أتقدم لك بجزيل الشكر على خطابك المرسل إلى السيد رئيس التحرير، ردا على مقالي المنشور بتاريخ 16 سبتمبر 2023 تحت عنوان «التقدم في الخدمات الصحية... والتخلف في الكفاءات الطبية».
وعليه، أرجو أن أفيدكم ببعضٍ من المقولات الحكيمة، في معرض ردي على خطابكم.
المقولة الأولى هي للإمام علي بن أبي طالب، رضي الله عنه، إذ قال «تكلّموا تُعرَفُوا، فإنّ المرء مَخبوءٌ تحت لسانه»؛ وأما المقولة الثانية فهي للفيلسوف الإغريقي سقراط، الذي يذكر أنه رأى شخصا يختال أمامه بمظهر وملبس أنيق كي يجذب انتباهه، فقال له سقراط: «تكلّم حتّى أراك».
مقولتان في غاية الحكمة، تؤكدان أن الكلام هو واجهة العقل، وانعكاس لعمق شخصية صاحبه، ولا يمكن معرفة الإنسان من مظهره الذي هو أمر شكلي زائل، بل بما يتحدث به نوعًا وكمًا وأسلوبًا...
وانطلاقاً من هذه المأثورات التي هي جزء يسير من قيمنا وأخلاقياتنا العربية، أؤكد أنني من خلال كلامك المرسل إلى السيد رئيس تحرير الصحيفة تعرفت عليك وعلى شخصك، دون أن ألتقيك أو يكون بيننا معرفة سابقة...
فأرجو أن تتقبل مني هذا الرأي في خطابك، وما يليه من رد على مضمونه...
أولاً: إنه خطاب افتقر إلى قيم الحوار السليم، وإلى آداب المراسلات المهنية المتبادلة بهدف الإصلاح والتطوير، وافتقر إلى قيم الاحترام على المستوى الاجتماعي والمهني والعلمي، وخصوصاً إنه خطاب مفتوح أمام الصحافة.
ثانياً: لقد حمل خطابكم بين طياته وعباراته كما كبيرًا من الفوقية، وكأنكم كأطباء، أو إداريين في المستشفيات الحكومية، معصومين من الأخطاء، وأنكم فوق البشر، وإنه لا يحق لأي كائن من كان أن ينتقدكم؛ علمًا بإن الإنسان خطّاءٌ بطبيعته البشرية، وإنه لا عصمة لبني البشر، بل لله الواحد الأحد؛ وهذا ما يؤكده كتابنا المقدس، وسنن الأديان جميعا، وهذا ما يجب أن يقتنع به كل إنسان في جميع مناحي الحياة، الإنسانية والمهنية وغيرها، لنتمكن جميعا من القيام بمسؤولياتنا على أحسن وجه، ونكون عادلين ومنصفين في محاسبة المخطئين الذين لا يقومون بواجباتهم بأمانة.
وهنا نذكّر بأن الدولة قد سخّرت الميزانيات الضخمة لبناء وتشغيل المستشفيات ولتعليم وتدريب من فيها من كوادر طبية وإدارية كبيرة، لتكون في خدمة الوطن والمواطن، وليس العكس، وإن علوم الإدارة تؤكد أن الرؤساء والمديرين هم أول من يجب محاسبتهم عند حدوث أي فساد أو خسارة أو خطأ إداري أو فني في كل المؤسسات...
ثالثاً: تضمَّن الخطاب الكثير من المزايدة بالوطنية كمحاولة للترهيب، ولإسكاتنا عن قول الحق... وننتهز هذه الفرصة لنؤكد أن قيم حب الوطن والولاء والعطاء الوطني واجب علينا جميعا كمواطنين، لا نتباهى ولا نختال به أبداً، و(إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ(18 (سورة لقمان)... وهنا كمواطنة أفخر وأعتز بتاريخ بلادي، وبما نعيشه في مملكتنا الحبيبة من خير ورفاه بفضل سياسات الدولة وحكمة قائدها، وأرى من واجبي، وكحق من حقوقي، أن أؤكد لجميع المسؤولين القائمين على الشأن الصحي، أن مجمع السلمانية الطبي بحاجة إلى جهود جبارة لاستعادة ثقة المواطن فيه، وإلى أمانة وكفاءة العاملين فيه من الطواقم الطبية والعلاجية والإدارية، ناهيك عن وطنيتهم.
أما بخصوص المضمون فإن الخطاب برمته كان يعمل بمبدأ الهجوم من أجل الدفاع، وقد كررت أكثر من مرة أن ما جاء في مقالي المذكور لا أساس له من الصحة... وعليه سوف يكون ردي هنا هو تكرار ما جاء في مقالي السابق بهدف تأكيده... نعم «علينا أن نعزل مجمع السلمانية الطبي من هذه الإشادة الحقيقية بمرافقنا الصحية، بعد أن فقد المجمع الكثير من معاييره الصحية والطبية السليمة خلال السنوات الأخيرة، رغم أهمية هذا المجمع لقطاع كبير من السكان، ما دفع أعداد كبيرة من المواطنين إلى تجنب زيارته، خوفاً مما يحدث بداخله بدءا من الأخطاء الطبية، انتهاءً بالتمييز في المعاملة، إضافة إلى الفوضى في المواعيد وتدني مستويات النظافة على خلاف ما كان عليه سابقاً... وبقدر ما يعد شأن مجمع السلمانية أمراً مؤسفاً، إلا أنه يعد على درجة عالية من الخطورة لأنه مركز طبي رئيسي، يضم أهم المرافق الطبية العلاجية، وأكبر عدد من الأطباء الاستشاريين، وأكبر طاقم طبي بحريني (....) وإن هناك تراجعا كبيرا في الخدمات الطبية، وبالتحديد في كفاءة الكادر الطبي، وإنه رغم تزايد أعداد الأطباء البحرينيين خريجي مختلف الجامعات المحلية والإقليمية والعالمية، إلا أن هناك هزالا معرفيا وعلميا شديدا لدى أغلب الأطباء».
وأكتفي بهذا القدر من الكلام على أمل أن يلقى هذا الأمر اهتماما من جهات رسمية أعلى، وأكثر قدرة على الحوار، وأكثر تفهما واحتراما لدور الإعلام والصحافة في الانتقاد والإصلاح والتطوير... لنؤكد أن أهم أسباب تخلف دول العالم الثالث هو «وجود الشخص غير السليم في المكان غير السليم»، وإحلال معيار «الحظوة» مكان «الكفاءة» في التعيين...
ولا يفوتني مرة أخرى أن أعرب عن جزيل احترامي وتقديري للرعيل الأول من أطبائنا الذين كان، ولا يزال، لهم الدور الأكبر في بناء ورفع مستوى الصحة والوعي الصحي منذ بداية معركة بناء الدولة البحرينية ومؤسساتها، أولئك الذين عملوا بتفاني وإنكار الذات، وكانوا على درجة عالية من الثقافة التي عززت إنسانيتهم كأطباء أكفَاء.
وسيبقى للحديث بقية..
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك