العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

الهواجس الروسية والحرب الأوكرانية

بقلم: هاني عوكل

الأربعاء ٠٤ أكتوبر ٢٠٢٣ - 02:00

تؤكد‭ ‬روسيا‭ ‬يوماً‭ ‬بعد‭ ‬يوم‭ ‬مُضيّها‭ ‬في‭ ‬تحقيق‭ ‬تفوّق‭ ‬عسكري‭ ‬على‭ ‬أوكرانيا‭ ‬وخلفها‭ ‬التحالف‭ ‬الغربي،‭ ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬كلّفها‭ ‬ذلك‭ ‬كل‭ ‬خزينة‭ ‬الدولة‭ ‬وحتى‭ ‬الذهاب‭ ‬بآخر‭ ‬جندي‭ ‬روسي‭ ‬إلى‭ ‬أرض‭ ‬المعركة،‭ ‬والتلويح‭ ‬باستخدام‭ ‬السلاح‭ ‬النووي‭.‬

موسكو‭ ‬تعتبر‭ ‬الانتصار‭ ‬على‭ ‬أوكرانيا‭ ‬أولوية‭ ‬الأولويات‭ ‬وأهم‭ ‬تحدٍّ‭ ‬جيوستراتيجيّ‭ ‬قد‭ ‬يعيد‭ ‬صياغة‭ ‬المشهد‭ ‬السياسي‭ ‬والنفوذ‭ ‬في‭ ‬القارة‭ ‬الأوروبية‭ ‬على‭ ‬وجه‭ ‬الخصوص‭ ‬والدولي‭ ‬عموماً،‭ ‬وكذلك‭ ‬الحال‭ ‬بالنسبة‭ ‬للدول‭ ‬الأوروبية‭ ‬التي‭ ‬تخاف‭ ‬من‭ ‬الدب‭ ‬الروسي‭ ‬وتدفع‭ ‬باتجاه‭ ‬تكبير‭ ‬حلف‭ ‬‮«‬الناتو‮»‬‭ ‬وزيادة‭ ‬إنفاقها‭ ‬العسكري‭ ‬لدعم‭ ‬كييف‭.‬

غير‭ ‬أن‭ ‬روسيا‭ ‬تحتاج‭ ‬إلى‭ ‬موارد‭ ‬كثيرة‭ ‬وضخمة‭ ‬لتحقيق‭ ‬تفوق‭ ‬عسكري‭ ‬في‭ ‬صراع‭ ‬يبدو‭ ‬أنه‭ ‬طويل‭ ‬نسبياً،‭ ‬ويلحظ‭ ‬كذلك‭ ‬أنه‭ ‬التهم‭ ‬جزءاً‭ ‬كبيراً‭ ‬من‭ ‬موازنتها‭ ‬العامة،‭ ‬خلافاً‭ ‬لاعتقاد‭ ‬القيادتين‭ ‬السياسية‭ ‬والعسكرية‭ ‬أن‭ ‬عملية‭ ‬الحسم‭ ‬العسكري‭ ‬ربما‭ ‬لن‭ ‬تأخذ‭ ‬الوقت‭ ‬الطويل‭.‬

قبل‭ ‬سنوات‭ ‬تسبق‭ ‬حربها‭ ‬على‭ ‬أوكرانيا،‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬ميزانية‭ ‬الدفاع‭ ‬الروسية‭ ‬كبيرة‭ ‬ولم‭ ‬تحتل‭ ‬حتى‭ ‬المراتب‭ ‬الخمس‭ ‬الأولى‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬العالم،‭ ‬مع‭ ‬أنها‭ ‬الثانية‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬القوة‭ ‬العسكرية‭ ‬بعد‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬التي‭ ‬تخصص‭ ‬موازنة‭ ‬عسكرية‭ ‬ضخمة‭ ‬جداً‭ ‬تتجاوز‭ ‬750‭ ‬مليار‭ ‬دولار‭.‬

بسبب‭ ‬الحرب‭ ‬ورغبة‭ ‬في‭ ‬وقف‭ ‬تمدد‭ ‬حلف‭ ‬‮«‬الناتو‮»‬‭ ‬شرقاً‭ ‬نحو‭ ‬الحدود‭ ‬الروسية،‭ ‬تبدلت‭ ‬عقيدة‭ ‬الأخيرة‭ ‬ودفعت‭ ‬باتجاه‭ ‬تجديد‭ ‬سلاحها‭ ‬وإدخال‭ ‬أسلحة‭ ‬حديثة‭ ‬وأكثر‭ ‬تطوراً،‭ ‬يشمل‭ ‬ذلك‭ ‬بطبيعة‭ ‬الحال‭ ‬توفير‭ ‬غطاء‭ ‬سياسي‭ ‬ومادي‭ ‬لتمكين‭ ‬الماكينة‭ ‬الحربية‭ ‬الروسية‭.‬

غير‭ ‬أن‭ ‬تحديات‭ ‬كثيرة‭ ‬من‭ ‬شأنها‭ ‬أن‭ ‬تؤثر‭ ‬على‭ ‬روسيا‭ ‬سياسياً‭ ‬واقتصادياً‭ ‬وعسكرياً،‭ ‬خصوصاً‭ ‬إذا‭ ‬طال‭ ‬عمر‭ ‬الصراع‭ ‬مع‭ ‬أوكرانيا،‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الروسي‭ ‬ليس‭ ‬بالقوة‭ ‬الكافية‭ ‬التي‭ ‬تمكنه‭ ‬من‭ ‬تجاوز‭ ‬حرب‭ ‬مكلفة‭ ‬جداً‭ ‬وفي‭ ‬إطار‭ ‬اقتصاد‭ ‬عالمي‭ ‬غير‭ ‬مستقر‭ ‬ويعاني‭ ‬من‭ ‬الغلاء‭ ‬والتضخم‭.‬

مشكلة‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الروسي‭ ‬أنه‭ ‬يعتمد‭ ‬بشكل‭ ‬كبير‭ ‬على‭ ‬عائدات‭ ‬النفط‭ ‬والغاز،‭ ‬وكلما‭ ‬تأثرت‭ ‬أسعار‭ ‬المشتقات‭ ‬البترولية‭ ‬سلباً‭ ‬عانى‭ ‬وترنح‭ ‬هذا‭ ‬الاقتصاد،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬الحصار‭ ‬الغربي‭ ‬الذي‭ ‬تفرضه‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأميركية‭ ‬وأتباعها‭ ‬على‭ ‬موسكو‭.‬

في‭ ‬هذا‭ ‬السياق،‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬تحقيق‭ ‬تفوق‭ ‬عسكري‭ ‬سوى‭ ‬بإعادة‭ ‬النظر‭ ‬في‭ ‬موازنة‭ ‬الدفاع‭ ‬الروسية،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬تترجمه‭ ‬القيادة‭ ‬باستعدادها‭ ‬لزيادة‭ ‬الموازنة‭ ‬إلى‭ ‬نحو‭ ‬70%‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2024،‭ ‬لتصل‭ ‬إلى‭ ‬حوالي‭ ‬111‭ ‬مليار‭ ‬دولار،‭ ‬أي‭ ‬تقريباً‭ ‬ضعف‭ ‬موازنة‭ ‬الدفاع‭ ‬الروسية‭ ‬لعام‭ ‬2015‭.‬

مثل‭ ‬هذا‭ ‬الصرف‭ ‬الزائد‭ ‬على‭ ‬الإنفاق‭ ‬العسكري‭ ‬والجاهزية‭ ‬القتالية‭ ‬من‭ ‬شأنه‭ ‬فتح‭ ‬المجال‭ ‬أمام‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬التساؤلات‭ ‬عن‭ ‬الثمن‭ ‬الروسي‭ ‬المدفوع‭ ‬مقابل‭ ‬هذا‭ ‬التحول‭ ‬العسكري،‭ ‬وهل‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تنهار‭ ‬الدولة‭ ‬الروسية‭ ‬كما‭ ‬حصل‭ ‬في‭ ‬السابق‭ ‬خلال‭ ‬الحقبة‭ ‬السوفيتية‭ ‬وتفكك‭ ‬الاتحاد‭ ‬السوفيتي‭.‬

واحدة‭ ‬من‭ ‬أخطر‭ ‬المشكلات‭ ‬التي‭ ‬أدت‭ ‬إلى‭ ‬تفكك‭ ‬الاتحاد‭ ‬السوفيتي‭ ‬آنذاك‭ ‬تتعلق‭ ‬بالصرف‭ ‬الزائد‭ ‬على‭ ‬الإنفاق‭ ‬العسكري‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬الوضع‭ ‬الاجتماعي‭ ‬والاقتصادي‭ ‬في‭ ‬البلاد،‭ ‬ودعم‭ ‬الحلفاء‭ ‬بالسلاح‭ ‬الروسي‭ ‬وتقسيطه‭ ‬على‭ ‬شكل‭ ‬ديون‭ ‬لم‭ ‬تتحصل‭ ‬أغلب‭ ‬الوقت‭.‬

بالتأكيد‭ ‬أي‭ ‬زيادة‭ ‬في‭ ‬الموازنة‭ ‬الدفاعية‭ ‬الروسية‭ ‬ستكون‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬النفقات‭ ‬في‭ ‬قطاعات‭ ‬أخرى‭ ‬تتعلق‭ ‬بالتعليم‭ ‬والسياسة‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والرعاية‭ ‬الصحية،‭ ‬وهذا‭ ‬الأثر‭ ‬قد‭ ‬يشكل‭ ‬ضغطاً‭ ‬كبيراً‭ ‬على‭ ‬البيئة‭ ‬الداخلية‭ ‬ويجعل‭ ‬البلاد‭ ‬أمام‭ ‬صراع‭ ‬مع‭ ‬التحديات‭ ‬الخارجية‭ ‬والداخلية‭.‬

كذلك‭ ‬مسألة‭ ‬حماية‭ ‬ودمج‭ ‬المناطق‭ ‬الأوكرانية‭ ‬التي‭ ‬سيطرت‭ ‬عليها‭ ‬موسكو،‭ ‬مثل‭ ‬لوغانسك‭ ‬ودونيتسك‭ ‬وخيرسون‭ ‬وزابوريجيا،‭ ‬ستضيف‭ ‬أعباءً‭ ‬على‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الروسي،‭ ‬ناهيك‭ ‬عن‭ ‬تحديات‭ ‬تباطؤ‭ ‬الاقتصاد‭ ‬العالمي‭ ‬خلال‭ ‬العامين‭ ‬الحالي‭ ‬والمقبل‭.‬

حتى‭ ‬لا‭ ‬تقع‭ ‬روسيا‭ ‬في‭ ‬فخ‭ ‬الفشل‭ ‬من‭ ‬الداخل،‭ ‬تحتاج‭ ‬إلى‭ ‬تمكين‭ ‬اقتصادها‭ ‬بالطريقة‭ ‬التي‭ ‬تقلل‭ ‬فيها‭ ‬من‭ ‬الاعتماد‭ ‬على‭ ‬الواردات،‭ ‬والتوجه‭ ‬نحو‭ ‬تنويع‭ ‬الصناعات‭ ‬والاستثمار‭ ‬في‭ ‬القطاعات‭ ‬الصناعية‭ ‬التكنولوجية‭ ‬وفتح‭ ‬أسواق‭ ‬جديدة‭ ‬للسلع‭ ‬الروسية‭.‬

أيضاً‭ ‬تحتاج‭ ‬موسكو‭ ‬إلى‭ ‬إعادة‭ ‬النظر‭ ‬في‭ ‬طبيعة‭ ‬هذا‭ ‬الصراع‭ ‬مع‭ ‬أوكرانيا‭ ‬وفتح‭ ‬جبهات‭ ‬حرب‭ ‬بالوكالة‭ ‬في‭ ‬بؤر‭ ‬أخرى‭ ‬غير‭ ‬البؤرة‭ ‬الأوكرانية،‭ ‬حتى‭ ‬تعمل‭ ‬على‭ ‬نفس‭ ‬السياسة‭ ‬التي‭ ‬يعتمدها‭ ‬الغرب‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬استنزاف‭ ‬القدرات‭ ‬العسكرية‭ ‬والصناعية‭ ‬الروسية‭.‬

والأهم‭ ‬أن‭ ‬على‭ ‬القيادة‭ ‬الروسية‭ ‬أن‭ ‬تنظر‭ ‬بأهمية‭ ‬إلى‭ ‬العامل‭ ‬الداخلي‭ ‬على‭ ‬أنه‭ ‬عامل‭ ‬مساعد‭ ‬لتحقيق‭ ‬تفوق‭ ‬عسكري‭ ‬على‭ ‬الغرب،‭ ‬إذ‭ ‬من‭ ‬غير‭ ‬الطبيعي‭ ‬أن‭ ‬تفتح‭ ‬‮«‬ماسورة‮»‬‭ ‬الأموال‭ ‬على‭ ‬الإنفاق‭ ‬العسكري،‭ ‬بينما‭ ‬الشعب‭ ‬الروسي‭ ‬غير‭ ‬قادر‭ ‬على‭ ‬تأمين‭ ‬احتياجاته‭ ‬الأساسية‭.‬

لا‭ ‬أحد‭ ‬يعلم‭ ‬متى‭ ‬تنتهي‭ ‬هذه‭ ‬الحرب،‭ ‬وبالتأكيد‭ ‬ثمة‭ ‬كلف‭ ‬كثيرة‭ ‬تدفعها‭ ‬موسكو‭ ‬حالياً‭ ‬ولاحقاً،‭ ‬وهي‭ ‬كلف‭ ‬بحاجة‭ ‬إلى‭ ‬ميزان‭ ‬دقيق‭ ‬حتى‭ ‬تلبي‭ ‬الطلبين‭ ‬الداخلي‭ ‬والعسكري‭. ‬غير‭ ‬أنه‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬مساعدة‭ ‬دول‭ ‬عظمى،‭ ‬مثل‭ ‬الصين‭ ‬وحلفاء‭ ‬آخرين،‭ ‬من‭ ‬الصعب‭ ‬على‭ ‬روسيا‭ ‬الاستمرار‭ ‬الطويل‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬اللعبة‭ ‬التي‭ ‬تقف‭ ‬خلفها‭ ‬دول‭ ‬عظمى‭ ‬مثل‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭.‬

{ كاتب‭ ‬من‭ ‬فلسطين

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا