في تواصل لعملية التحول الديمقراطي، التي أطلقها جلالة الملك، منذ توليه المسؤولية في مارس 1999، ضمن مشروع إصلاحي شامل، وتعزيزًا لمسيرة التنمية في جميع مجالاتها؛ صدر الأمر الملكي رقم «44» لسنة 2023، بشأن دعوة مجلسي الشورى والنواب لدور الانعقاد السنوي العادي الثاني من الفصل التشريعي السادس، الذي انطلق باحتفالية بمركز عيسى الثقافي، يوم 8 أكتوبر، برعاية الملك، وحضور سمو ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، حيث كان في استقبالهما رئيس مجلس النواب، «أحمد بن سلمان المسلم»، ورئيس مجلس الشورى «علي بن صالح الصالح».
وقد تصدر هذه الاحتفالية الخطاب السامي لجلالة الملك، الذي حفل بعديد من المضامين والدلالات، وأكدت كلماته الأولى أن ما يقود التحول الديمقراطي، والعمل الإنمائي في المملكة، هو مصالح البحرين العليا، والانفتاح على حرية الرأي والتعبير من خلال الفكر المستنير والآراء المخلصة، وأن المشروع الإصلاحي للتحول الديمقراطي والتنمية الشاملة، هو صحوة وطنية ومشروع وطني خالص يقوم تنفيذه على الإرادة الوطنية، وأن هذه الإرادة والأساس الوطني الخالص من أي وصاية من أحد هما منطلق المشروع الإصلاحي، الذي عبر عن طموحات الشعب البحريني وتطلعاته المشتركة، بحسب ما أجمعت عليه وتوافقت حوله جموع هذا الشعب.
وفي تأكيد لهذا، أكد «جلالته»، أن ما يحافظ على المكتسبات التي تحققت للوطن والمواطن، هو وعي الشعب، وقراره المستقل، ووحدته الوطنية، ووقوفه ضد كل ما يخل باستقراره ووحدته، وإيمانه الصادق بقيم التعايش الإنساني. ونتيجة ذلك، كانت «الصحوة الوطنية»، التي مكنت من استمرار الإصلاح والتحديث، متسلحة بالعزيمة، وصلابة الإرادة، ما مكنها من مواجهة التحديات في كل الأوقات، وأثمر ذلك عن استقرار المؤسسات الدستورية، وتعزيز استقلالية السلطة القضائية.
واستمرارا، أكد جلالة «الملك»، أن هذه المسيرة التنموية الشاملة، التي يشهدها الوطن؛ هي استمرار للدور الذي لعبه بناة نهضة البحرين، الذين تولوا مسؤولياتهم الوطنية على الوجه الأكمل، وأن العرفان بما قاموا به يقتضي الاعتراف بذكراهم، والمضي قدمًا بذات القوة والعزم، وبروح وطنية؛ استهدافًا لرفعة الوطن للجميع. وفيما وجه التحية إلى القوات المسلحة، ولشهدائها الأبرار؛ أكد أن ما تحقق للوطن والمواطن من مكتسبات، كان وليد جهد، ومثابرة من «المجلس الوطني»، كسلطة تشريعية، معبرة عن إرادة الشعب، وهو الذي يعمل بتعاون كامل مع السلطة التنفيذية، التي حرصت على ترجمة التطلعات الوطنية، بنهج تشاركي، للحفاظ على ريادة البحرين التنموية، وعلى مكانتها الرفيعة، كمنبر للتقارب الفكري والحضاري بين الأديان والثقافات، ووجهة تمتاز بتراثها وطابعها العمراني العريق لمدنها وضواحيها.
وعليه، فإن الخطاب السامي، حمل رسالة توجيه للسلطتين التشريعية والتنفيذية، نحو خطة عمل تختص بالمحافظة على الهوية التاريخية والثقافية لمباني ومدن البحرين، بما في ذلك إحياء قصر عيسى الكبير، الذي سيصبح «مقرًا رئيسيًا»، تزاول منه القيادة البحرينية عملها، وكذلك إحياء مباني مدينة المحرق التقليدية، التي دعا أهلها إلى العودة إليها.
وفي المجالين الخليجي والعربي، أكد جلالة الملك، ضرورة مواصلة المساعي لتوثيق علاقات التقارب والتكامل، وتنسيق المواقف على قاعدة راسخة من الانسجام، والتشاور، والتعاون، تحت مظلة «مجلس التعاون الخليجي»، و«الجامعة العربية»؛ ما يحقق رفعة دول وشعوب المنطقة، مؤكدًا أن القضية الفلسطينية، تظل قضية البحرين والعرب الأولى، وأن المملكة ماضية في دعم وتأكيد جهود السلام الشاملة لإيجاد حل عادل لها؛ وصولاً إلى حل الدولتين، وفق مبادرة السلام العربية، وبما يضمن حق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة، وعاصمتها القدس الشريف، وأن المساعي السلمية والتهدئة هي الحل الأوحد في وجه التصعيد القائم حتى نصل إلى الحل المنشود.
وفي إدراك لأهمية هذه المضامين، وجه على الفور، سمو ولي العهد، رئيس مجلس الوزراء، الأمير «سلمان بن حمد آل خليفة»، الجهات الحكومية، بتفعيل خطة المحافظة على الهوية التاريخية والثقافية لمباني ومدن البحرين، وإطلاق خطة تطوير مدينة المحرق، فيما أكد أهمية الرؤى، التي اشتمل عليها الخطاب السامي، واستشرافه لمسارات العمل الوطني، والتطلع نحو تحقيق مزيد من الإنجازات، التي تصب في مصلحة الوطن والمواطن، من خلال مشاريع وبرامج، تتم وفق أعلى معايير الجودة في جميع مسارات العمل، بروح الفريق الواحد، وبالتعاون والتنسيق مع السلطة التشريعية، وتعزيز الشراكة مع القطاع الخاص.
وفيما مثلت مضامين الخطاب السامي، نبراس عمل المؤسسة التشريعية لدور الانعقاد الثاني من الفصل التشريعي السادس؛ فقد أكد رئيس مجلس النواب «أحمد بن سلمان المسلم»، أن دور الانعقاد الثاني يشهد مواصلة ترسيخ مسيرة الديمقراطية، وتحقيق المزيد من المكتسبات التنموية، من أجل مصلحة الوطن والمواطن، وفق ما توافقت عليه الإرادة الوطنية في ظل مسيرة الإصلاح والتحديث، والنموذج البحريني المستقل، وموقف وطني موحد نابع من قيم شعب البحرين وتراثه الأصيل.
وكما حرصت السلطة التشريعية، بالتعاون البناء مع السلطة التنفيذية في إنجاز العديد من التشريعات والأولويات الوطنية، مع متابعة تنفيذ برنامج الحكومة الذي حظى بالإجماع النيابي؛ فقد أكد رئيس المجلس النيابي، المضي قدمًا من خلال العمل المشترك؛ لتحقيق كل التوافقات، التي تمت خلال إقرار قانون الميزانية العامة للدولة، كما ظهر إسهام السلطة التشريعية في التشريعات الداعمة لخطط الحكومة وبرامجها التنموية، وخلق البيئة التشريعية المحفزة لزيادة الاستثمارات، وتحقيق أهداف خطط التعافي الاقتصادي، وبرامج التوازن المالي، من أجل دعم الاقتصاد الوطني وتنويع مصادره، وخلق فرص العمل النوعية، التي تعمل على تحسين المستوى المعيشي للأسرة البحرينية، ويحصد ثمارها المجتمع بأكمله.
علاوة على ذلك، أكد «المسلم»، استمرار الارتقاء بمنظومة حقوق الإنسان، ودعم الآليات الوطنية، في ظل ما شهدته «المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان»، من تطور، وفي هذا أشاد بالأوامر الملكية ذات الصلة، وما حققه تنفيذ قانون العقوبات البديلة، وبرنامج السجون المفتوحة، والعديد من البرامج والمبادرات الداعمة لحقوق الإنسان. والتزامًا بالنهج السلمي، ودعم إرساء الأمن والاستقرار، وتعزيز دور الدبلوماسية الإغاثية لمد يد العون والمساعدة لدول وشعوب العالم؛ فقد أكدت السلطة التشريعية، دعمها لتطوير جاهزية الجهات المعنية لأداء الرسالة الحضارية لمملكة البحرين في الوقوف إلى جانب الأشقاء والأصدقاء، ونشر وتعزيز قيم ومبادئ التسامح، والتعايش السلمي، وتحقيق النماء والرخاء.
وانعكاسًا لهذا النهج، استطاعت الدبلوماسية البرلمانية البحرينية، إبراز دور ومكانة البحرين في تعزيز العمل الخليجي والعربي المشترك، فضلاً عن التضامن الإسلامي والتعاون الإقليمي والدولي، كما شهدت بذلك اجتماعات «الاتحاد البرلماني الدولي»، في البحرين مارس 2023، برعاية جلالة الملك، حتى تبنى «الاتحاد»، دعوة «جلالته»، في مكافحة خطاب الكراهية والتعصب، وتأكيد أن السلام هو الخيار الاستراتيجي نحو عالم أكثر «أمانًا، واستقرارًا، وازدهارًا»، وتحقيقًا لأهداف التنمية المستدامة. فيما أكد «المسلم»، موقف «المملكة»، الثابت من دعم قضية العرب الأولى، وتعزيز جهود السلام الشامل والعادل، وتثبيت حقوق الشعب الفلسطيني، وإقامة الدولة الفلسطينية، وفق قرارات الشرعية الدولية، ومبادرة السلام العربية.
وأعقب احتفالية إطلاق دور الانعقاد الثاني، اجتماع «هيئة مكتب مجلس النواب»، التي أكدت مواصلة العمل الوطني، والتنسيق والتشاور مع مجلس الشورى والسلطة التنفيذية، ودعم كل الجهود الوطنية الرامية لتحقيق الإنجازات والحفاظ على المكتسبات وتجاوز التحديات. فيما أشادت بمضامين الخطاب السامي، وما جاء به من رؤى حكيمة، وتوجهات، يعمل المجلس على تحقيقها خلال هذه الدورة.
وخلال الاجتماع، اعتمدت «هيئة المكتب»، قوائم اللجان النيابية، واللجنة التنفيذية للشعبة البرلمانية، ولجنة الرد على الخطاب الملكي السامي؛ تمهيدًا لعرضها على المجلس في جلسته القادمة، فيما ترأس الاجتماع رئيس المجلس «أحمد بن سلمان المسلم»، بحضور النائب «عبد النبي سلمان»، النائب الأول لرئيس مجلس النواب، والنائب «أحمد عبد الواحد قراطة»، والمستشار «راشد محمد»، الأمين العام للمجلس و«د. صالح إبراهيم الغتيت»، رئيس هيئة المستشارين القانونيين لمجلس النواب.
وفي سياق متصل، أكدت «هيئة المكتب»، موقف «البحرين»، الثابت، والتاريخي في دعم حقوق الشعب الفلسطيني ومناصرته، إزاء ما يتعرض له من انتهاكات من السلطات الإسرائيلية، والتصعيد الحاصل في قطاع غزة، وأهمية وقف التصعيد وحماية الشعب الفلسطيني.
وفي أول جلسة إجرائية عقب الافتتاح، حدد «مجلس الشورى»، بالتزكية عضو مجلس الشورى «جمال فخرو»، ليكون النائب الأول لرئيس المجلس، والدكتورة «جهاد الفاضل»، نائبًا ثانيًا. فيما أعلن رئيس المجلس «علي الصالح»، أن مكتب المجلس، سيحدد لجنة الرد على الخطاب الملكي السامي، والتنسيق بين طلبات الأعضاء، لتحديد قوائم الترشيح لعضوية اللجان الدائمة في المجلس، وأعضاء اللجنة التنفيذية للشعبة البرلمانية.
وفيما أشاد رئيس مجلس الشورى، بمضامين الخطاب السامي لجلالة الملك، وما حمله من معان ورؤى، نحو مستقبل مشرق -قوامه العمل الديمقراطي الراسخ، واحترام حقوق الإنسان، والتمسك بالثوابت الوطنية، والمبادئ والقيم الحضارية، التي نهضت عليها البحرين، وتأكيد دولة القانون والمؤسسات، والاعتزاز بالقضاء المستقل- فقد أكد المضي على نهج «جلالته»، في الحفاظ على المكتسبات والإنجازات، والتعاون مع مجلس النواب؛ لتطوير وتحديث منظومة القوانين والتشريعات، فيما جاء الخطاب السامي كخريطة طريق لمجلس الشورى، يسترشد بها عمله التشريعي خلال دور الانعقاد الثاني للفصل التشريعي السادس.
على العموم، يمثل هذا الانعقاد «حلقة»، في سلسلة بناء التحول الديمقراطي، وتعزيز مسيرة التنمية في جميع مجالاتها.. يعمل فيها البرلمان البحريني على تنفيذ مضامين الخطاب السامي لجلالة الملك، سواء فيما يتعلق باستحداث تشريعات جديدة منتظرة – وضعت الحكومة قائمتها – أو تطوير تشريعات قائمة، بما يمكن الحكومة من تنفيذ برنامجها الطموح، الذي يتحقق فيه وصول «المملكة»، إلى التوازن المالي، وإنجاز أهداف خطة التعافي الاقتصادي، بما يعمق تنويع الاقتصاد البحريني، وتحقيق مرونته ومساراته على طريق أهداف التنمية المستدامة.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك