من واقع التجربة اليومية، تعد المرافق الصحية في مملكة البحرين من أكثر المرافق تقدماً ورقياً، بسياساتها وخدماتها ومواصفاتها المتقدمة، إضافة إلى مجانيتها، قياساً بخدمات المرافق الصحية في بعض من الدول الكبرى، حيث تتميز أغلب المراكز الصحية، المنتشرة على كامل مساحة المملكة، بتقديم أرقى الخدمات الصحية لكافة المواطنين والمقيمين، من الطفولة المبكرة إلى المسنين الذين تصل إليهم خدماتهم الصحية إلى منازلهم، علماً بأنها خدمات مجانية للمواطن، وبسعر رمزي للمقيم، أي هي خدمات بدون مقابل، بينما هناك دول عظمى، تتعالى على دولنا العالم ثالثية، تعيش في تراجع خطير في الشأن الصحي، الخدمي والطبي، المجاني، رغم ما يدفعه مواطنوهم من ضرائب باهظة طوال العمر مقابل الحصول على هذه الخدمات...
لربما علينا أن نستثني مجمع السلمانية الطبي من هذه الإشادة الحقيقية بمرافقنا الصحية، بعد أن فقد المجمع الكثير من معاييره الصحية والطبية السليمة خلال السنوات الأخيرة، رغم أهمية هذا المجمع لقطاع كبير من السكان، مما دفع أعداد كبيرة من المواطنين إلى تجنب زيارته، خوفاً مما يحدث بداخله من أخطاء طبية، إضافة إلى الفوضى في المواعيد وتدني مستويات النظافة على خلاف ما كان عليه سابقاً... وبقدر ما يعدّ شأن مجمع السلمانية أمراً مؤسفاً، فإنه يعد أمراً خطيراً لأنه مركز طبي رئيسي، يضم أهم المرافق الطبية العلاجية، وأكبر عدد من الأطباء الاستشاريين، وأكبر طاقم طبي بحريني.
والمؤسف ايضاً أنه بجانب تقدم الخدمات الصحية في البحرين، هناك تراجع كبير في الخدمات الطبية، وبالتحديد في الكادر البشري الطبي... وإنه رغم تزايد أعداد الأطباء البحرينيين خريجي مختلف الجامعات المحلية والإقليمية والعالمية، فإن هناك هزالا معرفيا وعلميا شديدا لدى أطبائنا، يمكن اكتشافه فيهم سواء وجدتهم في أروقة المستشفيات أو في مكاتبهم حيث يقومون بالتشخيص والعلاج، أو في أحاديثهم؛ والأكثر أسفاً أن هذا القصور المعرفي الطبي يشمل الأطباء الحديثي التخرج، والأطباء الاستشاريين، من الجيل الجديد، ولا يشمل هذا الأمر أولئك الكفاءات الطبية من الرعيلين الأول والثاني من البحرينيين الذي حققوا في فترات سابقة نسبة عالية من الاكتفاء الذاتي في مجال الطب البحريني، ونجحوا منذ ستينيات القرن العشرين في بناء سمعة طبية راقية للبحرين استمرت حتى نهاية تسعينيات القرن، وقد بدأت هذه السمعة في التراجع مع تراجع كفاءة القطاع الطبي... علماً أن الطب الفاشل في أي بلد هو دليل على سوء وفشل التعليم الأساسي الذي حصل عليه هذا الجيل، وهو أيضاً مؤشر على فشل العديد من المخرجات الأخرى، كالمهندس والمعلم والمحامي وغيرهم...
ولا تفوتنا هنا الإشارة إلى ظاهرة انتشرت خلال العقد الأخير في الجانب الصحي والطبي، وهي ظاهرة النقص الشديد في بعض الأدوية في الصيدليات، سواء كانت رخيصة أو غالية الثمن؛ وهي أدوية لأنواع من الأمراض الشائعة والنادرة، بمعنى أنها ليست أدوية من صنف واحد فقط، وهذا ما يزيد المشكلة تعقيداً.
ظاهرة نقص أو عدم توافر بعض الأدوية في البلاد لم تكن موجودة سابقاً؛ ولأول مرة يضطر بعض البحرينيين إلى الذهاب إلى دول الجوار لجلب أدويتهم شهرياً، أو إلى طلبها عبر النت... وإلى حد هذا اليوم لم يخرج بيان رسمي واحد يفسر سبب هذه الظاهرة الجديدة التي لم تكن موجودة سابقاً، ولماذا نضطر إلى جلب أدويتنا من الخارج، بعد أن كانت البحرين هي مقصد دول الخليج للدواء والعلاج.
إننا إذ نتحدث عن مواطن القصور في بلادنا عبر الصحافة فإن ذلك بدافع الإصلاح، والتقدم، ولفت الانتباه لتجنب التراجع الذي بدا ملحوظاً في الأداء العام؛ وعليه ننتظر دائماً أن يُفسر لنا المسؤولون أسباب بعض الأخطاء التي تحدث دائماً في مسيرة العمل والدولة؛ وننتظر من الأطراف الحكومية الجواب والتفسير والسعي للتغيير، ولا ننتظر رداً بإنكار وجود الأخطاء والسلبيات التي نلمسها كمواطنين، ونعيشها في حياتنا اليومية بين أروقة وجدران مؤسساتنا الوطنية، المستشفيات والمدارس والوزارات الخدمية وغيرها.
وللحديث بقية..
مي زيادة
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك