العدد : ١٧٠٤٥ - الجمعة ٢٢ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٠ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٥ - الجمعة ٢٢ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٠ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

عالم يتغير

فوزية رشيد

الكوارث والألم للأحياء!

{‭ ‬مرّ‭ ‬ما‭ ‬يقارب‭ ‬الأسبوع‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬حلّ‭ ‬بالمغرب‭ ‬من‭ ‬زلزال،‭ ‬وما‭ ‬حلّ‭ ‬بليبيا‭ ‬من‭ ‬إعصار‭ ‬وفيضان‭ ‬ودمار‭ ‬سدّين‭! ‬ولكن‭ ‬وحتى‭ ‬الآن‭ ‬فإن‭ ‬أبعاد‭ ‬الكارثة‭ ‬في‭ ‬ليبيا‭ ‬التي‭ ‬طغى‭ ‬عدد‭ ‬ضحاياها‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬حدث‭ ‬في‭ ‬المغرب‭! ‬حتى‭ ‬وصل‭ ‬العدد‭ ‬في‭ ‬مدينة‭ ‬‮«‬درنة‮»‬‭ ‬الليبية‭ ‬وحدها،‭ ‬إلى‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ (‬عشرة‭ ‬آلاف‭ ‬قتيل‭) ‬وجثث‭ ‬الضحايا‭ ‬لا‭ ‬تزال،‭ ‬لم‭ ‬يتم‭ ‬حصرها‭ ‬بالكامل،‭ ‬وحيث‭ ‬التوقع‭ ‬أن‭ ‬يصل‭ ‬إلى‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ (‬عشرين‭ ‬ألف‭ ‬قتيل‭!) ‬نحسبهم‭ ‬عند‭ ‬الله‭ ‬بإذنه‭ ‬شهداء،‭ ‬فإن‭ ‬الذين‭ ‬بقوا‭ ‬أحياء‭ ‬في‭ ‬المناطق‭ ‬المنكوبة،‭ ‬هم‭ ‬اليوم‭ ‬الذين‭ ‬يعانون‭ ‬أشدّ‭ ‬المعاناة‭ ‬من‭ ‬نقص‭ ‬المياه‭ ‬وتلوثها،‭ ‬ونقص‭ ‬الغذاء،‭ ‬ودمار‭ ‬المأوى،‭ ‬حيث‭ ‬الشارع‭ ‬هو‭ ‬المأوى‭! ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬نقص‭ ‬الرعاية‭ ‬الطبية‭ ‬بشكل‭ ‬إجمالي‭! ‬وحيث‭ ‬الكارثة‭ ‬كشفت‭ ‬عن‭ ‬مدى‭ ‬اهتراء‭ ‬‮«‬البنية‭ ‬التحتية‮»‬‭ ‬في‭ ‬ليبيا،‭ ‬خاصة‭ ‬بعد‭ ‬ما‭ ‬طغى‭ ‬من‭ ‬صراعات‭ ‬مليشياوية،‭ ‬وانقسام‭ ‬سياسي‭ ‬بين‭ ‬سُلطة‭ ‬شرق‭ ‬ليبيا‭ ‬وسلطة‭ ‬غرب‭ ‬ليبيا‭! ‬حتى‭ ‬لم‭ ‬يبق‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬الساسة‭ ‬خلال‭ ‬السنوات‭ ‬الماضية‭ ‬من‭ ‬فراغ‭ ‬لبناء‭ ‬ما‭ ‬تهدّم،‭ ‬ولا‭ ‬تنسيق‭ ‬لإعادة‭ ‬اللحمة‭ ‬الوطنية‭ ‬في‭ ‬ليبيا‭! ‬فالصراع‭ ‬طغى‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬شيء،‭ ‬والتدخلات‭ ‬الخارجية‭ ‬صيرت‭ ‬الساحة‭ ‬الليبية‭ ‬المنقسمة‭ ‬لمصالحها،‭ ‬والثمن‭ ‬هو‭ ‬معاناة‭ ‬الشعب‭ ‬الليبي‭ ‬نفسه،‭ ‬الذي‭ ‬جاءت‭ ‬كارثة‭ ‬الإعصار‭ ‬قبل‭ ‬أسبوع‭ ‬لتكشف‭ ‬كل‭ ‬المستور‭!‬

{‭ ‬الذين‭ ‬رحلوا‭ ‬إلى‭ ‬رحمة‭ ‬الله‭ ‬قد‭ ‬رحلوا‭ ‬وتركوا‭ ‬المعاناة‭ ‬والألم‭ ‬للمنكوبين‭ ‬والمتعاطفين‭ ‬من‭ ‬الشعوب‭ ‬معهم،‭ ‬خاصة‭ ‬أن‭ ‬الحاجة‭ ‬الملحّة‭ ‬لسدّ‭ ‬الاحتياجات‭ ‬الضرورية،‭ ‬لم‭ ‬تحققّ‭ ‬بعد،‭ ‬فيما‭ ‬الجثث‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬تحت‭ ‬الركام‭ ‬وربما‭ ‬بعض‭ ‬الأحياء‭ ‬معهم‭! ‬والبحر‭ ‬بدوره‭ ‬يلقي‭ ‬كل‭ ‬يوم‭ ‬بالعشرات‭ ‬والمئات‭ ‬منها‭ ‬على‭ ‬الشواطئ‭!‬

فيما‭ ‬رائحة‭ ‬الموت‭ ‬تطغى‭ ‬على‭ ‬المدن‭ ‬المنكوبة‭! ‬وحيث‭ ‬طوفان‭ ‬تهدّم‭ ‬السدّين‭ ‬في‭ ‬‮«‬درنة‮»‬‭ ‬خاصة‭ ‬جرف‭ ‬معه‭ ‬البيوت‭ ‬والشوارع‭ ‬والأحياء‭ ‬والسكان،‭ ‬فإذا‭ ‬بكارثة‭ ‬‮«‬درنة‮»‬‭ ‬والمدن‭ ‬الساحلية‭ ‬المنكوبة‭ ‬تفوق‭ ‬في‭ ‬فجيعتها‭ ‬فجيعة‭ ‬المغرب‭ ‬وأهم‭ ‬مدنها‭ ‬‮«‬مراكش‮»‬،‭ ‬فلا‭ ‬يعرف‭ ‬من‭ ‬يراقب‭ ‬الحدثين‭ ‬كيف‭ ‬يوزع‭ ‬الألم‭ ‬والحزن‭ ‬بينهما‭!‬

{‭ ‬أحد‭ ‬الليبيين‭ ‬ومثله‭ ‬مغربي‭ ‬كلاهما‭ ‬قال‭ ‬إنه‭ (‬لولا‭ ‬الإيمان‭ ‬بالله‭ ‬وقضاؤه‭ ‬وقدره‭ ‬وتوسّل‭ ‬لطفه‭ ‬والتوكل‭ ‬عليه،‭ ‬لما‭ ‬كان‭ ‬بالإمكان‭ ‬تحمل‭ ‬ما‭ ‬حدث‭ ‬لأنه‭ ‬يفوق‭ ‬كل‭ ‬وصف‭ ‬وكل‭ ‬قدرة‭ ‬على‭ ‬التحمل‭)!‬

وهو‭ ‬بالفعل‭ ‬ما‭ ‬يجعل‭ ‬المؤمنين‭ ‬بالله‭ ‬وحدهم‭ ‬القادرين‭ ‬على‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬الفواجع‭ ‬والكوارث‭ ‬بروح‭ ‬تتجاوز‭ ‬الحزن‭ ‬والألم‭ ‬والفقد‭ ‬والفجيعة،‭ ‬وفجاءة‭ ‬الحدث‭ ‬الذي‭ ‬يقلب‭ ‬الحياة‭ ‬إلى‭ ‬موت‭ ‬ودمار‭ ‬في‭ ‬لحظة‭! ‬وزلزال‭ ‬المغرب‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭ ‬لم‭ ‬يستغرق‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬‮«‬12‭ ‬ثانية‮»‬‭ ‬فيما‭ ‬طوفان‭ ‬ليبيا‭ ‬وإعصاره‭ ‬استغرق‭ ‬ما‭ ‬يقارب‭ ‬‮«‬الساعتين‮»‬‭ ‬ليجرف‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬وقع‭ ‬أمامه،‭ ‬ولتنقسم‭ ‬مدينة‭ ‬‮«‬درنة‮»‬‭ ‬التاريخية‭ ‬إلى‭ ‬قسمين،‭ ‬وما‭ ‬تبقى‭ ‬من‭ ‬بيوتها‭ ‬يحتاج‭ ‬إلى‭ ‬إعادة‭ ‬إعمار‭ ‬كامل،‭ ‬ومثلها‭ ‬المدن‭ ‬الأخرى‭!‬

{‭ ‬من‭ ‬المهم‭ ‬مع‭ ‬المتغيرّات‭ ‬وفوضى‭ ‬المناخ،‭ ‬أن‭ ‬يُعاد‭ ‬النظر‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬المغرب‭ ‬العربي‭ ‬والبلاد‭ ‬العربية‭ ‬الواقعة‭ ‬على‭ ‬البحر،‭ ‬في‭ ‬أسلوب‭ ‬البناء‭ ‬والإعمار‭ ‬ليكون‭ ‬مقاومًا‭ ‬للزلازل‭ ‬وفيضان‭ ‬البحر‭ ‬وارتفاع‭ ‬منسوب‭ ‬مياهه‭! ‬الذي‭ ‬حدث‭ ‬في‭ ‬المغرب‭ ‬وليبيا،‭ ‬لن‭ ‬يكون‭ ‬حدثًا‭ ‬يتيمًا‭ ‬بل‭ ‬قد‭ ‬يتكرر‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬المناطق‭ ‬الساحلية‭ ‬العربية،‭ ‬وتلك‭ ‬المعرضّة‭ ‬للزلازل‭! ‬ولا‭ ‬يكفي‭ ‬اليوم‭ ‬تقديم‭ ‬المساعدة‭ ‬بعد‭ ‬حدوث‭ ‬الكوارث،‭ ‬وإنما‭ ‬الاستعداد‭ ‬لما‭ ‬سيحدث،‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬القادمة‭! ‬وهذا‭ ‬يحتاج‭ ‬إلى‭ ‬تحرّك‭ ‬عربي،‭ ‬وتنسيق‭ ‬كامل‭ ‬في‭ ‬كيفية‭ ‬مواجهة‭ ‬الكوارث‭ ‬المتزايدة‭!‬

{‭ ‬الصراعات‭ ‬السياسية‭ ‬في‭ ‬ليبيا‭ ‬آن‭ ‬أوان‭ ‬توقفها‭ ‬والتفكير‭ ‬في‭ ‬إنقاذ‭ ‬ليبيا‭ ‬الوطن‭ ‬والشعب‭ ‬الليبي،‭ ‬وتهيئة‭ (‬البنية‭ ‬التحتية‭) ‬لكي‭ ‬لا‭ ‬يتكررّ‭ ‬مع‭ ‬ما‭ ‬حدث‭ ‬من‭ ‬إهمال‭ ‬لسدود‭ ‬‮«‬درنة‮»‬‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬هشّة‭ ‬في‭ ‬أسلوب‭ ‬بنائها‭ ‬منذ‭ ‬البداية‭! ‬ومن‭ ‬لطف‭ ‬الله‭ ‬أن‭ ‬ضرب‭ ‬الزلزال‭ ‬مناطق‭ ‬نائية‭ ‬في‭ ‬المغرب،‭ ‬وإلاّ‭ ‬كانت‭ ‬الكارثة‭ ‬أكبر‭ ‬بكثير‭!‬

وتكفي‭ ‬المشاهد‭ ‬المصوّرة‭ ‬التي‭ ‬توضح‭ ‬حجم‭ ‬معاناة‭ ‬فِرق‭ ‬الإنقاذ‭ ‬في‭ ‬الإنقاذ‭! ‬وحجم‭ ‬معاناة‭ ‬‮«‬الناجين‮»‬‭ ‬بعد‭ ‬النجاة‭ ‬من‭ ‬افتقادهم‭ ‬لكل‭ ‬ما‭ ‬يبقيهم‭ ‬على‭ ‬قيد‭ ‬الحياة‭! ‬حتى‭ ‬‮«‬المساعدات‭ ‬الأممية‮»‬‭ ‬أقل‭ ‬بكثير‭ ‬من‭ ‬المطلوب‭ ‬رغم‭ ‬أن‭ ‬الفاجعة‭ ‬إنسانية‭ ‬كبيرة‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬الدولي‭ ‬أو‭ ‬العالمي‭!‬

رحم‭ ‬الله‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬رحلوا‭ ‬عن‭ ‬الحياة‭ ‬في‭ ‬المغرب‭ ‬وليبيا‭ ‬بأثر‭ ‬الزلزال‭ ‬والإعصار‭ ‬والطوفان،‭ ‬لتبقى‭ ‬مسؤولية‭ ‬الناجين‭ ‬والأحياء‭ ‬مسؤولية‭ ‬الساسة‭ ‬المغاربة‭ ‬والليبيين،‭ ‬ومسؤولية‭ ‬عربية‭ ‬وإسلامية‭ ‬وأممية،‭ ‬نتمنى‭ ‬أن‭ ‬تشهد‭ ‬حراكًا‭ ‬لدى‭ ‬هؤلاء‭ ‬بما‭ ‬يتناسب‭ ‬مع‭ ‬حجم‭ ‬الحدث‭ ‬الكبير‭ ‬الذي‭ ‬أودى‭ ‬بأرواح‭ ‬الآلاف‭ ‬وترك‭ ‬خلفه‭ ‬المصابين‭ ‬والمنكوبين‭ ‬من‭ ‬الناجين‭! ‬ولا‭ ‬حول‭ ‬ولا‭ ‬قوة‭ ‬إلا‭ ‬بالله‭.‬

إقرأ أيضا لـ"فوزية رشيد"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا