يُقال بأن العلم في الصغر كالنقش على الحجر، وإن من الآيات المهمة التي حفظناها في المرحلة الابتدائية كانت (ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون) سورة البقرة الآية (169)، وهي آية تتسع لتشمل كل من يقضي نحبه أثناء تأديته لواجب يُبتغى منه وجه الله تعالى ومرضاته، لذا يُعتبر الدفاع عن الوطن، الشرف، والدين من الأعمال التي تُعدّ في سبيل الله، والآية يتكرر ذكرها كثيراً في هذا العصر الذي لا يخفى تحت أعين وسرعة نقل وسائل التواصل المختلفة خافية بحيث أصبحت الإمبراطورية التي لا تغيب عنها المعلومة.
ومن الأنباء التي أوجعتنا جميعاً وأدخلت البلاد في حداد أهلي هو الخبر الذي فُجعت به مملكة البحرين في أواخر الشهر الماضي حين تواردت أنباء جعلت القلوب تبلغ الحناجر، حول استشهاد وجرح عدد من منتسبي قوة الواجب التابعة لقوة دفاع البحرين في فترة تأديتهم للواجب الوطني المقدس للدفاع عن الحدود الجنوبية للشقيقة الكبرى المملكة العربية السعودية ضمن قوات التحالف العربي المشاركة في عمليات عاصفة الحزم وإعادة الأمل، في عمل عدائي من قبل الحوثيين (قاتلهم الله) ضد القوات البحرينية المرابطة بالحد الجنوبي على أرض المملكة الشقيقة مخالفين بذلك الأعراف الدولية المتعلقة بإعلان الهدنة أثناء المعارك، والتي توقفت بناء عليها جميع العمليات العسكرية بين أطراف الحرب في اليمن.
ومنذ اليوم الأول وقلمي يراودني عن الكتابة في هذا الحدث المُحزن وتغصّ حنجرته بأفكار كثيرة يختلط فيها الحزن بالفخر بالألم، لا لذكر مناقب الضحايا بشكل مباشر فإنني لا أعرف أحدا منهم شخصياً، ولكن لمخاطبة والديّ وأحبة وأصدقاء وزملاء كل شهيد منهم وأسأل الله أن يُنزل عليه رحمته وعفوه ومغفرته، وكلّ جريح منهم وأسأل الله أن يشفيه ويعافيه ويُقرّ أعين أحبته بعودته لممارسة حياته الطبيعية، وبلا شك لذكر موقفهم النبيل المُشرّف الذي لا يخفى على من يعرفهم ومن لا يعرفهم.
ما أردت أن أقوله لمن فقد أحبته من هؤلاء الأبطال ولمن ما زال قلبه معلقاً بانتظار سلامة البقية منهم، بأن ما أصابكم لم يكن مصابكم وحدكم بل هو مصاب أهل البحرين جميعاً، فقلب كلّ أمٍّ وكلّ أبّ حزن لحزنكم، وبأن كل عين بكت لفقد من رحل وتترقب عودة من نجى، فالحزن غمر كل مُحب لهذا الوطن ولأبنائه المخلصين الذين كانوا فعلاً قطعة من جسد هذا الوطن، والذين قدّموا حياتهم لأجل شرف الوطن وأمن المنطقة بأكملها، لا بالشعارات ولا بالهتافات ولا بالقصائد بل بفعلٍ وصمودٍ حقيقي وتضحية حقيقية خلّفت فقداً في قلب البحرين وأهلها يشبه جرحاً لا شفاء له.
وأقول لهم أيضاً بأن هذا الفقد هو امتحانكم للوصول إلى بُشرى من الله (وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون) سورة البقرة (156)، فصبراً جميلاً، آجركم الله في مصيبتكم وأخلفكم خيراً منها.
ولذوي الشهداء أقول بأنه لفخر لكم أن تكونوا آباء وأمهات وأبناء الشهداء الذين قضوا نحبهم مرابطين في سبيل الواجب الوطني والدفاع عن الأمن الوطني للمملكة ولدول الجوار وللوطن العربي الكبير الذي من الواجب علينا مساندتهم والوقوف معهم، بل وفي مقدمة ذلك الدفاع عن أمن إقليم دول مجلس التعاون لدول الخليج العربي باعتبارها منظومة نرتبط ارتباطاً مصيرياً عبر الأزمنة في الماضي والحاضر والمستقبل، وتجمعها وحدة الهدف والمصير والمصالح المشتركة على الصعيدين الرسمي والشعبي، لذا فإن ما قدّمه شهداء الوطن كان في سبيل أقدس واجب على المواطنين الصالحين الشرفاء، وكان ذلك جميعه نتيجة لما غرستموه في ضمائرهم ووعيهم من حب وتفان وإخلاص لهذا الوطن الغالي، فأحسنتم وبوركتم، وأسأل الله أن يربط على قلوبكم.
والعزاء، أصدق العزاء لوالديّ جميع الشهداء ولأبنائهم ولقيادة ومنسوبي قوة دفاع البحرين المخلصين والعزاء يتصل إلى جميع أحبة وأصدقاء وزملاء شهدائنا الخالدين في قلب وذاكرة البحرين.
Hanadi_aljowder@hotmail.com
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك