يبدو أن نيكول باشينيان رئيس وزراء جمهورية أرمينيا يكرر نفس أخطاء الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي في استفزاز روسيا الاتحادية والتطاول عليها ولذلك كان من الطبيعي أن يحدث لأرمينيا ما حدث لأوكرانيا بمعنى من المعاني وفي وجه من الوجوه والمطابقة لها عناصر نجملها في هذا المقال:
أولا: إن جمهورية أرمينيا كما جمهورية أذربيجان كانت جزءا لا يتجزأ من اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفيتية السابق واستطاعت دولة الاتحاد أن تحافظ على التوازن بين جمهوريات الاتحاد والسكوت على بعض الخلافات الاثنية أو الجغرافية لأن تلك الجمهوريات جزء من كيان أكبر وهو الاتحاد، ولذلك لم نكن قبل عام 1991 نسمع عن قضية ناغورنا كاراباخ التي تعد جغرافيا جزءا لا يتجزأ من أرض جمهورية أذربيجان لكن تسكنها أغلبية أرمينية.
ثانيا: بمجرد تفكك الاتحاد السوفيتي واستقلال دوله في 26 ديسمبر 1991 عادت تلك الجمهوريات إلى وضعها السابق ومن ثم إلى مشاكلها السابقة فيها الاتحاد نفسه ومن ذلك عادت النعرات الحدودية وكأنما الاتحاد لم يكن موجودا ومن ذلك موضوع الخلاف بين أرمينيا وأذربيجان حول إقليم ناغورنا كاراباخ الذي أطلق عليه إعلاميا بمعركة 100 عام عندما انطلق الخلاف الحدودي بين الدولتين عام 1920 كما يطلق عليها أيضا بحرب المرتفعات وظهرت تلك الخلافات مجددا منذ عام 1991 إلا أن روسيا الاتحادية استطاعت خلال تلك السنوات الماضية (30) سنة من السيطرة على هذا الوضع ومنع تفاقمه وخصوصا من خلال ما بذلته روسيا من جهود لحماية أرمينيا ومنع اندلاع الصراع العسكري بين الدولتين الجارتين خاصة في ظل الدعم المباشر والمتواصل لأذربيجان من جانب تركيا لأسباب تاريخية وقومية وغيرها إلى أن اندلعت حرب 2020 بين البلدين وكانت حربا دامية لم تتوقف إلا بواسطة روسية ناجحة انتهت بموافقة باشينيان على تبعية هذا الإقليم الكبير إلى أذربيجان وفي مقابل ذلك موافقة أذربيجان على بقاء المواطنين الأرمن في هذه المنطقة وتوطينهم وعدم المساس بهم وركزت روسيا الاتحادية وحدات عسكرية للحماية ومنع اندلاع أي اشتباك في هذه المنطقة لأن أي حرب أخرى من شأنها أن تشعل المنطقة خاصة أن عدد الضحايا بين الطرفين خلال الحروب من عام1991 إلى عام 2020 قد بلغ آلاف مؤلفة من الجيشين ومواطني البلدين على حد سواء حيث اندلعت الحرب في عام 2020 انتهت بهزيمة أرمينيا وخرجت الجماهير الأرمينية إلى الشوارع في مظاهرات مطالبة باستقالة باشينيان لمسؤوليته عن هزيمة أرمينيا في تلك الحرب.
ثالثا: بالرغم من الجهود الكبيرة التي بذلتها روسيا الاتحادية لحماية أرمينيا من اندلاع أي حرب بين الطرفين والوساطة المتكررة فإن الأرمن في ناغورنا كاراباخ أعلنوا حكومة في هذا الإقليم وشكلوا جيشا في تحد لأذربيجان ومثلما تؤكد الوقائع الأخيرة فإن إطلاق شرارة الحرب في هذا الإقليم كان بسبب الأرمن تحديدا الذين اعتدوا على الجيش الأذربيجاني بما يمتلكه من أسلحة زودتهم بها القوات الأرمينية التي كان جزء منها موجودا في ناغورنا كاراباخ بل الأخطر من ذلك أن الأرمن اعتدوا على قوات السلام الروسية الموجودة في هذه المنطقة والتي كانت تحميهم وقتلوا عددا من الجنود الروس.
رابعا: بالرغم من المواقف السلبية الصادرة عن حكومة أرمينيا وخاصة رئيس الوزراء نيكول باشينيان فإن روسيا تعاملت بطول نفس ولم تستجب للاستفزازات الأرمينية والتي من أبرزها إعلان باشينيان انضمام أرمينيا إلى بروتوكول محكمة الجنايات الدولية بدءا من 2023 حتى تتمكن أرمينيا من اعتقال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في حال زيارته لها بضغط من الولايات المتحدة الأمريكية، كما نفذت القوات المسلحة الأرمينية مع القوات الأمريكية على مقربة من الحدود الروسية مناورات عسكرية إمعانا في الاستفزاز واعتقادا من حكوم باشينيان بأن هذه القوات يمكن أن تحميها في حال اندلاع أي حرب مع جيرانها حدث ذلك رغم انضمام أرمينيا رسميا إلى الحلف العسكري الذي تقوده روسيا ويضم 6 دول بما يزيد من فداحة هذا السلوك المتناقض وهذا الاستفزاز غير المسبوق.
في ظل هذا الوضع واستنادا إلى النقاط المشار إليها أعلاه كان من الطبيعي أن تخسر أرمينيا معركتها الأخيرة مع أذربيجان وأن تتكبد داخل ناغورنا كاراباخ هزيمة عسكرية مذلة وغير مسبوقة حيث انتهت هذه الحرب بهزيمة منكرة انتهت بتسليم وتسلم الأسلحة وخروج المسلحين من الإقليم في اتجاه أرمينيا بحماية روسية وانتقال أعداد كبيرة من الأرمن من مكانهم في هذا الإقليم إلى أرمينيا بالرغم من أن أذربيجان قد أعلنت رسميا أن من يريد الاندماج والبقاء في الإقليم كجزء من الدولة الأذربيجانية فسوف يحظى بالرعاية ويعتبر مواطنا أذربيجانيا.
إن الأخطاء القاتلة التي ارتكبها رئيس الوزراء الأرميني وحكومته تؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن من يختار طريق الاستفزاز لقوة عظمى ومؤثرة مثل روسيا يخسر في النهاية مهما يحصل على دعم خارجي.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك