عالم يتغير
فوزية رشيد
حجر الأمنيات!
{ ونحن في هذه المرحلة الزمنية، نرى تسارع الأحداث بل وكارثية كثير منها، ما بين حروب (عسكرية وبيولوجية ومناخية)! وما بين أزمات وصراعات وتهديدات وحرائق ومجاعات! وما بين مخططات وهلوسات (مجانين في الظل) يحكمون من هم تحت الشمس! وما بين تنبؤات وتوقعات تزرع الخوف في قلوب الناس ممن يستمع إليها!
فإن الأمنيات في أية أزمة مما سبق تتقلّص إلى حدودها الطبيعية التي حدثنا بها الرسول الأعظم حينما قال: «من أصبح منكم آمنًا في سِربه، معافى في جسده، عنده قوت يومه، فكأنما حِيزت له الدنيا بحذافيرها» وهناك في العالم من لا يجد العافية أو القوت أو الأمن، وهؤلاء، يعرفون جيدًا قيمة النعمة بل والنِعم العظيمة التي حباها الله لأولئك المتنعمين وأغلبهم لا يشكرون!
{ الأساطير لدى بعض الشعوب وربما هي من الخرافات، تتحدث عن حجر يُسمى «حجر الأمنيات» لدى الحضارات القديمة، تم تناقلها ما بين حضارة الهند القديمة، وحضارة «المايا» القديمة، ومن يمسكه يحقق له كل أمنياته!
و«هوليوود» التي لا تفوّت الأساطير والخرافات إلا وحولتها إلى فيلم على الطريقة الهوليوودية، وضعت فيلمها (WONDER WOMEN 1984) حول أسطورة هذا الحجر «حجر الأمنيات» ليقع في يد شريّر مهووس بالسلطة والسيطرة على العالم! دون وضع أي حساب لتكلفة هوسه وأطماعه وجنونه، حتى يصل إلى حدّ «التدمير النووي» وكاد بالفعل أن يدمرّ العالم! ولعبته عبر (البث الفضائي) للعالم كله هو اللعب على أمنيات الأشخاص، وما أن تتحقق لهم الأمنيات، وقد تحوّل هو نفسه إلى «حجر الأمنيات» الذي تحطم بين يديه حتى تزداد قوته وسطوته وسيطرته! ومقابل تحقيق كل أمنية يأخذ منهم أيضًا في ذات الوقت الأشياء الحقيقية والجوهرية! حتى يأتيهم خطاب الكشف والحقيقة من المرأة المذهلةWONDER WOMEN» »، فتدعو سكان الأرض إلى التخليّ عن الأمنيات، لتعود الأمور إلى طبيعتها ويفقد الشرير قوته وسطوته ويتم إنقاذ العالم!
ولكأن «هوليوود» في فيلمها هذا تطرح كعادتها، ما يحدث أو سيحدث في العالم، وإن بشكل غير مباشر! هل ستذكرنا أفكار الفيلم بما نعيشه؟!
{ هي «قوى الظل»، أو قوى السيطرة المالية والسياسية وغيرها، التي تتحكم في البشر اليوم، عبر تحقيق التطوّر التكنولوجي الذي سلب العقول! حتى بات الإنترنت والهاتف الذكي وسرعة التواصل قد حققّ ما يعتقده البشر أنه أمنياتهم ولكنهم وقعوا تحت السيطرة والبرمجة!، وأخذت منهم كل الأشياء الحقيقية والجوهرية، كالحياة الطبيعية والحميمية الأسرية والاجتماعية والوقت وغير ذلك، وكلها ضاعت معًا، أو تقلصّت على أقل تقدير في العوالم الافتراضية والعلاقة مع الآلات!
{ العالم مليء بأمنيات البشر بعدد وجودهم! بل لكل فرد أمنيات مختلفة لا تنتهي مع العمر وليس مجرد أمنية واحدة! والكل يحلم بأن يِمتلك (حجر الأمنيات) حتى يحقق له ما يشاء! ولكن ماذا لو تحققت كل الأمنيات «الدنيوية» باختلاف منابعها وتوجهاتها، وفقد هؤلاء الصحة أو القوت أو الأمن؟! كل الأمنيات تصبح بلا قيمة وبلا معنى! أليس تلك الأمنيات هي التي يتدافع البشر إلى تحقيقها، وتتصارع الدول لإثبات مكانتها؟! أليست الأمنيات البشرية تدور أغلبها حول المال والثروة، وحول المكانة والوجاهة، وحول السيطرة والنفوذ بالنسبة إلى القوى الكبرى في العالم؟!
أليس من أجل تحقيقها يقع الأفراد في مطباّت الأنانية والشرّ والفساد وظلم الآخرين، وفي كل ما تفرزه النفس الإنسانية من شرور لتحقيق المصالح الدنيوية الموسومة بالطمع والجشع؟!
وبالنسبة إلى الدول الكبرى التي تحكمها مصالح «الشركات العولمية» بمختلف توجهاتها الرأسمالية أليست هي التي تبحث عن السيطرة والنفوذ والهيمنة، باعتبار ذلك «أقصى أمنياتها» حتى لو أدت أطماعها وأجندتها إلى تدمير الإنسان والطبيعة والأرض وإفساد الحياة الطبيعية في كل أطرها الإنسانية والاجتماعية والدينية والأخلاقية؟!
{ وفي الوقت الذي تعود فيه الأمنيات إلى حدودها العادية وقت الأزمات والمخاطر والكوارث، (لتعلو فوق كل شيء قيمة الصحة والأمن والحصول على القوت)! وتتقلص أمنيات الدول التي تتعرض مدنها إلى كوارث حقيقية وكبرى، في العمل بكل جهد لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من حياة! (فإنه يبدو أنه لا الأفراد ولا الجماعات ولا الدول تفقه فقه الحكمة في الطبيعة والحياة)! أو تأخذ دروسًا من تعاليم الخالق الذي خلق ووهب الحياة، لكي يعمرّ الإنسان في الأرض لا لكي يدمر! والتعمير ليس مقتصرًا على البناء المادي والإسمنتي، بل (التعمير الروحي والأخلاقي) فبدونهما تتحوّل الأمنيات إلى عامل تدمير وأنانية وجشع، وما يتوّلد عن ذلك من شرور! ومن دون التعمير الروحي والأخلاقي والديني، ينتشر الإفساد والفساد في كل أرجاء الأرض وهذا ما نراه اليوم، إلاّ من رحم ربيّ!
«حجر الأمنيات» وإن كان أسطورة، إلاّ أنه اليوم يسعى إليه الناس شعوبًا وقادة، ولكنه قد يتحوّل إلى لعنة على صاحبه إن أساء استخدامه، وهو المطبّ الذي يقع فيه الكثيرون، فيفقدون الأشياء الحقيقية والجوهرية وهم لا يشعرون! (وما الحياة الدنيا إلاّ متاع الغرور).
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك