عالم يتغير
فوزية رشيد
«أشرف عامر» ورحيل القلوب الجميلة!
{ تُقاس قيمة الإنسان وأثره بقيمة ما يملكه من نقاء قلب وجمال روح، ومن عرف الشاعر الإنسان «أشرف عامر»، عرف معنى النقاء والنبل والجمال الروحي الذي يُشع بالحياة، ويزخر بالدفء والحميمية منذ أول لحظة يلقاه! تلك العفوية التي يُغدق بها على كل ما حوله، حتى تخال أن هذا القلب يسرح ويمرح، في طفولة أبدية لا تشيخ ولا تكبر مع الزمن! لكأن للحزن والأوجاع وآلام القلب فجوات تنتمي إلى عالم آخر، يقف هو متفرجًا عليها، رغم امتلائه بها!
{ «أشرف عامر» الذي رحل بدوره عن عالم الفناء إلى دار البقاء، أطلّ على البحرين في الثمانينيات، ليكون جزءًا من نبض هذا الشعب وحراكه الأدبي والثقافي، وكأنه لم يغادر مصر أم الدنيا، فدلمون وأهلها جزء من تلك الفسحة الدفيئة في قلب العروبة، فكان بين أدبائها وشعرائها وصحفييها أديبًا وشاعرًا وصحفيًّا «بحرينيًّا» أشرف على الصفحات الثقافية في «الأضواء» وفي «أخبار الخليج»، لم يبخل على أجوائها الثقافية أن يكون جزءًا أصيلاً فيها لسنوات سواء في أسرة الأدباء أو الملتقيات الثقافية بشكل عام، حتى «أشرف» يتم الإشارة إليه باعتباره الشاعر الذي احتوى في قلبه هموم البحرين وهواجسها وقضاياها، مثلما كان في مصر قبل مجيئه ثم عودته إليها، تاركًا خلفه ضباب المسافات والحدود، ليطلّ على كل الفواصل والفوارق الحدودية بضحكته الساخرة التي لا تتوقف قط ولا تنتهي! حتى حين التقيته بعد ذلك في القاهرة (وكيلاً لوزارة الثقافة) بقي كما هو.
{ صديق العائلة والأدباء والمثقفين جميعًا، لا حدود لإطلالة الروح على ما في الحياة من جماليات الصداقة والعِشرة والطيبة، فقلبه النبيل يحتفى بدهشة الطفل بكل ما هو جميل، وفي قلبه شغف دائم لمعرفة الأرواح التي تماثل روحه بشفافيتها وروعتها وجمالياتها، حتى لتكاد تنسى في ظل (ثنائية أشرف وأمل «زوجته») دروب أي حزن! لأنه سرعان ما يملأها بنكهة التعليقات الساخرة وقد دمجت عقل الفكر والفلسفة بدهشة وبراءة الطفل ونقائه، لتصدح الضحكات مرة تلو الأخرى، حتى يتحوّل جرح القلب (الذي فتحه جراحيًّا مرتين) وكأنه جرح شخص آخر، لم يعرف عصيان القلب الجميل على نزيفه! فهو القلب الأجمل الذي ينتصر دائمًا لروعة الحياة، ويبحث في مسالكها بأجمل القصائد وترنيمات الروح العميقة ومسارب الدهشة، من تلونات البشر وتقلبات الزمن، فتعود الضحكة مجلجلة وكأنه يقول: (لا بأس بما يحدث! فليحدث ما يحدث، فالحياة تبقى جميلة ما دمنا فيها)!
{ كم كان كل شيء فيك نبيلاً ورائعًا وجميلاً، وأنت تحتفي بترانيم النقاء في مقيدك، وبعشق ما يلوح في البعيد من ترحال الروح في عمق الحياة وبذهب القلب، الذي بقي مشعًا بضوئه النادر، ليسلك طريقه في العتمة وكأن لا عتمة! وفي الحزن وكأن لا حزن! وفي تأمل الحال العربي والإنساني وكأن لا فجائع تحيطنا بقلائدها السوداء ودروب المستحيل! وهي تحاول الدوس على طهارة وقدسية قلب عرف قيمة ما يجب معرفة قيمته، فلا شيء أهم من الإنسان والحفاظ على نقائه، مهما أراد السواد الطغيان عليه، فدائمًا يخرج منتصرًا، بهيًّا، لأن قلب الطفل لا يعرف غير فتنة البهاء! ويعرف جيدًا روح «أشرف عامر»!
{ ها أنت يا أجمل الأصدقاء رحلت إلى عالم رحل قبلك إليه قافلة من الأرواح الجميلة، وكل يوم يلتحق بها كل من سكنوا القلب بنقائهم وروعة آثارهم، ولمسة الشغف المقدس بالحياة حتى يعتقد من عرفك أنك عصّي على الرحيل!
ولكن ها أنت ترحل في خبر فجائي، ومن عرفك اعتقد أن مثل هذا القلب لا يرحل: هل يموت الجمال؟ هل يرحل النقاء؟!
هل يفارق الطفل حضن أمه الحياة؟! هل تغادر الزهرة رحيقها ورائحتها ولونها؟! هل تخلو الحياة من ضحكة أشرف الساخرة، التي يُشهرها في وجه كل ألم ووجع وحزن؟!
هل تغيب الفراشة عن حديقة زهورها، ورائحة الشمس الدفيئة في مسامها؟!
عشت نموذجًا كسريان النهر في أوردة الأرض، وستبقى نموذجًا تشبه نفسك وتشبه أرواح ذلك العالم الذي لا يغيب بهم وإن غابوا فيه!
رحمك الله بواسع رحمته و«إنا لله وإنا إليه راجعون».
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك