلها من الإبادة وبشكل فوري، فالقضية لم تكن ولم تعد قضية حق شعب في أرضه بل تجاوزتها لتكون قضية حق شعب في الحياة والأمان على نفسه وشخصه وممتلكاته وكرامته الإنسانية.
Hanadi_aljowder@hotmail.com
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك