العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

«طوفان الأقصى».. قراءة في اتجاهات المواجهة ونتائجها

بقلم: د. حسن نافعة

الاثنين ١٦ أكتوبر ٢٠٢٣ - 02:00

‮«‬طوفان‭ ‬الأقصى‮»‬‭ ‬هو‭ ‬التعبير‭ ‬الذي‭ ‬صكته‭ ‬حماس‭ ‬للدلالة‭ ‬على‭ ‬العملية‭ ‬العسكرية‭ ‬التي‭ ‬نفذتها‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬الاحتلال‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬يوم‭ ‬السابع‭ ‬من‭ ‬أكتوبر‭ ‬الحالي،‭ ‬وهو‭ ‬تعبير‭ ‬موفق‭. ‬فالطوفان‭ ‬الذي‭ ‬أطلق‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬اليوم‭ ‬استطاع‭ ‬أن‭ ‬يجرف‭ ‬في‭ ‬طريقه‭ ‬صلف‭ ‬‮«‬إسرائيل‮»‬‭ ‬وغرورها‭ ‬واستعلاءها‭ ‬وعجرفتها،‭ ‬فيا‭ ‬له‭ ‬من‭ ‬طوفان‭ ‬مبارك‭!‬

و»الأقصى‮«‬‭ ‬الذي‭ ‬بارك‭ ‬الله‭ ‬حوله‭ ‬هو‭ ‬الرمز‭ ‬الذي‭ ‬حرصت‭ ‬حماس‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬يصبح‭ ‬عنواناً‭ ‬لهذا‭ ‬الحدث‭ ‬الكبير‭ ‬جاء‭ ‬ليذكّر‭ ‬الجميع‭ ‬بأن‭ ‬المقدسات‭ ‬الدينية‭ ‬الواقعة‭ ‬تحت‭ ‬سيطرة‭ ‬الاحتلال‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬في‭ ‬الأراضي‭ ‬الفلسطينية‭ ‬تواجه‭ ‬خطراً‭ ‬حقيقياً‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬أصبحت‭ ‬عرضة‭ ‬ليس‭ ‬للتدنيس‭ ‬فحسب،‭ ‬وإنما‭ ‬للهدم‭ ‬والتدمير‭ ‬والإزالة‭ ‬أيضاً،‭ ‬خاصة‭ ‬وأن‭ ‬القادة‭ ‬الحاليين‭ ‬للحركة‭ ‬الصهيونية‭ ‬يعتقدون‭ ‬أن‭ ‬‮»‬دولة‭ ‬شعب‭ ‬الله‭ ‬المختار‭ ‬على‭ ‬أرضه‭ ‬الموعودة‮«‬‭ ‬لا‭ ‬تكتمل‭ ‬إلا‭ ‬بهدم‭ ‬المسجد‭ ‬الأقصى‭ ‬وإقامة‭ ‬‮«‬الهيكل‭ ‬الثالث‮»‬‭ ‬مكانه‭.‬

ما‭ ‬قامت‭ ‬به‭ ‬حماس،‭ ‬يوم‭ ‬السابع‭ ‬من‭ ‬أكتوبر،‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬مفاجئا‭ ‬لـ«إسرائيل‮»‬‭ ‬فحسب،‭ ‬نخبة‭ ‬وحكومة‭ ‬وجمهورا،‭ ‬وإنما‭ ‬كان‭ ‬بمنزلة‭ ‬صاعق‭ ‬أصاب‭ ‬العالم‭ ‬كله‭ ‬من‭ ‬أقصاه‭ ‬إلى‭ ‬أقصاه‭ ‬بالذهول‭. ‬فعمليات‭ ‬المقاومة‭ ‬كانت‭ ‬قبل‭ ‬ذلك‭ ‬التاريخ‭ ‬محدودة،‭ ‬سواء‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬نطاقها‭ ‬الجغرافي،‭ ‬لأنها‭ ‬كانت‭ ‬تجري‭ ‬دائماً‭ ‬على‭ ‬أراض‭ ‬فلسطينية‭ ‬احتلت‭ ‬عام‭ ‬1967،‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬نتائجها‭ ‬الفعلية‭ ‬على‭ ‬الأرض،‭ ‬لأن‭ ‬خسائرها‭ ‬في‭ ‬الأرواح‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬تتجاوز‭ ‬الآحاد‭ ‬أو‭ ‬العشرات‭ ‬على‭ ‬أقصى‭ ‬تقدير،‭ ‬ولأن‭ ‬خسائرها‭ ‬المادية‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬تتجاوز‭ ‬مركبة‭ ‬هنا‭ ‬أو‭ ‬مصفحة‭ ‬هناك‭.‬

لذا،‭ ‬كان‭ ‬بمقدور‭ ‬‮«‬إسرائيل‮»‬‭ ‬أن‭ ‬تتعايش‭ ‬مع‭ ‬هذا‭ ‬الكم‭ ‬المحدود‭ ‬من‭ ‬الخسائر،‭ ‬بل‭ ‬وأن‭ ‬تكبّد‭ ‬الجانب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬أضعاف‭ ‬ما‭ ‬تتكبّده‭ ‬هي،‭ ‬ما‭ ‬ولّد‭ ‬لديها‭ ‬إحساساً‭ ‬راسخاً‭ ‬بالقدرة‭ ‬على‭ ‬الاحتفاظ‭ ‬بالأراضي‭ ‬الفلسطينية‭ ‬المحتلة‭ ‬إلى‭ ‬الأبد،‭ ‬كما‭ ‬ولّد‭ ‬لديها‭ ‬قناعة‭ ‬بأنها‭ ‬باتت‭ ‬في‭ ‬مأمن‭ ‬عن‭ ‬أي‭ ‬ضغوط‭ ‬خارجية‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تمارس‭ ‬ضدها‭ ‬لإجبارها‭ ‬على‭ ‬الانسحاب‭ ‬من‭ ‬تلك‭ ‬الأراضي‭. ‬صحيح‭ ‬إنها‭ ‬انسحبت‭ ‬من‭ ‬قطاع‭ ‬غزة‭ ‬عام‭ ‬2005تحت‭ ‬تأثير‭ ‬ضربات‭ ‬المقاومة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬المسلحة،‭ ‬لكن‭ ‬القطاع‭ ‬لم‭ ‬يتحرر،‭ ‬رغم‭ ‬هذا‭ ‬الانسحاب؛‭ ‬لأنه‭ ‬كان‭ ‬بمقدور‭ ‬‮«‬إسرائيل‮»‬‭ ‬أن‭ ‬تتحكم‭ ‬في‭ ‬حياة‭ ‬سكانه‭ ‬ومصائرهم،‭ ‬حين‭ ‬فرضت‭ ‬عليه‭ ‬حصاراً‭ ‬خانقاً،‭ ‬بل‭ ‬ولم‭ ‬تتردد‭ ‬في‭ ‬شن‭ ‬الحرب‭ ‬عليه‭ ‬بين‭ ‬الحين‭ ‬والآخر‭ ‬لتجويعه‭ ‬وإفقاره‭ ‬وتحطيم‭ ‬إرادة‭ ‬سكانه‭ ‬ومعنوياتهم‭.‬

ما‭ ‬جرى‭ ‬يوم‭ ‬السابع‭ ‬من‭ ‬أكتوبر‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬من‭ ‬نوع‭ ‬الأحداث‭ ‬التي‭ ‬اعتدنا‭ ‬عليها‭ ‬من‭ ‬قبل،‭ ‬ولذا‭ ‬سيكون‭ ‬له‭ ‬ما‭ ‬بعده،‭ ‬بل‭ ‬يمكن‭ ‬القول‭ ‬إن‭ ‬الأوضاع‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬كلها‭ ‬قد‭ ‬تصبح‭ ‬مختلفة‭ ‬كلياً‭ ‬بعد‭ ‬هذا‭ ‬الحدث‭ ‬الكبير‭ ‬عما‭ ‬كانت‭ ‬عليه‭ ‬قبله‭.‬

ففي‭ ‬ذلك‭ ‬اليوم،‭ ‬قررت‭ ‬حماس‭ ‬أخذ‭ ‬زمام‭ ‬المبادرة‭ ‬والتخلي‭ ‬عن‭ ‬أسلوب‭ ‬رد‭ ‬الفعل،‭ ‬واستهدفت‭ ‬هذه‭ ‬المرة‭ ‬ضرب‭ ‬الكيان‭ ‬الصهيوني‭ ‬داخل‭ ‬حصونه‭ ‬المنيعة‭ ‬في‭ ‬الأراضي‭ ‬الفلسطينية‭ ‬المحتلة‭ ‬قبل‭ ‬1948،‭ ‬وليس‭ ‬داخل‭ ‬الأراضي‭ ‬المحتلة‭ ‬عام‭ ‬1967‭. ‬لم‭ ‬يأخذ‭ ‬الهجوم‭ ‬هذه‭ ‬المرة‭ ‬شكل‭ ‬العمليات‭ ‬الفدائية‭ ‬التي‭ ‬اعتدنا‭ ‬عليها‭ ‬من‭ ‬قبل،‭ ‬وإنما‭ ‬أخذ‭ ‬شكل‭ ‬عملية‭ ‬عسكرية‭ ‬ضخمة‭ ‬تتسع‭ ‬لمشاركة‭ ‬ألف‭ ‬مقاتل‭ ‬دفعة‭ ‬واحدة‭ ‬ومن‭ ‬مختلف‭ ‬الوحدات‭ ‬البرية‭ ‬والبحرية‭ ‬والمظلات،‭ ‬وتستهدف‭ ‬السيطرة‭ ‬على‭ ‬مدن‭ ‬ومستوطنات‭ ‬كاملة،‭ ‬بكل‭ ‬ما‭ ‬فيها‭ ‬من‭ ‬ثكنات‭ ‬ومواقع‭ ‬عسكرية،‭ ‬وقتل‭ ‬أو‭ ‬أسر‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬فيها،‭ ‬ونقل‭ ‬أكبر‭ ‬عدد‭ ‬منهم‭ ‬إلى‭ ‬القطاع‭. ‬

ولأن‭ ‬طول‭ ‬الحدود‭ ‬الفاصلة‭ ‬بين‭ ‬‮«‬إسرائيل‮»‬‭ ‬والقطاع‭ ‬يمتد‭ ‬إلى‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬60‭ ‬كيلومتراً،‭ ‬أقامت‭ ‬‮«‬إسرائيل‮»‬‭ ‬سياجاً‭ ‬عازلاً‭ ‬يبلغ‭ ‬ارتفاعه‭ ‬7‭ ‬أمتار‭ ‬ويتكوّن‭ ‬من‭ ‬صفوف‭ ‬عدة‭ ‬وحواجز‭ ‬مزودة‭ ‬بأحدث‭ ‬أجهزة‭ ‬الاستشعار‭ ‬والمراقبة‭ ‬الإلكترونية،‭ ‬فقد‭ ‬تطلب‭ ‬اجتياحه‭ ‬عملاً‭ ‬شاقاً‭ ‬تعين‭ ‬التخطيط‭ ‬له‭ ‬بدقة‭ ‬متناهية،‭ ‬كما‭ ‬تطلب‭ ‬تنفيذ‭ ‬هذا‭ ‬الاجتياح‭ ‬استخدام‭ ‬أجهزة‭ ‬ومعدات‭ ‬تشويش‭ ‬إلكترونية‭ ‬بالغة‭ ‬الدقة‭ ‬والتعقيد‭. ‬

فإذا‭ ‬أضفنا‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬تقدم‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الاجتياح‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬سقوط‭ ‬نحو‭ ‬ألف‭ ‬قتيل‭ ‬إسرائيلي‭ ‬وما‭ ‬يزيد‭ ‬على‭ ‬2500‭ ‬جريح،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يفوق‭ ‬كثيراً‭ ‬ضحايا‭ ‬‮«‬إسرائيل‮»‬‭ ‬في‭ ‬حرب‭ ‬67‭ ‬التي‭ ‬خاضتها‭ ‬جيوش‭ ‬ثلاث‭ ‬دول‭ ‬عربية،‭ ‬من‭ ‬بينهم‭ ‬مئات‭ ‬القتلى‭ ‬والجرحى‭ ‬من‭ ‬العسكريين‭ ‬ورجال‭ ‬الشرطة،‭ ‬بعضهم‭ ‬يحمل‭ ‬رتباً‭ ‬كبيرة‭ ‬ويتولى‭ ‬مواقع‭ ‬قيادية‭ ‬في‭ ‬الجيش‭ ‬وفي‭ ‬أجهزة‭ ‬الأمن،‭ ‬لتبين‭ ‬لنا‭ ‬أن‭ ‬حماس‭ ‬حققت‭ ‬بالفعل‭ ‬إنجازاً‭ ‬يصل‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬الإعجاز،‭ ‬وبالتالي‭ ‬تمكنت‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬تلحق‭ ‬بـ«إسرائيل‮»‬‭ ‬ليس‭ ‬هزيمة‭ ‬عسكرية‭ ‬فحسب‭ ‬وإنما‭ ‬هزيمة‭ ‬استراتيجية‭ ‬وسياسية‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه‭. ‬لذا،‭ ‬يتوقع‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬رد‭ ‬الفعل‭ ‬الإسرائيلي،‭ ‬المدعوم‭ ‬أمريكياً‭ ‬وغربياً‭ ‬على‭ ‬الدوام،‭ ‬غاضباً‭ ‬وعنيفاً‭ ‬جداً،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬بدأنا‭ ‬نلاحظه‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الغارات‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬سلاح‭ ‬الجو‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬لا‭ ‬يزال‭ ‬يشنها‭ ‬على‭ ‬قطاع‭ ‬غزة‭.‬

ما‭ ‬حققته‭ ‬حماس‭ ‬في‭ ‬جولة‭ ‬الصراع‭ ‬الحالية‭ ‬بما‭ ‬أحدثته‭ ‬من‭ ‬مفاجأة‭ ‬استراتيجية‭ ‬تشبه‭ ‬ما‭ ‬حققته‭ ‬مصر‭ ‬وسوريا‭ ‬في‭ ‬حرب‭ ‬73،‭ ‬خاصة‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬دلالاته‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬والسياسية‭. ‬صحيح‭ ‬أن‭ ‬خسائر‭ ‬‮«‬إسرائيل‮»‬‭ ‬في‭ ‬الأرواح‭ ‬والمعدات‭ ‬بلغت‭ ‬في‭ ‬حرب‭ ‬73‭ ‬أضعاف‭ ‬خسائرها‭ ‬الحالية،‭ ‬لكنها‭ ‬خاضت‭ ‬حرب‭ ‬73‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬جيوش‭ ‬نظامية‭ ‬كبيرة‭.‬

ولأن‭ ‬‮«‬إسرائيل‮»‬‭ ‬استطاعت‭ ‬أن‭ ‬تعدل‭ ‬من‭ ‬مسار‭ ‬تلك‭ ‬المواجهة‭ ‬بعض‭ ‬الشيء،‭ ‬خاصة‭ ‬بعد‭ ‬تمكنها‭ ‬من‭ ‬إحداث‭ ‬‮«‬ثغرة‭ ‬الدفرسوار‮»‬‭ ‬عقب‭ ‬تلقيها‭ ‬مساعدات‭ ‬مباشرة‭ ‬ضخمة‭ ‬من‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية،‭ ‬فقد‭ ‬كان‭ ‬بإمكانها‭ ‬الادعاء‭ ‬بأنها‭ ‬صمدت،‭ ‬رغم‭ ‬تلقيها‭ ‬هزيمة‭ ‬واضحة‭ ‬في‭ ‬بدايتها،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬لن‭ ‬تستطيعه‭ ‬هذه‭ ‬المرة‭ ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬تمكنت‭ ‬من‭ ‬تدمير‭ ‬قطاع‭ ‬غزة‭ ‬بالكامل‭ ‬بواسطة‭ ‬سلاح‭ ‬الجو‭ ‬الذي‭ ‬تتمتع‭ ‬فيه‭ ‬بتفوق‭ ‬ساحق‭.‬

الوسيلة‭ ‬الوحيدة‭ ‬التي‭ ‬قد‭ ‬تسمح‭ ‬لـ«إسرائيل‮»‬‭ ‬بالادعاء‭ ‬بأنها‭ ‬استطاعت‭ ‬تحقيق‭ ‬النصر‭ ‬في‭ ‬جولة‭ ‬المواجهة‭ ‬الدائرة‭ ‬حالياً،‭ ‬رغم‭ ‬النكسة‭ ‬الكبرى‭ ‬التي‭ ‬لحقت‭ ‬بها‭ ‬في‭ ‬البداية،‭ ‬هي‭ ‬أن‭ ‬تتمكن‭ ‬ليس‭ ‬من‭ ‬نزع‭ ‬سلاح‭ ‬حماس‭ ‬فحسب‭ ‬وإنما‭ ‬أيضاً‭ ‬من‭ ‬إسقاط‭ ‬حكمها‭ ‬في‭ ‬غزة،‭ ‬وهي‭ ‬أهداف‭ ‬ليست‭ ‬قابلة‭ ‬للتحقيق‭ ‬إلا‭ ‬إذا‭ ‬تمكنت‭ ‬من‭ ‬السيطرة‭ ‬برياً‭ ‬على‭ ‬قطاع‭ ‬غزة،‭ ‬ما‭ ‬يعني‭ ‬إعادة‭ ‬احتلاله‭ ‬وربما‭ ‬البقاء‭ ‬فيه‭ ‬سنوات‭ ‬عديدة‭ ‬قادمة،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬سوف‭ ‬يكلفها‭ ‬بالقطع‭ ‬خسائر‭ ‬بشرية‭ ‬ضخمة‭ ‬قد‭ ‬لا‭ ‬تستطيع‭ ‬تحملها‭. ‬لذا،‭ ‬يمكن‭ ‬القول‭ ‬إن‭ ‬‮«‬إسرائيل‮»‬‭ ‬تواجه‭ ‬مأزقاً‭ ‬أظن‭ ‬أنها‭ ‬لن‭ ‬تستطيع‭ ‬الإفلات‭ ‬منه‭.‬

لقد‭ ‬قامت‭ ‬‮«‬إسرائيل‮»‬‭ ‬باستدعاء‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬300‭ ‬ألف‭ ‬مقاتل‭ ‬من‭ ‬جنود‭ ‬الاحتياطي،‭ ‬ما‭ ‬يوحي‭ ‬بأنها‭ ‬تستعد‭ ‬لمواجهة‭ ‬واحد‭ ‬من‭ ‬احتمالين،‭ ‬الأول‭: ‬إعادة‭ ‬احتلال‭ ‬قطاع‭ ‬غزة‭ ‬باعتباره‭ ‬الوسيلة‭ ‬الوحيدة‭ ‬التي‭ ‬تمكنها‭ ‬من‭ ‬نزع‭ ‬سلاح‭ ‬حماس‭ ‬وإسقاط‭ ‬حكمها‭ ‬في‭ ‬قطاع‭ ‬غزة،‭ ‬والثاني‭: ‬دخولها‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬إقليمية‭ ‬واسعة‭ ‬النطاق،‭ ‬قد‭ ‬يشترك‭ ‬فيها‭ ‬‮«‬حزب‭ ‬الله‮»‬‭ ‬وربما‭ ‬أطراف‭ ‬إقليمية‭ ‬أخرى،‭ ‬ما‭ ‬يعني‭ ‬خوض‭ ‬حرب‭ ‬متعددة‭ ‬الجبهات‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه،‭ ‬وهو‭ ‬الاحتمال‭ ‬الأرجح‭.‬

فقد‭ ‬سارعت‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬إلى‭ ‬تقديم‭ ‬مساعدات‭ ‬فورية‭ ‬لـ«إسرائيل‮»‬،‭ ‬لم‭ ‬تقتصر‭ ‬على‭ ‬إمدادها‭ ‬بالمال‭ ‬والمعدات‭ ‬العسكرية،‭ ‬وإنما‭ ‬قامت‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه‭ ‬بإرسال‭ ‬قطع‭ ‬بحرية‭ ‬إلى‭ ‬المنطقة‭ ‬لتكون‭ ‬قريبة‭ ‬من‭ ‬الشواطئ‭ ‬الإسرائيلية‭.‬

صحيح‭ ‬أن‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬ليس‭ ‬لها‭ ‬مصلحة‭ ‬في‭ ‬اندلاع‭ ‬حرب‭ ‬واسعة‭ ‬النطاق‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المنطقة‭ ‬من‭ ‬العالم،‭ ‬لأن‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬شأنه‭ ‬تشتيت‭ ‬انتباهها‭ ‬والحيلولة‭ ‬دون‭ ‬تركيز‭ ‬نشاطها‭ ‬على‭ ‬الحرب‭ ‬الدائرة‭ ‬حالياً‭ ‬على‭ ‬الساحة‭ ‬الأوكرانية،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬تسعى‭ ‬إلى‭ ‬تجنبه‭ ‬بكل‭ ‬الوسائل‭ ‬الممكنة‭.‬

لذا،‭ ‬يبدو‭ ‬لي‭ ‬أن‭ ‬الهدف‭ ‬من‭ ‬مسارعتها‭ ‬في‭ ‬إرسال‭ ‬قوات‭ ‬إلى‭ ‬المنطقة‭ ‬هو‭ ‬ردع‭ ‬‮«‬حزب‭ ‬الله‮»‬‭ ‬عن‭ ‬المشاركة‭ ‬في‭ ‬الحرب‭ ‬التي‭ ‬تشنها‭ ‬‮«‬إسرائيل‮»‬‭ ‬على‭ ‬قطاع‭ ‬غزة،‭ ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬قامت‭ ‬الأخيرة‭ ‬باجتياح‭ ‬القطاع‭ ‬برياً‭.‬

فحزب‭ ‬الله‭ ‬يدرك‭ ‬يقيناً‭ ‬أن‭ ‬نجاح‭ ‬‮«‬إسرائيل‮»‬‭ ‬في‭ ‬إسقاط‭ ‬حكم‭ ‬حماس‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬يعني‭ ‬توجيه‭ ‬ضربة‭ ‬قاصمة‭ ‬لكل‭ ‬فصائل‭ ‬المقاومة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬المسلحة‭ ‬برمتها،‭ ‬وهو‭ ‬إن‭ ‬حدث‭ ‬فسوف‭ ‬يتيح‭ ‬لـ«إسرائيل‮»‬‭ ‬والولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الفرصة‭ ‬لتركيز‭ ‬جهودهما‭ ‬على‭ ‬الجبهة‭ ‬اللبنانية‭ ‬بهدف‭ ‬إعادة‭ ‬تشكيل‭ ‬مفردات‭ ‬المعادلة‭ ‬السياسية‭ ‬القائمة‭ ‬هناك‭ ‬حالياً،‭ ‬ما‭ ‬سينعكس‭ ‬بالضرورة‭ ‬على‭ ‬سوريا،‭ ‬ما‭ ‬قد‭ ‬يعني‭ ‬التفرغ‭ ‬لتصفية‭ ‬كل‭ ‬حلفاء‭ ‬إيران‭ ‬الواحد‭ ‬تلو‭ ‬الآخر‭.‬

لا‭ ‬يتسع‭ ‬المقام‭ ‬هنا‭ ‬لتحليل‭ ‬مختلف‭ ‬السيناريوهات‭ ‬المتوقعة‭ ‬للحرب‭ ‬التي‭ ‬تشنها‭ ‬‮«‬إسرائيل‮»‬‭ ‬الآن‭ ‬على‭ ‬قطاع‭ ‬غزة،‭ ‬لكن‭ ‬احتمال‭ ‬خروجها‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الحرب‭ ‬منتصرة‭ ‬يبدو‭ ‬لي‭ ‬احتمالاً‭ ‬ضعيفاً‭ ‬وغير‭ ‬قابل‭ ‬للتحقيق‭. ‬فالمعيار‭ ‬الوحيد‭ ‬لانتصارها،‭ ‬من‭ ‬وجهة‭ ‬نظرها‭ ‬على‭ ‬الأقل،‭ ‬يستند‭ ‬إلى‭ ‬مدى‭ ‬قدرتها‭ ‬على‭ ‬احتلال‭ ‬غزة‭ ‬ونزع‭ ‬سلاح‭ ‬حماس‭ ‬وإسقاط‭ ‬حكمها‭ ‬هناك،‭ ‬وهو‭ ‬أمر‭ ‬مشكوك‭ ‬فيه،‭ ‬ليس‭ ‬بسبب‭ ‬ارتفاع‭ ‬تكلفته‭ ‬بما‭ ‬يتجاوز‭ ‬قدرة‭ ‬‮«‬إسرائيل‮»‬‭ ‬على‭ ‬احتماله‭ ‬فحسب،‭ ‬وإنما‭ ‬أيضاً‭ ‬وعلى‭ ‬وجه‭ ‬الخصوص‭ ‬بسبب‭ ‬استحالة‭ ‬وقوف‭ ‬‮«‬حزب‭ ‬الله‮»‬‭ ‬مكتوف‭ ‬الأيدي‭ ‬وهو‭ ‬يرى‭ ‬المقاومة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬المسلحة‭ ‬تستأصل‭. ‬فلن‭ ‬يكون‭ ‬لذلك‭ ‬سوى‭ ‬معنى‭ ‬واحد،‭ ‬وهو‭ ‬أن‭ ‬‮«‬حزب‭ ‬الله‮»‬‭ ‬نفسه‭ ‬قد‭ ‬يصبح‭ ‬الضحية‭ ‬القادمة‭. ‬لذا،‭ ‬أظن‭ ‬أنه‭ ‬لن‭ ‬يكون‭ ‬أمام‭ ‬‮«‬إسرائيل‮»‬‭ ‬سوى‭ ‬الاختيار‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬بديلين‭ ‬كلاهما‭ ‬مر‭:‬

الأول‭: ‬وقف‭ ‬الحرب،‭ ‬مع‭ ‬الاكتفاء‭ ‬بتوجيه‭ ‬ضربات‭ ‬جوية‭ ‬أكثر‭ ‬ضراوة‭ ‬وقسوة‭ ‬مما‭ ‬قام‭ ‬به‭ ‬‮«‬الجيش‮»‬‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬في‭ ‬الجولات‭ ‬السابقة،‭ ‬ما‭ ‬سيعني‭ ‬في‭ ‬النهاية‭ ‬أنه‭ ‬هزم‭ ‬على‭ ‬يد‭ ‬حماس‭ ‬لأنه‭ ‬لم‭ ‬يستطع‭ ‬نزع‭ ‬سلاحها‭.‬

والثاني‭: ‬الدخول‭ ‬في‭ ‬حرب‭ ‬إقليمية‭ ‬شاملة،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬قد‭ ‬يشكل‭ ‬إما‭ ‬بداية‭ ‬النهاية‭ ‬لـ«إسرائيل‮»‬،‭ ‬أو‭ ‬يدفع‭ ‬بالعالم‭ ‬كله‭ ‬نحو‭ ‬حافة‭ ‬حرب‭ ‬نووية‭ ‬لا‭ ‬يريدها‭ ‬أحد‭.‬

{ أستاذ‭ ‬العلوم‭ ‬السياسية‭ ‬في‭ ‬جامعة‭ ‬القاهرة

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا