في خطابه الأخير لافتتاح دور الانعقاد الثاني للمجلس الوطني وضع جلالة الملك المعظم حفظه الله ورعاه موضوعات عامة تحدد بشكل غير مباشر المشهد الاقتصادي في مملكة البحرين. ورغم أن الخطاب لم يركز بشكل صريح على السياسة الاقتصادية، فإنه لخص مؤشرات حيوية نحو الحكم الجماعي والاستقرار، وهي العوامل الأساسية للحيوية الاقتصادية.
إن ذكر جلالته لـ«جلسة عمل مثمرة» يشكل دعوة ضمنية لتنفيذ السياسات بشكل فعال. ومن الممكن تحقيق ذلك من خلال نموذج حوكمة رشيق يسمح بتكرار السياسات بسرعة استنادا إلى ردود فعل العالم الحقيقي. ومن خلال استخدام تحليلات البيانات لرصد فعالية السياسات في الوقت الفعلي تقريبًا تستطيع الإدارات الحكومية تحسين أساليبها بشكل متكرر في التعامل مع القضايا الاقتصادية الملحة.
إن إنشاء «مركز الابتكار» لجذب الشركات الناشئة العالمية في مجال التكنولوجيا المستدامة هو استراتيجية يمكن أن تجسد جوهر رؤية جلالة الملك المعظم لبحرين مستقرة ومزدهرة. ومن الممكن إنشاء مجمعات بحثية متخصصة؛ حيث تعمل الهيئات الحكومية والمؤسسات الأكاديمية والقطاع الخاص بشكل تعاوني على معالجة التحديات الخاصة بكل قطاع.
واستنادا إلى نموذج الحكم التشاركي الذي تبناه جلالة الملك المعظم، فإن تشكيل «مجلس اقتصادي وطني» من الممكن أن يقطع شوطا طويلا. ويمكن لهذا المجلس إضفاء الطابع المؤسسي على التعاون بين مختلف أذرع الحكم وإدخال أدوات مالية مثل السندات الخضراء التي تهدف إلى تمويل المشاريع الصديقة للبيئة. وتشجع هذه السندات النمو المستدام مع تنويع المحفظة الاستثمارية في مملكة البحرين، بما يتماشى مع المعايير الدولية للحوكمة البيئية والاجتماعية والحوكمة (ESG).
كما أكد الخطاب السامي «الجهود الحكومية المخلصة» التي يقودها سمو ولي العهد رئيس مجلس الوزراء حفظه الله ورعاه لترجمة التطلعات الوطنية إلى واقع ملموس. وتماشيا مع هذا، يمكن دمج تكنولوجيا البلوكشين لتعزيز الشفافية في عمليات الإنفاق العام والمشتريات. علاوة على ذلك، يمكن تقديم سندات الأثر الاجتماعي لإلزام الحكومة بدفع تكاليف النتائج الاجتماعية المحسنة في مجالات مثل التعليم والرعاية الصحية.
يمكن الاستفادة من «مكانة البحرين الرفيعة كمنصة للتقارب الفكري والثقافي» اقتصاديًا من خلال الدبلوماسية الثقافية. إن استضافة مؤتمرات اقتصادية دولية حول التمويل الإسلامي أو الطاقة المتجددة أو التجارة العالمية يمكن أن تخدم غرضين مزدوجين: تعزيز صورة البحرين كمركز فكري، مع تسهيل الشراكات التي يمكن تحقيق الدخل منها من خلال الاتفاقيات التجارية أو المشاريع التعاونية.
ولإعداد القوى العاملة لمستقبل يتماشى مع تطلعات جلالة الملك المعظم يمكن إطلاق برنامج وطني لإعادة المهارات يركز على محو الأمية الرقمية، والوظائف الخضراء، والقطاعات ذات النمو المرتفع. ويمكن أن يكون هذا جزءًا من استراتيجية أكبر، ليس فقط لتلبية الاحتياجات الاقتصادية الفورية ولكن أيضًا لضمان توافق رأس المال البشري مع أهداف التنمية طويلة المدى.
وفي الختام، فإن خطاب جلالة الملك المعظم حفظه الله ورعاه رغم أنه لم يكن اقتصاديا بشكل علني في طبيعته، فإنه يقدم مخططا ضمنيا للنمو الاقتصادي المستدام. فهو يتطرق إلى موضوعات رئيسية –الاستقرار، والحكم التشاركي، والجهد الوطني الجماعي– التي يمكن ترجمتها إلى استراتيجيات اقتصادية قابلة للتنفيذ. ومن خلال توظيف مزيج من الأساليب الفريدة والمبتكرة، بدءًا من التمويل الأخضر إلى نماذج الحوكمة الرشيقة، لدى مملكة البحرين الفرصة لتعزيز مكانتها كنموذج اقتصادي رائد على نطاق عالمي، وتحت ظل جلالة الملك المعظم وإرشادات سمو ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، ستغتنم المملكة تلك الفرصة لتحقيق الازدهار الاقتصادي في عدة مجالات.
عضو مجلس إدارة جمعية الإداريين البحرينية
ماجستير تنفيذي بالإدارة من المملكة المتحدة (EMBA)
عضو بمعهد المهندسين والتكنولوجيا البريطانية (MIET)
عضو بجمعية المهندسين البحرينية
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك