القراء الأعزاء،
تؤكد الفقرة (أ) من المادة الخامسة من دستور مملكة البحرين أن الأسرة أساس المجتمع، قوامها الدين والأخلاق وحب الوطن، يحفظ القانون كيانها الشرعي، ويقوي أواصرها وقيمها، ويحمي في ظلها الأمومة والطفولة، ويرعى النشء، ويحميه من الاستغلال، ويقيه الإهمال الأدبي والجسماني والروحي.. الخ النص.
ولا شك بأن الأسرة تحظى بأهمية بالغة باعتبارها عنصرا أساسيا في تكوين المجتمع وبنائه، فهي تُمثّل اللبنة الأولى في نشأة المجتمعات، لذا ليس من المستغرب أن تكون من أهم العناصر التي تُشكّل المقومات الأساسية للمجتمع، ومن الملاحظ بشأنها أن الدستور قد أسبغ حماية على الأمومة والطفولة في ظل الأسرة مانحاً بذلك فئتين مهمتين من البشر حماية خاصة يقتضيها المركز القانوني الأضعف لتينك الفئتين وهما المرأة الأم والطفل، اللذين قد يقعان عرضة لانتهاك حقوقهم في محيط الأسرة ذاتها من خلال ممارسة العنف الأسري المادي، الجسدي، الاقتصادي، العاطفي وغيره من أنواع العنف التي قد لا نعلمها والتي تقع في هذا المحيط.
وقد أطلق الاتحاد النسائي البحريني مؤخرا حملة للمطالبة بتعديل مواد قانون الأسرة رقم 19 لسنة 2017 المتعلقة بالزواج والطلاق والنفقة والحضانة في الشقين السني والجعفري بما يُنصف المرأة ويُسهم في استقرار الأسرة، مع توحيد بعض بنود القانون في الشقين السني والجعفري بالأفضلية، وذلك بهدف حماية أفراد الأسرة جميعاً من أي ضرر أو ظلم قد يلحق بأحدهم في محيط مؤسسة الزواج أو حتى بعد انفصام عُرى الزوجية ولا سيما المرأة الأم والأطفال باعتبارهم أكثر المتضررين.
وحيث إن طبيعة حياة الأسرة في تغيّر مستمر، فبعد أن كانت مؤسسة الزواج مسؤولية مطلقة تقع على عاتق الرجل ربّ الأسرة، فهو الزوج وهو الذي يتحمل جميع المسؤوليات المتعلقة بالأسرة من إنفاق وتربية وقضاء حاجات أفرادها بكل تفاصيلها، أصبحت تقوم على الشراكة بين الزوجين بشكل متساوٍ، وفي هذه المرحلة بدأ يحدث الاختلال في توازن المسؤولية لدى كثير من الأسر بحيث انتقلت لتقع على عاتق المرأة، وتظهر تبعات ذلك عند انفصام عُرى الزوجية، حيث يكون الزوج قد اعتاد عدم حمل مسؤولية الانفاق والرعاية، وبالتالي تضيع حقوق الأبناء والأمهات، الأمر الذي يستوجب وجود قانون أسرة معاصر يُحقق الحماية للمرأة والأبناء.
وحيث إنه من المقرر أن تكون التشريعات مكمّلة لبعضها، فإنه قد أصبح من الضرورة بمكان مراجعة قانون الأسرة بما يحقق حماية الطفل ومصالحه الفُضلى التي لها الأولوية في جميع القرارات المتعلقة بالطفولة وفقاً لما نص عليه قانون الطفل البحريني، وما نصّت عليه الاتفاقيات الدولية ذات الصلة والتي انضمت إليها مملكة البحرين، (والتي أرى أن قانون الأسرة لا يتوافق معها)، كما يُحقق في الوقت ذاته المساواة وعدم التمييز بسبب الجنس والتي كفلها دستور مملكة البحرين كأهم ركيزة من مقومات المجتمع إذ تضمن له العدالة واستقرار كيانه القائم أساسا على المرأة والرجل، وبما يتفق مع تقدّم المرأة سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وثقافياً، ويُزيح عن كاهل النساء العالقات في أروقة المحاكم بين معلّقة تنتظر لحظة الخلاص بلا بصيص ضوء يُنبئ بحلولها، وبين متضررة شخصياً أو متضررة من وضع أطفالها وضيق الحال وقلة مبالغ النفقة التي يُحكم لهم بها، فالقانون يجب أن يوفر الحماية للمرأة والطفل إعمالاً للنص الدستوري سواء في ظل قيام الزوجية أو بعد انتهائها.
لذا.. تضامناً مع عدالة هذا الحراك الإنساني المهم الذي يستهدف حماية الأسرة والمرأة والطفل في دولة المؤسسات والقانون، نأمل أن تتعاون سلطات الدولة على إيجاد قانون أسرة مواكب للتطورات التي لحقت بالأسرة، ويوازي هذا القانون إعداد قضاة متخصصين في قضايا الأسرة يجمع كل منهم بين أصول العلوم الشرعية والفقهية وبين علوم القانون الوضعي بشقيه الموضوعي والاجرائي.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك