مع بداية الأسبوع الثاني من عدوان قوات الاحتلال الإسرائيلي على غزة، التي قُصفت بأكثر من 6000 قنبلة، فاستشهد قرابة ثلاثة آلاف فلسطيني، وأصيب ما يزيد على عشرة آلاف آخرين، 62% منهم من النساء والأطفال، وهدمت40% من الأحياء السكنية في القطاع، وأسقطت المنازل على رؤوس ساكنيها، حتى بات الآلاف في حكم المفقودين، فيما قطعت الكهرباء، والمياه، والغذاء، والوقود، والاتصالات، وأجبرت مئات الآلاف على النزوح جنوبًا في مسارات ادعتها آمنة، لكنها قامت غدرا بقصفهم أثناء رحيلهم. ونتيجة لهذه الجرائم، خرجت المظاهرات الحاشدة والمنددة في عواصم عربية، وغربية عديدة، وتم انتقادها من قبل المنظمات الحقوقية الدولية.
في إطار هذا الواقع، أعلنت «لجنة التحقيق الدولية المستقلة التابعة للأمم المتحدة»، المعنية بالأراضي الفلسطينية المحتلة يوم 10 أكتوبر، أنها تشعر بقلق بالغ إزاء إعلان إسرائيل فرض حصار صارخ وكامل على غزة -والمشار إليه أعلاه- الأمر الذي سيكلف الكثير من الخسائر في أرواح المدنيين، ويشكل عقابًا جماعيًا. وأكدت «اللجنة»، أن السبيل الوحيد نحو إنهاء العنف وتحقيق السلام المستدام، هو معالجة الأسباب الجذرية للنزاع، بما في ذلك إنهاء الاحتلال غير القانوني للأراضي الفلسطينية، والاعتراف بحق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم، وإقامة دولتهم المستقلة على حدود الرابع من يونيو 67، وعاصمتها القدس الشرقية.
وفي الإطار ذاته، أعرب «بابا الفاتيكان»، يوم 11 أكتوبر، عن قلقه إزاء الحصار المفروض على غزة، حيث سقط العديد من الضحايا الأبرياء، مؤكدًا أن الشرق الأوسط لا يحتاج إلى الحرب، بل إلى السلام المبني على العدالة والحوار، فيما دعا إلى فتح ممرات إنسانية لمساعدة المحاصرين في غزة، وأنه يتعين احترام حقوق الإنسان فيها.
وبهذا المعنى، أشارت «اللجنة الدولية للصليب الأحمر»، يوم 12 أكتوبر، إلى أن المستشفيات في غزة تواجه خطر التحول إلى مشارح للموتى، بعد أن نفد الوقود من محطة الكهرباء الوحيدة، في حين اكتظت المراكز الطبية بالجرحى والجثث. وفي هذا الصدد، علق «روبير مارديني»، مدير اللجنة الدولية للصليب الأحمر في المنطقة، بأنه من دون الكهرباء تتعرض حياة الأطفال حديثي الولادة في الحضانات، والمرضى المسنين المحتاجين للأوكسجين للخطر، كما تتوقف عمليات الغسيل الكلوي، ولا يمكن إجراء الأشعة، مؤكدا أن البؤس الإنساني الناجم عن هذا التصعيد «بغيض»، وسيخرج عن السيطرة في ظل القصف المتواصل على القطاع.
وفي 13 أكتوبر، اتهمت منظمة «هيومن رايتس ووتش»، قوات الاحتلال الإسرائيلي باستخدام الفسفور الأبيض بغزة، ما يهدد المدنيين بالتعرض لإصابات خطيرة طويلة الأمد. وكانت «المنظمة»، قد انتقدت في 9 أكتوبر، تصريحات وزير الدفاع الإسرائيلي «يواف جالانت»، الذي أعلن فيها حرمان الفلسطينيين في غزة من الغذاء، والماء، والكهرباء، ووصفتها بـ«المقززة»، وبأنها «جريمة حرب»، حيث تشكل «عقابا جماعيا»، وأنه على «المحكمة الجنائية الدولية»، اعتبار ذلك دعوة إلى ارتكاب جريمة حرب، حيث إنها تعرض حياة 2.2 مليون فلسطيني يعيشون تحت الحصار الإسرائيلي للخطر.
من جانبه، أكد رئيس بعثة «المجلس الدولي لحقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة»، يوم 13 أكتوبر أن انقطاع الكهرباء، والمياه عن غزة؛ يعكس عدم احترام الاحتلال الإسرائيلي للمواثيق، والقوانين الدولية، وأن ما يحدث يجعلنا أمام «كارثة كبيرة في القطاع».
بدورها، أعربت «المقررة الخاصة للأمم المتحدة، المعنية بحقوق الإنسان للنازحين»، «باولا غافيريا» في 14 أكتوبر، عن فزعها من أمر الإخلاء، الذي أصدرته قوات الاحتلال الإسرائيلي لسكان شمال قطاع غزة، حيث يشكل «جريمة ضد الإنسانية»، كما أن العقاب الجماعي محظور بموجب التشريعات الإنسانية الدولية. وتعقيبًا، صرح وزير خارجية الاتحاد الأوروبي، «جوزيب بوريل»، أن دعوة إسرائيل إلى إخلاء أكثر من مليون شخص من شمال قطاع غزة، سيشكل جريمة إنسانية.
وفي 14 أكتوبر، صدر بيان مشترك عن الأمين العام للاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر «جاغان شابان»، والمدير العام للجنة الدولية للصليب الأحمر، جاء فيه أن «المدنيين، بمن فيهم النساء، والأطفال، والمسنون، والجرحى، والمرضى؛ هم من يدفع أبهظ الأثمان الآن، وأنه ينتابنا قلق بالغ من الدعوة إلى ترحيل السكان إلى مناطق أخرى في غزة، وأن قواعد القانون الدولي الإنساني قد وُجدت للمحافظة على الإنسانية في أحلك الأزمات، وهناك حاجة ماسة إلى الالتزام بها اليوم. فيما عبر «البيان»، عن الأسف لمقتل العديد من موظفي ومتطوعي الصليب والهلال الأحمر، أثناء تأدية واجبهم، وأكد التزام الجهتين بمواصلة الحماية والإغاثة المنقذة لحياة الأشخاص، الذين يعانون العنف، ودعا إلى التقيد بالالتزامات المفروضة بموجب القانون الدولي الإنساني وحماية المدنيين. واستمرارا، صرح «مسؤول الحماية في الصليب الأحمر»، «كريستيان كاردون»، أن الجرائم، التي تُرتكب في قطاع غزة، تمضي صوب احتمالات كارثية، وأنه يجب حماية المدنيين، والبنية التحتية المدنية في كل الأوقات، مع ضرورة احترام القانون الدولي الإنساني.
فيما وصف المدير الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية «أحمد المنظري» في 14 أكتوبر، الوضع الراهن في غزة، بأنه «صعب»، وأن التصعيد ينذر بكارثة إنسانية محققة، واعتبرته «الأمم المتحدة»، «هزيمة أخلاقية للمجتمع الإنساني بأكمله»، لا يجوز أن يُسمح لها بالحدوث، فيما طالبت بوقف الأعمال العدائية، وحماية المدنيين والامتناع عن استهداف المنشآت الصحية، والعاملين الصحيين، ومقدمي الرعاية الإنسانية.
أما «منظمة العفو الدولية»، فقد أعلنت -في نفس اليوم- أنه يجب على قوات الاحتلال الإسرائيلي التراجع عن أمرها الشائن بإخلاء سكان غزة، وأن الأمر الذي أصدرته للأهالي في شمال القطاع بالإخلاء إلى الجنوب، لا يمكن اعتباره تحذيرًا فعالاً، وهو يرقى إلى «التهجير القسري»، للسكان المدنيين، وهو انتهاك للقانون الدولي الإنساني. وعلقت «إنياس كالامارا»، الأمين العام للمنظمة، بأنه بهذا الأمر، تبدأ قوات الاحتلال التهجير القسري الجماعي لأكثر من 1.1 مليون شخص، وسط حملة قصف بلا هوادة، وتدابير عقاب جماعي لا ترحم، وأضافت أنه يتعين على حلفاء إسرائيل، دعوتها إلى احترام القانون الدولي الإنساني، وحماية المدنيين، كما يجب على المجتمع الدولي، أن يمتنع عن إضفاء المزيد من الشرعية على الحصار غير القانوني، الذي تفرضه دولة الاحتلال الإسرائيلي منذ 17 عاما.
من جانبها، أكدت «وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين»، «الأونروا»، يوم 15 أكتوبر، أن الغارات الإسرائيلية على قطاع غزة، قد كشفت عن «كارثة إنسانية غير مسبوقة». وقال المفوض العام للوكالة، «فيليب لازاريلي»، إنه «لم يُسمح بدخول قطرة ماء واحدة، ولا حبة قمح واحدة، ولا لتر من الوقود إلى القطاع، وقد دق ناقوس الخطر لأنه اعتبارًا من 16 أكتوبر، لن تكون «الوكالة»، قادرة على تقديم المساعدة الإنسانية، حيث يتم خنق غزة، مع غياب الحس الإنساني في الحرب. فيما دعا الأمين العام للأمم المتحدة قوات الاحتلال الإسرائيلي إلى السماح بدخول المساعدات الإنسانية إلى القطاع على وجه السرعة ومن دون أي عراقيل.
علاوة على ذلك، أصدرت «منظمة أطباء بلا حدود»، «بيانًا» في 16 أكتوبر؛ يدعو قوات الاحتلال الإسرائيلي لوقف إطلاق النار، وأنه على الرغم من الادعاءات الإسرائيلية بوجود مناطق آمنة للسكان المحاصرين في قطاع غزة، إلا أن القطاع يتعرض للقصف شماله وجنوبه، وأن هناك مخاوف جدية بشأن مصير أولئك الذين لم يتمكنوا من التحرك جنوبًا، كالجرحى، والمرضى، والطاقم الطبي، الذين يُخشى أن يتم محوهم طبقًا للتصريحات الصادرة عن سلطات الاحتلال الإسرائيلية.
وفي ضوء هذه الديناميكيات، قالت «المنظمة»، إنه بما أن جيش الاحتلال الإسرائيلي يقصف غزة دون ضبط نفس، فإننا ندعو إلى إظهار أبسط معاني الإنسانية، وأن الأمر الذي يقضي بانتقال ما يقرب من 1.1 مليون شخص من شمال القطاع في غضون ساعات قليلة إلى منطقة مكتظة أصلا بالسكان، هو أمر «مروع وغير مقبول». ومن ثمّ، طالبت بالعودة الفورية لمياه الشرب الكافية لسكان غزة. وكانت رئيسة «برنامج فلسطين في المنظمة»، «سارة شاتو»، قد صرحت في 11 أكتوبر، بأن الوضع «كارثي»، وأن علينا أن نضمن احترام القانون الدولي الإنساني، وجلب الأدوية والحفاظ على سلامة المدنيين.
أما «المرصد الأورو متوسطي لحقوق الإنسان»، فقد قال يوم 16 أكتوبر، إن «مشهد القتل، والدمار يخيم على كل مناطق قطاع غزة التي تفوح منها رائحة الموت، في ظل استمرار إسرائيل في سفك الدماء، بما يرقى إلى جرائم حرب ضد الإنسانية، داعيا إلى تحرك عاجل لدعم عمليات إخراج الضحايا من تحت ركام المباني السكنية المدمرة، وتوفير الحماية لعمال الإنقاذ، في حين شجب بشدة قصف قوات الاحتلال الإسرائيلي لمقر جهاز الدفاع المدني، وطالبها بوقف سياسات ترهيب المدنيين، ودفعهم إلى الإخلاء، فيما كانت إسرائيل وفقًا للمرصد، قد أسقطت على غزة ما يوازي ربع قنبلة نووية.
على العموم، بعد هذا الرصد لانتقادات الأطراف الحقوقية الدولية لتصرفات إسرائيل في غزة، يبقى السؤال الآن.. هل تمتثل قوات الاحتلال الإسرائيلي للقانون الدولي الإنساني، أم تمضي في سلوكها غير عابئة بهذه الانتقادات؟.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك