فلسطين ليست رسمًا على الخريطة، وليست أرضًا أو مجرد جبال وسهول وهضاب.. والوثيقة التي كتبت لتثبت ملكيتها لأهلها لم تكتب بمداد من حبر، بل كتبت بدماء الشهداء، وبوحي من الحق سبحانه وتعالى حيث نزل بها قرآن كريم سلمها ملك أمين، وهو جبريل عليه السلام من عند الله العزيز الحكيم.. سلمها جبريل إلى رسوله اللًه محمد (صلى الله عليه وسلم) ليضع مسؤولية المحافظة عليها، والدفاع عنها وبذل المهج والدماء في سبيل استقلالها وبقائها في أيدي المسلمين، وهم يتلوون آيات من القرآن الكريم يتقربون بتلاوتها إلى الله تعالى، ويجددون العهد والميثاق على أن يراهم الله تعالى حيث أمرهم في ميادين الجهاد.
سورة الإسراء، سورة مباركة تم توثيق ملكية فلسطين الدولة.. وفلسطين الأمة والشعب فيها، وهي الوثيقة الوحيدة التي تم تسجيلها في كتاب: {(لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد) (فصلت / 41)، وتكفل الحق سبحانه وتعالى في وحي منزل، فحافظ عليها، قال تعالى: (إنَّا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون) (الحجر / 9 )وما دام أن الحافظ هو اللًه تعالى ، وما دامت الوثيقة ممهورة بختم الوحي المقدس، فلن يستطيع أحدٌ أن يطعن في شرعية ملكيتها لأن الإسلام جعل مسؤولية المحافظة على فلسطين والدفاع عنها لأنها مسرى رسول الله (صلى الله عليه. سلم) ومعراجه إلى السماء، فهي منتهى إسرائه، وبداية معراجه (عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام).. إذًا، فمهما حاول الصهاينة منازعة المسلمين حقهم في ملكية فلسطين فلن يجدوا إلى ذلك سبيلا.
وثيقة حضر تسليم وتسلم ملكيتها خمسةٌ وعشرون نبيًا ورسولا ، وحضر هذا التوقيع أمين الوحي جبريل (عليه السلام) ، وتسلم بعد ذلك مفاتيحها أمير المؤمنين عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) ثاني الخلفاء الراشدين، وحررها بعد ذلك القائد المظفر والملك الصالح صلاح الدين الأيوبي (رحمه الله تعالى) وظلت خالصة للمسلمين الذين حافظوا عليها، وردوا الغزاة عنها حتى فشل وتهاون الحكام، ومن آلت إليهم ملكيتها فاستعمرها الصهاينة الطغاة المستبدون، وستعود فلسطين مرة أخرى إلى أهلها الذين ظلوا على العهد، وحافظوا على الميثاق، وسوف يقيض لها من أبنائها البررة من يحمل لواء تحريرها والمحافظة عليها لتحقيق وعد الله تعالى للأمة الإسلامية مهما طال الزمان وتبدلت موازين القوى في العالم ، ولن يموت حق بإذن الله تعالى ما دام وراءه من يطالب به ويستلهم أسباب النصر من الله تعالى.
لقد أثبت التاريخ الصادق أن الأمة الإسلامية هي الأمة الوحيدة المأمونة على فلسطين وما يتبعها من مقدسات حتى المقدسات النصرانية، فلها نفس الحقوق في دولة الإسلام ونفس التوقير، والمسلمون كما شهد التاريخ أمة تحفظ لأصحاب الملل والنحل مقدساتهم وتدافع عنها، وتمنع الاعتداء عليها، وتيسر أمر الوصول إليها والتعبد فيها، والمنصفون من المفكرين في الغرب والشرق يشهدون بذلك.
والأمة الإسلامية كما وصفها ربها سبحانه أمة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، قال تعالى: (كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر..) آل عمران / 110. هذا عن خيريتها بين الأمم، وأما عن وسطيتها، قال تعالى: (وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا..) (البقرة / 143).
بهذه القيم، وتلكم المبادئ استحقت الأمة الإسلامية أن تكون حاملة لواء الدفاع عن فلسطين.. والمالكة لوثيقة ملكيتها الموحى بها من الله تعالى إلى خاتم رسله محمد (صلى الله عليه وسلم) ، ولتطمئن الأمة الإسلامية إلى أن لا أحد سوف ينازعها ملكية فلسطين وبيت المقدس لأن الحق سبحانه وتعالى قد وثقها في كتاب محكم ، وأنزلها في وحي مقدس مطهر: (لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد 42) ولو اجتمعت هيئات العالم مهما عظمت وتعاظم شرها، ومهما تداعى المحامون من كل حدب وصوب، وقدموا ما يزعمون أنها وثائق ملكية، فلن يستطيعوا أن يجاروا الوثيقة الأعظم، وهي سورة الإسراء التي وثق الله تعالى بها وفيها ملكية الأمة الإسلامية لفلسطين، فستظل فلسطين وما بها من مقدسات ملكًا شرعيًا لأمة الإسلام، وذلك لأن مواثيق العالم، والشهادات المزورة التي قدمتها الصهيونية العالمية لتثبت بها حق الصهاينة في فلسطين كلها سوف يظهر كذبها وتزويرها.
والأمة الإسلامية سوف تبقى في رباط إلى أن يرث الله تعالى الدنيا وما عليها، ولن يموت حق وراءه مطالب، وستبقى قضية فلسطين حية نابضة طالما المسلمون يتلون سورة الإسراء، ويرددونها ويتدبرون آياتها، ويتقربون بفقه معانيها، وما تضعه من مسؤوليات تجاه أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين الذين لا تشد الرحال إلا إليهم، يقول صلى الله عليه وسلم: «لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجد الرسول (صلى الله عليه وسلم)، والمسجد الأقصى» رواه البخاري.
ومعلوم أن الأمة الإسلامية باعتبارها أمة مرحومة، وهي خير أمة إذا حققت مطلوبات هذه الخيرية، وهي أمة وسط، وبوسطيتها فهي موعودة بالنصر إذا أخذت بأسبابه، قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم) (محمد / 7)، وذلك إذا استجابوا لله ولرسوله إذا دعاهم لما يحييهم، يقول سبحانه وتعالى: (قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ويخزهم ويشف صدور قوم مؤمنين) (التوبة / 14).
وعود لن تتخلف مهما طال الزمان أو تطاول، وسوف تظل سورة الإسراء مصدرًا للنصر، ودافعًا للثبات على الحق، وأن مسؤولية المسلمين: حكامًا ومحكومين لن ينساها الزمان، ولن يتناساها، وستظل في ذاكرة الأمة ووعيها طالما هناك من يداوم على تلاوة سورة الإسراء (الوثيقة)، ويتدبر معانيها ودلالاتها.. وسوف يكون الاحتفال بحدث الإسراء والمعراج يذكر المسلمين كل عام، بل كل لحظة يتلوون فيها سورة الإسراء، ولن تموت الذكرى، ولن ينطفئ نورها، وستظل قضية فلسطين ومصابها الأليم هاجسًا يشغل المسلمين في ليلهم ونهارهم، وفِي صحوهم ومنامهم، وسوف تبقى المشاعر فياضة والأمل في التئام الجرح حيًا نابضًا لا يموت أبدًا!!.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك