من المبادئ المهمة التي تطبقها سلطات التحقيق الأمريكية عند الاشتباه جنائياً في شخص ما وإلقاء القبض عليه، اعلامه بأهم حقوقه القضائية، وهو حقّه في الصمت وعدم الحديث إلا بحضور محامٍ يدافع عنه ويتحدث بالنيابة عنه ويعترض على أي سؤال قد يضّر بموقفه من التهمة.
وتختلف الأنظمة القضائية الجنائية باختلاف سياسات الدول، ولكن الكثير من القواعد القانونية الجنائية العرفية والقانونية العامة متشابهة، من أهمها مبدأ قرينة البراءة الذي يعدّ ركيزة أساسية (لتحذير ميراندا) أو حقوق ميراندا المشار إليها في صدر هذا المقال.
وتعتبر (قرينة البراءة) من أهم القواعد العرفية والقانونية الدولية العامة في حقوق الانسان، ومضمونها هو أن المتهم بريء حتى تثبت إدانته في محاكمة قانونية تُكفل له فيها جميع ضمانات المحاكمة العادلة، فالأصل في الإنسان هو براءة الذمة مدنياً وجنائياً إلى أن يثبت عكس ذلك بالدليل القاطع والمقنع الذي لا يدع مجالاً للشك.
وأولى مراحل التمتع بهذه القرينة التي لم يغفلها دستور مملكة البحرين إذ أكّد عليها في الفقرة (ج) من المادة (20) بنصها على أن: (المتهم بريء حتى تثبت إدانته في محاكمة قانونية تؤمّن له فيها الضمانات الضرورية لممارسة حق الدفاع في جميع مراحل التحقيق والمحاكمة وفقاً للقانون)، هي مرحلة الاشتباه في ارتكاب الجريمة والتحقيق وجمع الاستدلالات واتخاذ الإجراءات الاحترازية المرتبطة بالتحقيق، وهي مرحلة مهمة في تحديد مصير توجيه الاتهام لمرتكب الجريمة.
لذا يهمني هنا مقارنة فكرة (الحق في الصمت) في مرحلة التحقيق مع المتهم على نص المرسوم بقانون رقم (46) لسنة 2002 بإصدار قانون الإجراءات الجنائية البحريني في مادته (134) على أنه: (في غير حالتي الاستعجال بسبب الخوف من ضياع الأدلة، لا يجوز لعضو النيابة العامة في الجنايات أن يستجوب المتهم أو يواجهه بغيره من المتهمين أو الشهود إلا بعد دعوة محاميه للحضور إن وجد... ولا يجوز للمحامي الكلام إلا إذا أذن له عضو النيابة، وإذا لم يأذن له وجب إثبات ذلك في المحضر)، وهنا نجد بونا شاسعا في المعنى بين تحذير الصمت الامريكي ونص القانون البحريني، إذ ألغى النص دور المحامي في التحقيق وجعله يحضر مشاهداً فقط ومستمعاً لمجريات التحقيق، وأصبحت إمكانية تدخل المحامي وكلامه رخصة في يد سلطة التحقيق، تمنحها وتمنعها متى تشاء، بل قد يُسقط في يديه عندما يلوّح البعض منهم بحقه في اخراج المحامي من جلسة التحقيق.
وعليه فإنه من واجب سلطة التحقيق مع المشتبه به مراعاة هذه القاعدة وعدم تكوين عقيدة في مواجهة المشتبه به مع الحرص على الحياد والتجرّد وأن تتوخى ذلك في لغة الحوار والسؤال ولغة الجسد أيضاً تعزيزاً واحتراماً لحقوق المتهم في قرينة البراءة، ولذا أيضاً يكون لتواجد المحامي مع المشتبه به وكلامه نيابة عنه أهميته التي قد يترتب عليها توجيه مسار الاتهام، ولا سيما أن المشتبه به غالباً ما يكون في حالة صدمة وخوف وقلق أثناء التحقيق معه ولا سيما إن كان بريئاً ولم يسبق له أن واجه وضعاً مشابها.
لذا.. تلافياً لأن يُلقى على مسامع محامي المتهم جملة (من حقّي أن أطلب منك مغادرة التحقيق) فالمقترح أن يتم تعديل نص المادة (46) من قانون الإجراءات الجنائية بإلغاء الفقرة الأخيرة منها ضماناً لحقوق المتهمين.
Hanadi_aljowder@hotmail.com
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك