عالم يتغير
فوزية رشيد
الكوارث والألم للأحياء!
{ مرّ ما يقارب الأسبوع على ما حلّ بالمغرب من زلزال، وما حلّ بليبيا من إعصار وفيضان ودمار سدّين! ولكن وحتى الآن فإن أبعاد الكارثة في ليبيا التي طغى عدد ضحاياها على ما حدث في المغرب! حتى وصل العدد في مدينة «درنة» الليبية وحدها، إلى أكثر من (عشرة آلاف قتيل) وجثث الضحايا لا تزال، لم يتم حصرها بالكامل، وحيث التوقع أن يصل إلى أكثر من (عشرين ألف قتيل!) نحسبهم عند الله بإذنه شهداء، فإن الذين بقوا أحياء في المناطق المنكوبة، هم اليوم الذين يعانون أشدّ المعاناة من نقص المياه وتلوثها، ونقص الغذاء، ودمار المأوى، حيث الشارع هو المأوى! إلى جانب نقص الرعاية الطبية بشكل إجمالي! وحيث الكارثة كشفت عن مدى اهتراء «البنية التحتية» في ليبيا، خاصة بعد ما طغى من صراعات مليشياوية، وانقسام سياسي بين سُلطة شرق ليبيا وسلطة غرب ليبيا! حتى لم يبق في وقت الساسة خلال السنوات الماضية من فراغ لبناء ما تهدّم، ولا تنسيق لإعادة اللحمة الوطنية في ليبيا! فالصراع طغى على كل شيء، والتدخلات الخارجية صيرت الساحة الليبية المنقسمة لمصالحها، والثمن هو معاناة الشعب الليبي نفسه، الذي جاءت كارثة الإعصار قبل أسبوع لتكشف كل المستور!
{ الذين رحلوا إلى رحمة الله قد رحلوا وتركوا المعاناة والألم للمنكوبين والمتعاطفين من الشعوب معهم، خاصة أن الحاجة الملحّة لسدّ الاحتياجات الضرورية، لم تحققّ بعد، فيما الجثث لا تزال تحت الركام وربما بعض الأحياء معهم! والبحر بدوره يلقي كل يوم بالعشرات والمئات منها على الشواطئ!
فيما رائحة الموت تطغى على المدن المنكوبة! وحيث طوفان تهدّم السدّين في «درنة» خاصة جرف معه البيوت والشوارع والأحياء والسكان، فإذا بكارثة «درنة» والمدن الساحلية المنكوبة تفوق في فجيعتها فجيعة المغرب وأهم مدنها «مراكش»، فلا يعرف من يراقب الحدثين كيف يوزع الألم والحزن بينهما!
{ أحد الليبيين ومثله مغربي كلاهما قال إنه (لولا الإيمان بالله وقضاؤه وقدره وتوسّل لطفه والتوكل عليه، لما كان بالإمكان تحمل ما حدث لأنه يفوق كل وصف وكل قدرة على التحمل)!
وهو بالفعل ما يجعل المؤمنين بالله وحدهم القادرين على التعامل مع الفواجع والكوارث بروح تتجاوز الحزن والألم والفقد والفجيعة، وفجاءة الحدث الذي يقلب الحياة إلى موت ودمار في لحظة! وزلزال المغرب على سبيل المثال لم يستغرق أكثر من «12 ثانية» فيما طوفان ليبيا وإعصاره استغرق ما يقارب «الساعتين» ليجرف كل ما وقع أمامه، ولتنقسم مدينة «درنة» التاريخية إلى قسمين، وما تبقى من بيوتها يحتاج إلى إعادة إعمار كامل، ومثلها المدن الأخرى!
{ من المهم مع المتغيرّات وفوضى المناخ، أن يُعاد النظر على مستوى المغرب العربي والبلاد العربية الواقعة على البحر، في أسلوب البناء والإعمار ليكون مقاومًا للزلازل وفيضان البحر وارتفاع منسوب مياهه! الذي حدث في المغرب وليبيا، لن يكون حدثًا يتيمًا بل قد يتكرر في كل المناطق الساحلية العربية، وتلك المعرضّة للزلازل! ولا يكفي اليوم تقديم المساعدة بعد حدوث الكوارث، وإنما الاستعداد لما سيحدث، خاصة في السنوات القادمة! وهذا يحتاج إلى تحرّك عربي، وتنسيق كامل في كيفية مواجهة الكوارث المتزايدة!
{ الصراعات السياسية في ليبيا آن أوان توقفها والتفكير في إنقاذ ليبيا الوطن والشعب الليبي، وتهيئة (البنية التحتية) لكي لا يتكررّ مع ما حدث من إهمال لسدود «درنة» التي كانت هشّة في أسلوب بنائها منذ البداية! ومن لطف الله أن ضرب الزلزال مناطق نائية في المغرب، وإلاّ كانت الكارثة أكبر بكثير!
وتكفي المشاهد المصوّرة التي توضح حجم معاناة فِرق الإنقاذ في الإنقاذ! وحجم معاناة «الناجين» بعد النجاة من افتقادهم لكل ما يبقيهم على قيد الحياة! حتى «المساعدات الأممية» أقل بكثير من المطلوب رغم أن الفاجعة إنسانية كبيرة على المستوى الدولي أو العالمي!
رحم الله كل من رحلوا عن الحياة في المغرب وليبيا بأثر الزلزال والإعصار والطوفان، لتبقى مسؤولية الناجين والأحياء مسؤولية الساسة المغاربة والليبيين، ومسؤولية عربية وإسلامية وأممية، نتمنى أن تشهد حراكًا لدى هؤلاء بما يتناسب مع حجم الحدث الكبير الذي أودى بأرواح الآلاف وترك خلفه المصابين والمنكوبين من الناجين! ولا حول ولا قوة إلا بالله.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك