العدد : ١٧٠٤٨ - الاثنين ٢٥ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٣ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٨ - الاثنين ٢٥ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٣ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

مقالات

شهداء الواجب في قلب البحرين

بقلم: المحامية د. هنادي عيسى الجودر

الأحد ٠٨ أكتوبر ٢٠٢٣ - 02:00

يُقال‭ ‬بأن‭ ‬العلم‭ ‬في‭ ‬الصغر‭ ‬كالنقش‭ ‬على‭ ‬الحجر،‭ ‬وإن‭ ‬من‭ ‬الآيات‭ ‬المهمة‭ ‬التي‭ ‬حفظناها‭ ‬في‭ ‬المرحلة‭ ‬الابتدائية‭ ‬كانت‭ (‬ولا‭ ‬تحسبن‭ ‬الذين‭ ‬قتلوا‭ ‬في‭ ‬سبيل‭ ‬الله‭ ‬أمواتا‭ ‬بل‭ ‬أحياء‭ ‬عند‭ ‬ربهم‭ ‬يرزقون‭) ‬سورة‭ ‬البقرة‭ ‬الآية‭ (‬169‭)‬،‭ ‬وهي‭ ‬آية‭ ‬تتسع‭ ‬لتشمل‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬يقضي‭ ‬نحبه‭ ‬أثناء‭ ‬تأديته‭ ‬لواجب‭ ‬يُبتغى‭ ‬منه‭ ‬وجه‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬ومرضاته،‭ ‬لذا‭ ‬يُعتبر‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬الوطن،‭ ‬الشرف،‭ ‬والدين‭ ‬من‭ ‬الأعمال‭ ‬التي‭ ‬تُعدّ‭ ‬في‭ ‬سبيل‭ ‬الله،‭ ‬والآية‭ ‬يتكرر‭ ‬ذكرها‭ ‬كثيراً‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬العصر‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يخفى‭ ‬تحت‭ ‬أعين‭ ‬وسرعة‭ ‬نقل‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬المختلفة‭ ‬خافية‭ ‬بحيث‭ ‬أصبحت‭ ‬الإمبراطورية‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تغيب‭ ‬عنها‭ ‬المعلومة‭. ‬

ومن‭ ‬الأنباء‭ ‬التي‭ ‬أوجعتنا‭ ‬جميعاً‭ ‬وأدخلت‭ ‬البلاد‭ ‬في‭ ‬حداد‭ ‬أهلي‭ ‬هو‭ ‬الخبر‭ ‬الذي‭ ‬فُجعت‭ ‬به‭ ‬مملكة‭ ‬البحرين‭ ‬في‭ ‬أواخر‭ ‬الشهر‭ ‬الماضي‭ ‬حين‭ ‬تواردت‭ ‬أنباء‭ ‬جعلت‭ ‬القلوب‭ ‬تبلغ‭ ‬الحناجر،‭ ‬حول‭ ‬استشهاد‭ ‬وجرح‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬منتسبي‭ ‬قوة‭ ‬الواجب‭ ‬التابعة‭ ‬لقوة‭ ‬دفاع‭ ‬البحرين‭ ‬في‭ ‬فترة‭ ‬تأديتهم‭ ‬للواجب‭ ‬الوطني‭ ‬المقدس‭ ‬للدفاع‭ ‬عن‭ ‬الحدود‭ ‬الجنوبية‭ ‬للشقيقة‭ ‬الكبرى‭ ‬المملكة‭ ‬العربية‭ ‬السعودية‭ ‬ضمن‭ ‬قوات‭ ‬التحالف‭ ‬العربي‭ ‬المشاركة‭ ‬في‭ ‬عمليات‭ ‬عاصفة‭ ‬الحزم‭ ‬وإعادة‭ ‬الأمل،‭ ‬في‭ ‬عمل‭ ‬عدائي‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬الحوثيين‭ (‬قاتلهم‭ ‬الله‭) ‬ضد‭  ‬القوات‭ ‬البحرينية‭ ‬المرابطة‭ ‬بالحد‭ ‬الجنوبي‭ ‬على‭ ‬أرض‭ ‬المملكة‭  ‬الشقيقة‭ ‬مخالفين‭ ‬بذلك‭ ‬الأعراف‭ ‬الدولية‭ ‬المتعلقة‭ ‬بإعلان‭ ‬الهدنة‭ ‬أثناء‭ ‬المعارك،‭ ‬والتي‭ ‬توقفت‭ ‬بناء‭ ‬عليها‭ ‬جميع‭ ‬العمليات‭ ‬العسكرية‭ ‬بين‭ ‬أطراف‭ ‬الحرب‭ ‬في‭ ‬اليمن‭.‬

ومنذ‭ ‬اليوم‭ ‬الأول‭ ‬وقلمي‭ ‬يراودني‭ ‬عن‭ ‬الكتابة‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الحدث‭ ‬المُحزن‭ ‬وتغصّ‭ ‬حنجرته‭ ‬بأفكار‭ ‬كثيرة‭ ‬يختلط‭ ‬فيها‭ ‬الحزن‭ ‬بالفخر‭ ‬بالألم،‭ ‬لا‭ ‬لذكر‭ ‬مناقب‭ ‬الضحايا‭ ‬بشكل‭ ‬مباشر‭ ‬فإنني‭ ‬لا‭ ‬أعرف‭ ‬أحدا‭ ‬منهم‭ ‬شخصياً،‭ ‬ولكن‭ ‬لمخاطبة‭ ‬والديّ‭ ‬وأحبة‭ ‬وأصدقاء‭ ‬وزملاء‭ ‬كل‭ ‬شهيد‭ ‬منهم‭ ‬وأسأل‭ ‬الله‭ ‬أن‭ ‬يُنزل‭ ‬عليه‭ ‬رحمته‭ ‬وعفوه‭ ‬ومغفرته،‭ ‬وكلّ‭ ‬جريح‭ ‬منهم‭ ‬وأسأل‭ ‬الله‭ ‬أن‭ ‬يشفيه‭ ‬ويعافيه‭ ‬ويُقرّ‭ ‬أعين‭ ‬أحبته‭ ‬بعودته‭ ‬لممارسة‭ ‬حياته‭ ‬الطبيعية،‭ ‬وبلا‭ ‬شك‭ ‬لذكر‭ ‬موقفهم‭ ‬النبيل‭ ‬المُشرّف‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يخفى‭ ‬على‭ ‬من‭ ‬يعرفهم‭ ‬ومن‭ ‬لا‭ ‬يعرفهم‭.‬

ما‭ ‬أردت‭ ‬أن‭ ‬أقوله‭ ‬لمن‭ ‬فقد‭ ‬أحبته‭ ‬من‭ ‬هؤلاء‭ ‬الأبطال‭ ‬ولمن‭ ‬ما‭ ‬زال‭ ‬قلبه‭ ‬معلقاً‭ ‬بانتظار‭ ‬سلامة‭ ‬البقية‭ ‬منهم،‭ ‬بأن‭ ‬ما‭ ‬أصابكم‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬مصابكم‭ ‬وحدكم‭ ‬بل‭ ‬هو‭ ‬مصاب‭ ‬أهل‭ ‬البحرين‭ ‬جميعاً،‭ ‬فقلب‭ ‬كلّ‭ ‬أمٍّ‭ ‬وكلّ‭ ‬أبّ‭ ‬حزن‭ ‬لحزنكم،‭ ‬وبأن‭ ‬كل‭ ‬عين‭ ‬بكت‭ ‬لفقد‭ ‬من‭ ‬رحل‭ ‬وتترقب‭ ‬عودة‭ ‬من‭ ‬نجى،‭ ‬فالحزن‭ ‬غمر‭ ‬كل‭ ‬مُحب‭ ‬لهذا‭ ‬الوطن‭ ‬ولأبنائه‭ ‬المخلصين‭ ‬الذين‭ ‬كانوا‭ ‬فعلاً‭  ‬قطعة‭ ‬من‭ ‬جسد‭ ‬هذا‭ ‬الوطن،‭ ‬والذين‭  ‬قدّموا‭ ‬حياتهم‭ ‬لأجل‭ ‬شرف‭ ‬الوطن‭ ‬وأمن‭ ‬المنطقة‭ ‬بأكملها،‭ ‬لا‭ ‬بالشعارات‭ ‬ولا‭ ‬بالهتافات‭ ‬ولا‭ ‬بالقصائد‭ ‬بل‭ ‬بفعلٍ‭ ‬وصمودٍ‭ ‬حقيقي‭ ‬وتضحية‭ ‬حقيقية‭ ‬خلّفت‭ ‬فقداً‭  ‬في‭ ‬قلب‭ ‬البحرين‭ ‬وأهلها‭  ‬يشبه‭ ‬جرحاً‭ ‬لا‭ ‬شفاء‭ ‬له‭.‬

وأقول‭ ‬لهم‭ ‬أيضاً‭ ‬بأن‭ ‬هذا‭ ‬الفقد‭ ‬هو‭ ‬امتحانكم‭ ‬للوصول‭ ‬إلى‭ ‬بُشرى‭ ‬من‭ ‬الله‭ (‬وبشر‭ ‬الصابرين‭ ‬الذين‭ ‬إذا‭ ‬أصابتهم‭ ‬مصيبة‭ ‬قالوا‭ ‬إنا‭ ‬لله‭ ‬وإنا‭ ‬إليه‭ ‬راجعون‭ ‬أولئك‭ ‬عليهم‭ ‬صلوات‭ ‬من‭ ‬ربهم‭ ‬ورحمة‭ ‬وأولئك‭ ‬هم‭ ‬المهتدون‭) ‬سورة‭ ‬البقرة‭ (‬156‭)‬،‭ ‬فصبراً‭ ‬جميلاً،‭ ‬آجركم‭ ‬الله‭ ‬في‭ ‬مصيبتكم‭ ‬وأخلفكم‭ ‬خيراً‭ ‬منها‭. ‬

ولذوي‭ ‬الشهداء‭ ‬أقول‭ ‬بأنه‭ ‬لفخر‭ ‬لكم‭ ‬أن‭ ‬تكونوا‭ ‬آباء‭ ‬وأمهات‭ ‬وأبناء‭ ‬الشهداء‭ ‬الذين‭ ‬قضوا‭ ‬نحبهم‭ ‬مرابطين‭ ‬في‭ ‬سبيل‭ ‬الواجب‭ ‬الوطني‭ ‬والدفاع‭ ‬عن‭ ‬الأمن‭ ‬الوطني‭ ‬للمملكة‭ ‬ولدول‭ ‬الجوار‭ ‬وللوطن‭ ‬العربي‭ ‬الكبير‭ ‬الذي‭ ‬من‭ ‬الواجب‭ ‬علينا‭ ‬مساندتهم‭ ‬والوقوف‭ ‬معهم،‭ ‬بل‭ ‬وفي‭ ‬مقدمة‭ ‬ذلك‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭  ‬أمن‭ ‬إقليم‭ ‬دول‭ ‬مجلس‭ ‬التعاون‭ ‬لدول‭ ‬الخليج‭ ‬العربي‭ ‬باعتبارها‭ ‬منظومة‭ ‬نرتبط‭ ‬ارتباطاً‭ ‬مصيرياً‭ ‬عبر‭ ‬الأزمنة‭ ‬في‭ ‬الماضي‭ ‬والحاضر‭ ‬والمستقبل،‭ ‬وتجمعها‭ ‬وحدة‭ ‬الهدف‭ ‬والمصير‭ ‬والمصالح‭ ‬المشتركة‭ ‬على‭ ‬الصعيدين‭ ‬الرسمي‭ ‬والشعبي،‭ ‬لذا‭ ‬فإن‭ ‬ما‭ ‬قدّمه‭ ‬شهداء‭ ‬الوطن‭ ‬كان‭ ‬في‭ ‬سبيل‭ ‬أقدس‭  ‬واجب‭ ‬على‭ ‬المواطنين‭ ‬الصالحين‭ ‬الشرفاء،‭ ‬وكان‭ ‬ذلك‭ ‬جميعه‭ ‬نتيجة‭ ‬لما‭ ‬غرستموه‭ ‬في‭ ‬ضمائرهم‭ ‬ووعيهم‭ ‬من‭ ‬حب‭ ‬وتفان‭ ‬وإخلاص‭ ‬لهذا‭ ‬الوطن‭ ‬الغالي،‭ ‬فأحسنتم‭ ‬وبوركتم،‭ ‬وأسأل‭ ‬الله‭ ‬أن‭ ‬يربط‭ ‬على‭ ‬قلوبكم‭.‬

والعزاء،‭ ‬أصدق‭ ‬العزاء‭ ‬لوالديّ‭ ‬جميع‭ ‬الشهداء‭ ‬ولأبنائهم‭ ‬ولقيادة‭ ‬ومنسوبي‭ ‬قوة‭ ‬دفاع‭ ‬البحرين‭ ‬المخلصين‭ ‬والعزاء‭ ‬يتصل‭ ‬إلى‭ ‬جميع‭ ‬أحبة‭ ‬وأصدقاء‭ ‬وزملاء‭ ‬شهدائنا‭ ‬الخالدين‭ ‬في‭ ‬قلب‭ ‬وذاكرة‭ ‬البحرين‭.‬

 

Hanadi‭_‬aljowder@hotmail‭.‬com

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا