رحل عن عالمنا الدكتور سعد الدين إبراهيم، أستاذ علم الاجتماع السياسي المرموق، واحد من كبار المثقفين العرب، الذين تميزوا برشاقة الأسلوب والقدرة على إنتاج الكتب والأبحاث الأكاديمية وأيضًا الأفكار وإثارة الجدل والخلاف.
الدكتور سعد كان واحدًا من «الفرسان الثلاثة»، الذين كانوا في بداية علاقتنا بالعمل البحثي رموز المرحلة الكبار، وهم الراحلان سعد الدين إبراهيم والسيد ياسين ومعهما البروفيسور علي الدين هلال، أمَدَّ الله في عمره، رغم الخلاف الشديد فكريا وسياسيا الذي حدث بين الدكتور سعد الدين إبراهيم والأستاذ السيد ياسين.
آراء الدكتور سعد في السياسة وشكل إدارة علاقاته بالولايات المتحدة كانت محل خلاف، وربما ما يفسرها أنه حمل الجنسيتين المصرية والأمريكية، ووجدت نفسي أختلف معه في بعض الآراء والمواقف، دون أن يمنع ذلك من أن أحمل التقدير له، وأعتبره واحدًا من الأساتذة الكبار، الذين تعلمت واستفدت من إنتاجهم العلمي، وكانت علاقتي به طيبة، وكثيرًا ما سمعت منه مباشرة أو عبر زملاء مشتركين إطراء على تجربتي في الانتخابات البرلمانية.
رحلة الدكتور سعد الدين ابراهيم العلمية والسياسية والمهنية ثرية، فقد عمل رئيسًا لوحدة الشؤون العربية في مركز الأهرام في الفترة من 1977 حتى 1985، وأستاذًا مرموقًا في الجامعة الأمريكية، بما يعني أني لم أعمل معه في الأهرام، كما لم أتعاون مع مركز ابن خلدون الذي ترأسه، ولم أكن من طلابه لأنه كان أستاذًا في الجامعة الأمريكية، كل ذلك حرر تقييمي له من تفاصيل كثيرة تترتب على علاقة العمل (رئيس ومرؤوس)، وقد تؤثر تفاصيلها في رؤية الصورة الكلية للشخص.
اكتفيت بمتابعة حضوره كأستاذ كبير في المجال العام، والقراءة العميقة الممتعة لعديد من كتبه، التي بلغت حوالي 40 كتابًا والمئات من مقالاته، التي اقتربت من 3 آلاف مقالة.
من أهم كتبه «سوسيولوجية الصراع العربي الإسرائيلي»، كما كتب في سبعينيات القرن الماضي واحدًا من أهم الكتب عن وزير الخارجية الأمريكي الأسبق هنري كيسنجر تحت عنوان «كيسنجر وصراعات الشرق الأوسط»، وماأزال أذكر أن كتاب النظام الاجتماعي العربي الجديد الذي أصدره عام 81 وطُبع 7 مرات وضعناه كأحد الكتب الرئيسية في برامج التثقيف في منتصف الثمانينيات في أحد أندية جامعة القاهرة السياسية لأنه يفسر التحولات الاجتماعية التي حدثت في العالم العربي بسبب الثروة النفطية، والتي عطلت من فرص التغيير أو الثورة كما كان يرى البعض وقتها.
أيضًا كتابا «أزمة الديمقراطية في الوطن العربي»، و«المثقف والأمير»، اللذان ناقش فيهما محاولات تجسير الفجوة بين الحكام والمثقفين مثلًا من العلامات المهمة في الفكر العربي.
الدكتور سعد كان صاحب موقف ورؤية ورأي، ودفع ثمنه بالحبس لأشهر في 2002، وتعرض لعديد من المضايقات، حتى ثورة يناير، وصَكَّ تعبيره الشهير «الجملوكية»، واصفًا فيه نظام مبارك الجمهوري، الذي اعتبره يرغب في توريث السلطة.
رحم الله الدكتور سعد الدين إبراهيم، المثقف، والعالِم الكبير.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك