حينما نتحدث عن مستقبل التكنولوجيا المالية التي تعرف بأنها جميع الابتكارات المالية التي من الممكن تقنيا أن تؤدي إلى نماذج أعمال جديدة أو تطبيقات أو عمليات أو منتجات بمواد مرتبطة بالتكنولوجيا وذات تأثير في الأسواق والمؤسسات المالية وتقديم الخدمات المالية، لابد وأن نتحدث عن مستقبل ريادة الأعمال والمشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر، التي يمثل النهوض بها وعد شركات التكنولوجيا المالية الأبرز، وذلك من خلال تقديم عروض مميزة لعملاء القطاع المالي والمصرفي وبالتالي فإنها تعد بتحسين الخدمات المالية للأفراد والشركات، بالتعاون أو المنافسة مع مقدمي الخدمات المالية القائمين، خاصة أنها تسعى إلى خفض التكاليف، وتحسين جودة الخدمات المالية، وتعزيز تجربة العميل، وتحقيق الشمول المالي، وتحقيق الريادة والابتكار، وصولا إلى تحقيق الميزة التنافسية وتحسين الأداء والفاعلية، وغيرها من أهداف، فضلا عن تقييم المخاطر بطرق أكثر تطورا مما هي عليه في البنوك التقليدية، وخلق مشهد ائتماني أكثر تنوعًا واستقرارًا. كما يتم تنفيذ طلبات الاقتراض اعتمادا على تحليل نتائج ومؤشرات دراسات الجدوى الاقتصادية والمالية والبيئية للمشروع، ويتم النظر إلى القدرة الائتمانية للمشروعات ليس اعتمادا على درجة الائتمان والسجل التاريخي لطالب الائتمان فقط ، وإنما اعتمادا على العديد من العوامل الأخرى المرتبطة باحتمالية نجاح المشروع وأهميته المستقبلية وبالاعتماد على تقنيات البيانات الضخمة والبيانات البديلة المعقدة، والخوارزميات، والذكاء الاصطناعي، لاتخاذ قرارات ائتمانية سريعة تعزز من الاستثمار وتسهم في نجاح المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر والمتوسطة على وجه الخصوص، فإلى أي مدى تحقق هذا الوعد؟ خاصة أن شركات التكنولوجيا المالية تعلن أن أغلب المشكلات التي يواجهها رواد الأعمال والمستثمرون الجدد في المشروعات الصغيرة والمتناهية الصغر والمتوسطة سواء في مجال التمويل أو التسويق أو الإدارة أو التخطيط أو التدريب تجد لها حلولا نوعية لديها.، فهل عوض تمويل شركات التكنولوجيا المالية عن صدود القطاع المصرفي عن المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر؟ وهل فعلا تكاليف تمويلها أقل بكثير من تكاليف تمويل القطاع المصرفي والمؤسسات المالية الأخرى؟ سيما وأننا نعلم أن شركات التكنولوجيا المالية لديها الكثير من الوسائل والأساليب لتوفير التمويل ، وإنها تعتمد طرقا غير معتمدة من قبل المصارف في تقييم الجدارة الائتمانية للمستثمر. فقد طورت طرقًا جديدة لتقييم المخاطر، عبر جمع معلومات واسعة عن الشركات الصغيرة لاعتمادها في تقييم مستوى أدائها وبالتالي منحها الائتمان الذي تطلبه. على سبيل المثال، تنظر شركات التكنولوجيا المالية في كل شيء من مراجعات وسائل الإعلام الاجتماعية إلى استخدام الشركة لشركات اللوجستيات في إجراء تقييماتها. يختلف هذا الإقراض القائم على البيانات عن ذلك الذي تستخدمه البنوك التقليدية التي تستند قراراتها التمويلية بشكل عام على درجة ائتمان واحدة. علاوة على أن شركات التكنولوجيا المالية ومن خلال منصات التمويل الجماعي تضع المشروعات الصغيرة والمتناهية الصغر والمتوسطة ذات إمكانات النمو في اتصال مباشر مع مصادر التمويل المستعدة للاستثمار فيها.
فهل تحولت شركات التكنولوجيا المالية عن أهدافها الجميلة وسارت على نهج المصارف التقليدية لجني المزيد من الأرباح؟ خاصة تلكم الشركات التي تقف خلفها شركات كبرى في مجالات تقنية المعلومات والإعلام والتكنولوجيا وغيرها.
هذه الأسئلة وغيرها الكثير بحاجة إلى إجابات مقترنة بالبيانات والمعلومات والشواهد، فعلى سبيل المثال انطلقت شركات التكنولوجيا المالية في البحرين منذ عام 2018، ومازلنا نسمع يوميا عن شركات جديدة ليس آخرها الإعلان في الثاني من أكتوبر الجاري عن قيام شركة (The Family Office ) المتخصصة بإدارة الثروات في دول مجلس التعاون الخليجي بافتتاح قسما جديدا للتكنولوجيا المالية في البحرين( Fintech Lab)) ، وقبلها العديد من شركات التكنولوجيا المالية، لاسيما تلك التي ترعرعت في البيئة التجريبية للتكنولوجيا المالية وحظيت برعاية مصرف البحرين المركزي، فما هو أثر هذه الشركات، وبالذات المتخصصة في الإقراض والتمويل في نمو حجم تمويل ريادة الأعمال والشركات الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر عموما في المملكة؟ هذه الأسئلة وغيرها نأمل أن نجد لها إجابات رقمية، في منتدى مستقبل التكنولوجيا المالية 2030 الذي سيعقد في المدة من (10-12) أكتوبر2023 الجاري، برعاية مصرف البحرين المركزي، وبشراكة استراتيجية مع مجلس التنمية الاقتصادية، وبدعم خليج البحرين للتكنولوجيا المالية، وبالتعاون مع مؤسسة «إيكونوميست امباكت العالمية» وذلك بمركز البحرين الدولي للمعارض والمؤتمرات بالصخير، والذي يؤمل أن تتركز مناقشاته على ثلاثة محاور رئيسية تتعلق بالتشريع والاستثمار والابتكار.
{ أكاديمي وخبير اقتصادي
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك