لم تشهد إسرائيل زلزالا مدمرا كما شهدته يوم السابع من الشهر الجاري، يوم معركة «طوفان الأقصى» التي استهدفت منطقة غلاف غزة، واستهدفت معها هيبة وقوة جيش الاحتلال الإسرائيلي الذي يتغنى بالإمكانات التدريبية والتسليحية التجهيزية والاستخباراتية التي يتمتع بها.
هذا الزلزال الذي لم تحسب له إسرائيل يوماً، أصاب القيادتين السياسية والعسكرية بذهول شديد، وأصاب المجتمع الإسرائيلي المرتبك إلى أبعد الحدود، إلى درجة الحديث عن هجرة معاكسة إلى روسيا وبولندا وبريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية ودول أخرى.
في الداخل الإسرائيلي، ثمة غليان شديد وانتقاد كبير للقيادتين السياسية والعسكرية بسبب الإخفاقات التي حصلت على ضوء عملية «طوفان الأقصى»، لكن كالعادة يفلت رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو من الغليان الشعبي ويقرر تشكيل حكومة طوارئ تشمل المعارضة الإسرائيلية.
سياسة الهروب إلى الأمام هذه تأتي في إطار محاولة نتنياهو احتواء الوضع الداخلي وجمع الكل الإسرائيلي على قلب رجل واحد، ونقل هذه الصورة إلى المجتمع الدولي للحصول على أكبر قدر من الدعم والإسناد منه، وكذلك هي رخصة مفتوحة لتبرير الرد الإسرائيلي على عملية «طوفان الأقصى«.
كالعادة، يتحمل الفلسطينيون في قطاع غزة فاتورة كل الاعتداءات والعدوانات الإسرائيلية، ودائماً يكونون في مرمى الاستهداف الإسرائيلي المباشر، لكن هذه المرة ثمة استشراس كبير وحقد واضح في صفوف القيادة الإسرائيلية التي ترغب في إعادة الاعتبار لإسرائيل وتكريس شعار «جيشها الذي لا يقهر«
ماذا يعني ذلك؟ الجميع لاحظ في الأيام الماضية بعيد عملية «طوفان الأقصى»، حجم الدمار الهائل الذي خلفه القصف الإسرائيلي، جواً وبحراً. وحينما يستهدف المواطنين الفلسطينيين في منازلهم من دون سابق إنذار، فهذا يعني أن الشعب الفلسطيني مُعاقب وهو الحلقة الأضعف في كل ما يجري من اعتداءات.
من المُستبعد أن يكون لدى الاحتلال الإسرائيلي بنك واضح للأهداف يستهدف الحركة «الحمساوية»، بدليل أن أغلب القصف مُوجه نحو المواطنين العُزّل، ومنشآت ومقرات «حمساوية» جرى استهدافها من قبل طوال العدوانات السابقة.
هناك أكثر من 400 ألف فلسطيني نزحوا من منازلهم بسبب تحذيرات بضرورة إخلاء مناطقهم، ومن المرجح أن يتضاعف هذا العدد في الأيام المقبلة، في إطار محاولات لإفراغهم من المناطق المنوي اجتياحها، أو دفعهم نحو جنوب القطاع باتجاه تهجيرهم إلى سيناء المصرية.
سبق وتزامن مع القصف الإسرائيلي إحكام الإغلاق الكلي على قطاع غزة، وإغلاق صنبور المياه الذي يغذي القطاع من إسرائيل، وكذلك الكهرباء وغيرها من المستلزمات والاحتياجات المعيشية، وهذه السياسة يُراد منها الضغط على السكان لجهة الضغط على «حماس«.
إسرائيل المسنودة بقوة من الولايات المتحدة والدول الغربية، ماضية لتحقيق نصر على حساب الفلسطينيين في قطاع غزة، إذ يريد نتنياهو أن يجعل غزة كتلة من اللهب المشتعل، حتى يخفف من وطأة انتقادات الرأي العام الإسرائيلي ويفلت من عقابه.
هذا يعني أن إسرائيل في بداياتها العدوانية على قطاع غزة، ومن غير المستبعد أن يستكمل مسلسل القصف العشوائي على المواطنين، من باب أن الجميع غير آمن وتحت مرمى النار الإسرائيلي، تتبعه اجتياحات في المناطق الحدودية لغزة.
كل المستوى السياسي والعسكري في إسرائيل يدرك تبعات إعادة احتلال القطاع، وهو غير معني بهذا الأمر وليس مستعداً لتحمل فواتير وخسائر كبيرة، لكن من المرجح أن تتبع سياسة الأرض المحروقة التي تقوم بها إسرائيل حالياً، اجتياحات شمال ووسط وجنوب غزة، وكذلك الحال في المحيط الشمالي والجنوبي الغربي.
أهم سلاح بالنسبة إلى إسرائيل هو سلاح الجو الذي قد لا يتوقف في خضم هذا العدوان المستمر، حيث جرى إسقاط أكثر من 6000 قنبلة بزنة 4000 طن، هذا عدا الزوارق الحربية والمسيرات والمدفعيات التي تشارك في القصف من كل الجهات.
من المبكر الحديث عن هدنة أو حتى وقف الحرب من قبل إسرائيل التي حصلت على ضوء أخضر أمريكي وغربي لتبرير كل هذه الاعتداءات التي تطال البشر والشجر والحجر، في الوقت الذي تضغط فيه بقوة على المواطنين بالحصار والاستهداف المباشر حتى ترغم «حماس» على فتح قناة بشأن إطلاق سراح أسرى إسرائيليين أسروا على خلفية عملية «طوفان الأقصى».
الحرب هذه المرة ليست كما المرات السابقة، حينما كانت تخرج فيها إسرائيل لا غالبة ولا مغلوبة. نتنياهو لإنقاذ منصبه السياسي اخترع سردية سوقها للرأي العام الإسرائيلي أن بلاده أمام معركة حياة أو موت، ما يعني فتح كل مخازن السلاح واستخدامه بإفراط ودون حساب على غزة.
حتى لو لم يحقق جيش الاحتلال أهدافه في غزة بإنهاء «حماس» أو إضعافها إلى أكبر حد ممكن، سيعمل نتنياهو بقوة على تحقيق نصر أو شرائه عبر الفضاء الإعلامي الإسرائيلي والغربي، حتى يخرج منتصراً في هذه الحرب وملتصقاً بالكرسي الذي لا يرغب في مفارقته.
{ كاتب من فلسطين
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك