العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

الحرب الهمجية على غزة ومأزق حكومة نتنياهو

بقلم: هاني عوكل

الاثنين ١٦ أكتوبر ٢٠٢٣ - 02:00

لم‭ ‬تشهد‭ ‬إسرائيل‭ ‬زلزالا‭ ‬مدمرا‭ ‬كما‭ ‬شهدته‭ ‬يوم‭ ‬السابع‭ ‬من‭ ‬الشهر‭ ‬الجاري،‭ ‬يوم‭ ‬معركة‭ ‬‮«‬طوفان‭ ‬الأقصى‮»‬‭ ‬التي‭ ‬استهدفت‭ ‬منطقة‭ ‬غلاف‭ ‬غزة،‭ ‬واستهدفت‭ ‬معها‭ ‬هيبة‭ ‬وقوة‭ ‬جيش‭ ‬الاحتلال‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬الذي‭ ‬يتغنى‭ ‬بالإمكانات‭ ‬التدريبية‭ ‬والتسليحية‭ ‬التجهيزية‭ ‬والاستخباراتية‭ ‬التي‭ ‬يتمتع‭ ‬بها‭.‬

هذا‭ ‬الزلزال‭ ‬الذي‭ ‬لم‭ ‬تحسب‭ ‬له‭ ‬إسرائيل‭ ‬يوماً،‭ ‬أصاب‭ ‬القيادتين‭ ‬السياسية‭ ‬والعسكرية‭ ‬بذهول‭ ‬شديد،‭ ‬وأصاب‭ ‬المجتمع‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬المرتبك‭ ‬إلى‭ ‬أبعد‭ ‬الحدود،‭ ‬إلى‭ ‬درجة‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬هجرة‭ ‬معاكسة‭ ‬إلى‭ ‬روسيا‭ ‬وبولندا‭ ‬وبريطانيا‭ ‬والولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬ودول‭ ‬أخرى‭.‬

في‭ ‬الداخل‭ ‬الإسرائيلي،‭ ‬ثمة‭ ‬غليان‭ ‬شديد‭ ‬وانتقاد‭ ‬كبير‭ ‬للقيادتين‭ ‬السياسية‭ ‬والعسكرية‭ ‬بسبب‭ ‬الإخفاقات‭ ‬التي‭ ‬حصلت‭ ‬على‭ ‬ضوء‭ ‬عملية‭ ‬‮«‬طوفان‭ ‬الأقصى‮»‬،‭ ‬لكن‭ ‬كالعادة‭ ‬يفلت‭ ‬رئيس‭ ‬الحكومة‭ ‬بنيامين‭ ‬نتنياهو‭ ‬من‭ ‬الغليان‭ ‬الشعبي‭ ‬ويقرر‭ ‬تشكيل‭ ‬حكومة‭ ‬طوارئ‭ ‬تشمل‭ ‬المعارضة‭ ‬الإسرائيلية‭.‬

سياسة‭ ‬الهروب‭ ‬إلى‭ ‬الأمام‭ ‬هذه‭ ‬تأتي‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬محاولة‭ ‬نتنياهو‭ ‬احتواء‭ ‬الوضع‭ ‬الداخلي‭ ‬وجمع‭ ‬الكل‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬على‭ ‬قلب‭ ‬رجل‭ ‬واحد،‭ ‬ونقل‭ ‬هذه‭ ‬الصورة‭ ‬إلى‭ ‬المجتمع‭ ‬الدولي‭ ‬للحصول‭ ‬على‭ ‬أكبر‭ ‬قدر‭ ‬من‭ ‬الدعم‭ ‬والإسناد‭ ‬منه،‭ ‬وكذلك‭ ‬هي‭ ‬رخصة‭ ‬مفتوحة‭ ‬لتبرير‭ ‬الرد‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬على‭ ‬عملية‭ ‬‮«‬طوفان‭ ‬الأقصى‮«‬‭.‬

كالعادة،‭ ‬يتحمل‭ ‬الفلسطينيون‭ ‬في‭ ‬قطاع‭ ‬غزة‭ ‬فاتورة‭ ‬كل‭ ‬الاعتداءات‭ ‬والعدوانات‭ ‬الإسرائيلية،‭ ‬ودائماً‭ ‬يكونون‭ ‬في‭ ‬مرمى‭ ‬الاستهداف‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬المباشر،‭ ‬لكن‭ ‬هذه‭ ‬المرة‭ ‬ثمة‭ ‬استشراس‭ ‬كبير‭ ‬وحقد‭ ‬واضح‭ ‬في‭ ‬صفوف‭ ‬القيادة‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬التي‭ ‬ترغب‭ ‬في‭ ‬إعادة‭ ‬الاعتبار‭ ‬لإسرائيل‭ ‬وتكريس‭ ‬شعار‭ ‬‮«‬جيشها‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يقهر‮«‬

ماذا‭ ‬يعني‭ ‬ذلك؟‭ ‬الجميع‭ ‬لاحظ‭ ‬في‭ ‬الأيام‭ ‬الماضية‭ ‬بعيد‭ ‬عملية‭ ‬‮«‬طوفان‭ ‬الأقصى‮»‬،‭ ‬حجم‭ ‬الدمار‭ ‬الهائل‭ ‬الذي‭ ‬خلفه‭ ‬القصف‭ ‬الإسرائيلي،‭ ‬جواً‭ ‬وبحراً‭. ‬وحينما‭ ‬يستهدف‭ ‬المواطنين‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬في‭ ‬منازلهم‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬سابق‭ ‬إنذار،‭ ‬فهذا‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬مُعاقب‭ ‬وهو‭ ‬الحلقة‭ ‬الأضعف‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يجري‭ ‬من‭ ‬اعتداءات‭.‬

من‭ ‬المُستبعد‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬لدى‭ ‬الاحتلال‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬بنك‭ ‬واضح‭ ‬للأهداف‭ ‬يستهدف‭ ‬الحركة‭ ‬‮«‬الحمساوية‮»‬،‭ ‬بدليل‭ ‬أن‭ ‬أغلب‭ ‬القصف‭ ‬مُوجه‭ ‬نحو‭ ‬المواطنين‭ ‬العُزّل،‭ ‬ومنشآت‭ ‬ومقرات‭ ‬‮«‬حمساوية‮»‬‭ ‬جرى‭ ‬استهدافها‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬طوال‭ ‬العدوانات‭ ‬السابقة‭.‬

هناك‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬400‭ ‬ألف‭ ‬فلسطيني‭ ‬نزحوا‭ ‬من‭ ‬منازلهم‭ ‬بسبب‭ ‬تحذيرات‭ ‬بضرورة‭ ‬إخلاء‭ ‬مناطقهم،‭ ‬ومن‭ ‬المرجح‭ ‬أن‭ ‬يتضاعف‭ ‬هذا‭ ‬العدد‭ ‬في‭ ‬الأيام‭ ‬المقبلة،‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬محاولات‭ ‬لإفراغهم‭ ‬من‭ ‬المناطق‭ ‬المنوي‭ ‬اجتياحها،‭ ‬أو‭ ‬دفعهم‭ ‬نحو‭ ‬جنوب‭ ‬القطاع‭ ‬باتجاه‭ ‬تهجيرهم‭ ‬إلى‭ ‬سيناء‭ ‬المصرية‭.‬

سبق‭ ‬وتزامن‭ ‬مع‭ ‬القصف‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬إحكام‭ ‬الإغلاق‭ ‬الكلي‭ ‬على‭ ‬قطاع‭ ‬غزة،‭ ‬وإغلاق‭ ‬صنبور‭ ‬المياه‭ ‬الذي‭ ‬يغذي‭ ‬القطاع‭ ‬من‭ ‬إسرائيل،‭ ‬وكذلك‭ ‬الكهرباء‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬المستلزمات‭ ‬والاحتياجات‭ ‬المعيشية،‭ ‬وهذه‭ ‬السياسة‭ ‬يُراد‭ ‬منها‭ ‬الضغط‭ ‬على‭ ‬السكان‭ ‬لجهة‭ ‬الضغط‭ ‬على‭ ‬‮«‬حماس‮«‬‭.‬

إسرائيل‭ ‬المسنودة‭ ‬بقوة‭ ‬من‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬والدول‭ ‬الغربية،‭ ‬ماضية‭ ‬لتحقيق‭ ‬نصر‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬في‭ ‬قطاع‭ ‬غزة،‭ ‬إذ‭ ‬يريد‭ ‬نتنياهو‭ ‬أن‭ ‬يجعل‭ ‬غزة‭ ‬كتلة‭ ‬من‭ ‬اللهب‭ ‬المشتعل،‭ ‬حتى‭ ‬يخفف‭ ‬من‭ ‬وطأة‭ ‬انتقادات‭ ‬الرأي‭ ‬العام‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬ويفلت‭ ‬من‭ ‬عقابه‭.‬

هذا‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬إسرائيل‭ ‬في‭ ‬بداياتها‭ ‬العدوانية‭ ‬على‭ ‬قطاع‭ ‬غزة،‭ ‬ومن‭ ‬غير‭ ‬المستبعد‭ ‬أن‭ ‬يستكمل‭ ‬مسلسل‭ ‬القصف‭ ‬العشوائي‭ ‬على‭ ‬المواطنين،‭ ‬من‭ ‬باب‭ ‬أن‭ ‬الجميع‭ ‬غير‭ ‬آمن‭ ‬وتحت‭ ‬مرمى‭ ‬النار‭ ‬الإسرائيلي،‭ ‬تتبعه‭ ‬اجتياحات‭ ‬في‭ ‬المناطق‭ ‬الحدودية‭ ‬لغزة‭.‬

كل‭ ‬المستوى‭ ‬السياسي‭ ‬والعسكري‭ ‬في‭ ‬إسرائيل‭ ‬يدرك‭ ‬تبعات‭ ‬إعادة‭ ‬احتلال‭ ‬القطاع،‭ ‬وهو‭ ‬غير‭ ‬معني‭ ‬بهذا‭ ‬الأمر‭ ‬وليس‭ ‬مستعداً‭ ‬لتحمل‭ ‬فواتير‭ ‬وخسائر‭ ‬كبيرة،‭ ‬لكن‭ ‬من‭ ‬المرجح‭ ‬أن‭ ‬تتبع‭ ‬سياسة‭ ‬الأرض‭ ‬المحروقة‭ ‬التي‭ ‬تقوم‭ ‬بها‭ ‬إسرائيل‭ ‬حالياً،‭ ‬اجتياحات‭ ‬شمال‭ ‬ووسط‭ ‬وجنوب‭ ‬غزة،‭ ‬وكذلك‭ ‬الحال‭ ‬في‭ ‬المحيط‭ ‬الشمالي‭ ‬والجنوبي‭ ‬الغربي‭.‬

أهم‭ ‬سلاح‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬إسرائيل‭ ‬هو‭ ‬سلاح‭ ‬الجو‭ ‬الذي‭ ‬قد‭ ‬لا‭ ‬يتوقف‭ ‬في‭ ‬خضم‭ ‬هذا‭ ‬العدوان‭ ‬المستمر،‭ ‬حيث‭ ‬جرى‭ ‬إسقاط‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬6000‭ ‬قنبلة‭ ‬بزنة‭ ‬4000‭ ‬طن،‭ ‬هذا‭ ‬عدا‭ ‬الزوارق‭ ‬الحربية‭ ‬والمسيرات‭ ‬والمدفعيات‭ ‬التي‭ ‬تشارك‭ ‬في‭ ‬القصف‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬الجهات‭.‬

من‭ ‬المبكر‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬هدنة‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬وقف‭ ‬الحرب‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬إسرائيل‭ ‬التي‭ ‬حصلت‭ ‬على‭ ‬ضوء‭ ‬أخضر‭ ‬أمريكي‭ ‬وغربي‭ ‬لتبرير‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬الاعتداءات‭ ‬التي‭ ‬تطال‭ ‬البشر‭ ‬والشجر‭ ‬والحجر،‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬تضغط‭ ‬فيه‭ ‬بقوة‭ ‬على‭ ‬المواطنين‭ ‬بالحصار‭ ‬والاستهداف‭ ‬المباشر‭ ‬حتى‭ ‬ترغم‭ ‬‮«‬حماس‮»‬‭ ‬على‭ ‬فتح‭ ‬قناة‭ ‬بشأن‭ ‬إطلاق‭ ‬سراح‭ ‬أسرى‭ ‬إسرائيليين‭ ‬أسروا‭ ‬على‭ ‬خلفية‭ ‬عملية‭ ‬‮«‬طوفان‭ ‬الأقصى‮»‬‭.‬

الحرب‭ ‬هذه‭ ‬المرة‭ ‬ليست‭ ‬كما‭ ‬المرات‭ ‬السابقة،‭ ‬حينما‭ ‬كانت‭ ‬تخرج‭ ‬فيها‭ ‬إسرائيل‭ ‬لا‭ ‬غالبة‭ ‬ولا‭ ‬مغلوبة‭. ‬نتنياهو‭ ‬لإنقاذ‭ ‬منصبه‭ ‬السياسي‭ ‬اخترع‭ ‬سردية‭ ‬سوقها‭ ‬للرأي‭ ‬العام‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬أن‭ ‬بلاده‭ ‬أمام‭ ‬معركة‭ ‬حياة‭ ‬أو‭ ‬موت،‭ ‬ما‭ ‬يعني‭ ‬فتح‭ ‬كل‭ ‬مخازن‭ ‬السلاح‭ ‬واستخدامه‭ ‬بإفراط‭ ‬ودون‭ ‬حساب‭ ‬على‭ ‬غزة‭.‬

حتى‭ ‬لو‭ ‬لم‭ ‬يحقق‭ ‬جيش‭ ‬الاحتلال‭ ‬أهدافه‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬بإنهاء‭ ‬‮«‬حماس‮»‬‭ ‬أو‭ ‬إضعافها‭ ‬إلى‭ ‬أكبر‭ ‬حد‭ ‬ممكن،‭ ‬سيعمل‭ ‬نتنياهو‭ ‬بقوة‭ ‬على‭ ‬تحقيق‭ ‬نصر‭ ‬أو‭ ‬شرائه‭ ‬عبر‭ ‬الفضاء‭ ‬الإعلامي‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬والغربي،‭ ‬حتى‭ ‬يخرج‭ ‬منتصراً‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الحرب‭ ‬وملتصقاً‭ ‬بالكرسي‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يرغب‭ ‬في‭ ‬مفارقته‭.‬

{ كاتب‭ ‬من‭ ‬فلسطين

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا